الرسم العثمانيقَالُوٓا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَآءُ فِى الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ
الـرسـم الإمـلائـيقَالُـوۡۤا اَجِئۡتَـنَا لِتَلۡفِتَـنَا عَمَّا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ اٰبَآءَنَا وَتَكُوۡنَ لَكُمَا الۡكِبۡرِيَآءُ فِى الۡاَرۡضِؕ وَمَا نَحۡنُ لَـكُمَا بِمُؤۡمِنِيۡنَ
تفسير ميسر:
قال فرعون وملؤه لموسى; أجئتنا لتصرفنا عما وجدنا عليه آباءنا من عبادة غير الله، وتكون لكما أنت وهارون العظمة والسلطان في أرض "مصر"؟ وما نحن لكما بمقرِّين بأنكما رسولان أُرسلتما إلينا؛ لنعبد الله وحده لا شريك له.
قالوا أجئتنا لتلفتنا" أي تثنينا "عما وجدنا عليهم آباءنا" أي الدين الذي كانوا عليه "وتكون لكما" أي لك ولهارون "الكبرياء" أي العظمة والرياسة "في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين". وكثيرا ما يذكر الله تعالى قصة موسى عليه السلام مع فرعون في كتابه العزيز لأنها من أعجب القصص فإن فرعون حذر من موسى كل الحذر فسخره القدر أن رُبي هذا الذي يحذر منه على فراشه ومائدته بمنزلة الولد ثم ترعرع وعقد الله له سببا أخرجه من بين أظهرهم ورزقه النبوة والرسالة والتكليم وبعثه إليه ليدعوه إلى الله تعالى ليعبده ويرجع إليه هذا ما كان عليه فرعون من عظمة المملكة والسلطان فجاءه برسالة الله تعالى وليس له وزير سوى أخيه هارون عليه السلام فتمرد فرعون واستكبر وأخذته الحمية والنفس الخبيثة الأبية وقوى رأسه وتولى بركنه وادعى ما ليس له وتجهم على الله وعتا وبغى وأهان حزب الإيمان من بني إسرائيل والله تعالى يحفظ رسوله موسى عليه السلام وأخاه هارون ويحوطهما بعنايته ويحرسهما بعينه التي لا تنام ولم تزل المحاجة والمجادلة والآيات تقوم على يد موسى شيئا بعد شيء ومرة بعد مرة مما يبهر العقول ويدهش الألباب مما لا يقوم له شيء ولا يأتي به إلا من هو مؤيد من الله "وما تأتيهم من آية إلا هي أكبر من أختها" وصمم فرعون وملؤه قبحهم الله على التكذيب بذلك كله والجحد والعناد والمكابرة حتى أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد وأغرقهم في صبيحة واحدة أجمعين "فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين".
قوله تعالى قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنينقوله تعالى قالوا أجئتنا لتلفتنا أي تصرفنا وتلوينا ، يقال ; لفته يلفته لفتا إذا لواه وصرفه . قال الشاعر ;تلفت نحو الحي حتى رأيتني وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعاومن هذا التفت إنما هو عدل عن الجهة التي بين يديه .عما وجدنا عليه آباءنا يريد من عبادة الأصنام . وتكون لكما الكبرياء أي العظمة والملك والسلطان في الأرض [ ص; 275 ] يريد أرض مصر . ويقال للملك ; الكبرياء لأنه أعظم ما يطلب في الدنيا . وما نحن لكما بمؤمنينوقرأ ابن مسعود والحسن وغيرهما " ويكون " بالياء لأنه تأنيث غير حقيقي وقد فصل بينهما . وحكى سيبويه ; حضر القاضي اليوم امرأتان .
القول في تأويل قوله تعالى ; قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; قال فرعون وملؤه لموسى; (أجئتنا لتلفتنا) ، يقول; لتصرفنا وتلوينا ، (عمّا وجدنا عليه آباءنا) ، من قبل مجيئك ، من الدين.* * *، يقال منه; " لفت فلانٌ [ عنق فلان " إذا لواها، كما قال رؤبة]; (36)*لَفْتًا وَتْهِزِيعًا سَواءَ اللَّفْتِ* (37)" التهزيع "; الدق، و " اللفت "، اللّي، كما;-17765- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ; (لتلفتنا) ، قال; لتلوينا عما وجدنا عليه آباءنا.* * *وقوله; (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) ، يعني العظمة، وهي " الفعلياء " من " الكبر ". ومنه قول ابن الرِّقاع;سُــؤْدَدًا غَــيْرَ فَــاحِش لا يُــدَانِيـــهِ تِجِبَّـــارَةٌ وَلا كِبْرِيـــاءُ (38)* * *17766- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; (وتكون لكما الكبرياء في الأرض)، قال; الملك.17767-. . . . قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد; (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) ، قال; السلطان في الأرض.17768-. . . . قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، قال; بلغني، عن مجاهد قال; الملك في الأرض.17769-. . . . قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك; (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) ، قال; الطاعة.17770- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; (وتكون لكما الكبرياء في الأرض) قال; الملك.17771-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.17772- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.17773- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد قال; السلطان في الأرض.* * *قال أبو جعفر; وهذه الأقوال كلها متقارباتُ المعاني، وذلك أن الملك سلطان، والطاعة ملك، غير أن معنى " الكبرياء "، هو ما ثبت في كلام العرب، ثم يكون ذلك عظمة بملك وسلطان وغير ذلك.* * *وقوله; (وما نحن لكما بمؤمنين) ، يقول; " وما نحن لكما " يا موسى وهارون " بمؤمنين "، يعني بمقرِّين بأنكما رسولان أرسلتما إلينا.------------------------الهوامش;(36) كان في المخطوطة والمطبوعة ; " كما قال ذو الرمة " ، وهو خطأ لا شك فيه ، صوابه ما أثبت ، كما دل عليه مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 ; 280 ، وأنا أرجح أن ذلك من الناسخ ، لا من أبي جعفر ، لأنه نقل عن أبي عبيدة . وانظر مثل هذا فيما سلف ص ; 150 ، تعليق ; 1 ; فوضعت الصواب بين القوسين .(37) ديوانه 24 ، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 ; 280 ، اللسان ( هزع ) ، من رجز ذكر فيه نفسه ، يقول قبله ، مشبها نفسه بالأسد ;فَــإنْ تَــرَيْنِي أَحْــتَمِي بِالسَّـكْتِفَقَـــدْ أَقُــومُ بِالْمَقَــامِ الثَّبْــتِأشْــجَعَ مِــنْ ذي لِبَــدٍ بِخَــبْتِيَــدُقُّ صُلْبــاتِ العِظَــامِ رَفْتِـيو " الرفت " ، الدق والكسر . وقوله " سواء اللفت " ، أي " سوى اللفت " " سواء " ( بفتح السين ) و " سوى " ( بكسر السين ) ، بمعنى ; غير .(38) لم أجد البيت في مكان آخر ، وكان في المطبوعة ; " تجباره " ، ومثله في المخطوطة ، أما ضبطه فقد شغلني ، لأن أصحاب اللغة لم يذكروا في مصادر " الجبروت " سوى " التجبار " ( بفتح فسكون ) بمعنى الكبر . فكأن قارئه يقرؤه كما في المطبوعة والمخطوطة " تجباره " ( بفتح فسكون ) ، مضافا إلى الهاء . وظني أن الضبط الذي ذهبت إليه أجود ، وإن لم يذكروه في المصادر في كتب اللغة التي بين أيدينا . ومصدر " تِفِعَّال " ( بكسر التاء والفاء وتشديد العين ) ، هو قياس التصدير في " تَفَعَّل " لكنها صارت مسموعة لا يقاس على ما جاء منها الشافية 1 ; 166 ) ، نحو " تِمِلَّاق " ودخول التاء في مثله في المصادر جائز في العربية . وبالضبط الذي ضبطته يستقيم وزن الشعر ، فأخشى أن يكون هذا المصدر على هذا الميزان ، مما أغفلته كتب اللغة .
{قَالُوا} لموسى رادين لقوله بما لا يرده: {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} أي: أجئتنا لتصدنا عما وجدنا عليه آباءنا، من الشرك وعبادة غير الله، وتأمرنا بأن نعبد الله وحده لا شريك له؟ فجعلوا قول آبائهم الضالين حجة، يردون بها الحق الذي جاءهم به موسى عليه السلام. وقولهم : {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ} أي: وجئتمونا لتكونوا أنتم الرؤساء، ولتخرجونا من أرضنا. وهذا تمويه منهم، وترويج على جهالهم، وتهييج لعوامهم على معاداة موسى، وعدم الإيمان به. وهذا لا يحتج به، من عرف الحقائق، وميز بين الأمور، فإن الحجج لا تدفع إلا بالحجج والبراهين. وأما من جاء بالحق، فرد قوله بأمثال هذه الأمور، فإنها تدل على عجز موردها، عن الإتيان بما يرد القول الذي جاء خصمه، لأنه لو كان له حجة لأوردها، ولم يلجأ إلى قوله: قصدك كذا، أو مرادك كذا، سواء كان صادقًا في قوله وإخباره عن قصد خصمه، أم كاذبًا، مع أن موسى عليه الصلاة والسلام كل من عرف حاله، وما يدعو إليه، عرف أنه ليس له قصد في العلو في الأرض، وإنما قصده كقصد إخوانه المرسلين، هداية الخلق، وإرشادهم لما فيه نفعهم. ولكن حقيقة الأمر، كما نطقوا به بقولهم: {وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} أي: تكبرًا وعنادًا، لا لبطلان ما جاء به موسى وهارون، ولا لاشتباه فيه، ولا لغير ذلك من المعاني، سوى الظلم والعدوان، وإرادة العلو الذي رموا به موسى وهارون.
(قالوا) فعل ماض وفاعله
(الهمزة) للاستفهام
(جئت) فعل ماض وفاعله و (نا) ضمير مفعول به
(اللام) لام التعليلـ (تلفت) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام، والفاعل أنت
(نا) مثل الأولـ (عن) حرف جرّ
(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بـ (تلفت) ،
(وجدنا) فعل ماض وفاعله
(على) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بحال من آباء ،
(آباء) مفعول به منصوب و (نا) مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(تكون) مضارع ناقص منصوب معطوف على
(تلفت) ،
(اللام) حرف جرّ و (كما) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم للناقص
(الكبرياء) اسم تكون مرفوع
(في الأرض) جارّ ومجرور حال من الكبرياء ،
(الواو) عاطفة
(ما) نافية عاملة عمل ليس
(نحن) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع اسم ما
(لكما) مثل الأول متعلّق بمؤمنين
(الباء) حرف جرّ زائد
(مؤمنين) مجرور لفظا منصوب محلّا خبر ما، وعلامة الجرّ الياء.
والمصدر المؤوّلـ (أن تلفتنا) في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (جئتنا) .
جملة: «قالوا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «جئتنا ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «تلفتنا» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر.
وجملة: «وجدنا» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «تكون لكما الكبرياء» لا محلّ لها معطوفة على جملة تلفتنا.
وجملة: «ما نحن.. بمؤمنين» في محلّ نصب معطوفة على جملة مقول القول .
- القرآن الكريم - يونس١٠ :٧٨
Yunus10:78