الَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ النَّاسِ
الَّذِىۡ يُوَسۡوِسُ فِىۡ صُدُوۡرِ النَّاسِۙ
تفسير ميسر:
الذي يبثُّ الشر والشكوك في صدور الناس.
هل يختص هذا ببني آدم كما هو الظاهر أو يعم بني آدم والجن؟ فيه قولان ويكونون قد دخلوا في لفظ الناس تغليبا وقال ابن جرير وقد استعمل فيهم رجال من الجن فلا بدع في إطلاق الناس عليهم.
قوله تعالى ; الذي يوسوس في صدور الناسقال مقاتل ; إن الشيطان في صورة خنزير ، يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق ، سلطه الله على ذلك ؛ فذلك قوله تعالى ; الذي يوسوس في صدور الناس . وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم . وهذا يصحح ما قاله مقاتل . وروى شهر بن حوشب عن أبي ثعلبة الخشني قال ; سألت الله أن يريني الشيطان ومكانه من ابن آدم فرأيته ، يداه في يديه ، ورجلاه في رجليه ، ومشاعبه في جسده ؛ غير أن له خطما كخطم الكلب ، فإذا ذكر الله خنس ونكس ، وإذا سكت عن ذكر الله أخذ بقلبه . فعلى ما وصف أبو ثعلبة أنه متشعب في الجسد ؛ أي في كل عضو منه شعبة . وروي عن عبد الرحمن بن الأسود أو غيره من التابعين أنه قال - وقد كبر سنه - ; ما أمنت الزنى وما يؤمنني أن يدخل الشيطان ذكره فيوتده ! فهذا القول ينبئك أنه متشعب في الجسد ، وهذا معنى قول مقاتل . ووسوسته ; هو الدعاء لطاعته بكلام خفي ، يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع صوت .
وقوله; ( الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) يعني بذلك; الشيطان الوسواس، الذي يوسوس في صدور الناس; جنهم وإنسهم.فإن قال قائل; فالجنّ ناس، فيقال; الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس. قيل; قد سماهم الله في هذا الموضع ناسا، كما سماهم في موضع آخر رجالا فقال; وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فجعل الجنّ رجالا وكذلك جعل منهم ناسا.وقد ذُكر عن بعض العرب أنه قال وهو يحدّث، إذ جاء قوم من الجنّ فوقفوا، فقيل; من أنتم؟ فقالوا; ناس من الجنّ، فجعل منهم ناسا، فكذلك ما في التنـزيل من ذلك.
وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم، من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها، الذي من فتنته وشره، أنه يوسوس في صدور الناس، فيحسن [لهم] الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم لفعله، ويقبح لهم الخير ويثبطهم عنه، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو دائمًا بهذه الحال يوسوس ويخنس أي: يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه.فينبغي له أن [يستعين و] يستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم.وأن الخلق كلهم، داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها.وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم، الذي يريد أن يقتطعهم عنها ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس، ولهذا قال: { مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } .
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة