القول في تأويل قوله تعالى ; قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; (قال) يوسف للفتيين اللذين استعبراه الرؤيا; (لا يأتيكما) ، أيها الفتيان في منامكما ، (طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله) ، في يقظتكما ، (قبل أن يأتيكما).* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .* ذكر من قال ذلك;19284 - حدثنا ابن وكيع , قال; حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي , قال; قال يوسف لهما; (لا يأتيكما طعام ترزقانه) ، في النوم ، (إلا نبأتكما بتأويله) ، في اليقظة.19285 - حدثنا ابن حميد , قال; حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال; قال يوسف لهما; (لا يأتيكما طعام ترزقانه) ، يقول; في نومكما ، (إلا نبأتكما بتأويله).* * *ويعنى بقوله (بتأويله) ; ما يؤول إليه ويصير ما رأيا في منامهما من الطعام الذي رأيا أنه أتاهما فيه.* * *وقوله; (ذلكما مما علمني ربي) ، يقول; هذا الذي أذكر أني أعلمه من تعبير الرؤيا، مما علمني ربى فعلمته ، (إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله) ، وجاء الخبر مبتدأ، أي; تركت ملة قوم , والمعنى; ما ملت، وإنما ابتدأ بذلك، لأن في الابتداء الدليل على معناه.* * *وقوله; (إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله) ، يقول; إني برئت من ملة من لا يصدق بالله , ويقرّ بوحدانيته (45) ، (وهم بالآخرة هم كافرون) ، يقول; وهم مع تركهم الإيمان بوحدانية الله ، لا يقرّون بالمعاد والبعث، ولا بثواب ولا عقاب.* * *، وكُررت " هم " مرتين , فقيل; (وهم بالآخرة هم كافرون) ، لما دخل بينهما قوله; (بالآخرة) ، فصارت " هم " الأولى كالملغاة , وصار الاعتماد على الثانية , كما قيل; وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [سورة النمل; 3/ سورة لقمان; 4 ]، وكما قيل; أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ [سورة المؤمنون; 35]* * *فإن قال قائل; ما وجه هذا الخبر ومعناه من يوسف؟ وأين جوابه الفتيين عما سألاه من تعبير رؤياهما، من هذا الكلام؟قيل له; إن يوسف كره أن يجيبهما عن تأويل رؤياهما، لما علم من مكروه ذلك على أحدهما , فأعرض عن ذكره، وأخذ في غيره، ليعرضا عن مسألته الجوابَ عما سألاه من ذلك.* * *وبنحو ذلك قال أهل العلم.* ذكر من قال ذلك;19286 - حدثنا القاسم , قال; حدثنا الحسين , قال; حدثني حجاج , عن ابن جريج , في قوله; إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ، قال; فكره العبارة لهما , وأخبرهما بشيء لم يسألاه عنه ليريهما أن عنده علمًا . وكان الملك إذا أراد قتل إنسان , صنع له طعامًا معلومًا , فأرسل به إليه , فقال يوسف; (لا يأتيكما طعام ترزقانه) ، إلى قوله; يَشْكُرُونَ ، فلم يدَعَاه , فعدل بهما , وكره العبارة لهما. فلم يدعاه حتى يعبر لهما , فعدل بهما وقال; يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ، إلى قوله; يَعْلَمُونَ ، فلم يدعاه حتى عبر لهما , فقال; يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ . قالا ما رأينا شيئًا , إنما كنا نلعب ! قال; قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ .* * *قال أبو جعفر; وعلى هذا التأويل الذي تأوله ابن جريج، فقوله; (لا يأتيكما طعام ترزقانه) ، في اليقظة لا في النوم، . وإنما أعلمهما على هذا القول أنَّ عنده علم ما يؤول إليه أمر الطعام الذي يأتيهما من عند الملك ومن عند غيره , لأنه قد علم النوعَ الذي إذا أتاهما كان علامةً لقتل من أتاه ذلك منهما , والنوع الذي إذا أتاه كان علامة لغير ذلك , فأخبرهما أنه عنده علم ذلك .----------------------الهوامش;(45) انظر تفسير" الملة" فيما سلف 12 ; 561 ، تعليق ; 4 ، والمراجع هناك .