الرسم العثمانيهُنَالِكَ الْوَلٰيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا
الـرسـم الإمـلائـيهُنَالِكَ الۡوَلَايَةُ لِلّٰهِ الۡحَـقِّؕ هُوَ خَيۡرٌ ثَوَابًا وَّخَيۡرٌ عُقۡبًا
تفسير ميسر:
في مثل هذه الشدائد تكون الولاية والنصرة لله الحق، هو خير جزاءً، وخير عاقبة لمن تولاهم من عباده المؤمنين.
ويبتدئ بقوله; " الولاية لله الحق " ومنهم من يقف على وما كان منتصرًا ويبتدئ بقوله هنالك الولاية لله الحق ثم اختلفوا في قراءة الولاية فمنهم من فتح الواو من الولاية فيكون المعنى هنالك الموالاة لله أي هنالك كل أحد مؤمن أو كافر يرجع إلى الله وإلى موالاته والخضوع له إذا وقع العذاب كقوله " فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين " وكقوله إخبارًا عن فرعون " حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " ومنهم من كسر الواو من الولاية أي هنالك الحكم لله الحق ثم منهم من رفع الحق على أنه نعت للولاية كقوله تعالى " الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يومًا على الكافرين عسيرًا " ومنهم من خفض القاف على أنه نعت لله عز وجل كقوله; " ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق " الآية ولهذا قال تعالى " هو خير ثوابًا " أي جزاء " وخير عقبًا " أي الأعمال التي تكون لله عزو جل ثوابها خير وعاقبتها حميدة رشيدة كلها خير.
قوله تعالى ; هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا قوله تعالى ; هنالك الولاية لله الحق اختلف في العامل في قوله هنالك وهو ظرف ; فقيل ; العامل فيه ولم تكن له فئة ولا كان هنالك ; أي ما نصر ولا انتصر هنالك ، أي لما أصابه من العذاب . وقيل ; تم الكلام عند قوله منتصرا . والعامل في قوله هنالك ; الولاية . وتقديره على التقديم والتأخير ; الولاية لله الحق هنالك ، أي في القيامة . وقرأ أبو عمرو والكسائي الحق بالرفع نعتا للولاية . وقرأ أهل المدينة وحمزة الحق بالخفض نعتا لله - عز وجل - ، والتقدير ; لله ذي الحق . قال الزجاج ; ويجوز الحق بالنصب على المصدر والتوكيد ; كما تقول ; هذا لك حقا . وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي " الولاية " بكسر الواو ، الباقون بفتحها ، وهما بمعنى واحد كالرضاعة والرضاعة . وقيل ; الولاية بالفتح من الموالاة ; كقوله الله ولي الذين آمنوا . ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا . وبالكسر يعني السلطان والقدرة والإمارة ; كقوله والأمر يومئذ لله أي له الملك والحكم يومئذ ، أي لا يرد أمره إلى أحد ; والملك في كل وقت لله ولكن تزول الدعاوى والتوهمات يوم القيامة . وقال أبو عبيد ; إنها بفتح الواو للخالق ، وبكسرها للمخلوق .هو خير ثوابا أي الله خير ثوابا في الدنيا والآخرة لمن آمن به ، وليس ثم غير يرجى منه ، ولكنه أراد في ظن الجهال ; أي هو خير من يرجى .وخير عقبا قرأ عاصم والأعمش وحمزة ويحيى عقبا ساكنة القاف ، الباقون بضمها ، وهما بمعنى واحد ; أي هو خير عافية لمن رجاه وآمن به . يقال ; هذا عاقبة أمر فلان وعقباه وعقبه ، أي آخره .
القول في تأويل قوله ; ( هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ) يقول عزّ ذكره; ثم وذلك حين حلّ عذاب الله بصاحب الجنتين في القيامة.واختلفت القرّاء في قراءة قوله الولاية، فقرأ بعض أهل المدينة والبصرة والكوفة ( هُنَالِكَ الْوَلايَةُ ) بفتح الواو من الولاية، يعنون بذلك هنالك المُوالاة لله، كقول الله; اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا وكقوله; ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا يذهبون بها إلى الوَلاية في الدين. وقرأ ذلك عامَّة قراء الكوفة ( هُنالِك الوِلايَةُ ) بكسر الواو; من الملك والسلطان، من قول القائل; وَلِيتُ عمل كذا، أو بلدة كذا أليه ولاية.وأولى القراءتين في ذلك بالصواب، قراءة من قرأ بكسر الواو، وذلك أن الله عقب ذلك خبره عن مُلكه وسلطانه، وأن من أحلّ به نقمته يوم القيامة فلا ناصر له يومئذ، فإتباع ذلك الخبر عن انفراده بالمملكة والسلطان أولى من الخبر عن الموالاة التي لم يجر لها ذكر ولا معنى، لقول من قال; لا يسمَّى سلطان الله ولاية، وإنما يسمى ذلك سلطان البشر، لأن الوِلاية معناها أنه يلي أمر خلقه منفردا به دون جميع خلقه، لا أنه يكون أميرا عليهم.واختلفوا أيضا في قراءة قوله (الحَقِّ) فقرأ ذلك عامَّة قرّاء المدينة والعراق خفضا، على توجيهه إلى أنه من نعت الله، وإلى أن معنى الكلام; هنالك الولاية لله الحقّ ألوهيته، لا الباطل بطول (5) ألوهيته التي يدعونها المشركون بالله آلهة ، وقرأ ذلك بعض أهل البصرة وبعض متأخري الكوفيين ( للهِ الحَقُّ ) برفع الحقّ توجيها منهما إلى أنه من نعت الولاية، ومعناه; هنالك الولاية الحقّ، لا الباطل لله وحده لا شريك له.وأولى القراءتين عندي في ذلك بالصواب، قراءة من قرأه خفضا على أنه من نعت الله، وأن معناه ما وصفت على قراءة من قرأه كذلك.وقوله; ( هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا ) يقول عزّ ذكره; خير للمنيبين في العاجل والآجل ثوابا( وَخَيْرٌ عُقْبًا ) يقول; وخيرهم عاقبة في الآجل إذا صار إليه المطيع له، العامل بما أمره الله، والمنتهي عما نهاه الله عنه ، والعقب هو العاقبة، يقال; عاقبة أمر كذا وعُقْباه وعُقُبه، وذلك آخره وما يصير إليه منتهاه.وقد اختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الكوفة (عُقْبا ) بضم العين وتسكين القاف. (6) والقول في ذلك عندنا ، أنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
{ هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا } أي: في تلك الحال التي أجرى الله فيها العقوبة على من طغى، وآثر الحياة الدنيا، والكرامة لمن آمن، وعمل صالحا، وشكر الله، ودعا غيره لذلك، تبين وتوضح أن الولاية لله الحق، فمن كان مؤمنا به تقيا، كان له وليا، فأكرمه بأنواع الكرامات، ودفع عنه الشرور والمثلات، ومن لم يؤمن بربه ويتولاه، خسر دينه ودنياه، فثوابه الدنيوي والأخروي، خير ثواب يرجى ويؤمل، ففي هذه القصة العظيمة، اعتبار بحال الذي أنعم الله عليه نعما دنيوية، فألهته عن آخرته وأطغته، وعصى الله فيها، أن مآلها الانقطاع والاضمحلال، وأنه وإن تمتع بها قليلا، فإنه يحرمها طويلا، وأن العبد ينبغي له -إذا أعجبه شيء من ماله أو ولده- أن يضيف النعمة إلى موليها ومسديها، وأن يقول: { ما شاء الله، لا قوة إلا بالله } ليكون شاكرا لله متسببا لبقاء نعمته عليه، لقوله: { وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ } وفيها: الإرشاد إلى التسلي عن لذات الدنيا وشهواتها، بما عند الله من الخير لقوله: { إِنْ تَرَن أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ } وفيها أن المال والولد لا ينفعان، إن لم يعينا على طاعة الله كما قال تعالى: { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا } وفيه الدعاء بتلف مال ما كان ماله سبب طغيانه وكفره وخسرانه، خصوصا إن فضل نفسه بسببه على المؤمنين، وفخر عليهم، وفيها أن ولاية الله وعدمها إنما تتضح نتيجتها إذا انجلى الغبار وحق الجزاء، ووجد العاملون أجرهم فـ { هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا } أي: عاقبة ومآلا.
(هنالك) اسم إشارة مبنيّ في محلّ نصب ظرف مكان متعلّق بخبر مقدّم ،
(الولاية) مبتدأ مؤخّر مرفوع ،
(لله) جارّ ومجرور متعلّق بحال من الولاية عامله الاستقرار
(الحقّ) نعت للفظ الجلالة مجرور
(هو) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ
(خير) خبر مرفوع
(ثوابا) تمييز منصوبـ (الواو) عاطفة
(خير) معطوف على الأولـ (عقبا) تمييز منصوب.
جملة: «هنالك الولاية ... » لا محلّ لها استئنافيّة.وجملة: «هو خير ... » لا محلّ لها تعليليّة.
- القرآن الكريم - الكهف١٨ :٤٤
Al-Kahf18:44