قَالَ أَرَءَيْتَكَ هٰذَا الَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلٰى يَوْمِ الْقِيٰمَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلًا
قَالَ اَرَءَيۡتَكَ هٰذَا الَّذِىۡ كَرَّمۡتَ عَلَىَّ لَٮِٕنۡ اَخَّرۡتَنِ اِلٰى يَوۡمِ الۡقِيٰمَةِ لَاَحۡتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهٗۤ اِلَّا قَلِيۡلًا
تفسير ميسر:
وقال إبليس جراءة على الله وكفرًا به; أرأيت هذا المخلوق الذي ميزته عليَّ؟ لئن أبقيتني حيًا إلى يوم القيامة لأستولينَّ على ذريته بالإغواء والإفساد، إلا المخلصين منهم في الإيمان، وهم قليل.
"قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي" الآية قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول لأستولين على ذريته إلا قليلا وقال مجاهد لأحتوين وقال ابن زيد لأضلنهم وكلها متقاربة والمعنى أرأيتك هذا الذي شرفته وعظمته علي لئن أنظرتني لأضلن ذريته إلا قليلا منهم.
قال أرأيتك أي قال إبليس . [ ص; 258 ] والكاف توكيد للمخاطبة .هذا الذي كرمت علي أي فضلته علي . ورأى جوهر النار خيرا من جوهر الطين ولم يعلم أن الجواهر متماثلة . وقد تقدم هذا في [ الأعراف ] . وهذا نصب ب أرأيت . الذي نعته . والإكرام ; اسم جامع لكل ما يحمد . وفي الكلام حذف تقديره ; أخبرني عن هذا الذي فضلته علي ، لم فضلته وقد خلقتني من نار وخلقته من طين ؟ فحذف لعلم السامع . وقيل ; لا حاجة إلى تقدير الحذف ; أي أترى هذا الذي كرمته علي لأفعلن به كذا وكذا .ومعنى لأحتنكن في قول ابن عباس ; لأستولين عليهم . وقاله الفراء . مجاهد ; لأحتوينهم . ابن زيد ; لأضلنهم . والمعنى متقارب ; أي لأستأصلن ذريته بالإغواء والإضلال ، ولأجتاحنهم . وروي عن العرب ; احتنك الجراد الزرع إذا ذهب به كله . وقيل ; معناه لأسوقنهم حيث شئت وأقودنهم حيث أردت . ومن قولهم ; حنكت الفرس أحنكه وأحنكه حنكا إذا جعلت في فيه الرسن . وكذلك احتنكه . والقول الأول قريب من هذا ; لأنه إنما يأتي على الزرع بالحنك . وقال الشاعر ;أشكو إليك سنة قد أجحفت جهدا إلى جهد بنا وأضعفتواحتنكت أموالنا واجتلفتإلا قليلا يعني المعصومين ، وهم الذين ذكرهم الله في قوله ; إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وإنما قال إبليس ذلك ظنا ; . كما قال الله - تعالى - ; ولقد صدق عليهم إبليس ظنه أو علم من طبع البشر تركب الشهوة فيهم ; أو بنى على قول الملائكة ; أتجعل فيها من يفسد فيها . وقال الحسن ; ظن ذلك لأنه وسوس إلى آدم - عليه السلام - فلم يجد له عزما .
وقوله ( أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ ) يقول تعالى ذكره; أرأيت هذا الذي كرّمته عليّ، فأمرتني بالسجود له، ويعني بذلك آدم ( لَئِنْ أَخَّرْتَنِي ) أقسم عدوّ الله، فقال لربه; لئن أخرت إهلاكي إلى يوم القيامة ( لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا ) يقول; لأستولين عليهم، ولأستأصلنهم، ولأستميلنهم يقال منه; احتنك فلان ما عند فلان من مال أو علم أو غير ذلك؛ ومنه قول الشاعر;نَشْــكُو إِلَيْــكَ سَـنَةً قَـدْ أجْحَـفَتْجَــهْدًا إلـى جَـهْدٍ بنـا فـأضْعَفَتْواحْتَنَكـَتْ أمْــوَالَنا وجَـلَّفَتْ (5)وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال ; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، في قول الله تبارك وتعالى ( لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا ) قال; لأحتوينهم.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.حدثني عليّ، قال; ثنا عبد الله، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا ) يقول; لأستولينّ.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله ( لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا ) قال; لأضلنهم، وهذه الألفاظ وإن اختلفت فإنها متقاربات المعنى، لأن الاستيلاء والاحتواء بمعنى واحد، وإذا استولى عليهم فقد أضلهم.-------------------------الهوامش ;(5) هذه أبيات ثلاثة من مشطور الرجز، من الأرجوزة السادسة في بقية ديوان الزفيان السعدي (عطاء بن أسيد الراجز) وهي ملحقة بديوان العجاج المطبوع في ليبزج سنة 1903 ص 65، مع اختلاف في رواية بعضها. والبيتان الأولان هما;نشــكو إليــك سـنة قـد جـلفتأموالنــا مــن أصلهــا وجـرفتأما البيت الثالث فليس في الأرجوزة. ومعنى أجحفت; أضرت بنا، وذهبت أموالنا، فلقينا من شهدتها جهدا إلى جهد. واحتنكت; قال أبو عبيدة في مجاز القرآن (;384) يقال; احتنك فلان ما عند فلان أجمع من مال أو علم أو حديث أو غيره; أخذه كله واستقصاه. قال; نشكو إليك...إلخ الأبيات. ومعنى جلفت; قشرت أو قشر الجلد مع شيء من اللحم. والأبيات شاهد على أن الاحتناك معناه الاستئصال.
فلما تبين لإبليس تفضيل الله لآدم { قَالَ } مخاطبا لله: { أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } أي: لأستأصلنهم بالإضلال ولأغوينهم { إِلَّا قَلِيلًا } عرف الخبيث أنه لا بد أن يكون منهم من يعاديه ويعصيه.
(قال) فعل ماض، والفاعل ضمير تقديره هو أي الشيطان
(الهمزة) للاستفهام
(رأيتك) فعل ماض وفاعله ... و (الكاف) حرف خطاب ، أي أخبرني
(ها) حرف تنبيه
(ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ نصب مفعول به
(الذي) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب بدل من اسم الإشارة- أو عطف بيان-
(كرّمت) مثل رأيت
(على) حرف جرّ و (الياء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (كرّمت) ... والمفعول الثاني جملة استفهاميّة مقدّرة دلّت عليها صلة الموصول أي لم كرّمته عليّ
(اللام) موطّئة للقسم
(إن) حرف شرط جازم
(أخّرتن) فعل ماض مبنيّ على السكون في محلّ جزم فعل الشرط.. و (التاء) ضمير فاعل، و (النون) للوقاية، و (الياء) المحذوفة للتخفيف ضمير مفعول به
(إلى يوم) جارّ ومجرور متعلّق بـ (أخّرت)
(القيامة) مضاف إليه مجرور
(اللام) لام القسم
(أحتنكنّ) مضارع مبنيّ على الفتح في محلّ رفع، و (النون) نون التوكيد، والفاعل أنا
(ذرّيّته) مفعول به منصوب.. و (الهاء) مضاف إليه
(إلّا) أداة استثناء
(قليلا) منصوب على الاستثناء.
جملة: «قال ... » لا محلّ لها استئنافيّة وجملة: «أرأيتك ... » في محلّ نصب مقول القول وجملة: «كرّمت ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذي) وجملة: «أخّرت ... » لا محلّ لها استئنافيّة وجملة: «أحتنكنّ ... » لا محلّ لها جواب القسم.. وجواب الشرط محذوف دلّ عليه جواب القسم 63-
(قال) مثل الأول، والفاعل هو أي الله
(اذهب) فعل أمر، والفاعل أنت
(الفاء) عاطفة
(من) اسم شرط مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ
(تبعك) فعل ماض، و (الكاف) ضمير مفعول به، والفاعل هو، والفعل في محلّ جزم فعل الشرط
(من) حرف جرّ و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بحال من الفاعل(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(إنّ) حرف مشبّه بالفعلـ (جهنّم) اسم إنّ منصوب ومنع من التنوين للعلميّة والتأنيث
(جزاؤكم) خبر إنّ مرفوع..
و (كم) ضمير مضاف إليه
(جزاء) مفعول مطلق منصوب عامله المصدر قبله ،
(موفورا) نعت لجزاء منصوب.
وجملة: «قال ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ وجملة: «اذهب ... » في محلّ نصب مقول القول وجملة: «من تبعك ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة قال وجملة: «تبعك ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(من) وجملة: «إنّ جهنّم جزاؤكم ... » في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء 64-
(الواو) استئنافيّة
(استفزز) فعل أمر، والفاعل أنت
(من) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به
(استطعت) مثل كرّمت
(منهم) مثل الأول متعلّق بحال من العائد المحذوف أي استطعت أن تستفزّه منهم
(بصوتك) جارّ ومجرور متعلّق بـ (استفزز) .. و (الكاف) مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(أجلب) مثل استفزز
(عليهم) مثل منهم متعلّق بـ (أجلب) ،
(بخيلك) جارّ ومجرور متعلّق بحال من فاعل أجلب .. و (الكاف) مثل الأخير
(الواو) عاطفة
(رجلك) معطوف على خيلك ويعرب مثله
(الواو) عاطفة
(شاركهم) مثل استفزز.. و (هم) ضمير مفعول به
(في الأموال) جارّ ومجرور متعلّقبـ (شارك) ،
(الواو) عاطفة
(الأولاد) معطوف على الأموال مجرور
(الواو) عاطفة
(عدهم) مثل شاركهم
(الواو) حاليّة
(ما) نافية
(يعدهم) مضارع مرفوع.. و (هم) مفعول به
(الشيطان) فاعل مرفوع
(إلّا) للحصر
(غرورا) مفعول مطلق نائب عن المصدر لأنّه صفته أي إلّا وعدا غرورا .
وجملة: «استفزز ... » لا محلّ لها استئناف في حيّز القول وجملة: «استطعت ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) وجملة: «اجلب ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة استفزز وجملة: «شاركهم ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة استفزز وجملة: «عدهم ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة استفزز وجملة: «يعدهم الشيطان ... » في محلّ نصب حال 65-
(إنّ عبادي) مثل إنّ جهنّم، وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على ما قبل الياء ... و (الياء) مضاف إليه
(ليس) فعل ماض ناقص جامد
(اللام) حرف جرّ و (الكاف) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخبر ليس
(عليهم) مثل منهم متعلّق بالخبر
(سلطان) اسم ليس مرفوع
(الواو) عاطفة
(كفى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر
(الباء) حرف جرّ زائد
(ربّك) مجرور لفظا مرفوع محلا فاعل كفى.. و (الكاف) مضاف إليه
(وكيلا) حال منصوبة .
وجملة: «إنّ عبادي ليس لك ... » لا محلّ لها استئناف في حيّز القول وجملة: «ليس لك عليهم سلطان ... » في محلّ رفع خبر إنّ وجملة: «كفى بربّك وكيلا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة إنّ عبادي ...