قَالَ أَرَءَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَآ أَنسٰىنِيهُ إِلَّا الشَّيْطٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُۥ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُۥ فِى الْبَحْرِ عَجَبًا
قَالَ اَرَءَيۡتَ اِذۡ اَوَيۡنَاۤ اِلَى الصَّخۡرَةِ فَاِنِّىۡ نَسِيۡتُ الۡحُوۡتَ وَ مَاۤ اَنۡسٰٮنِيۡهُ اِلَّا الشَّيۡطٰنُ اَنۡ اَذۡكُرَهٗ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيۡلَهٗ فِىۡ الۡبَحۡرِ ۖعَجَبًا
تفسير ميسر:
قال له خادمه; أتذكر حين لجأنا إلى الصخرة التي استرحنا عندها؟ فإني نسيت أن أخبرك ما كان من الحوت، وما أنساني أن أذكر ذلك لك إلا الشيطان، فإن الحوت الميت دبَّتْ فيه الحياة، وقفز في البحر، واتخذ له فيه طريقًا، وكان أمره مما يُعْجَبُ منه.
قال " أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره " قال قتادة وقرأ ابن مسعود أن أذكركه ولهذا قال " فاتخذ سبيله " أي طريقه.
وفي قوله ; وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره أن مع الفعل بتأويل المصدر ، وهو منصوب بدل اشتمال من الضمير في أنسانيه وهو بدل الظاهر من المضمر ، أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان ; وفي مصحف عبد الله " وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان " . وهذا إنما ذكره يوشع في معرض الاعتذار لقول موسى ; ( لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت ; فقال ; ما كلفت كثيرا ) فاعتذر بذلك القول .قوله تعالى ; واتخذ سبيله في البحر عجبا يحتمل أن يكون من قول يوشع لموسى ; أي اتخذ الحوت سبيله عجبا للناس ويحتمل أن يكون قوله ; واتخذ سبيله في البحر تمام الخبر ، ثم استأنف التعجيب فقال من نفسه ; عجبا لهذا الأمر . وموضع العجب أن يكون حوت قد مات فأكل شقه الأيسر ثم حيي بعد ذلك .قال أبو شجاع في كتاب الطبري ; رأيته - أتيت به - فإذا هو شق حوت وعين واحدة ، وشق آخر ليس فيه شيء قال ابن عطية ; وأنا رأيته والشق الذي ليس فيه شيء عليه قشرة رقيقة ليست تحتها شوكة .ويحتمل أن يكون قوله ; واتخذ سبيله إخبارا من الله - تعالى - ، وذلك على وجهين ; إما أن يخبر عن موسى أنه اتخذ سبيل الحوت من البحر عجبا ، أي تعجب منه وإما أن يخبر عن الحوت أنه اتخذ سبيله عجبا للناس . ومن غريب ما روي في البخاري عن ابن عباس من قصص هذه الآية ; ( أن الحوت إنما حيي لأنه مسه ماء عين هناك تدعى عين الحياة ، ما مست قط شيئا إلا حيي ) وفي التفسير ; إن العلامة كانت أن يحيا الحوت ; فقيل ; لما نزل موسى بعد ما أجهده السفر على صخرة إلى جنبها ماء الحياة أصاب الحوت شيء من ذلك الماء فحيي . وقال الترمذي في حديثه قال سفيان ; ( يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة ، ولا يصيب ماؤها شيئا إلا عاش ، قال ; وكان الحوت قد أكل منه فلما قطر عليه الماء عاش ) وذكر صاحب كتاب [ ص; 390 ] ( العروس ) ; أن موسى - عليه السلام - توضأ من عين الحياة فقطرت من لحيته على الحوت قطرة فحيي ; والله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى ; قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)يقول تعالى ذكره; قال فتى موسى لموسى حين قال له; آتنا غداءنا لنطعم; أرأيت إذا أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت هنالك ( وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ ) يقول; وما أنساني الحوت إلا الشيطان ( أَنْ أَذْكُرَهُ ) فأن في موضع نصب ردّا على الحوت، لأن معنى الكلام; وما أنساني أن أذكر الحوت إلا الشيطان سبق الحوت إلى الفعل، وردّ عليه قوله ( أَنْ أَذْكُرَهُ ) وقد ذكر أن ذلك في مصحف عبد الله; وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان.حدثني بذلك بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ، حدثني العباس بن الوليد قال; سمعت محمد بن معقل، يحدّث عن أبيه، أن الصخرة التي أوى إليها موسى هي الصخرة التي دون نهر الذئب (1) على الطريق ( وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ) يعجب منه.كما حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله; ( فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ) قال; موسى يعجب من أثر الحوت في البحر ودوراته التي غاب فيها، فوجد عندها خضرا.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.حدثنا الحسن، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ; ( وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ) فكان موسى لما اتخذ سبيله في البحر عجبا، يعجب من سرب الحوت.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; ( وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ) قال; عجب والله حوت كان يوكل منه أدهرا، أيّ شيء أعجب من حوت كان دهرا من الدهور يؤكل منه، ثم صار حيا حتى حشر في البحر.حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي ، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال; جعل الحوت لا يمسّ شيئا في البحر إلا يبس حتى يكون صخرة، فجعل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يعجب من ذلك.حدثنا أبو كريب، قال; ثنا الحسن بن عطية، قال; ثنا عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ( وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ) قال; يعني كان سرب الحوت في البحر لموسى عجبا.------------------------الهوامش;(1) في ( عرائس المجالس للثعلبي المفسر ، طبعة الحلبي ص 218 ) ; دون نهر الزيت .
قال له فتاه: { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ ْ} أي: ألم تعلم حين آوانا الليل إلى تلك الصخرة المعروفة بينهما { فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان ْ} لأنه السبب في ذلك { وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ْ} أي: لما انسرب في البحر ودخل فيه، كان ذلك من العجائب.قال المفسرون: كان ذلك المسلك للحوت سربا، ولموسى وفتاه عجبا، فلما قال له الفتى هذا القول، وكان عند موسى وعد من الله أنه إذا فقد الحوت، وجد الخضر، فقال موسى: { ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ْ}
(قال) فعل ماض، والفاعل هو أي الفتى
(الهمزة) للاستفهام التعجبيّ
(رأيت) فعل ماض وفاعله، والمفعول محذوف أي: أرأيت حالنا
(إذ) ظرف مبنيّ في محلّ نصب متعلّق بالمحذوف أو بحال منه
(أوينا) مثل لقينا ،
(الى الصخرة) جارّ ومجرور متعلّق بـ (أوينا) ،
(الفاء) استئنافيّة
(إنّي) حرف مشبّه بالفعل.. و (الياء) ضمير اسم إنّ
(نسيت) مثل رأيت
(الحوت) مفعول به منصوبـ (الواو) اعتراضيّة
(ما) نافية
(أنسانيه) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر، و (النون) للوقاية، و (الياء) ضمير مفعول به أوّل، و (الهاء) مفعول به ثان
(إلّا) أداة حصر
(الشيطان) فاعل مرفوع
(أن) حرف مصدريّ ونصبـ (أذكره) مضارع منصوب، و (الهاء) مفعول به، والفاعل أنا.
والمصدر المؤوّلـ (أن أذكره..) في محلّ نصب بدل اشتمال من الهاء في أنسانيه.
(الواو) عاطفة
(اتّخذ.. عجبا) مثل اتّخذ.. سربا .
جملة: «قال ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ وجملة: «أرأيت ... » في محلّ نصب مقول القول وجملة: «أوينا ... » في محلّ جرّ مضاف إليه وجملة: «إنّي نسيت ... » لا محلّ لها استئنافيّة وجملة: «نسيت ... » في محلّ رفع خبر إنّ وجملة: «ما أنسانيه إلّا الشيطان ... » لا محلّ لها اعتراضيّةوجملة: «أذكره ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) وجملة: «اتّخذ ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة إنّي نسيت