الرسم العثمانيفَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ
الـرسـم الإمـلائـيفَاصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَ اَعۡرِضۡ عَنِ الۡمُشۡرِكِيۡنَ
تفسير ميسر:
فاجهر بدعوة الحق التي أمرك الله بها، ولا تبال بالمشركين، فقد برَّأك الله ممَّا يقولون.
يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم بإبلاغ ما بعثه به وبإنفاذه والصدع به وهو مواجهة المشركين به كما قال ابن عباس في قوله " فاصدع بما تؤمر " أي أمضه وفي رواية " افعل ما تؤمر " وقال مجاهد هو الجهر بالقرآن في الصلاة. وقال أبو عبيدة عن عبد الله بن مسعود; ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا حتى نزلت " فاصدع بما تؤمر " فخرج هو وأصحابه وقوله " وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين " أي بلغ ما أنزل إليك من ربك ولا تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات الله " ودوا لو تدهن فيدهنون " ولا تخفهم فإن الله كافيك إياهم وحافظك منهم كقوله تعالى " يا أيها الرسول بلغ ما أنزله إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " قال الحافظ أبو بكر البزار; حدثنا يحيى بن محمد بن السكن حدثنا إسحاق بن إدريس حدثنا عون بن كهمس عن يزيد بن درهم عن أنس قال; سمعت أنسا يقول في هذه الآية " إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر " قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم فغمزه بعضهم فجاء جبريل قال أحسبه قال فغمزهم فوقع في أجسادهم كهيئة الطعنة فماتوا. وقال محمد بن إسحاق; كان عظماء المستهزئين كما حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير خمسة نفر وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم من بني أسد بن عبد العزى بن قصي الأسود بن المطلب أبي زمعة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه فقال " اللهم أعم بصره وأثكله ولده " ومن بني زهرة الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة ومن بني مخزوم الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ومن بني سهم ابن عمر بن هصيص بن كعب بن لؤي العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد ومن خزاعة الحارث بن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عبد بن عمر بن ملكان. فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء أنزل الله تعالى " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين " إلى قوله - " فسوف يعلمون " قال ابن إسحاق فحدث يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير أو غيره من العلماء أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت فقام وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه فمر به الأسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه فاستسقى بطنه فمات منه ومر به الوليد بن المغيرة فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله وكان أصابه قبل ذلك بسنين وهو يجر إزاره وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبلا له فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش رجله ذلك الخدش وليس بشيء فانتفض به فقتله ومر به العاص بن وائل فأشار إلى أخمص قدمه فخرج على حمار له يريد الطائف فربض على شبرقة فدخلت في أخمص قدمه فقتلته ومر به الحارث بن الطلاطلة فأشار إلى رأسه فامتخط قيحا فقتله قال محمد بن إسحاق; حدثني محمد بن أبي محمد عن رجل عن ابن عباس قال; كان رأسهم الوليد بن المغيرة وهو الذي جمعهم وهكذا روي عن سعيد بن جبير وعكرمة نحو سياق محمد بن إسحاق به عن يزيد عن عروة بطوله إلا أن سعيدا يقول الحارث ابن غيطلة وعكرمة يقول الحارث بن قيس قال الزهري وصدقا هو الحارث بن قيس وأمه غيطلة وكذا روي عن مجاهد ومقسم وقتادة وغير واحد أنهم كانوا خمسة وقال الشعبي; كانوا سبعة والمشهور الأول.
قوله تعالى ; فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركينقوله تعالى ; فاصدع بما تؤمر أي بالذي تؤمر به ، أي بلغ رسالة الله جميع الخلق لتقوم الحجة عليهم ، فقد أمرك الله بذلك . والصدع ; الشق . وتصدع القوم أي تفرقوا ; ومنه يومئذ يصدعون أي يتفرقون . وصدعته فانصدع أي انشق . أصل الصدع الفرق والشق . قال أبو ذؤيب يصف الحمار وأتنه ;[ ص; 57 ]وكأنهن ربابة وكأنه يسر يفيض على القداح ويصدعأي يفرق ويشق . فقوله ; اصدع بما تؤمر قال الفراء ; أراد فاصدع بالأمر ، أي أظهر دينك ، ف " ما " مع الفعل على هذا بمنزلة المصدر . وقال ابن الأعرابي ; معنى اصدع بما تؤمر ، أي اقصد . وقيل ; فاصدع بما تؤمر أي فرق جمعهم وكلمتهم بأن تدعوهم إلى التوحيد فإنهم يتفرقون بأن يجيب البعض ; فيرجع الصدع على هذا إلى صدع جماعة الكفار .قوله تعالى ; وأعرض عن المشركين أي عن الاهتمام باستهزائهم وعن المبالاة بقولهم ، فقد برأك الله عما يقولون . وقال ابن عباس ; ( هو منسوخ بقوله فاقتلوا المشركين ) . وقال عبد الله بن عبيد ; ما زال النبي - صلى الله عليه وسلم - مستخفيا حتى نزل قوله - تعالى - ; فاصدع بما تؤمر فخرج هو وأصحابه . وقال مجاهد ; أراد الجهر بالقرآن في الصلاة . وأعرض عن المشركين لا تبال بهم .
حدثنا ابن وكيع، قال; ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، مولى زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس، قال; أنـزل الله تعالى ذكره; ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) فإنه أمر من الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم بتبليغ رسالته قومه ، وجميع من أرسل إليه ، ويعني بقوله ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) ; فامض وافرُق، كما قال أبو ذؤَيب;وكــــأنَّهُنَّ رَبابَـــةٌ وكأنَّـــهُيُسـرٌ يُفيـضُ عـلى القِـداح ويَصْدَعُ (5)يعني بقوله; يَصْدَع ; يُفَرِّق بالقداح.وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك;حدثني المثنى، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) يقول; فأمضه.حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) يقول; افعل ما تؤمر.حدثني الحسين بن يزيد الطحان، قال; ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد، في قوله ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) قال; بالقرآن.حدثني نصر بن عبد الرحمن الأَوْديّ، قال; ثنا يحيى بن إبراهيم، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) قال; هو القرآن.حدثني أبو السائب، قال; ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، في قوله ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) قال; بالقرآن.حدثني أبو السائب، قال; ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، في قوله ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) قال; الجهر بالقرآن في الصلاة.حدثنا أحمد، قال; ثنا أحمد، قال; ثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) قال; بالقرآن في الصلاة.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء ، وحدثني المثنى، قال; ثنا أبو حذيفة، قال; ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) قال; اجهر بالقرآن في الصلاة.حدثني المثنى، قال; ثنا إسحاق، قال ; ثنا أبو أسامة، قال; ثنا موسى بن عبيدة، عن أخيه عبد الله بن عبيدة قال; مازال النبيّ مستخفيا حتى نـزلت ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) فخرج هو وأصحابه.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) قال; بالقرآن الذي يوحى إليه أن يبلغهم إياه ، وقال تعالى ذكره; ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) ولم يقل; بما تؤمر به، والأمر يقتضي الباء ، لأن معنى الكلام; فاصدع بأمرنا، فقد أمرناك أن تدعو إلى ما بعثناك به من الدين خلقي وأذنَّا لك في إظهاره.ومعنى " ما " التي في قوله ( بِمَا تُؤْمَرُ ) معنى المصدر، كما قال تعالى ذكره يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ معناه; افعل الأمر الذي تؤمر به ، وكان بعض نحويِّي أهل الكوفة يقول في ذلك; حذفت الباء التي يوصل بها تؤمر من قوله ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) على لغة الذين يقولون; أمرتك أمرا ، وكان يقول; للعرب في ذلك لغتان; إحداهما أمرتك أمرا، والأخرى أمرتك بأمر، فكان يقول; إدخال الباء في ذلك وإسقاطها سواء. واستشهد لقوله ذلك بقول حصين بن المنذر الرقاشي ليزيد بن المهلَّب;أمَــرْتُكَ أمْــرًا جازِمـا فَعَصَيْتَنـيفـأصْبَحْتَ مَسـلُوبَ الإمـارَةِ نادِمـا (6)فقال أمرتك أمرا، ولم يقل; أمرتك بأمر، وذلك كما قال تعالى; ذكره; أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ ولم يقل; بربهم، وكما قالوا; مددت الزمام، ومددت بالزمام، وما أشبه ذلك من الكلام .وأما قوله ( وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) ويقول تعالى ذكره لنبييه صلى الله عليه وسلم; بلغ قومك ما أرسلتَ به، واكفف عن حرب المشركين بالله وقتالهم. وذلك قبل أن يفرض عليه جهادهم، ثم نَسَخَ ذلك بقوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ .كما حدثنا محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) وهو من المنسوخ.حدثني المثنى، قال; ثنا سويد، قال; أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله ( وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) و قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ وهذا النحو كله في القرآن أمر الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك منه، ثم أمره بالقتال، فنَسَخَ ذلك كله، فقال; ( خُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ ) ...الآية.
ثم أمر الله رسوله ان لا يبالي بهم ولا بغيرهم وأن يصدع بما أمر الله ويعلن بذلك لكل أحد ولا يعوقنه عن أمره عائق ولا تصده أقوال المتهوكين، { وأعرض عن المشركين } أي: لا تبال بهم واترك مشاتمتهم ومسابتهم مقبلا على شأنك
(الفاء) استئنافيّة
(اصدع) فعل أمر، والفاعل أنت
(الباء) حرف جرّ
(ما) اسم موصول مبني في محلّ جرّ متعلّق بـ (اصدع) ،
(الواو) عاطفة
(أعرض) مثل اصدع و (تؤمر) مضارع مرفوع مبنيّ للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(عن المشركين) جارّ ومجرور متعلّق بـ (أعرض) .
جملة: «اصدع ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «تؤمر ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .وجملة: «أعرض ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة اصدع.
(إنّا) مثل إنّي ،
(كفيناك) مثل آتيناك ،
(المستهزئين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء.
وجملة: «إنّا كفيناك ... » لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: «كفيناك ... » في محلّ رفع خبر إنّا.
(الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب نعت للمستهزئين ،
(يجعلون) مضارع مرفوع.. و (الواو) فاعلـ (مع) ظرف منصوب متعلّق بمحذوف مفعول به ثان
(الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور
(إلها) مفعول به أوّل منصوبـ (آخر) نعت لـ (إلها) منصوب، ومنع من التنوين لأنه صفة على وزن أفعلـ (الفاء) استئنافيّة
(سوف) حرف استقبالـ (يعلمون) مضارع مرفوع.. و (الواو) فاعل، ومفعوله محذوف أي يعلمون عاقبة أمرهم.
وجملة: «يجعلون ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «يعلمون ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
- القرآن الكريم - الحجر١٥ :٩٤
Al-Hijr15:94