الرسم العثمانيإِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ إِنَّهُۥ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ لِيَجْزِىَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصّٰلِحٰتِ بِالْقِسْطِ ۚ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌۢ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ
الـرسـم الإمـلائـياِلَيۡهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيۡعًا ؕ وَعۡدَ اللّٰهِ حَقًّا ؕ اِنَّهٗ يَـبۡدَؤُا الۡخَـلۡقَ ثُمَّ يُعِيۡدُهٗ لِيَجۡزِىَ الَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡا وَعَمِلُوا الصّٰلِحٰتِ بِالۡقِسۡطِؕ وَالَّذِيۡنَ كَفَرُوۡا لَهُمۡ شَرَابٌ مِّنۡ حَمِيۡمٍ وَّعَذَابٌ اَلِيۡمٌۢ بِمَا كَانُوۡا يَكۡفُرُوۡنَ
تفسير ميسر:
إلى ربكم معادكم يوم القيامة جميعًا، وهذا وعد الله الحق، هو الذي يبدأ إيجاد الخلق ثم يعيده بعد الموت، فيوجده حيًا كهيئته الأولى، ليجزي مَن صَدَّق الله ورسوله، وعمل الأعمال الحسنة أحسن الجزاء بالعدل. والذين جحدوا وحدانية الله ورسالة رسوله لهم شراب من ماء شديد الحرارة يشوي الوجوه ويقطِّع الأمعاء، ولهم عذاب موجع بسبب كفرهم وضلالهم.
يخبر تعالى أن إليه مرجع الخلائق يوم القيامة لا يترك منهم أحدا حتى يعيده كما بدأه ثم ذكر تعالى أنه كما بدأ الخلق كذلك يعيده "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه" "ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط" أي بالعدل والجزاء الأوفى "والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون" أي بسبب كفرهم يعذبون يوم القيامة بأنواع العذاب من سموم وحميم وظل من يحموم "هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج" "هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن".
قوله تعالى إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرونإليه مرجعكم جميعا رفع بالابتداء . ( جميعا ) نصب على الحال . ومعنى الرجوع إلى الله الرجوع إلى جزائه .وعد الله حقا مصدران ; أي وعد الله ذلك وعدا وحققه حقا صدقا لا خلف فيه . وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة " وعد الله حق " على الاستئناف .قوله تعالى إنه يبدأ الخلق أي من التراب . ثم يعيده إليه . مجاهد ; ينشئه ثم يميته ثم يحييه للبعث ; أو ينشئه من الماء ثم يعيده من حال إلى حال . وقرأ يزيد بن القعقاع " أنه يبدأ الخلق " تكون ( أن ) في موضع نصب ; أي وعدكم أنه يبدأ الخلق . ويجوز أن يكون التقدير لأنه يبدأ الخلق ; كما يقال ; لبيك أن الحمد والنعمة لك ; والكسر أجود . وأجاز الفراء أن تكون ( أن ) في موضع رفع فتكون اسما . قال أحمد بن يحيى ; يكون التقدير حقا إبداؤه الخلق .قوله تعالى ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط أي بالعدل .والذين كفروا لهم شراب من حميم أي ماء حار قد انتهى حره ، والحميمة مثله . يقال ; [ ص; 225 ] حممت الماء أحمه فهو حميم ، أي محموم ; فعيل بمعنى مفعول . وكل مسخن عند العرب فهو حميم .وعذاب أليم أي موجع ، يخلص وجعه إلى قلوبهم بما كانوا يكفرون أي بكفرهم ، وكان معظم قريش يعترفون بأن الله خالقهم ; فاحتج عليهم بهذا فقال ; من قدر على الابتداء قدر على الإعادة بعد الإفناء أو بعد تفريق الأجزاء .
القول في تأويل قوله تعالى ; إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)قال أبو جعفر ; يقول تعالى ذكره; إلى ربكم الذي صفته ما وصَفَ جل ثناؤه في الآية قبل هذه ، معادُكم ، أيها الناس ، يوم القيامة جميعًا. (21) ( وعد الله حقا ) ، فأخرج ( وعد الله ) مصدَّرًا من قوله; ( إليه مرجعكم ) ، لأنه فيه معنى " الوعد "، ومعناه; يعدكم الله أن يحييكم بعد مماتكم وعدًا حقًّا، فلذلك نصب (وعد الله حقا) ، ( إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ) يقول تعالى ذكره; إن ربكم يبدأ إنشاء الخلق وإحداثه وإيجاده ، ( ثم يعيده )، يقول ; ثم يعيده فيوجده حيًّا كهيئته يوم ابتدأه ، بعد فنائه وبَلائِه. (22) كما;-17548- حدثني محمد بن عمرو، قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; ( يبدأ الخلق ثم يعيده )، قال; يحييه ثم يميته ، قال أبو جعفر; وأحسبه أنا قال; " ثم يحييه ".17549- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله بن رجاء، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد; ( يبدأ الخلق ثم يعيده )، قال; يحييه ثم يميته، ثم يحييه.17550- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; ( إنه يبدأ الخلق ثم يعيده )، ; يحييه ، ثم يميته، ثم يبدؤه ، ثم يحييه.17551- . . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، بنحوه.* * *وقرأت قراء الأمصار ذلك; ( إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ )، بكسر الألف من (إنه) ، على الاستئناف.* * *وذكر عن أبي جعفر الرازي أنه قرأه ( أَنَّهُ ) بفتح الألف من ( أنه ).* * *، كأنه أراد; حقًّا أنه يبدأ الخلق ثم يعيده، ف " أنّ" حينئذ تكون رفعًا، كما قال الشاعر; (23)أحَقًّــا عِبَـادَ اللـهِ أَنْ لَسْـتُ زَائِـرًارُبَــى جَنَّــة إِلا عَــلَيَّ رَقِيــبُ (24)* * *وقوله; (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط)، يقول; ثم يعيده من بعد مماته كهيئته قبل مماته عند بعثه من قبره ، ( ليجزي الذين آمنوا) ليثيب من صدّق الله ورسوله وعملوا ما أمرهم الله به من الأعمال ، واجتنبوا ما نهاهم عنه ، على أعمالهم الحسنة (25) ، (بالقسط) يقول; ليجزيهم على الحسن من أعمالهم التي عملوها في الدنيا الحسنَ من الثواب ، والصالحَ من الجزاء في الآخرة ، وذلك هو " القسط" ، و " القسط" العدلُ والإنصاف، (26) كما;-17552- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; (بالقسط) ، بالعدل.* * *وقوله; (والذين كفروا لهم شَرَاب من حميم)، فإنه جل ثناؤه ابتدأ الخبر عما أعدَّ الله للذين كفروا من العذاب، وفيه معنى العطف على الأول. لأنه تعالى ذكره عمَّ بالخبر عن معادِ جميعهم ، كفارهم ومؤمنيهم ، إليه. ثم أخبر أن إعادتهم ليجزي كلَّ فريق بما عمل المحسنَ منهم بالإحسان ، والمسيءَ بالإساءة. ولكن لما كان قد تقدم الخبر المستأنفُ عما أعدّ للذين كفروا من العذاب ، ما يدلُّ سامعَ ذلك على المرادِ ، ابتدأ الخبر ، والمعنيُّ العطف فقال; والذين جحدوا الله ورسولَه وكذبوا بآيات الله ، ( لهم شراب ) في جهنم (من حميم) وذلك شراب قد أُغلي واشتدّ حره ، حتى إنه فيما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ليتساقطُ من أحدهم حين يدنيه منه فروةُ رأسه، وكما وصفه جل ثناؤه; كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ، [سورة الكهف; 29].* * *وأصله ; " مفعول " صرف إلى " فعيل "، وإنما هو " محموم "; أي مسخّن، وكل مسخَّن عند العرب فهو حميم، (27)ومنه قول المرقش;وَكُـــلُّ يَـــوْمٍ لَهَــا مِقْطَــرَةٌفِيهَـــا كِبَــاءٌ مُعَــدٌّ وَحَــمِيمْ (28)يعني ب " الحميم " ، الماء المسخَّن.* * *وقوله; (عَذَابٌ أَلِيمٌ)، يقول; ولهم مع ذلك عذاب موجع، (29) سوى الشراب من الحميم، بما كانوا يكفرون بالله ورسوله.---------------------------الهوامش ;(21) انظر تفسير " المرجع " فيما سلف 12 ; 287 ، تعليق ; 1 ، والمراجع هناك .(22) انظر تفسير " البدء " و " العود " فيما سلف 12 ; 382 - 388 .(23) لم أعرف قائله .(24) في المطبوعة ; " أبا حبة إلا على رقيب " ، وهو تحريف لما في المخطوطة ، وهو فيها هكذا ، غير منقوط ; " رباحه " ، وصواب قراءته ما أثبت .(25) انظر تفسير " الجزاء " فيما سلف من فهارس اللغة ( جزى ) .(26) انظر تفسير " القسط " فيما سلف 12 ; 379 ، تعليق ; 2 ، والمراجع هناك .(27) انظر تفسير " حميم " فيما سلف 11 ; 448 ، 449 .(28) سلف البيت وتخريجه وشرحه 11 ; 448 ، وروايته هناك ; " في كل ممسي " .(29) انظر تفسير " أليم " فيما سلف من فهارس اللغة ( ألم ) .
فلما ذكر حكمه القدري وهو التدبير العام، وحكمه الديني وهو شرعه، الذي مضمونه ومقصوده عبادته وحده لا شريك له، ذكر الحكم الجزائي، وهو مجازاته على الأعمال بعد الموت، فقال: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} أي: سيجمعكم بعد موتكم، لميقات يوم معلوم. {إنه يبدأ الخلق ثم يعيده} فالقادر على ابتداء الخلق قادر على إعادته، والذي يرى ابتداءه بالخلق، ثم ينكر إعادته للخلق، فهو فاقد العقل منكر لأحد المثلين مع إثبات ما هو أولى منه، فهذا دليل عقلي واضح على المعاد. وقد ذكر الدليل النقلي فقال: {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا} أي: وعده صادق لا بد من إتمامه {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} بقلوبهم بما أمرهم الله بالإيمان به. {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} بجوارحهم، من واجبات، ومستحبات، {بِالْقِسْطِ} أي: بإيمانهم وأعمالهم، جزاء قد بينه لعباده، وأخبر أنه لا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين {وَالَّذِينَ كَفَرُوا} بآيات الله وكذبوا رسل الله. {لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ} أي: ماء حار، يشوي الوجوه، ويقطع الأمعاء. {وَعَذَابٌ أَلِيمٌ} من سائر أصناف العذاب {بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} أي: بسبب كفرهم وظلمهم، وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون.
(إلى) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخبر مقدّم
(مرجع) مبتدأ مؤخّر مرفوع و (كم) ضمير مضاف إليه
(جميعا) حال منصوبة من ضمير الخطابـ (وعد) مفعول مطلق لفعل محذوف منصوبـ (الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور
(حقّا) مفعول مطلق لفعل محذوف
(إنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد و (الهاء) ضمير في محلّ نصب اسم إنّ
(يبدأ) مضارع مرفوع، والفاعل هو (الخلق) مفعول به منصوبـ (ثمّ) حرف عطف
(يعيد) مثل يبدأ و (الهاء) ضمير مفعول به
(اللام) للتعليلـ (يجزي) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام
(الذين) موصول في محلّ نصب مفعول به
(آمنوا) فعل ماض وفاعله مثله
(عملوا) ،
(الصالحات) مفعول به منصوب وعلامة النصب الكسرة
(بالقسط) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يجزي) .
والمصدر المؤوّلـ (أن يجزي) في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (يعيده) .
(الواو) استئنافيّة
(الذين) موصول في محلّ رفع مبتدأ
(كفروا) مثل آمنوا
(لهم شراب) مثل إليه مرجع
(من حميم) جارّ ومجرور نعت لشرابـ (الواو) عاطفة
(عذاب) معطوف على شراب مرفوع
(أليم) نعت لعذاب مرفوع
(الباء) حرف جرّ
(ما) حرف مصدريّ ،
(كانوا) ماض ناقص- ناسخ- مبنيّ على الضمّ.. والواو اسم كان
(يكفرون) مضارع مرفوع..والواو فاعل.
والمصدر المؤوّلـ (ما كانوا..) في محلّ جرّ بالباء متعلّق بأليم .
جملة: «إليه مرجعكم ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «
(وعد) وعد الله» لا محلّ لها استئناف لتأكيد مضمون ما سبق.
وجملة: «
(حق) حقا» لا محلّ لها لتأكيد مضمون ما سبق.
وجملة: «إنّه يبدأ ... » لا محلّ لها استئنافيّة في حكم التعليل.
وجملة: «يبدأ ... » في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: «يعيده» في محلّ رفع خبر معطوفة على جملة يبدأ.
وجملة: «يجزي ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر.
وجملة: «آمنوا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «عملوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة آمنوا.
وجملة: «كفروا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) الثاني.
وجملة: «لهم شراب ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(الذين) .
وجملة: «كانوا يكفرون» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(ما) .
وجملة: «يكفرون» في محلّ نصب خبر كانوا.
- القرآن الكريم - يونس١٠ :٤
Yunus10:4