الرسم العثمانيوَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ۖ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِى طُغْيٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ
الـرسـم الإمـلائـيوَلَوۡ يُعَجِّلُ اللّٰهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسۡتِعۡجَالَهُمۡ بِالۡخَيۡرِ لَـقُضِىَ اِلَيۡهِمۡ اَجَلُهُمۡؕ فَنَذَرُ الَّذِيۡنَ لَا يَرۡجُوۡنَ لِقَآءَنَا فِىۡ طُغۡيَانِهِمۡ يَعۡمَهُوۡنَ
تفسير ميسر:
ولو يعجِّل الله للناس إجابة دعائهم في الشر كاستعجاله لهم في الخير بالإجابة لهلكوا، فنترك الذين لا يخافون عقابنا، ولا يوقنون بالبعث والنشور في تمرُّدهم وعتوِّهم، يترددون حائرين.
يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم وأنه يعلم منهم عدم القصد بالشر إلى إرادة ذلك فلهذا لا يستجيب لهم والحالة هذه لطفا ورحمة كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم أو لأموالهم أو لأولادهم بالخير والبركة والنماء ولهذا قال "ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم" الآية أي لو استجاب لهم كل ما دعوه به في ذلك لأهلكهم ولكن لا ينبغي الإكثار من ذلك كما جاء في الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده; حدثنا محمد بن معمر حدثنا يعقوب بن محمد حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو جزرة عن عبادة بن الوليد حدثنا جابر قال; قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "لا تدعوا على أنفسكم لا تدعوا على أولادكم لا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم" ورواه أبو داود من حديث حاتم بن إسماعيل به. وقال البزار وتفرد به عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت الأنصاري لم يشاركه أحد فيه وهذا كقوله تعالى "ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير" الآية. وقال مجاهد في تفسير هذه الآية "ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير" الآية هو قول الإنسان لولده أو ماله إذا غضب عليه; اللهم لا تبارك فيه والعنه. فلو يعجل لهم الاستجابة في ذلك كما يستجاب لهم في الخير لأهلكهم.
قوله تعالى ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم [ ص; 230 ] فيه ثلاث مسائل ;الأولى ; قوله تعالى ولو يعجل الله للناس الشر قيل ; معناه ولو عجل الله للناس العقوبة كما يستعجلون الثواب والخير لماتوا ؛ لأنهم خلقوا في الدنيا خلقا ضعيفا ، وليس هم كذا يوم القيامة ; لأنهم يوم القيامة يخلقون للبقاء . وقيل ; المعنى لو فعل الله مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله معهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم ; وهو معنى لقضي إليهم أجلهم . وقيل ; إنه خاص بالكافر ; أي ولو يعجل الله للكافر العذاب على كفره كما عجل له خير الدنيا من المال والولد لعجل له قضاء أجله ليتعجل عذاب الآخرة ; قال ابن إسحاق . مقاتل ; هو قول النضر بن الحارث ; اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ; فلو عجل لهم هذا لهلكوا . وقال مجاهد ; نزلت في الرجل يدعو على نفسه أو ماله أو ولده إذا غضب ; اللهم أهلكه ، اللهم لا تبارك له فيه والعنه ، أو نحو هذا ; فلو استجيب ذلك منه كما يستجاب الخير لقضي إليهم أجلهم . فالآية نزلت ذامة لخلق ذميم هو في بعض الناس يدعون في الخير فيريدون تعجيل الإجابة ثم يحملهم أحيانا سوء الخلق على الدعاء في الشر ; فلو عجل لهم لهلكوا .الثانية ; واختلف في إجابة هذا الدعاء ; فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ; إني سألت الله عز وجل ألا يستجيب دعاء حبيب على حبيبه . وقال شهر بن حوشب ; قرأت في بعض الكتب أن الله تعالى يقول للملائكة الموكلين بالعبد ; لا تكتبوا على عبدي في حال ضجره شيئا ; لطفا من الله تعالى عليه . قال بعضهم ; وقد يستجاب ذلك الدعاء ، واحتج بحديث جابر الذي رواه مسلم في صحيحه آخر الكتاب ، قال جابر ; سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بطن بواط وهو يطلب المجدي بن عمرو الجهني وكان الناضح يعتقبه منا الخمسة والستة والسبعة ، فدارت عقبة رجل من الأنصار على ناضح له فأناخه فركب ، ثم بعثه فتلدن عليه بعض التلدن ; فقال له ; شأ ; لعنك الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; من هذا اللاعن بعيره ؟ قال ; أنا يا رسول الله ; قال ; انزل عنه فلا تصحبنا بملعون لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم . [ ص; 231 ] في غير كتاب مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فلعن رجل ناقته فقال ; أين الذي لعن ناقته ؟ فقال الرجل ; أنا هذا يا رسول الله ; فقال ; أخرها عنك فقد أجبت فيها ذكره الحليمي في منهاج الدين . " شأ " يروى بالسين والشين ، وهو زجر للبعير بمعنى سر .الثالثة ; قوله تعالى ; ولو يعجل الله قال العلماء ; التعجيل من الله ، والاستعجال من العبد . وقال أبو علي ; هما من الله ; وفي الكلام حذف ; أي ولو يعجل الله للناس الشر تعجيلا مثل استعجالهم بالخير ، ثم حذف تعجيلا وأقام صفته مقامه ، ثم حذف صفته وأقام المضاف إليه مقامه ; هذا مذهب الخليل وسيبويه . وعلى قول الأخفش والفراء كاستعجالهم ، ثم حذف الكاف ونصب . قال الفراء ; كما تقول ضربت زيدا ضربك ، أي كضربك . وقرأ ابن عامر لقضى إليهم أجلهم . وهي قراءة حسنة ; لأنه متصل بقوله ; ولو يعجل الله للناس الشر .فنذر الذين لا يرجون لقاءنا أي لا يعجل لهم الشر فربما يتوب منهم تائب ، أو يخرج من أصلابهم مؤمن .في طغيانهم يعمهون أي يتحيرون . والطغيان ; العلو والارتفاع ; وقد تقدم في " البقرة " . وقد قيل ; إن المراد بهذه الآية أهل مكة ، وإنها نزلت حين قالوا ; اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية ، على ما تقدم والله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)قال أبو جعفر ; يقول تعالى ذكره; ولو يعجل الله للناس إجابةَ دعائهم في الشرّ ، وذلك فيما عليهم مضرّة في نفس أو مال ، (استعجالهم بالخير) ، يقول; كاستعجاله لهم في الخير بالإجابة إذا دعوه به ، (لقضي إليهم أجلهم)، يقول; لهلكوا ، وعُجِّل لهم الموت، وهو الأجل. (21)* * *وعني بقوله; (لقضي) ، لفرغ إليهم من أجلهم ، (22) ونُبذ إليهم، (23) كما قال أبو ذؤيب;وَعَلَيْهِمَــا مَسْــرُودَتَانِ قَضَاهُمَــادَاوُدُ , أَوْ صَنَــعُ السَّــوَابِغِ تُبَّــعُ (24)* * *، (فنذر الذين لا يرجون لقاءنا)، يقول;فندع الذين لا يخافون عقابنا ، ولا يوقنون بالبعث ولا بالنشور، (25) ، (في طغيانهم) ، يقول; في تمرّدهم وعتوّهم، (26) (يعمهون) يعني; يترددون. (27)وإنما أخبر جل ثناؤه عن هؤلاء الكفرة بالبعث بما أخبر به عنهم ، من طغيانهم وترددهم فيه عند تعجيله إجابة دعائهم في الشرّ لو استجاب لهم ، أن ذلك كان يدعوهم إلى التقرُّب إلى الوثن الذي يشرك به أحدهم، أو يضيف ذلك إلى أنه من فعله.* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;17572- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله; (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال; قولُ الإنسان إذا غضب لولده وماله; " لا باركَ الله فيه ولعنه "!17573- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال; قولُ الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه; " اللهم لا تبارك فيه والعنه "! فلو يعجّل الله الاستجابة لهم في ذلك، كما يستجاب في الخير لأهلكهم.17574- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله; (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال; قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه; " اللهم لا تبارك فيه والعنه " ، (لقضي إليهم أجلهم) قال; لأهلك من دعا عليه ولأماته.17575- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله; (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال; قول الرجل لولده إذا غضب عليه أو ماله; " اللهم لا تبارك فيه والعنه "! قال الله; (لقضي إليهم أجلهم) ، قال; لأهلك من دعا عليه ولأماته. قال; (فنذر الذين لا يرجون لقاءنا) ، قال يقول; لا نهلك أهل الشرك، ولكن نذرهم في طغيانهم يعمهون.17576- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قوله; (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال; هو دعاء الرجل على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له.17577- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; (لقضي إليهم أجلهم) ، قال; لأهلكناهم. وقرأ; مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ، [سورة فاطر; 45] . قال; يهلكهم كلهم.* * *ونصب قوله ; (استعجالهم) ، بوقوع (يعجل) عليه، كقول القائل; " قمت اليوم قيامَك " بمعنى ; قمت كقيامك، وليس بمصدّرٍ من (يعجل)، لأنه لو كان مصدّرًا لم يحسن دخول " الكاف " ، أعني كاف التشبيه ، فيه. (28)* * *واختلفت القراء في قراءة قوله; (لقضي إليهم أجلهم) .فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والعراق; ( لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ )، على وجه ما لم يسمَّ فاعله ، بضم القاف من " قضي"، ورفع " الأجل ".* * *وقرأ عامة أهل الشأم; ( لَقَضَى إِلَيْهِمْ أَجَلَهُمْ ) ، بمعنى; لقضى الله إليهم أجلهم.* * *قال أبو جعفر; وهما قراءتان متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أني أقرؤه على وجه ما لم يسمَّ فاعله، لأن عليه أكثر القراء.---------------------الهوامش ;(21) انظر تفسير " الأجل " فيما سلف 13 ; 290 ، تعليق ; 6 ، والمراجع هناك .(22) انظر تفسير " قضى " فيما سلف 13 ; 290 ، تعليق ; 6 ، والمراجع هناك .(23) في المطبوعة ; " وتبدى لهم " ، غير ما في المخطوطة إذ لم يحسن قراءته .(24) سلف البيت وتخريجه وشرحه 2 ; 542 .(25) انظر تفسير " يذر " فيما سلف من فهارس اللغة ( وذر ) .، وتفسير " الرجاء " فيما سلف ص ; 26 ، تعليق ; 3 ، والمراجع هناك .(26) انظر تفسير " الطغيان " فيما سلف 13 ; 291 ، تعليق ; 2 ، والمراجع هناك .(27) انظر تفسير " العمه " فيما سلف 13 ; 291 ، تعليق ; 2 ، والمراجع هناك .(28) انظر معاني القرآن للفراء 1 ; 458 .
وهذا من لطفه وإحسانه بعباده، أنه لو عجل لهم الشر إذا أتوا بأسبابه، وبادرهم بالعقوبة على ذلك، كما يعجل لهم الخير إذا أتوا بأسبابه {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} أي: لمحقتهم العقوبة، ولكنه تعالى يمهلهم ولا يهملهم، ويعفو عن كثير من حقوقه، فلو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة. ويدخل في هذا، أن العبد إذا غضب على أولاده أو أهله أو ماله، ربما دعا عليهم دعوة لو قبلت منه لهلكوا، ولأضره ذلك غاية الضرر، ولكنه تعالى حليم حكيم. وقوله: {فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} أي: لا يؤمنون بالآخرة، فلذلك لا يستعدون لها، ولا يعلمون ما ينجيهم من عذاب الله، {فِي طُغْيَانِهِمْ} أي: باطلهم، الذي جاوزوا به الحق والحد. {يَعْمَهُونَ} يترددون حائرين، لا يهتدون السبيل، ولا يوفقون لأقوم دليل، وذلك عقوبة لهم على ظلمهم، وكفرهم بآيات الله.
(الواو) استئنافيّة
(لو) حرف شرط غير جازم
(يعجّل) مضارع مرفوع
(اللَّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(للناس) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يعجّل) ،
(الشرّ) مفعول به منصوبـ (استعجالهم) منصوب على نزع الخافض أي: كاستعجالهم.. و (هم) مضاف إليه
(بالخير) جارّ ومجرور حال من المفعول المقدّر للمصدر استعجال أي استعجالهم الأمور بالخير ،
(اللام) واقعة في جواب لو (قضي) فعل ماض مبنيّ للمجهولـ (إلى) حرف جرّ و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (قضي) ،
(أجل) نائب الفاعل مرفوع و (هم) مضاف إليه
(الفاء) عاطفة
(نذر) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن للتعظيم
(الذين) موصول مبنيّ في محل نصب مفعول به
(لا يرجون لقاءنا) مرّ إعرابها، في(طغيان) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يعمهون) ، و (هم) مثل الأخير
(يعمهون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.
جملة: «يعجّل اللَّه ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «قضي إليهم أجلهم ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «نذر ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة مقدّرة مستأنفة فيها استدراك لما سبق أي: لو يعجّل اللَّه الشرّ للناس لأهلكهم، لكننا نمهلهم فنذر.. ففي الكلام التفات.وجملة: «لا يرجون» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «يعمهون» في محلّ نصب حال .
- القرآن الكريم - يونس١٠ :١١
Yunus10:11