الرسم العثمانيوَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثٰثًا وَرِءْيًا
الـرسـم الإمـلائـيوَكَمۡ اَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُمۡ مِّنۡ قَرۡنٍ هُمۡ اَحۡسَنُ اَثَاثًا وَّرِءۡيًا
تفسير ميسر:
وكثيرًا أهلكنا قبل كفار قومك - أيها الرسول - من الأمم كانوا أحسن متاعًا منهم وأجمل منظرًا.
ولهذا قال تعالى رادا عليهم شبهتهم "وكم أهلكنا قبلهم من قرن" أي وكم من أمة وقرن من المكذبين قد أهلكناهم بكفرهم "هم أحسن أثاثا ورئيا" أي كانوا أحسن من هؤلاء أموالا وأمتعة ومناظر وأشكالا قال الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس "خير مقاما وأحسن نديا" قال المقام المنزل والندي المجلس والأثاث المتاع والرئي المنظر وقال العوفي عن ابن عباس المقام المسكن والندي المجلس والنعمة والبهجة التي كانوا فيها وهو كما قال الله لقوم فرعون حين أهلكهم وقص شأنهم في القرآن "كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم" فالمقام المسكن والنعيم والندي المجلس والمجمع الذي كانوا يجتمعون فيه وقال تعالى فيما قص على رسوله من أمر قوم لوط "وتأتون في ناديكم المنكر" والعرب تسمي المجلس النادي وقال قتادة لما رأوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في عيشهم خشونة وفيهم قشافة فعرض أهل الشرك ما تسمعون "أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا" وكذا قال مجاهد والضحاك ومنهم من قال في الأثاث هو المال ومنهم من قال الثياب ومنهم من قال المتاع والرئي المنظر كما قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد وقال الحسن البصري يعني الصور وكذا قال مالك "أثاثا ورئيا" أكثر أموالا وأحسن صورا والكل متقارب صحيح.
قوله تعالى ; وكم أهلكنا قبلهم من قرن أي من أمة وجماعة . هم أحسن أثاثا ورئيا أي متاعا كثيرا ؛ قال ; [ امرؤ القيس ] ;وفرع يزين المتن أسود فاحم أثيث كقنو النخلة المتعثكلوالأثاث متاع البيت . وقيل ; هو ما جد من الفرش ، والخرثي ما لبس منها ، وأنشد الحسن بن علي الطوسي فقال ;تقادم العهد من أم الوليد بنا دهرا وصار أثاث البيت خرثياوقال ابن عباس ; هيئة . مقاتل ; ثيابا ورئيا أي منظرا حسنا . وفيه خمس قراءات ; قرأ أهل المدينة ( وريا ) بغير همز . وقرأ أهل الكوفة ( ورئيا ) بالهمز . وحكى يعقوب أن طلحة قرأ ( وريا ) بياء واحدة مخففة . وروى سفيان عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس ( هم أحسن أثاثا وزيا ) بالزاي ؛ فهذه أربع قراءات قال أبو إسحاق ويجوز ( هم أحسن أثاثا وريئا ) بياء بعدها همزة . النحاس ; وقراءة أهل المدينة في هذا حسنة وفيها تقريران ; أحدهما ; أن تكون من رأيت ثم خففت الهمزة فأبدل منها ياء وأدغمت الياء في الياء . وكان هذا حسنا لتتفق رءوس الآيات لأنها غير مهموزات . وعلى هذا قال ابن عباس ; ( الرئي المنظر ) فالمعنى ; هم أحسن أثاثا ولباسا . والوجه الثاني ; أن جلودهم مرتوية من [ ص; 66 ] النعمة ؛ فلا يجوز الهمز على هذا . وفي رواية ورش عن نافع وابن ذكوان عن ابن عامر ( ورئيا ) بالهمز تكون على الوجه الأول . وهي قراءة أهل الكوفة وأبي عمرو من رأيت على الأصل . وقراءة طلحة بن مصرف ( وريا ) بياء واحدة مخففة أحسبها غلطا . وقد زعم بعض النحويين أنه كان أصلها الهمز فقلبت الهمزة ياء ، ثم حذفت إحدى اليائين . المهدوي ; ويجوز أن يكون ( ريئا ) فقلبت ياء فصارت رييا ثم نقلت حركة الهمزة على الياء وحذفت . وقد قرأ بعضهم ( وريا ) على القلب وهي القراءة الخامسة . وحكى سيبويه راء بمعنى رأى . الجوهري ; من همزه جعله من المنظر من رأيت ، وهو ما رأته العين من حال حسنة وكسوة ظاهرة وأنشد أبو عبيدة لمحمد بن نمير الثقفي فقال ;أشاقتك الظعائن يوم بانوا بذي الرئي الجميل من الأثاثومن لم يهمز إما أن يكون على تخفيف الهمزة أو يكون من رويت ألوانهم وجلودهم ريا ؛ أي امتلأت وحسنت . وأما قراءة ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير والأعسم المكي ويزيد البربري ( وزيا ) بالزاي فهو الهيئة والحسن . ويجوز أن يكون من زويت أي جمعت ؛ فيكون أصلها زويا فقلبت الواو ياء . ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - زويت لي الأرض أي جمعت ؛ أي فلم يغن ذلك عنهم شيئا من عذاب الله تعالى ؛ فليعش هؤلاء ما شاءوا فمصيرهم إلى الموت والعذاب وإن عمروا ؛ أو العذاب العاجل يأخذهم الله تعالى به .
يقول تعالى ذكره; وكم أهلكنا يا محمد قبل هؤلاء القائلين من أهل الكفر للمؤمنين، إذا تُتلى عليهم آيات الرحمن، أيّ الفريقين خير مقاما، وأحسن نديا، مجالس من قرن هم أكثر متاع منازل من هؤلاء، وأحسن منهم منظرا وأجمل صورا، فأهلكنا أموالهم، وغيرنا صورهم; ومن ذلك قول علقمة بن عبدة;كُــمَيْتٌ كَلَـوْنِ الأرْجُـوَانِ نَشَـرْتهُلبَيْـعِ الـرّئِي فـي الصّـوَانِ المُكَعَّبِ (2)يعني بالصوان; التخت الذي تصان فيه الثياب.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا محمد بن بشار، قال; ثنا مؤمل، قال; ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس ( أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ) قال; الرئي; المنظر، والأثاث; المتاع.حدثنا ابن المثنى، قال; ثنا ابن أبي عديّ عن شعبة عن سليمان عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال; الرئي المنظر.حدثني عليّ، قال; ثنا عبد الله، قال ; ثني معاوية، عن عليّ عن ابن عباس، قوله ( أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ) يقول; منظرا.حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ) الأثاث; المال، والرئي; المنظر.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا هوذة، قال; ثنا عوف، عن الحسن، في قوله ( أَثَاثًا وَرِئْيًا ) قال; الأثاث; أحسن المتاع، والرِّئي; قال; المال.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، يقول الله تبارك وتعالى ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ) ; أي أكثر متاعا وأحسن منـزلة ومستقرا، فأهلك الله أموالهم، وأفسد صورهم عليهم تبارك وتعالى.حدثنا الحسن بن يحيى، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله ( أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ) قال; أحسن صورا، وأكثر أموالا.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (أثاثا) قال; المتاع (وَرِئْيا) قال; فيما يرى الناس.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه.حدثنا ابن حميد وبشر بن معاذ، قالا ثنا جرير بن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس ; الأثاث; المال، والرِّئي; المنظر الحسن.حدثنا القاسم، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس (وَرِئْيا) ; منظرا في اللون والحسن.حدثنا القاسم، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس (وَرِئْيا) منظرا في اللون والحسن.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله ( أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ) قال; الرئي; المنظر، والأثاث; المتاع، أحسن متاعا، وأحسن منظرا.حُدثت عن الحسين، قال; سمعت أبا معاذ يقول في قوله; (أحْسَنُ أثَاثًا) يعني المال (وَرِئْيا) يعني; المنظر الحسن.واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة; " وَرِيًّا " غير مهموز، وذلك إذا قرئ كذلك يتوجه لوجهين; أحدهما; أن يكون قارئه أراد الهمزة، فأبدل منها ياء، فاجتمعت الياء المُبدلة من الهمز والياء التي هي لام الفعل، فأدغمتا، فجعلتا ياء واحدة مشددة ليُلْحِقُوا ذلك، إذ كان رأس آية، بنظائره من سائر رءوس الآيات قبله وبعده; والآخر أن يكون من رويت أروى روية وريًّا، وإذا أريد به ذلك كان معنى الكلام; وكم أهلكنا قبلهم من قرن، هم أحسن متاعا، وأحسن نظرا لماله، ومعرفة لتدبيره ، وذلك أن العرب تقول; ما أحسن رؤية فلان في هذا الأمر إذا كان حسن النظر فيه والمعرفة به. وقرأ ذلك عامة قرّاء العراق والكوفة والبصرة (وَرِئْيا) بهمزها، بمعنى; رؤية العين، كأنه أراد; أحسن متاعا ومَرآة. وحُكي عن بعضهم أنه قرأ; أحسن أثاثا وزيا، بالزاي، كأنه أراد أحسن متاعا وهيئة ومنظرا، وذلك أن الزيّ هو الهيئة والمنظر من قولهم; زيَّيت الجارية ، بمعنى; زينتها وهيأتها.قال أبو جعفر; وأولى القراءات في ذلك بالصواب، قراءة من قرأ (أثاثا وَرِئْيا) بالراء والهمز، لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن معناه; المنظر، وذلك هو من رؤية العين، لا من الرؤية، فلذلك كان المهموز أولى به، فإن قرأ قارئ ذلك بترك للهمز، وهو يريد هذا المعنى، فغير مخطئ في قراءته. وأما قراءته بالزاي فقراءة خارجة ، عن قراءة القرّاء، فلا أستجيز القراءة بها لخلافها قراءتهم، وإن كان لهم في التأويل وجه صحيح.واختلف أهل العربية في الأثاث أجمع هو أم واحد، فكان الأحمر فيما ذُكر لي عنه يقول; هو جمع، واحدتها أثاثة، كما الحمام جمع واحدتها حمامة ، والسحاب جمع واحدتها سحابة ، وأما الفراء فإنه كان يقول; لا واحد له، كما أن المتاع لا واحد له. قال; والعرب تجمع المتاع; أمتعة، وأماتيع، ومتع. قال; ولو جمعت الأثاث لقلت; ثلاثة آثَّةٍ وأثث. وأما الرئي فإن جمعه; آراء.------------------------الهوامش;(2) البيت لعلقمة بن عبدة وهو الثاني والعشرون من قصيدته التي مطلعها ;*ذهبت من الهجران في غير مذهب *( مختار الشعر الجاهلي طبعة الحلبي بشرح مصطفى السقا ، ص 436 ) وفيه " الرداء " في موضع الرئي . قال شارحه ; الكميت ; الفرس الذي لونه بين السواد والحمرة . والأرجوان ; صبغ أحمر مشبع . والمراد هنا ; ثوب أحمر . . والصوان ; ثوب تصان فيه الثياب ، ويقال له التخت . والمكعب هنا الموشى من الثياب ، وهو من صفة الرداء . ويقال ; المكعب ; المطوي المشدود ، وكل ما ربعته فقد كعبته ، ومنه الفتاة الكاعب ; التي تكعب ثدييها وبرز . وفي ( اللسان ; رأي ) ; الرئي ( على فعيل ) والرئي ( على فعل بكسر أوله ) الثوب ينشر للبيع عن علي . التهذيب ; الرئي ، بهمزة مسكنة ; الثوب الفاخر الذي ينشر ليرى حسنه
{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا } أي: متاعا، من أوان وفرش، وبيوت، وزخارف، وأحسن رئيا، أي: أحسن مرأى ومنظرا، من غضارة العيش، وسرور اللذات، وحسن الصور، فإذا كان هؤلاء المهلكون أحسن منهم أثاثا ورئيا، ولم يمنعهم ذلك من حلول العقاب بهم، فكيف يكون هؤلاء، وهم أقل منهم وأذل، معتصمين من العذاب { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ } ؟ وعلم من هذا، أن الاستدلال على خير الآخرة بخير الدنيا من أفسد الأدلة، وأنه من طرق الكفار.
(الواو) استئنافيّة
(كم) خبريّة كناية عن كثير مبنيّ في محلّ نصب مفعول به مقدّم
(قبلهم) ظرف منصوب متعلّق بـ (أهلكنا) ،
(من قرن) تمييز كم
(هم) ضمير منفصل مبتدأ خبره أحسن
(أثاثا) تمييز منصوب.
جملة: «أهلكنا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «هم أحسن أثاثا ... » في محلّ جرّ نعت لقرن.
الصرف:
(رئيّا) ، صفة مشبّهة من رأى وزنه فعل بكسر فسكون بمعنى المرئيّ كذبح بمعنى المذبوح.
- القرآن الكريم - مريم١٩ :٧٤
Maryam19:74