الرسم العثمانيقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُۥ غَيْبُ السَّمٰوٰتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِۦ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِىٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِۦٓ أَحَدًا
الـرسـم الإمـلائـيقُلِ اللّٰهُ اَعۡلَمُ بِمَا لَبِثُوۡا ۚ لَهٗ غَيۡبُ السَّمٰوٰتِ وَالۡاَرۡضِ ؕ اَبۡصِرۡ بِهٖ وَاَسۡمِعۡ ؕ مَا لَهُمۡ مِّنۡ دُوۡنِهٖ مِنۡ وَّلِىٍّ وَّلَا يُشۡرِكُ فِىۡ حُكۡمِهٖۤ اَحَدًا
تفسير ميسر:
وإذا سُئلت -أيها الرسول- عن مدة لبثهم في الكهف، وليس عندك علم في ذلك وتوقيف من الله، فلا تتقدم فيه بشيء، بل قل; الله أعلم بمدة لبثهم، له غيب السموات والأرض، أَبْصِرْ به وأسمع، أي; تعجب من كمال بصره وسمعه وإحاطته بكل شيء. ليس للخلق أحد غيره يتولى أمورهم، وليس له شريك في حكمه وقضائه وتشريعه، سبحانه وتعالى.
وقوله " قل الله أعلم بما لبثوا " أي إذا سئلت عن لبثهم وليس عندك علم في ذلك وتوقيف من الله تعالى فلا تتقدم فيه بشيء بل قل في مثل هذا " الله أعلم بما لبثوا له غيب السموات والأرض " أي لا يعلم ذلك إلا هو ومن أطلعه عليه من خلقه وهذا الذي قلناه عليه غير واحد من علماء التفسير كمجاهد وغير واحد من السلف والخلف وقال قتادة في قوله " ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين " الآية هذا قول أهل الكتاب وقد رده الله تعالى بقوله " قل الله أعلم بما لبثوا " قال وفي قراءة عبد الله وقالوا ولبثوا يعني أنه قاله الناس وهكذا قال قتادة ومطرف بن عبد الله وفي هذا الذي زعمه قتادة نظر فإن الذي بأيدي أهل الكتاب أنهم لبثوا ثلثمائة سنة من غير تسع يعنون بالشمسية ولو كان الله قد حكى قولهم لما قال " وازدادوا تسعا " والظاهر من الآية إنما هو إخبار من الله لا حكاية عنهم وهذا اختيار ابن جرير رحمه الله ورواية قتادة قراءة ابن مسعود منقطعة ثم هي شاذة بالنسبة إلى قراءة الجمهور فلا يحتج بها والله أعلم وقوله " أبصر به وأسمع " أي أنه لبصير بهم سميع لهم.قال ابن جرير; وذلك في معنى المبالغة في المدح كأنه قيل ما أبصره وأسمعه وتأويل الكلام ما أبصر الله لكل موجود وأسمعه لكل مسموع لا يخفى عليه من ذلك شيء.ثم روى عن قتادة في قوله " أبصر به وأسمع " فلا أحد أبصر من الله ولا أسمع وقال ابن زيد " أبصر به وأسمع " يرى أعمالهم ويسمع ذلك منهم سميعًا بصيرًا.وقوله " ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدًا " أي أنه تعالى هو الذي له الخلق والأمر الذي لا معقب لحكمه وليس له وزير ولا نصير ولا شريك ولا مشير تعالى وتقدس.
قوله تعالى ; قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحداقوله تعالى ; قل الله أعلم بما لبثوا قيل بعد موتهم إلى نزول القرآن فيهم ، على قول مجاهد . أو إلى أن ماتوا ; على قول الضحاك . أو إلى وقت تغيرهم بالبلى ; على ما تقدم . وقيل ; بما لبثوا في الكهف ، وهي المدة التي ذكرها الله - تعالى - عن اليهود وإن ذكروا زيادة ونقصانا . أي لا يعلم علم ذلك إلا الله أو من علمه ذلك له غيب السماوات والأرض .قوله تعالى ; أبصر به وأسمع أي ما أبصره وأسمعه . قال قتادة ; لا أحد أبصر من الله ولا أسمع . وهذه عبارات عن الإدراك . ويحتمل أن يكون المعنى أبصر به أي بوحيه وإرشاده هداك وحججك والحق من الأمور ، وأسمع به العالم ; فيكونان أمرين لا على وجه التعجب . وقيل . المعنى أبصرهم وأسمعهم ما قال الله فيهم .ما لهم من دونه من ولي أي لم يكن لأصحاب الكهف ولي يتولى حفظهم دون الله . ويحتمل أن يعود الضمير في لهم على معاصري محمد - صلى الله عليه وسلم - من الكفار . والمعنى ; ما لهؤلاء المختلفين في مدة لبثهم ولي دون الله يتولى تدبير أمرهم ; فكيف يكونون أعلم منه ، أو كيف يتعلمون من غير إعلامه إياهم .قوله تعالى ; ولا يشرك في حكمه أحدا قرئ بالياء ورفع الكاف ، على معنى الخبر [ ص; 348 ] عن الله - تعالى - . وقرأ ابن عامر والحسن وأبو رجاء وقتادة والجحدري " ولا تشرك " بالتاء من فوق وإسكان الكاف على جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويكون قوله " ولا يشرك " عطفا على قوله ; أبصر به وأسمع . وقرأ مجاهد " يشرك " بالياء من تحت والجزم . قال يعقوب ; لا أعرف وجهه .مسألة ; اختلف في أصحاب الكهف هل ماتوا وفنوا ، أو هم نيام وأجسادهم محفوظة ; فروي عن ابن عباس أنه مر بالشام في بعض غزواته مع ناس على موضع الكهف وجبله ، فمشى الناس معه إليه فوجدوا عظاما فقالوا ; هذه عظام أهل الكهف . فقال لهم ابن عباس ; أولئك قوم فنوا وعدموا منذ مدة طويلة ; فسمعه راهب فقال ; ما كنت أحسب أن أحدا من العرب يعرف هذا ; فقيل له ; هذا ابن عم نبينا - صلى الله عليه وسلم - . وروت فرقة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ; ليحجن عيسى ابن مريم ومعه أصحاب الكهف فإنهم لم يحجوا بعد . ذكره ابن عطية .قلت ; ومكتوب في التوراة والإنجيل أن عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله ، وأنه يمر بالروحاء حاجا أو معتمرا أو يجمع الله له ذلك فيجعل الله حواريه أصحاب الكهف والرقيم ، فيمرون حجاجا فإنهم لم يحجوا ولم يموتوا . وقد ذكرنا هذا الخبر بكماله في كتاب " التذكرة " . فعلى هذا هم نيام ولم يموتوا إلى يوم القيامة ، بل يموتون قبيل الساعة .
القول في تأويل قوله ; ( لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) يقول تعالى ذكره; لله علم غيب السماوات والأرض، لا يعزب عنه علم شيء منه، ولا يخفى عليه شيء ، يقول; فسلموا له علم مبلغ ما لبثت الفتية في الكهف إلى يومكم هذا، فإن ذلك لا يعلمه سوى الذي يعلم غيب السماوات والأرض، وليس ذلك إلا الله الواحد القهار.وقوله; ( أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ) يقول; أبصر بالله وأسمع، وذلك بمعنى المبالغة في المدح، كأنه قيل; ما أبصره وأسمعه.وتأويل الكلام; ما أبصر الله لكلّ موجود، وأسمعه لكلّ مسموع، لا يخفى عليه من ذلك شيء.كما حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ) فلا أحد أبصر من الله ولا أسمع، تبارك وتعالى!.حدثنا يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد ، في قوله; ( أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ ) قال; يرى أعمالهم، ويسمع ذلك منهم سميعا بصيرا.وقوله; ( مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ ) يقول جلّ ثناؤه; ما لخلقه دون ربهم الذي خلقهم وليّ ، يلي أمرهم وتدبيرهم، وصرفهم فيما هم فيه مصرفون.( وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ) يقول; ولا يجعل الله في قضائه ، وحكمه في خلقه أحدا سواه شريكا، بل هو المنفرد بالحكم والقضاء فيهم، وتدبيرهم وتصريفهم فيما شاء وأحبّ.
وقوله: { أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ } تعجب من كمال سمعه وبصره، وإحاطتهما بالمسموعات والمبصرات، بعد ما أخبر بإحاطة علمه بالمعلومات. ثم أخبر عن انفراده بالولاية العامة والخاصة، فهو الولي الذي يتولى تدبير جميع الكون، الولي لعباده المؤمنين، يخرجهم من الظلمات إلى النور وييسرهم لليسرى، ويجنبهم العسرى، ولهذا قال: { مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ } أي: هو الذي تولى أصحاب الكهف، بلطفه وكرمه، ولم يكلهم إلى أحد من الخلق. { وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا } وهذا يشمل الحكم الكوني القدري، والحكم الشرعي الديني، فإنه الحاكم في خلقه، قضاء وقدرا، وخلقا وتدبيرا، والحاكم فيهم، بأمره ونهيه، وثوابه وعقابه. ولما أخبر أنه تعالى، له غيب السماوات والأرض، فليس لمخلوق إليها طريق، إلا عن الطريق التي يخبر بها عباده، وكان هذا القرآن، قد اشتمل على كثير من الغيوب
(قل الله أعلم) مثل قلّ ربّي أعلم ،
(بما لبثوا) مثل بما لبثتم ،
(اللام) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخبر مقدّم
(غيب) مبتدأ مؤخّر مرفوع
(السموات) مضاف إليه مجرور
(الأرض) معطوف على السموات بالواو مجرور.
والمصدر المؤوّلـ (ما لبثوا) في محلّ جرّ بالباء متعلّق بـ (أعلم) .
(أبصر) فعل ماض لإنشاء التعجّب أتى على صورة الأمر مبنيّ على الفتح المقدّر لمجيئه على صورة الأمر
(الباء) حرف جرّ زائد و (الهاء) ضمير محلّه القريب الجرّ بالباء ومحلّه البعيد الرفع على الفاعليّة
(الواو) عاطفة،
(أسمع)مثل أبصر وبه مقدّر ،
(ما) نافية
(اللام) حرف جرّ و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخبر مقدّم
(من دونه) جارّ ومجرور متعلّق بحال من وليّ.. و (الهاء) مضاف إليه
(من) حرف جرّ زائد
(وليّ) مجرور لفظا مرفوع محلّا مبتدأ مؤخّر
(الواو) عاطفة
(لا) نافية
(يشرك) مضارع مرفوع، والفاعل هو (في حكمه) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يشرك) ، و (الهاء) مضاف إليه
(أحدا) مفعول به منصوب.
جملة: «قل ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «الله أعلم ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «لبثوا ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أما) .
وجملة: «له غيب السموات ... » لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: «أبصر به ... » لا محلّ لها استئناف في حيّز القول.
وجملة: «أسمع
(به) ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة أبصر به.
وجملة: «ما لهم من دونه من وليّ ... » لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: «لا يشرك ... » لا محلّ لها معطوفة على التعليليّة الأخيرة.
- القرآن الكريم - الكهف١٨ :٢٦
Al-Kahf18:26