الرسم العثمانيالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِىٓ أَنزَلَ عَلٰى عَبْدِهِ الْكِتٰبَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُۥ عِوَجًا ې
الـرسـم الإمـلائـياَ لۡحَمۡدُ لِلّٰهِ الَّذِىۡۤ اَنۡزَلَ عَلٰى عَبۡدِهِ الۡكِتٰبَ وَلَمۡ يَجۡعَلْ لَّهٗ عِوَجًا ؕ
تفسير ميسر:
الثناء على الله بصفاته التي كلُّها أوصاف كمال، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، الذي تفضَّل فأنزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم القرآن، ولم يجعل فيه شيئًا من الميل عن الحق.
سورة الكهف ذكر ما ورد في فضلها والعشر الآيات من أولها وآخرها وأنها عصمة من الدجال "قال الإمام أحمد; حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت البراء يقول; قرأ رجل الكهف وفي الدار دابة فجعلت تنفر فنظر فإذا ضبابة أو سحابة قد غشيته فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " اقرأ فلان فإنها السكينة تنزل عند القرآن أو تنزلت للقرآن " أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة به وهذا الرجل الذي كان يتلوها هو أسيد بن الحضير كما تقدم في تفسير سورة البقرة.وقال الإمام أحمد; حدثنا يزيد أخبرنا همام بن يحيى عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف. عصم من الدجال " رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي من حديث قتادة به ولفظ الترمذي " من حفظ ثلاث آيات من أول الكهف " وقال حسن صحيح "طريق أخرى "قال الإمام أحمد; حدثنا حجـاج حدثنا شعبة عن قتادة سمعت سالم بن أبي الجعد يحدث عن معدان عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال " ورواه مسلم أيضًا والنسائي من حديث قتادة به وفي لفظ النسائي " من قرأ عشر آيات من الكهف " فذكره " حديث آخر" وقد رواه النسائي في اليوم والليلة عن محمد بن عبد الأعلى عن خالد عن شعبة عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف فإنه عصمة له من الدجال " فيحتمل أن سالمًا سمعه من ثوبان ومن أبي الدرداء وقال أحمد; حـدثنا حسين حدثنا ابن لهيعة حدثنا زبان بن فايد عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " من قرأ أول سورة الكهف وآخرها كانت له نورا من قدمه إلى رأسه ومن قرأها كلها كانت له نورًا ما بين السماء والأرض " انفرد به أحمد ولم يخرجوه وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره بإسناد له غريب عن خالد بن سعيد بن أبي مريم عن نافع عن ابن عمر قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضئ له يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين " وهذا الحديث في رفعه نظر وأحسن أحواله الوقف. وهكذا روى الإمام سعيد بن منصور في سننه عن هشيم بن بشير عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال; من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق هكذا وقع موقوفًا وكذا رواه الثوري عن أبي هاشم به من حديث أبي سعيد الخدري وقد أخرجه الحاكم في مستدركه عن أبي بكر محمد بن المؤمل حدثنا الفضيل بن محمد الشعراني حدثنا نعيم بن حماد حدثنا هشيم حدثنا أبو هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين الجمعتين" ثم قال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وهكذا رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في سننه عن الحاكم ثم قال البيهقي ورواه يحيى بن كثير عن شعبة عن أبي هاشم بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قرأ سورة الكهف كما نزلت كانت له نورًا يوم القيامة " وفي المختارة للحافظ الضياء المقدسي عن عبدالله بن مصعب عن منظور بن زيد بن خالد الجهني عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي مرفوعًا; "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة وإن خرج الدجال عصم منه". قد تقدم في أول التفسير أنه تعالى يحمد نفسه المقدسة عند فواتح الأمور وخواتمها فإنه المحمود على كل حال وله الحمد في الأولى والآخرة ولهذا حمد نفسه على إنزاله كتابه العزيز على رسوله الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه فإنه أعظم نعمة أنعمها الله على أهل الأرض إذ أخرجهم به من الظلمات الى النور حيث جعله كتابًا مستقيمًا لا اعوجاج فيه ولا زيغ بل يهدي إلى صراط مستقيم واضحًا بينًا جليًا نذيرًا للكافرين بشيرا للمؤمنين ولهذا قال " ولم يجعل له عوجا " أي لم يجعل فيه اعوجاجًا ولا زيغًا ولا ميلا بل جعله معتدًلا مستقيمًا.
بسم الله الرحمن الرحيمسورة الكهفوهي مكية في قول جميع المفسرين . روي عن فرقة أن أول السورة نزل بالمدينة إلى قوله جرزا ، والأول أصح . وروي في فضلها من حديث أنس أنه قال ; من قرأ بها أعطي نورا بين السماء والأرض ووقي بها فتنة القبر . وقال إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ; إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ; ألا أدلكم على سورة شيعها سبعون ألف ملك ملأ عظمها ما بين السماء والأرض لتاليها مثل ذلك . قالوا ; بلى يا رسول الله ؟ قال ; سورة أصحاب الكهف من قرأها يوم الجمعة غفر له الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام وأعطي نورا يبلغ السماء ووقي فتنة الدجال ذكره الثعلبي ، والمهدوي أيضا بمعناه . وفي مسند الدارمي عن أبي سعيد الخدري قال ; من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق . وفي صحيح مسلم عن أبي الدرداء أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال ; من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال . وفي رواية من آخر الكهف . وفي مسلم أيضا من حديث النواس بن سمعان فمن أدركه - يعني الدجال - فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف . [ ص; 312 ] وذكره الثعلبي . قال ; سمرة بن جندب قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ; من قرأ عشر آيات من سورة الكهف حفظا لم تضره فتنة الدجال . ومن قرأ السورة كلها دخل الجنة .بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاقوله تعالى ; الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما ذكر ابن إسحاق أن قريشا بعثوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود وقالوا لهما ; سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله ; فإنهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء ; فخرجا حتى قدما المدينة ، فسألا أحبار يهود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ووصفا لهم أمره ، وأخبراهم ببعض قوله ، وقالا لهم ; إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا . فقالت لهما أحبار يهود ; سلوه عن ثلاث نأمركم بهن ، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، وإن لم يفعل فالرجل متقول ، فروا فيه رأيكم ; سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ، ما كان أمرهم ; فإنه قد كان لهم حديث عجب . سلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، ما كان نبؤه . وسلوه عن الروح ، ما هي ; فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي ، وإن لم يفعل فهو رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم . فأقبل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط حتى قدما مكة على قريش فقالا ; يا معشر قريش ، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد - صلى الله عليه وسلم - قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها ، فإن أخبركم عنها فهو نبي ، وإن لم يفعل فالرجل متقول ، فروا فيه رأيكم . فجاءوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا ; يا محمد ، أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ، قد كانت لهم قصة عجب ، وعن رجل كان طوافا قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، وأخبرنا عن الروح ما هي ؟ قال فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; أخبركم بما سألتم عنه غدا ولم يستثن . فانصرفوا عنه ، فمكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يزعمون خمس عشرة ليلة ، لا [ ص; 313 ] يحدث الله إليه في ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل ، حتى أرجف أهل مكة وقالوا ; وعدنا محمد غدا ، واليوم خمس عشرة ليلة ، وقد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه ; وحتى أحزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث الوحي عنه ، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ، ثم جاءه جبريل - عليه السلام - من عند الله - عز وجل - بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم ، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية ، والرجل الطواف والروح . قال ابن إسحاق ; فذكر لي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل ; لقد احتبست عني يا جبريل حتى سؤت ظنا فقال له جبريل ; وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا . فافتتح السورة - تبارك وتعالى - بحمده ، وذكر نبوة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لما أنكروا عليه من ذلك فقال ; الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب يعني محمدا ، إنك رسول مني ، أي تحقيق لما سألوا عنه من نبوتك . ولم يجعل له عوجا قيما أي معتدلا لا اختلاف فيه . لينذر بأسا شديدا من لدنه أي عاجل عقوبته في الدنيا ، وعذابا أليما في الآخرة ، أي من عند ربك الذي بعثك رسولا . ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا أي دار الخلد لا يموتون فيها ، الذين صدقوك بما جئت به مما كذبك به غيرهم ، وعملوا بما أمرتهم به من الأعمال . وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا يعني قريشا في قولهم ; إنا نعبد الملائكة وهي بنات الله . ما لهم به من علم ولا لآبائهم الذين أعظموا فراقهم وعيب دينهم . كبرت كلمة تخرج من أفواههم أي لقولهم إن الملائكة بنات الله . إن يقولون إلا كذبا فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا لحزنه عليهم حين فاته ما كان يرجوه منهم ، أي لا تفعل . قال ابن هشام ; باخع نفسك مهلك نفسك ; فيما حدثني أبو عبيدة . قال ذو الرمة ;ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه بشيء نحته عن يديه المقادروجمعها باخعون وبخعة . وهذا البيت في قصيدة له . وقول العرب ; قد بخعت له نصحي ونفسي ، أي جهدت له . إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا قال ابن إسحاق ; أي أيهم أتبع لأمري وأعمل بطاعتي ; وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا أي الأرض ، وإن ما عليها لفان وزائل ، وإن المرجع إلي فأجزي كلا بعمله ; [ ص; 314 ] فلا تأس ولا يحزنك ما ترى وتسمع فيها . قال ابن هشام ; الصعيد وجه الأرض ، وجمعه صعد . قال ذو الرمة يصف ظبيا صغيرا ;كأنه بالضحى ترمي الصعيد به دبابة في عظام الرأس خرطوموهذا البيت في قصيدة له . والصعيد أيضا ; الطريق ، وقد جاء في الحديث ; إياكم والقعود على الصعدات يريد الطرق . والجرز ; الأرض التي لا تنبت شيئا ، وجمعها أجراز . ويقال ; سنة جرز وسنون أجراز ; وهي التي لا يكون فيها مطر . وتكون فيها جدوبة ويبس وشدة . قال ذو الرمة يصف إبلا ;طوى النحز والأجراز ما في بطونها فما بقيت إلا الضلوع الجراشعقال ابن إسحاق ; ثم استقبل قصة الخبر فيما سألوه عنه من شأن الفتية فقال ; أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا أي قد كان من آياتي فيما وضعت على العباد من حجتي ما هو أعجب من ذلك . قال ابن هشام ; والرقيم الكتاب الذي رقم بخبرهم ، وجمعه رقم . قال العجاج ;ومستقر المصحف المرقموهذا البيت في أرجوزة له . قال ابن إسحاق ; ثم قال إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا . ثم قال ; نحن نقص عليك نبأهم بالحق أي بصدق الخبر إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا أي لم يشركوا بي كما أشركتم بي ما ليس لكم به علم . قال ابن هشام ; والشطط الغلو ومجاوزة الحق . قال أعشى بن قيس بن ثعلبة ;[ ص; 315 ]أتنتهون ولا ينهى ذوي شطط كالطعن يذهب فيه الزيت والفتلوهذا البيت في قصيدة له . قال ابن إسحاق ; هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين . قال ابن إسحاق ; أي بحجة بالغة . فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه . قال ابن هشام ; تزاور تميل ; وهو من الزور . وقال أبو الزحف الكليبي يصف بلدا ;جدب المندى عن هوانا أزور ينضي المطايا خمسه العشنزروهذان البيتان في أرجوزة له . وتقرضهم ذات الشمال تجاوزهم وتتركهم عن شمالها . قال ذو الرمة ;إلى ظعن يقرضن أقواز مشرف شمالا وعن أيمانهن الفوارسوهذا البيت في قصيدة له . والفجوة ; السعة ، وجمعها الفجاء . قال الشاعر ;ألبست قومك مخزاة ومنقصة حتى أبيحوا وحلوا فجوة الدارذلك من آيات الله أي في الحجة على من عرف ذلك من أمورهم من أهل الكتاب ممن أمر هؤلاء بمسألتك عنهم في صدق نبوتك بتحقيق الخبر عنهم . من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا . وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد قال ابن هشام ; الوصيد الباب . قال العبسي واسمه عبد بن وهب ;بأرض فلاة لا يسد وصيدها علي ومعروفي بها غير منكروهذا البيت في أبيات له . والوصيد أيضا الفناء ، وجمعه وصائد ووصد ووصدان . لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا - إلى قوله - الذين غلبوا على أمرهم أهل السلطان والملك منهم لنتخذن عليهم مسجدا سيقولون يعني أحبار اليهود الذين أمروهم بالمسألة عنهم . ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم أي لا تكابرهم . إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا فإنهم لا علم لهم بهم ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا . إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا [ ص; 316 ] أي لا تقولن لشيء سألوك عنه كما قلت في هذا إني مخبركم غدا ، واستثن مشيئة الله ، واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لخبر ما سألتموني عنه رشدا ، فإنك لا تدري ما أنا صانع في ذلك . ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا أي سيقولون ذلك . قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا أي لم يخف عليه شيء مما سألوك عنه .قلت ; هذا ما وقع في السيرة من خبر أصحاب الكهف ذكرناه على نسقه . ويأتي خبر ذي القرنين ، ثم نعود إلى أول السورة فنقول ; قد تقدم معنى الحمد لله . وزعم الأخفش والكسائي والفراء وأبو عبيد وجمهور المتأولين أن في أول هذه السورة تقديما وتأخيرا ، وأن المعنى ; الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا . قيما نصب على الحال . وقال قتادة ; الكلام على سياقه من غير تقديم ولا تأخير ، ومعناه ; ولم يجعل له عوجا ولكن جعلناه قيما . وقول الضحاك فيه حسن ، وأن المعنى ; مستقيم ، أي مستقيم الحكمة لا خطأ فيه ولا فساد ولا تناقض . وقيل ; قيما على الكتب السابقة يصدقها . وقيل ; قيما بالحجج أبدا .عوجا مفعول به ; والعوج ( بكسر العين ) في الدين والرأي والأمر والطريق . وبفتحها في الأجسام كالخشب والجدار ; وقد تقدم . وليس في القرآن عوج ، أي عيب ، أي ليس متناقضا مختلقا ; كما قال - تعالى - ; ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وقيل ; أي لم يجعله مخلوقا ; كما روي عن ابن عباس في قوله - تعالى - قرآنا عربيا غير ذي عوج قال ; غير مخلوق . وقال مقاتل ; عوجا اختلافا . قال الشاعر ;أدوم بودي للصديق تكرما ولا خير فيمن كان في الود أعوجا
القول في تأويل قوله عز ذكره ; الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; الحمد لله الذي خص برسالته محمدا وانتخبه لبلاغها عنه، فابتعثه إلى خلقه نبيا مرسلا وأنـزل عليه كتابه قيما، ولم يجعل له عوجا.وعنى بقوله عز ذكره; قَيِّمًا معتدلا مستقيما، وقيل; عنى به; أنه قيم على سائر الكتب يصدقها ويحفظها.* ذكر من قال عنى به معتدلا مستقيما; حدثني علي بن داود، قال; ثنا عبد الله بن صالح، قال; ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله; وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا يقول; أنـزل الكتاب عدلا قيما، ولم يجعل له عوجا، فأخبر ابن عباس بقوله هذا مع بيانه معنى القيم أن القيم مؤخر بعد قوله، ولم يجعل له عوجا، ومعناه التقديم بمعنى; أنـزل الكتاب على عبده قيما.حدثت عن محمد بن زيد، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله قَيِّمًا قال; مستقيما.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا سلمة، عن ابن إسحاق وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ; أي معتدلا لا اختلاف فيه.حدثنا الحسن بن يحيى، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله; وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا قال; أنـزل الله الكتاب قيما، ولم يجعل له عوجا.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْـزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا .قال; وفي بعض القراءات; " ولكن جعله قيما " .والصواب من القول في ذلك عندنا ; ما قاله ابن عباس، ومن قال بقوله في ذلك، لدلالة قوله; ( وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ) فأخبر جل ثناؤه أنه أنـزل الكتاب الذي أنـزله إلى محمد صلى الله عليه وسلم قَيِّمًا مستقيما لا اختلاف فيه ولا تفاوت، بل بعضه يصدق بعضا، وبعضه يشهد لبعض، لا عوج فيه، ولا ميل عن الحق، وكسرت العين من قوله ( عِوَجًا ) لأن العرب كذلك تقول في كل اعوجاج كان في دين، أو فيما لا يرى شخصه قائما، فيُدْرَك عِيانا منتصبا كالعاج في الدين، ولذلك كُسِرت العين في هذا الموضع، وكذلك العِوَج في الطريق، لأنه ليس بالشخص المنتصب ، فأما ما كان من عِوَج في الأشخاص المنتصبة قياما، فإن عينها تفتح كالعَوج في القناة، والخشبة، ونحوها، وكان ابن عباس يقول في معنى قوله ( وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ) ; ولم يجعل له ملتبسا.* ذكر من قال ذلك;حدثنا عليّ، قال; ثنا عبد الله، قال; ثني معاوية، عن عليّ ، عن ابن عباس وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ولم يجعل له ملتبسا.ولا خلاف أيضا بين أهل العربية في أن معنى قوله قَيِّمًا وإن كان مؤخرا، التقديم إلى جنب الكتاب، وقيل إنما افتتح جلّ ثناؤه هذه السورة بذكر نفسه بما هو له أهل، وبالخبر عن إنـزال كتابه على رسوله إخبارا منه للمشركين من أهل مكة، بأن محمدا رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن المشركين كانوا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء علمهموها اليهود من قريظة والنضير، وأمروهم بمسآلتهموه عنها، وقالوا; إن أخبركم بها فهو نبيٌّ ، وإن لم يخبركم بها فهو متقوّل، فوعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للجواب عنها موعدا، فأبطأ الوحي عنه بعض الإبطاء، وتأخّر مجيء جبرائيل عليه السلام عنه عن ميعاده القوم، فتحدث المشركون بأنه أخلفهم موعده، وأنه متقوّل، فأنـزل الله هذه السورة جوابا عن مسائلهم، وافتتح أوّلها بذكره ، وتكذيب المشركين في أحدوثتهم التي تحدثوها بينهم.*ذكر من قال ذلك; حدثنا أبو كريب، قال; ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال; ثني شيخ من أهل مصر، قدم منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس ، فيما يروي أبو جعفر الطبري (3) قال; بعثت قريش النضر بن الحارث، وعُقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، فقالوا لهم; سلوهم عن محمد، وصِفُوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدينة، فسألوا أحبار يهودَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفوا لهم أمره وبعض قوله، وقالا إنكم أهل التوراة ، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، قال; فقالت لهم أحبار يهود; سلوه عن ثلاث نأمركم بهنّ، فإن أخبركم بهنّ فهو نبيّ مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل، فَرَأوا فيه رأيكم; سلوه عن فِتية ذهبوا في الدهر الأوَّل، ما كان من أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طوّاف، بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فإن أخبركم بذلك، فإنه نبيّ فاتَّبعوه، وإن هو لم يخبركم، فهو رجل متقوّل، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم. فأقبل النضْر وعقبة حتى قَدِما مكة على قريش، فقالا يا معشر قريش; قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد ، قد أمرنا أحبار يهودَ أن نسأله، عن أمور، فأخبروهم بها، فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا; يا محمد أخبرنا، فسألوه عما أمروهم به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم; أُخْبِرُكُمْ غَدًا بِمَا سألْتُمْ عَنْهُ ، ولم يستثن فانصرفوا عنه، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة، لا يُحدِث الله إليه في ذلك وحيا، ولا يأتيه جبرائيل عليه السلام، حتى أرجف أهل مكة وقالوا; وَعَدَنا محمد غدا، واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه ، وحتى أحزنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مُكْثُ الوحي عنه، وشقّ عليه ما يتكلم به أهل مكة ، ثم جاءه جبرائيل عليه السلام ، من الله عزّ وجلّ، بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفِتية والرجل الطوّاف، وقول الله عزّ وجلّ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا [قال ابن إسحاق; فبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح السورة فقال ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنـزلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ) يعني محمدا إنك رسولي في تحقيق ما سألوا عنه من نبوّته وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ; أي معتدلا لا اختلاف فيه.------------------------الهوامش;(1) المكتب; اسم فاعل من أكتب أو من كتب بالتشديد وهو المعلم، يعلم الصبيان كتابة القرآن في ألواحهم.(2) كذا في الأصول، ولم يذكر المتن اتكالا على ما تقدم، وقد تكرر ذلك منه.(3) الظاهر; أن قوله " فيما يروي أبو جعفر الطبري " ; عن عبارة المؤلف عن نفسه ، وليس يعني شخصا آخر ، ولا هو من تعبير بعض تلاميذه عنه.
الحمد لله هو الثناء عليه بصفاته، التي هي كلها صفات كمال، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، وأجل نعمه على الإطلاق، إنزاله الكتاب العظيم على عبده ورسوله، محمد صلى الله عليه وسلم فحمد نفسه، وفي ضمنه إرشاد العباد ليحمدوه على إرسال الرسول إليهم، وإنزال الكتاب عليهم، ثم وصف هذا الكتاب بوصفين مشتملين، على أنه الكامل من جميع الوجوه، وهما نفي العوج عنه، وإثبات أنه قيم مستقيم، فنفي العوج يقتضي أنه ليس في أخباره كذب، ولا في أوامره ونواهيه ظلم ولا عبث، وإثبات الاستقامة، يقتضي أنه لا يخبر ولا يأمر إلا بأجل الإخبارات وهي الأخبار، التي تملأ القلوب معرفة وإيمانا وعقلا، كالإخبار بأسماء الله وصفاته وأفعاله، ومنها الغيوب المتقدمة والمتأخرة، وأن أوامره ونواهيه، تزكي النفوس، وتطهرها وتنميها وتكملها، لاشتمالها على كمال العدل والقسط، والإخلاص، والعبودية لله رب العالمين وحده لا شريك له. وحقيق بكتاب موصوف. بما ذكر، أن يحمد الله نفسه على إنزاله، وأن يتمدح إلى عباده به.
(الحمد) مبتدأ مرفوع
(لله) جارّ ومجرور متعلّق بخبر المبتدأ
(أنزل) فعل ماض، والفاعل هو (على عبده) جارّ ومجرور متعلّق بـ (أنزل) و (الهاء) ضمير مضاف إليه
(الكتاب) مفعول به منصوبـ (الواو) عاطفة
(لم) حرف نفي وجزم
(يجعل) مضارع مجزوم، والفاعل هو (اللام) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف مفعول به ثان
(عوجا) مفعول به أوّل منصوب.جملة: «الحمد لله ... » لا محلّ لها ابتدائيّة.
وجملة: «أنزل ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الّذي) .
وجملة: «لم يجعل ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة .
2-
(قيّما) مفعول به لفعل محذوف تقديره جعله ، منصوبـ (اللام) للتعليلـ (ينذر) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام، والفاعل هو، والمفعول الأول محذوف تقديره الكافرين
(بأسا) مفعول به ثان منصوبـ (شديدا) نعت لـ (بأسا) منصوبـ (من) حرف جرّ
(لدن) اسم مبنيّ على السكون في محلّ جرّ متعلّق بنعت ثان لـ (بأسا) و (الهاء) ضمير مضاف إليه.
والمصدر المؤوّلـ (أن ينذر) في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (أنزل) .
(الواو) عاطفة
(يبشّر) مثل ينذر معطوف عليه
(المؤمنين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء
(الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب نعت للمؤمنين
(يعملون) مضارع مرفوع، وعلامة الرفع ثبوت النون.. و (الواو) فاعلـ (الصالحات) مفعول به منصوب وعلامة النصب الكسرة
(أنَّ ) حرف توكيد ونصبـ (لهم) مثل له متعلّق بخبر أنّ
(أجرا) اسم أنّ منصوبـ (حسنا) نعت لـ (أجرا) منصوب.والمصدر المؤوّلـ (أنّ لهم أجرا..) في محلّ جرّ بباء محذوفة متعلّق بـ (يبشّر) .
جملة: «ينذر ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر.
وجملة: «يبشّر ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة ينذر.
وجملة: «يعملون ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
3- 4-
(ماكثين) حال منصوبة من الضمير في(لهم) والعامل فيها الاستقرار
(في) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (ماكثين) ،
(أبدا) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ (ماكثين) .
(الواو) عاطفة
(ينذر) مثل الأول ومعطوف عليه
(الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به
(قالوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. و (الواو) فاعلـ (اتّخذ) فعل ماض
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(ولدا) مفعول به ثان، والأول محذوف تقديره عيسى أو عزير..
وجملة: «ينذر ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة ينذر
(الأولى) .
وجملة: «قالوا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «اتّخذ الله ... » في محلّ نصب مقول القول.
5-
(ما) نافية
(لهم) مثل له متعلّق بخبر مقدّم
(به) مثل فيه متعلّق بحال من علم
(من) حرف جرّ زائد
(علم) مجرور لفظا مرفوع محلّا مبتدأ مؤخّر
(الواو) عاطفة
(لا) زائدة لتأكيد النفي(لآبائهم) معطوف على الجارّ لهم ويتعلّق بما تعلّق به.. و (هم) ضمير مضاف إليه
(كبرت) فعل ماض لانشاء الذمّ، و (التاء) للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره هي
(كلمة) تمييزللضمير الفاعل، منصوب ،
(تخرج) مضارع مرفوع، والفاعل هي
(من أفواههم) جارّ ومجرور متعلّق بـ (تخرج) ،
(إن) حرف نفي(يقولون) مثل يعملون
(إلّا) أداة حصر
(كذبا) مفعول به منصوب « .
وجملة: «ما لهم به من علم ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «كبرت ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «تخرج ... » في محلّ نصب نعت لكلمة.
وجملة: «يقولون ... » لا محلّ لها تعليليّة.
- القرآن الكريم - الكهف١٨ :١
Al-Kahf18:1