الرسم العثمانيوَمَا كَانَ هٰذَا الْقُرْءَانُ أَن يُفْتَرٰى مِن دُونِ اللَّهِ وَلٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتٰبِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعٰلَمِينَ
الـرسـم الإمـلائـيوَمَا كَانَ هٰذَا الۡقُرۡاٰنُ اَنۡ يُّفۡتَـرٰى مِنۡ دُوۡنِ اللّٰهِ وَلٰـكِنۡ تَصۡدِيۡقَ الَّذِىۡ بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيۡلَ الۡكِتٰبِ لَا رَيۡبَ فِيۡهِ مِنۡ رَّبِّ الۡعٰلَمِيۡنَ
تفسير ميسر:
وما كان يتهيَّأ لأحد أن يأتي بهذا القرآن مِن عند غير الله، لأنه لا يقدر على ذلك أحد من الخلق، ولكن الله أنزله مصدِّقا للكتب التي أنزلها على أنبيائه؛ لأن دين الله واحد، وفي هذا القرآن بيان وتفصيل لما شرعه الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، لا شك في أن هذا القرآن موحىً من رب العالمين.
هذا بيان لإعجاز القرآن وأنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله ولا بعشر سور ولا بسورة من مثله لأنه بفصاحته وبلاغته ووجازته وحلاوته واشتماله على المعاني العزيزة الغزيرة النافعة في الدنيا والآخرة لا يكون إلا من عند الله الذي لا يشبهه شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وأقواله فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين ولهذا قال تعالى "وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله " أي مثل هذا القرآن لا يكون إلا من عند الله ولا يشبه هذا كلام البشر "ولكن تصديق الذي بين يديه" أي من الكتب المتقدمة ومهيمنا عليه ومبينا لما وقع فيها من التحريف والتأويل والتبديل وقوله "وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين" أي وبيان الأحكام والحلال والحرام بيانا شافيا كافيا حقا لا مرية فيه من الله رب العالمين كما تقدم في حديث الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وفصل ما بينكم أي خبر عما سلف وعما سيأتي وحكم فيما بين الناس بالشرع الذي يحبه الله ويرضاه.
قوله تعالى وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمينقوله تعالى وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله أن مع يفترى مصدر ، والمعنى ; وما كان هذا القرآن افتراء ; كما تقول ; فلان يحب أن يركب ، أي يحب الركوب ، قاله الكسائي . وقال الفراء ; المعنى وما ينبغي لهذا القرآن أن يفترى ; كقوله ; وما كان لنبي أن يغل وما كان المؤمنون لينفروا كافة . وقيل ; أن بمعنى اللام ، تقديره ; وما كان هذا القرآن ليفترى . وقيل ; بمعنى لا ، أي لا يفترى . وقيل ; المعنى ما كان يتهيأ لأحد أن يأتي بمثل هذا القرآن من عند غير الله ثم ينسبه إلى الله تعالى لإعجازه ; لوصفه ومعانيه وتأليفه .ولكن تصديق الذي بين يديه قال الكسائي والفراء ومحمد بن سعدان ; التقدير ولكن كان [ ص; 255 ] تصديق ; ويجوز عندهم الرفع بمعنى ; ولكن هو تصديق . الذي بين يديه أي من التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب ، فإنها قد بشرت به فجاء مصدقا لها في تلك البشارة ، وفي الدعاء إلى التوحيد والإيمان بالقيامة . وقيل ; المعنى ولكن تصديق النبي بين يدي القرآن وهو محمد صلى الله عليه وسلم ; لأنهم شاهدوه قبل أن سمعوا منه القرآن .وتفصيل بالنصب والرفع على الوجهين المذكورين في تصديق . والتفصيل التبيين ، أي يبين ما في كتب الله المتقدمة . والكتاب اسم الجنس . وقيل ; أراد بتفصيل الكتاب ما بين في القرآن من الأحكام .لا ريب فيه من رب العالمين الهاء عائدة للقرآن ، أي لا شك فيه أي في نزوله من قبل الله تعالى .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; ما ينبغي لهذا القرآن أن يفترى من دون الله، يقول; ما ينبغي له أن يتخرَّصه أحد من عند غير الله. (11) وذلك نظير قوله; وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ [سورة آل عمران; 161] ، (12) بمعنى; ما ينبغي لنبي أن يغلَّه أصحابُه.وإنما هذا خبرٌ من الله جل ثناؤه أن هذا القرآن من عنده، أنـزله إلى محمد عبده، وتكذيبٌ منه للمشركين الذين قالوا; " هو شعر وكهانة "، والذين قالوا; " إنما يتعلمه محمد من يحنّس الروميّ". (13)يقول لهم جل ثناؤه; ما كان هذا القرآن ليختلقه أحدٌ من عند غير الله، لأن ذلك لا يقدر عليه أحدٌ من الخلق ، (ولكن تصديق الذي بين يديه)، أي ; يقول تعالى ذكره; ولكنه من عند الله أنـزله مصدِّقًا لما بين يديه، أي لما قبله من الكتب التي أنـزلت على أنبياء الله ، كالتوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله التي أنـزلها على أنبيائه ، (وتفصيل الكتاب) ، يقول; وتبيان الكتاب الذي كتبه الله على أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وفرائضه التي فرضها عليهم في السابق من علمه ، يقول; (لا ريب فيه) لا شك فيه أنه تصديق الذي بين يديه من الكتاب وتفصيل الكتاب من عند رب العالمين، لا افتراءٌ من عند غيره ولا اختلاقٌ. (14)----------------------الهوامش ;(11) انظر تفسير " الافتراء " فيما سلف من فهارس اللغة ( فرى ) .، وتفسير " ما كان " فيما سلف 7 ; 353 / 14 ; 509 - 514 ، 561 ، 565 .(12) هذه قراءة أهل المدينة والكوفة ، بضم الباء وفتح العين ، بالبناء للمجهول ، وهي غير قراءتنا في مصحفنا . وقد سلف بيانها وتفسيرها واختلاف المختلفين فيها فيما سلف 7 ; 353 ، 354 . وانظر معاني القرآن للفراء 1 ; 464 .(13) في المطبوعة ; " يعيش الرومي " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وذاك تصرف لا خير فيه .(14) انظر تفسير " التفصيل " فيما سلف ص ; 57 ، تعليق ; 1 ، والمراجع هناك .، وتفسير " الريب " فيما سلف 14 ; 459 ، تعليق ; 1 ، والمراجع هناك .، وتفسير " العالمين " فيما سلف 13 ; 84 ، تعليق ; 2 ، والمراجع هناك .
يقول تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي: غير ممكن ولا متصور، أن يفترى هذا القرآن على الله تعالى، لأنه الكتاب العظيم الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} وهو الكتاب الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، وهو كتاب الله الذي تكلم به [رب العالمين]، فكيف يقدر أحد من الخلق، أن يتكلم بمثله، أو بما يقاربه، والكلام تابع لعظمة المتكلم ووصفه؟\". فإن كان أحد يماثل الله في عظمته، وأوصاف كماله، أمكن أن يأتي بمثل هذا القرآن، ولو تنزلنا على الفرض والتقدير، فتقوله أحد على رب العالمين، لعاجله بالعقوبة، وبادره بالنكال. {وَلَكِنْ} الله أنزل هذا الكتاب، رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين. أنزله {تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} من كتب الله السماوية، بأن وافقها، وصدقها بما شهدت به، وبشرت بنزوله، فوقع كما أخبرت. {وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ} للحلال والحرام، والأحكام الدينية والقدرية، والإخبارات الصادقة. {لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: لا شك ولا مرية فيه بوجه من الوجوه، بل هو الحق اليقين: تنزيل من رب العالمين الذي ربى جميع الخلق بنعمه. ومن أعظم أنواع تربيته أن أنزل عليهم هذا الكتاب الذي فيه مصالحهم الدينية والدنيوية، المشتمل على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال.
(الواو) استئنافيّة
(ما) نافية
(كان) فعل ماض ناقص- ناسخ-
(ها) حرف تنبيه
(ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع اسم كان
(القرآن) بدل من ذا- أو عطف بيان له- مرفوع
(أن) حرف مصدريّ ونصبـ (يفترى) مضارع مبنيّ للمجهول منصوب، وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو (من دون) جارّ ومجرور حال من ضمير نائب الفاعل ،
(الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور
(الواو) عاطفة
(لكن) حرف استدراك
(تصديق) معطوف على خبر كان ،
(الذي) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه
(بين) ظرف منصوب متعلّق بمحذوف صلة الموصولـ (يدي) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء و (الهاء) ضمير مضاف إليه.
والمصدر المؤوّلـ (أن يفتري) في محلّ نصب خبر كان، وهذا المصدر على معنى اسم المفعول أي مفترى.
(الواو) عاطفة
(تفصيل) معطوف على تصديق منصوب ويأخذ كلّ حالات إعرابه
(الكتاب) مضاف إليه مجرور،
(لا) نافية للجنس
(ريب) اسم لا مبنيّ على الفتح في محلّ نصبـ (في) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخبر لا
(من ربّ) جارّ ومجرور متعلّق بتصديق أوبتفصيل ويكون من باب التنازع ،
(العالمين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
جملة: «ما كان هذا القرآن..» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يفتري ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) .
وجملة: «لا ريب فيه» في محلّ نصب حال من الكتاب .
- القرآن الكريم - يونس١٠ :٣٧
Yunus10:37