الرسم العثمانيوَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلٰىٓ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُۥٓ ۗ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِۦ يَسْتَهْزِءُونَ
الـرسـم الإمـلائـيوَلَٮِٕنۡ اَخَّرۡنَا عَنۡهُمُ الۡعَذَابَ اِلٰٓى اُمَّةٍ مَّعۡدُوۡدَةٍ لَّيَـقُوۡلُنَّ مَا يَحۡبِسُهٗؕ اَلَا يَوۡمَ يَاۡتِيۡهِمۡ لَـيۡسَ مَصۡرُوۡفًا عَنۡهُمۡ وَحَاقَ بِهِمۡ مَّا كَانُوۡا بِهٖ يَسۡتَهۡزِءُوۡنَ
تفسير ميسر:
ولئن أخَّرنا عن هؤلاء المشركين العذاب إلى أجل معلوم فاستبطؤوه، ليقولُنَّ استهزاء وتكذيبًا; أي شيء يمنع هذا العذاب من الوقوع إن كان حقًا؟ ألا يوم يأتيهم ذلك العذاب لا يستطيع أن يصرفه عنهم صارف، ولا يدفعه دافع، وأحاط بهم من كل جانب عذاب ما كانوا يستهزئون به قبل وقوعه بهم.
وقوله "ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة" الآية. يقول تعالى ولئن أخرنا العذاب والمؤاخذة عن هؤلاء المشركين إلى أجل معدود وأمد محصور وأوعدناهم إلى مدة مضروبة ليقولن تكذيبا واستعجالا; ما يحبسه أي يؤخر هذا العذاب عنا فإن سجاياهم قد ألفت التكذيب والشك فلم يبق لهم محيص عنه ولا محيد. والأمة تستعمل في القرآن والسنة في معان متعددة فيراد بها الأمد كقوله في هذه الآية "إلى أمة معدودة" وقوله في يوسف "وقال الذي نجا منهما واذكر بعد أمة" وتستعمل في الإمام المقتدى به كقوله "إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين" وتستعمل في الملة والدين كقوله أخبارا عن المشركين إنهم قالوا "إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون" وتستعمل في الجماعة كقوله "ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون" وقوله "ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" وقال تعالى "ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون" والمراد من الأمة ههنا الذين يبعث فيهم الرسول مؤمنهم وكافرهم كما في صحيح مسلم "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار" وأما أمة الاتباع فهم المصدقون للرسل كما قال تعالى "كنتم خير أمة أخرجت للناس" وفي الصحيح "فأقول أمتي أمتي" وتستعمل الأمة في الفرقة والطائقة كقوله تعالى "ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون" وكقوله "من أهل الكتاب أمة قائمة" الآية.
قوله تعالى ; ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون قوله ; ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة اللام في " لئن " للقسم ، والجواب " ليقولن " . ومعنى " إلى أمة " إلى أجل معدود وحين معلوم ; فالأمة هنا المدة ; قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وجمهور المفسرين . وأصل الأمة الجماعة ; فعبر عن الحين [ ص; 11 ] والسنين بالأمة لأن الأمة تكون فيها . وقيل ; هو على حذف المضاف ، والمعنى إلى مجيء أمة ليس فيها من يؤمن فيستحقون الهلاك . أو إلى انقراض أمة فيها من يؤمن فلا يبقى بعد انقراضها من يؤمن . والأمة اسم مشترك يقال على ثمانية أوجه ; فالأمة تكون الجماعة ; كقوله تعالى ; وجد عليه أمة من الناس . والأمة أيضا اتباع الأنبياء - عليهم السلام - . والأمة الرجل الجامع للخير الذي يقتدى به ; كقوله تعالى ; إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا . والأمة الدين والملة ; كقوله تعالى ; إنا وجدنا آباءنا على أمة . والأمة الحين والزمان ; كقوله تعالى ; ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة وكذلك قوله تعالى ; وادكر بعد أمة والأمة القامة ، وهو طول الإنسان وارتفاعه ; يقال من ذلك ; فلان حسن الأمة أي القامة . والأمة الرجل المنفرد بدينه وحده لا يشركه فيه أحد ; قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ; يبعث زيد بن عمرو بن نفيل أمة وحده . والأمة الأم ; يقال ; هذه أمة زيد ، يعني أم زيد .ليقولن ما يحبسه يعني العذاب ; وقالوا هذا إما تكذيبا للعذاب لتأخره عنهم ، أو استعجالا واستهزاء ; أي ما الذي يحبسه عنا .ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم قيل ; هو قتل المشركين ببدر ; وقتل جبريل المستهزئين على ما يأتي .وحاق بهم أي نزل وأحاط .ما كانوا به يستهزئون أي جزاء ما كانوا به يستهزئون ، والمضاف محذوف .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; ولئن أخرنا عن هؤلاء المشركين من قومك ، يا محمد ، العذابَ فلم نعجله لهم، وأنسأنا في آجالهم ، إلى (أمة معدودة )، ووقت محدود وسنين معلومة.* * *وأصل " الأمة " ما قد بينا فيما مضى من كتابنا هذا ، أنها الجماعة من الناس تجتمع على مذهب ودين، ثم تستعمل في معان كثيرة ترجع إلى معنى الأصل الذي ذكرت. (26) وإنما قيل للسنين " المعدودة " والحين ، في هذا الموضع ونحوه ; أمة، لأن فيها تكون الأمة. (27)* * *وإنما معنى الكلام; ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى مجيء أمة وانقراض أخرى قبلها.* * *وبنحو الذي قلنا من أن معنى " الأمة " في هذا الموضع، الأجل والحين ، قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;17991- حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن ، وحدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم ، قال ، حدثنا سفيان الثوري، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس. وحدثنا الحسن بن يحيي قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس; (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة) ، قال; إلى أجل محدود.17992- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس، بمثله.17994- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ; (إلى أمة معدودة)، قال; أجل معدود.17995- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال; إلى أجل معدود.17996- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; (إلى أمة معدودة) ، قال; إلى حين.17997- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.17998-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.17999- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج; (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة) ، يقول; أمسكنا عنهم العذاب ، (إلى أمة معدودة ) ، قال ابن جريج، قال مجاهد; إلى حين.18000- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله; (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة) ، يقول; إلى أجل معلوم. (28)* * *وقوله; (ليقولن ما يحبسه) ، يقول; " ليقولن " هؤلاء المشركون " ما يحبسه "؟ أي شيء يمنعه من تعجيل العذاب الذي يتوعَّدنا به؟ (29) تكذيبًا منهم به، وظنًّا منهم أن ذلك إنَّما أخر عنهم لكذب المتوعّد كما;-18002- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال قوله; (ليقولن ما يحبسه)، قال; للتكذيب به، أو أنه ليس بشيء.* * *وقوله; (ألا يوم يأتيهم ليس مصروفًا عنهم)، يقول تعالى ذكره تحقيقًا لوعيده وتصحيحًا لخبره; (ألا يوم يأتيهم ) العذابُ الذي يكذبون به ، (ليس مصروفًا عنهم) ، يقول; ليس يصرفه عنهم صارف، ولا يدفعه عنهم دافع، ولكنه يحل بهم فيهلكهم (30) ، (وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) ، يقول; ونـزل بهم وأصابهم الذي كانوا به يسخرون من عذاب الله. (31) وكان استهزاؤُهم به الذي ذكره الله ، قيلهم قبل نـزوله (ما يحبسه ) ،و " هلا تأتينا " ؟. (32)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك كان بعض أهل التأويل يقول.*ذكر من قال ذلك;18003- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; (وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) ، قال; ما جاءت به أنبياؤهم من الحق.------------------------الهوامش ;(26) انظر تفسير " الأمة " فيما سلف 13 ; 285 ، تعليق ; 3 ، والمراجع هناك .(27) انظر تفسير " معدودة " فيما سلف 3 ; 417 / 4 ; 208 ، وما بعدها .(28) تجاوزت في الترقيم رقم ; 18001 ، سهوًا .(29) انظر تفسير " الحبس " فيما سلف 11 ; 172 .(30) انظر تفسير " الصرف " فيما سلف 11 ; 286 / 13 ; 112 / 14 ; 582 / 15 ; 84 .(31) انظر تفسير " حاق " فيما سلف 11 ; 172 . ، وتفسير " الاستهزاء " فيما سلف من فهارس اللغة ( هزأ ) .(32) في المطبوعة ; " نقلا بأنبيائه " ، وهذا خلط لا معنى له . وفي المخطوطة ; " ونعلا بأنبيائه " ، والكلمة الأولى سيئة الكتابة ، وسائر الحروف غير منقوطة ، وهذا صواب قراءتها إن شاء الله .
{ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ } أي: إلى وقت مقدر فتباطأوه، لقالوا من جهلهم وظلمهم { مَا يَحْبِسُهُ } ومضمون هذا تكذيبهم به، فإنهم يستدلون بعدم وقوعه بهم عاجلا على كذب الرسول المخبر بوقوع العذاب، فما أبعد هذا الاستدلال\" { أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ } العذاب { لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ } فيتمكنون من النظر في أمرهم. { وَحَاقَ بِهِمْ } أي: نزل { مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } من العذاب، حيث تهاونوا به، حتى جزموا بكذب من جاء به.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - هود١١ :٨
Hud11:8