أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُۥ لَحٰفِظُونَ
اَرۡسِلۡهُ مَعَنَا غَدًا يَّرۡتَعۡ وَيَلۡعَبۡ وَاِنَّا لَهٗ لَحٰـفِظُوۡنَ
تفسير ميسر:
أرسله معنا غدًا عندما نخرج إلى مراعينا يَسْعَ وينشط ويفرح، ويلعب بالاستباق ونحوه من اللعب المباح، وإنا لحافظون له من كل ما تخاف عليه.
أي ابعثه معنا " غدا نرتع ونلعب " وقرأ بعضهم بالياء "يرتع ويلعب" قال ابن عباس; يسعى وينشط. وكذا قال قتادة والضحاك والسدي وغيرهم "وإنا له لحافظون " يقولون ونحن نحفظه ونحوطه من أجلك.
أرسله معنا غدا إلى الصحراء . غدا ظرف ، والأصل عند سيبويه غدو ، وقد نطق به على الأصل ; قال النضر بن شميل ; ما بين الفجر وصلاة الصبح يقال له غدوة ، وكذا بكرة .نرتع ونلعب بالنون وإسكان العين قراءة أهل البصرة . والمعروف من قراءة أهل مكة . " نرتع " بالنون وكسر العين ، وقراءة أهل الكوفة . يرتع ويلعب بالياء وإسكان العين ، وقراءة أهل المدينة بالياء وكسر العين ; القراءة الأولى من قول العرب رتع الإنسان والبعير إذا أكلا كيف شاءا ; والمعنى ; نتسع في الخصب ; وكل مخصب راتع ; قال ;فارعي فزارة لا هناك المرتعوقال آخر ;ترتع ما غفلت حتى إذا ادكرت فإنما هي إقبال وإدباروقال آخر ;أكفرا بعد رد الموت عني وبعد عطائك المائة الرتاعاأي الراتعة لكثرة المرعى . وروى معمر عن قتادة " ترتع " تسعى ; قال النحاس ; أخذه من قوله ; إنا ذهبنا نستبق لأن المعنى ; نستبق في العدو إلى غاية بعينها ; وكذا " يرتع " بإسكان العين ، إلا أنه ليوسف وحده - صلى الله عليه وسلم - و " يرتع " بكسر العين من رعي الغنم ، أي ليتدرب بذلك ويترجل ; فمرة يرتع ، ومرة يلعب لصغره . وقال القتبي " نرتع " نتحارس ونتحافظ ، ويرعى بعضنا بعضا ; من قولك ; رعاك الله ; أي حفظك . " ونلعب " من اللعب وقيل لأبي عمرو بن العلاء ; كيف قالوا " ونلعب " وهم أنبياء ؟ فقال ; لم يكونوا يومئذ أنبياء . وقيل ; المراد باللعب [ ص; 124 ] المباح من الانبساط ، لا اللعب المحظور الذي هو ضد الحق ; ولذلك لم ينكر يعقوب قولهم " ونلعب " . ومنه قوله - عليه السلام - ; فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك . وقرأ مجاهد وقتادة ; يرتع على معنى يرتع مطيته ، فحذف المفعول ; ويلعب بالرفع على الاستئناف ; والمعنى ; هو ممن يلعبوإنا له لحافظون من كل ما تخاف عليه . ثم يحتمل أنهم كانوا يخرجون ركبانا ، ويحتمل أنهم كانوا رجالة . وقد نقل أنهم حملوا يوسف على أكتافهم ما دام يعقوب يراهم ، ثم لما غابوا عن عينه طرحوه ليعدو معهم إضرارا به .
القول في تأويل قوله تعالى ; أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)قال أبو جعفر ; واختلفت القراء في قراءة ذلك.فقرأته عامة قراء أهل المدينة; " يَرْتَعِ وَيَلْعَبْ" ، بكسر العين من " يرتع "، وبالياء في" يرتع ويلعب " ، على معنى; " يفتعل " ، من " الرعي"; " ارتعيت فأنا أرتعي" ، كأنهم وجَّهوا معنى الكلام إلي; أرسله معنا غدًا يرتَع الإبل ويلعب، (وإنّا له لحافظون) .وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة; " أرْسِلهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ"، بالياء في الحرفين جميعًا، وتسكين العين ، من قولهم; " رتع فلانٌ في ماله "، إذا لَهَا فيه ونَعِم وأنفقه في شهواته. ومن ذلك قولهم في مثل من الأمثال; " القَيْدُ والرَّتَعَة " ، (26) ومنه قول القطامي;أكُفْــرًا بَعْــدَ رَدِّ المَــوْتِ عَنِّـيوَبَعْــدَ عَطَــائِكَ المِئَــةَ الرِّتَاعَـا (27)* * *وقرأ بعض أهل البصرة; " تَرْتَعْ" بالنون " ونَلْعَبْ" بالنون فيهما جميعًا ، وسكون العين من " نرتع " .18813- حدثني أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا حجاج ، عن هارون ، قال; كان أبو عمرو يقرأ; " نَرْتَعْ ونَلْعَبْ" بالنون ، قال; فقلت لأبي عمرو; كيف يقولون " نلعب "، وهم أنبياء؟ قال; لم يكونوا يومئذٍ أنبياء.* * *قال أبو جعفر ; وأولى القراءة في ذلك عندي بالصواب ، قراءةُ من قرأه في الحرفين كليهما بالياء، وبجزم العين في" يرتع " ، لأن القوم إنما سألوا أباهم إرسال يوسف معهم ، وخدعوه بالخبر عن مسألتهم إياه ذلك، عما ليوسف في إرساله معهم من الفرح والسرور والنشاط بخروجه إلى الصحراء وفسحتها ولعبه هنالك ، لا بالخبر عن أنفسهم .* * *وبذلك أيضا جاء تأويل أهل التأويل .*ذكر من قال ذلك;18814- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي ، قال، حدثني عمي ، قال، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله; (أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب) ، يقول; يسعى وينشطُ.18815 - حدثنا القاسم ، قال، حدثنا الحسين ، قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال، قال ابن عباس; (يرتع ويلعب) قال; يلهو ، وينشط ويسعى.18816- حدثنا بشر ، قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله; (أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب) ، قال; ينشط ويلهو.18817- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، بنحوه . (28)18818- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة; (يرتع ويلعب) ، قال; يسعى ويلهو.18819- حدثنا القاسم ، قال، حدثنا الحسين ، قال، حدثني هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قوله; (يرتع ويلعب) ، قال; يتلهَّى ويلعب..18820- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله; (يرتع ويلعب) ، قال; يتلهَّى ويلعب.18821- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد قال، حدثنا أسباط ، عن السدي; (يرتع ويلعب) قال; ينشط ويلعب.18822-... قال، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدى; (أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب ) يلهو.18823- قال، حدثنا حسين بن علي ، عن شيبان ، عن قتادة; (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب)، قال; ينشط ويلعب.18824 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا نعيم بن ضمضم العامري ، قال; سمعت الضحاك بن مزاحم ، في قوله; (أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب) ، قال; يسعى وينشط. (29)* * *وكأن الذين يقرأون ذلك; " يَرْتَعِ وَيَلْعَبْ" بكسر العين من يرتع ، يتأوّلونه على الوجه الذي;-18825- حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال، قال، ابن زيد في قوله; " أرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعِ وَيَلْعَبْ" قال; يرعى غنمه ، وينظر ويعقل ، فيعرف ما يعرف الرجُل.* * *وكان مجاهد يقول في ذلك بما;-18826- حدثنا الحسن بن محمد ، قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله; " نَرْتَعِ" ، بحفظ بعضنا بعضًا ، نتكالأ نتحارس . (30)18827- حدثني محمد بن عمرو ، قال; حدثنا أبو عاصم ، قال; حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد; " نَرْتَعِ" قال; يحفظ بعضنا بعضًا ، نتكالأ18828- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ،18829- وحدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .18830- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، بنحوه .* * *قال أبو جعفر ; فتأويل الكلام; أرسله معنَا غدًا نلهو ونلعب وننعم ، وننشط في الصحراء ، ونحن حافظُوه من أن يناله شيء يكرهه أو يؤذيه .----------------------الهوامش;(26) مثل ذكره الميداني في أمثاله 2 ; 39 ، والمفضل الضبي في أمثاله ; 62 ، والمفضل ابن سلمة في كتابه الفاخر ص ; 170 ، 241 ، واللسان ( رتع ) . وأصله أن عمرو بن الصعق ، أسرته شاكر ، من همدان ، فأحسنوا إليه . وكان فارق قومه نحيفًا ، فهرب من شاكر ، فلما وصل إلى قومه قالوا ; أي عمرو ، خرجت من عندنا نحيفًا ، وأنت اليوم بادن ؟ فقال ;" القيد والرتعة" ، فأرسلها مثلا . و" الرتعة" الخصب .(27) سلف البيت وتخريجه وشرحه 1 ; 116 ، تعليق ; 1 .(28) الأثر ; 18817 -" الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني" ، وانظر تفسير هذا الإسناد فيما سلف رقم ; 18807 .(29) الأثر ; 18824 -" نعيم بن ضمضم العامري" ، لم أجد له ترجمة في غير لسان الميزان 6 ; 169 ، قال ;" نعيم بن ضمضم ، والضحاك ، بحديث في الوضوء . وضعفه بعضهم . انتهى . وهذا روى عنه سفيان بن عيينة ، وأبو أحمد الزبيري ، وقبيصة بن عقبة ، وعبد الرحمن ابن صالح الكوفي ، وآخرون . وذكر البخاري روايته في ترجمة عمران بن حميري ( ؟ ) ولم يفرده بترجمة . وما عرفت إلى الآن من ضعفه . وقد تقدم في" عمران ، أن ابن حبان سمى أباه جهضما ، ويقال ; ضمعج . قلت ; وهما خطأ ، فقد أخرج حديثه البزار ، والطبراني ، والحارث بن أبي أسامة في أسانيدهم ، وأبو الشيخ . في كتاب الثواب ، كلهم من رواية عبد العزيز بن أبان ، فقال ;عن نعيم بن ضمضم ، عن عمران بن حميري ، كما وقع عند البخاري" . انتهى ما قاله الحافظ ابن حجر ، وهو جليل الفائدة ، وزادنا الطبري في إسناده أنه العامري"(30) " نتكالأ" من قولهم ;" كلأه" ، أي حفظه ورعاه وحرسه .
فلما نفوا عن أنفسهم التهمة المانعة من عدم إرساله معهم، ذكروا له من مصلحة يوسف وأنسه الذي يحبه أبوه له، ما يقتضي أن يسمح بإرساله معهم، فقالوا: { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ ْ} أي: يتنزه في البرية ويستأنس. { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ْ} أي: سنراعيه، ونحفظه من أذى يريده.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة