الرسم العثمانيأَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ
الـرسـم الإمـلائـياَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَـكَ صَدۡرَكَۙ
تفسير ميسر:
ألم نوسع -أيها النبي- لك صدرك لشرائع الدين، والدعوة إلى الله، والاتصاف بمكارم الأخلاق، وحططنا عنك بذلك حِمْلك الذي أثقل ظهرك، وجعلناك -بما أنعمنا عليك من المكارم- في منزلة رفيعة عالية؟
يقول تعالى "ألم نشرح لك صدرك" يعني أما شرحنا لك صدرك أي نورناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا كقوله "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام" وكما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحا واسعا سهلا لا حرج فيه ولا إصر ولا ضيق. وقيل المراد بقوله "ألم نشرح لك صدرك" شرح صدره ليلة الإسراء كما تقدم من رواية مالك بن صعصعه وقد أورده الترمذي ههنا وهذا إن كان واقعا ليلة الإسراء كما رواه مالك بن صعصعة ولكن لا منافاة فإن من جملة شرح صدره الذي فعل بصدره ليلة الإسراء وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضا فالله أعلم. قال عبدالله بن الإمام أحمد حدثني محمد بن عبدالرحيم أبو يحيى الفزاز حدثنا يونس بن محمد حدثنا معاذ ابن محمد بن أبي بن كعب حدثني أبو محمد بن معاذ عن محمد عن أبي بن كعب أن أبا هريرة كان جريئا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ما أول ما رأيت من أمر النبوة؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وقال "لقد سألت يا أبا هريرة إني في الصحراء ابن عشر سنين وأشهر وإذا بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل أهو هو؟ فاستقبلاني بوجوه لم أرها قط وأرواح لم أجدها من خلق قط وثياب لم أرها على أحد قط فأقبلا إلي يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي لا أجد لأحدهما مسا فقال أحدهما لصاحبه أضجعه فأضجعاني بلا قصر ولا هصر فقال أحدهما لصاحبه افلق صدره فهوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع فقال له أخرج الغل والحسد فأخرج شيئا كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها فقال له أدخل الرأفة والرحمة فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة ثم هز إبهام رجلي اليمنى فقال أعد واسلم فرجعت بها أعدو رقة على الصغير ورحمة للكبير".
سورة ألم نشرحمكية في قول الجميع . وهي ثماني آياتبسم الله الرحمن الرحيمألم نشرح لك صدرك شرح الصدر ; فتحه أي ألم نفتح صدرك للإسلام . وروى أبو صالح عن ابن عباس قال ; ألم نلين لك قلبك . وروى الضحاك عن ابن عباس قال ; قالوا يا رسول الله ، أينشرح الصدر ؟ قال ; " نعم وينفسح " . قالوا ; يا رسول الله ، وهل لذلك علامة ؟ قال ; " نعم التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاعتداد للموت ، قبل نزول الموت " . وقد مضى هذا المعنى في ( الزمر ) عند قوله تعالى ; أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه . وروي عن الحسن قال ; ألم نشرح لك صدرك قال ; ملئ حكما وعلما .وفي الصحيح عن أنس بن مالك ، عن مالك بن صعصعة - رجل من قومه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ; " فبينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلا يقول ; أحد الثلاثة فأتيت بطست من ذهب ، فيها ماء زمزم ، فشرح صدري إلى كذا وكذا " قال قتادة قلت ; ما يعني ؟ قال ; إلى أسفل بطني ، قال ; " فاستخرج قلبي ، فغسل قلبي بماء زمزم ، ثم أعيد مكانه ، ثم حشي إيمانا وحكمة " . وفي الحديث قصة .وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ; ( جاءني ملكان في صورة طائر ، [ ص; 93 ] معهما ماء وثلج ، فشرح أحدهما صدري ، وفتح الآخر بمنقاره فيه فغسله ) . وفي حديث آخر قال ; " جاءني ملك فشق عن قلبي ، فاستخرج منه عذرة ، وقال ; قلبك وكيع ، وعيناك بصيرتان ، وأذناك سميعتان ، أنت محمد رسول الله ، لسانك صادق ، ونفسك مطمئنة ، وخلقك قثم ، وأنت قيم " . قال أهل اللغة ; قوله " وكيع " أي يحفظ ما يوضع فيه . يقال ; سقاء وكيع أي قوي يحفظ ما يوضع فيه . واستوكعت معدته ، أي قويت وقوله ; " قثم " أي جامع . يقال ; رجل قثوم للخير أي جامع له . ومعنى ألم نشرح قد شرحنا الدليل على ذلك قوله في النسق عليه ; ووضعنا عنك وزرك ، فهذا عطف على التأويل ، لا على التنزيل ; لأنه لو كان على التنزيل لقال ; ونضع عنك وزرك . فدل هذا على أن معنى ألم نشرح ; قد شرحنا . و ( لم ) جحد ، وفي الاستفهام طرف من الجحد ، وإذا وقع جحد ، رجع إلى التحقيق كقوله تعالى ; أليس الله بأحكم الحاكمين . ومعناه ; الله أحكم الحاكمين . وكذا أليس الله بكاف عبده . ومثله قول جرير يمدح عبد الملك بن مروان ;ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راحالمعنى ; أنتم كذا .
القول في تأويل قوله تعالى ; أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مذكِّره آلاءه عنده، وإحسانه إليه، حاضا له بذلك على شكره، على ما أنعم عليه، ليستوجب بذلك المزيد منه; ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ ) يا محمد، للهدى والإيمان بالله ومعرفة الحقّ ( صَدْرَكَ ) فنلِّين لك قلبك، ونجعله وعاء للحكمة .
يقول تعالى -ممتنًا على رسوله-: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } أي: نوسعه لشرائع الدين والدعوة إلى الله، والاتصاف بمكارم الأخلاق، والإقبال على الآخرة، وتسهيل الخيرات فلم يكن ضيقًا حرجًا، لا يكاد ينقاد لخير، ولا تكاد تجده منبسطًا.
(الهمزة) للاستفهام التقريريّ
(لك) متعلّق بـ (نشرح) ،
(عنك) متعلّق بـ (وضعنا) ،
(الذي) موصول في محلّ نصب نعت لوزرك
(لك) متعلّق بـ (رفعنا) .
جملة: «ألم نشرح ... » لا محلّ لها ابتدائيّة.
وجملة: «وضعنا ... » لا محلّ لها معطوفة على الابتدائيّة.
وجملة: «أنقض ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذي) وجملة: «رفعنا ... » لا محلّ لها معطوفة على الابتدائيّة.
- القرآن الكريم - الشرح٩٤ :١
Asy-Syarh94:1