الرسم العثمانييَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِۦ ۚ فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ
الـرسـم الإمـلائـييَوۡمَ يَاۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ اِلَّا بِاِذۡنِهٖۚ فَمِنۡهُمۡ شَقِىٌّ وَّسَعِيۡدٌ
تفسير ميسر:
يوم يأتي يوم القيامة، لا تتكلم نفس إلا بإذن ربها، فمنهم شقي مستحق للعذاب، وسعيد متفضَّل عليه بالنعيم.
"يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه" أي يوم يأتي يوم القيامة لا يتكلم أحد إلا بإذن الله كقوله "لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا" وقال "وخشعت الأصوات للرحمن" الآية. وفي الصحيحين من حديث الشفاعة "ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم" وقوله "فمنهم شقي وسعيد" أي فمن أهل الجمع شقي ومنهم سعيد كما قال "فريق في الجنة وفريق في السعير" وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده; ثنا موسى بن حسان ثنا عبدالملك بن عمرو ثنا سليمان أبو سفيان ثنا عبدالله بن دينار عن ابن عمر عن عمر قال; لما نزلت "فمنهم شقي وسعيد" سألت النبي صلي الله عليه وسلم فقلت; يا رسول الله علام نعمل؟ علي شيء قد فرغ منه أم على شيء لم يفرغ منه؟ فقال "على شيء قد فرغ منه يا عمر وجرت به الأقلام ولكن كل ميسر لما خلق له" ثم بين تعالى حال الأشقياء وحال السعداء فقال;.
يوم يأتي وقرئ يوم يأت لأن الياء تحذف إذا كان قبلها كسرة ; تقول ; لا أدر ; ذكره القشيري . قال النحاس ; قرأه أهل المدينة وأبو عمرو والكسائي بإثبات الياء في الإدراج ; وحذفها في الوقف ، وروي أن أبيا وابن مسعود قرآ " يوم يأتي " بالياء في الوقف والوصل . وقرأ الأعمش وحمزة " يوم يأت " بغير ياء في الوقف والوصل ، قال أبو جعفر النحاس ; الوجه في هذا ألا يوقف عليه ، وأن يوصل بالياء ; لأن جماعة من النحويين قالوا ; لا تحذف الياء ، ولا يجزم الشيء بغير جازم ; فأما الوقف بغير ياء ففيه قول للكسائي ; قال ; لأن الفعل السالم يوقف عليه كالمجزوم ، فحذف الياء ، كما تحذف الضمة . وأما قراءة حمزة فقد احتج أبو عبيد لحذف الياء في الوصل والوقف بحجتين إحداهما ; أنه زعم أنه رآه [ ص; 86 ] في الإمام الذي يقال له إنه مصحف عثمان - رضي الله عنه - بغير ياء . والحجة الأخرى ; أنه حكى أنها لغة هذيل ; تقول ; ما أدر ; قال النحاس ; أما حجته بمصحف عثمان - رضي الله عنه - فشيء يرده عليه أكثر العلماء ; قال مالك بن أنس - رحمه الله - ; سألت عن مصحف عثمان - رضي الله عنه - فقيل لي ذهب ; وأما حجته بقولهم ; " ما أدر " فلا حجة فيه ; لأن هذا الحذف قد حكاه النحويون القدماء ، وذكروا علته ، وأنه لا يقاس عليه . وأنشد الفراء في حذف الياء .كفاك كف ما تليق درهما جودا وأخرى تعط بالسيف الدماأي تعطي . وقد حكى سيبويه والخليل أن العرب تقول ; لا أدر ، فتحذف الياء وتجتزئ بالكسرة ، إلا أنهم يزعمون أن ذلك لكثرة الاستعمال . قال الزجاج ; والأجود في النحو إثبات الياء ; قال ; والذي أراه اتباع المصحف وإجماع القراء ; لأن القراءة سنة ; وقد جاء مثله في كلام العرب .لا تكلم نفس إلا بإذنه الأصل تتكلم ; حذفت إحدى التاءين تخفيفا . وفيه إضمار ; أي لا تتكلم فيه نفس إلا بالمأذون فيه من حسن الكلام ; لأنهم ملجئون إلى ترك القبيح . وقيل ; المعنى لا تكلم بحجة ولا شفاعة إلا بإذنه . وقيل ; إن لهم في الموقف وقتا يمنعون فيه من الكلام إلا بإذنه . وهذه الآية أكثر ما يسأل عنها أهل الإلحاد في الدين فيقول لم قال ; لا تكلم نفس إلا بإذنه و هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون . وقال في موضع من ذكر القيامة ; وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون . وقال ; يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها . وقال ; وقفوهم إنهم مسئولون . وقال ; فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان . والجواب ما ذكرناه ، وأنهم لا ينطقون بحجة تجب لهم وإنما يتكلمون بالإقرار بذنوبهم ، ولوم بعضهم بعضا ، وطرح بعضهم الذنوب على بعض ; فأما التكلم والنطق بحجة لهم فلا ; وهذا كما تقول للذي يخاطبك كثيرا ، وخطابه فارغ عن الحجة ; ما تكلمت بشيء ، وما نطقت بشيء ، فسمي من يتكلم بلا حجة فيه له غير متكلم . وقال قوم ; ذلك اليوم طويل ، وله مواطن ومواقف في بعضها يمنعون من الكلام ، وفي بعضها يطلق لهم الكلام ; فهذا يدل على أنه لا تتكلم نفس إلا بإذنه .فمنهم شقي وسعيد أي من الأنفس ، أو من الناس ; وقد ذكرهم في قوله ; يوم مجموع له الناس . والشقي الذي كتبت عليه الشقاوة . والسعيد الذي كتبت عليه السعادة ; قال لبيد ;[ ص; 87 ]فمنهم سعيد آخذ بنصيبه ومنهم شقي بالمعيشة قانعوروى الترمذي عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب قال لما نزلت هذه الآية فمنهم شقي وسعيد سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت ; يا نبي الله فعلام نعمل ؟ على شيء قد فرغ منه ، أو على شيء لم يفرغ منه ؟ فقال ; بل على شيء قد فرغ منه وجرت به الأقلام يا عمر ولكن كل ميسر لما خلق له . قال ; هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عمر ; وقد تقدم في " الأعراف " .
القول في تأويل قوله تعالى ; يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)قال أبو جعفر ; يقول تعالى ذكره; يوم يأتي يوم القيامة ، أيها الناس، وتقوم الساعة ، لا تكلم نفس إلا بإذن رَبّها.* * *واختلفت القراء في قراءة قوله; ( يَوْمَ يَأْتِي ).فقرأ ذلك عامّة قراء أهل المدينة بإثبات الياء فيها( يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ ).وقرأ ذلك بعض قراء أهل البصرة وبعض الكوفيين بإثبات الياء فيها في الوصل وحذفها في الوقف.* * *وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة بحذف الياء في الوصل والوقف; ( يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ ).* * *قال أبو جعفر; والصواب من القراءة في ذلك عندي; ( يَوْمَ يَأْتِ ) ، بحذف الياء في الوصل والوقف اتباعًا لخط المصحف، وأنها لغة معروفة لهذيل، تقول; " مَا أدْرِ مَا تَقول "، ومنه قول الشاعر; (16)كَفَّــاكَ كَــفٌّ مَـا تُلِيـقُ دِرْهَمَـاجُـودًا وأُخْـرَى تُعْـطِ بِالسَّـيْفِ الدَّمَا (17)* * *وقيل; ( لا تَكَلَّمُ ) ، وإنما هي " لا تتكلم "، فحذف إحدى التاءين اجتزاء بدلالة الباقية منهما عليها.* * *وقوله; ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ) ، يقول; فمن هذه النفوس التي لا تكلم يوم القيامة إلا بإذن ربها، شقيٌّ وسعيد ، وعاد على " النفس "، وهي في اللفظ واحدة ، بذكر الجميع في قوله; ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ).------------------------الهوامش ;(16) لم أعرف قائله .(17) معاني القرآن للفراء في تفسير الآية ، اللسان ( ليق ) ، يقال ; " ما يليق بكفه درهم " ( بفتح الياء ) أي ; ما يحتبس ، و " ما يلقيه القراء وهو " ، أي ; ما يحبسه .(18) ديوانه ; 106 ، واللسان ( حشرج ) ، وسيأتي في التفسير 29 ، 4 ( بولاق ) ، من طويلته المشهوره ، يصف فيها حمار الوحش ، وبعده ;كَأَنَّــهُ مُسْتَنْشِــقٌ مِــن الشَّــرَقْخُـرًّا مـن الخَـرْدَلِ مَكْـرُوهَ النَّشَـقْو " حشرج " ردد الصوت في حلقه ولم يخرجه . و " السحيل " ، الصوت الذي يدور في صدر الحمار في نهيقه .
{ يَوْمَ يَأْتِ ْ} ذلك اليوم، ويجتمع الخلق { لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ْ} حتى الأنبياء، والملائكة الكرام، لا يشفعون إلا بإذنه، { فَمِنْهُمْ ْ} أي: الخلق { شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ْ} فالأشقياء، هم الذين كفروا بالله، وكذبوا رسله، وعصوا أمره، والسعداء، هم: المؤمنون المتقون.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - هود١١ :١٠٥
Hud11:105