الرسم العثمانيوَإِذَا تُتْلٰى عَلَيْهِمْ ءَايٰتُنَا بَيِّنٰتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓا أَىُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا
الـرسـم الإمـلائـيوَاِذَا تُتۡلٰى عَلَيۡهِمۡ اٰيٰتُنَا بَيِّنٰتٍ قَالَ الَّذِيۡنَ كَفَرُوۡا لِلَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡۤا ۙ اَىُّ الۡفَرِيۡقَيۡنِ خَيۡرٌ مَّقَامًا وَّاَحۡسَنُ نَدِيًّا
تفسير ميسر:
وإذا تتلى على الناس آياتنا المنزلات الواضحات قال الكفار بالله للمؤمنين به; أيُّ الفريقين منَّا ومنكم أفضل منزلا وأحسن مجلسًا؟
يخبر تعالى عن الكفار حين تتلى عليهم آيات الله ظاهرة الدلالة بينة الحجة واضحة البرهان أنهم يصدون ويعرضون عن ذلك ويقولون عن الذين آمنوا مفتخرين عليهم ومحتجين على صحة ما هم عليه من الدين الباطل بأنهما "خير مقاما وأحسن نديا" أي أحسن منازل وأرفع دورا وأحسن نديا وهو مجتمع الرجال للحديث أي ناديهم أعمر وأكثر واردا وطارقا يعنون فكيف نكون ونحن بهذه المثابة على باطل وأولئك الذين هم مختفون مستترون في دار الأرقم بن أبي الأرقم ونحوها من الدور على الحق كما قال تعالى مخبرا عنهم "وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه" وقال قوم نوح "أنؤمن لك واتبعك الأرذلون" وقال تعالى "وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين".
قوله تعالى ; وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات أي على الكفار الذين سبق ذكرهم في قوله تعالى ; أئذا ما مت لسوف أخرج حيا وقال فيهم ; ونذر الظالمين فيها جثيا أي هؤلاء إذا قرئ عليهم القرآن تعززوا بالدنيا ، وقالوا ; فما بالنا - إن كنا على باطل - أكثر أموالا وأعز نفرا . وغرضهم إدخال الشبهة على المستضعفين ، وإيهامهم أن من كثر ماله دل ذلك على أنه المحق في دينه ، وكأنهم لم يروا في الكفار فقيرا ولا في المسلمين غنيا ، ولم يعلموا أن الله تعالى نحى أولياءه عن الاغترار بالدنيا وفرط الميل إليها . وبينات معناه مرتلات الألفاظ ملخصة المعاني ، مبينات المقاصد ؛ إما محكمات ، أو متشابهات قد تبعها البيان بالمحكمات ، أو تبيين الرسول - صلى الله عليه وسلم - قولا أو فعلا أو ظاهرات الإعجاز تحدي بها فلم يقدر على معارضتها . أو حججا وبراهين . والوجه أن تكون حالا مؤكدة كقوله تعالى ; وهو الحق مصدقا لأن آيات الله تعالى لا تكون إلا واضحة وحججا .قال الذين كفروا يريد مشركي قريش النضر بن الحارث وأصحابه . للذين آمنوا يعني فقراء أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت [ ص; 65 ] فيهم قشافة ، وفي عيشهم خشونة وفي ثيابهم رثاثة وكان المشركون ، يرجلون شعورهم ويدهنون رءوسهم ، ويلبسون خير ثيابهم ، فقالوا للمؤمنين ; أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا . قرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد وشبل بن عباد مقاما بضم الميم وهو موضع الإقامة . ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى الإقامة . الباقون مقاما بالفتح ؛ أي منزلا ومسكنا . وقيل ; المقام الموضع الذي يقام فيه بالأمور الجليلة ؛ أي أي الفريقين أكثر جاها وأنصارا . وأحسن نديا أي مجلسا ؛ عن ابن عباس وعنه أيضا المنظر وهو المجلس في اللغة وهو النادي ومنه دار الندوة لأن المشركين كانوا يتشاورون فيها في أمورهم وناداه جالسه في النادي قال ;أنادي به آل الوليد وجعفراوالندي على فعيل ; مجلس القوم ومتحدثهم ، وكذلك الندوة والنادي والمتندى ، فإن تفرق القوم فليس بندي قاله الجوهري .
يقول تعالى ذكره; ( وإذَا تُتْلَى ) على الناس ( آياتُنا ) التي أنـزلناها على رسولنا محمد ( بَيِّنَات )، يعني واضحات لمن تأمَّلها وفكَّر فيها أنها أدلة على ما جعلها الله أدلة عليه لعباده، ( قال الذين كفروا بالله ) وبكتابه وآياته، وهم قريش، ( لِلَّذِينَ آمَنُوا ) فصدّقوا به، وهم أصحاب محمد ( أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا ) يَعْني بالمقام; موضع إقامتهم، وهي مساكنهم ومنازلهم ( وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) وهو المجلس، يقال منه; ندوت القوم أندوهم ندوا; إذا جمعتهم في مجلس، ويقال; هو في نديّ قومه وفي ناديهم; بمعنى واحد ، ومن النديّ قول حاتم;ودُعِيــتُ فـي أُولـي النَّـدِيّ ولَـمْيُنْظَـــرْ إلــيَّ بــأعْيُنٍ خُــزْرِ (1)وتأويل الكلام; وإذا تتلى عليهم آياتنا بيِّنات، قال الذين كفروا للذين آمنوا; أيّ الفريقين منا ومنكم أوسع عيشا، وأنعم بالا وأفضل مسكنا، وأحسن مجلسا، وأجمع عددا وغاشية في المجلس، نحن أم أنتم؟وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا محمد بن بشار، قال; ثنا مؤمل، قال; ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، قوله ( خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) قال; المقام; المنـزل، والنديّ; المجلس.حدثنا ابن المثنى، قال; ثنا ابن أبي عديّ عن شعبة، عن سليمان، عن أبى ظَبيان، عن ابن عباس بمثله.حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال ; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) قال; المقام; المسكن، والنديّ، المجلس والنعمة والبهجة التي كانوا فيها، وهو كما قال الله لقوم فرعون، حين أهلكهم وقصّ شأنهم في القرآن فقال كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ فالمقام; المسكن والنعيم، والنديّ; المجلس والمجمع الذي كانوا يجتمعون فيه، وقال الله فيما قصّ على رسوله في أمر لوط إذ قال وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ، والعرب تسمي المجلس; النادي.حدثني عليّ، قال; ثنا عبد الله، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) يقول; مجلسا.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله ( أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ ) قال; قريش تقولها لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ( وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) قال; مجالسهم، يقولونه أيضا.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين قال; ثنِي حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) رأوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في عيشهم خشونة، وفيهم قشافة، فعرّض أهل الشرك بما تسمعون. قوله ( وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) يقول; مجلسا.حدثنا الحسن بن يحيى، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ) قال; النديّ، المجلس، وقرأ قول الله تعالى فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ قال; مجلسه.------------------------الهوامش;(1) البيت لحاتم الطائي ، من شعره في كتاب ( شعراء النصرانية ; القسم الأول ص 115 ) وفي ( اللسان ; ندى ) ; والندى ; المجالسة وناديته ; جالسته ، وتنادوا ; تجالسوا في النادي ، والندي ; المجلس ما داموا مجتمعين فيه ، فإذا تفرقوا عنه فليس بندي . وقيل ; الندي ; مجلس القوم نهارا عن كراع . والنادي ; كالندي . التهذيب ; النادي المجلس ، يندو إليه من حواليه ، ولا يسمى ناديا حتى يكون فيه أهله ، وإذا تفرقوا لم يكن ناديا ، وهو الندي ، والجمع الأندية . أه . الخزر ; جمع خزراء من الخزر ، وهو كما في ( اللسان ; خزر ) كسر العين بصرها خلقة . وقيل ; هو ضيق العين وصغرها . وقيل هو النظر الذي كأنه في أحد الشقين ، ثم استشهد ببيت حاتم ، وقد استشهد المؤلف به ، على أن معنى الندي ; مجلس القوم .
أي: وإذا تتلى على هؤلاء الكفار آياتنا بينات، أي: واضحات الدلالة على وحدانية الله وصدق رسله، توجب لمن سمعها صدق الإيمان وشدة الإيقان، قابلوها بضد ما يجب لها، واستهزءوا بها وبمن آمن بها، واستدلوا بحسن حالهم في الدنيا، على أنهم خير من المؤمنين، فقالوا معارضين للحق: { أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ } أي: نحن والمؤمنون { خَيْرٌ مَقَامًا } أي: في الدنيا، من كثرة الأموال والأولاد، وتوفر الشهوات { وَأَحْسَنُ نَدِيًّا } أي مجلسا. أي: فاستنتجوا من هذه المقدمة الفاسدة، أنهم أكثر مالا وأولادا، وقد حصلت لهم أكثر مطالبهم من الدنيا، ومجالسهم وأنديتهم مزخرفة مزوقة.والمؤمنون بخلاف هذه الحال، فهم خير من المؤمنين، وهذا دليل في غاية الفساد، وهو من باب قلب الحقائق، وإلا فكثرة الأموال والأولاد، وحسن المنظر، كثيرا ما يكون سببا لهلاك صاحبه، وشقائه، وشره
(الواو) استئنافيّة
(عليهم) متعلّق بـ (تتلى) ،
(بيّنات) حال منصوبة وعلامة النصب الكسرة
(للذين) متعلّق بـ (قال) ،
(أيّ) اسم استفهام مبتدأ مرفوع خبره
(خير) مرفوع،
(مقاما) تمييز منصوبـ (أحسن) معطوف على خير مرفوع
(نديّا) تمييز منصوب.
جملة: «تتلى ... آياتنا» في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «قال الذين ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «كفروا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) الأول.
وجملة: «آمنوا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) الثاني.
وجملة: «أيّ الفريقين ... » في محلّ نصب مقول القول.
- القرآن الكريم - مريم١٩ :٧٣
Maryam19:73