يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْءَايٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
يَسۡـــَٔلُوۡنَكَ عَنِ الۡخَمۡرِ وَالۡمَيۡسِرِؕ قُلۡ فِيۡهِمَآ اِثۡمٌ کَبِيۡرٌ وَّمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَاِثۡمُهُمَآ اَکۡبَرُ مِنۡ نَّفۡعِهِمَا ؕ وَيَسۡـــَٔلُوۡنَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الۡعَفۡوَؕ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ اللّٰهُ لَـكُمُ الۡاٰيٰتِ لَعَلَّکُمۡ تَتَفَكَّرُوۡنَۙ
تفسير ميسر:
يسألك المسلمون -أيها النبي- عن حكم تعاطي الخمر شربًا وبيعًا وشراءً، والخمر كل مسكر خامر العقل وغطاه مشروبًا كان أو مأكولا ويسألونك عن حكم القمار -وهو أَخْذُ المال أو إعطاؤه بالمقامرة وهي المغالبات التي فيها عوض من الطرفين-، قل لهم; في ذلك أضرار ومفاسد كثيرة في الدين والدنيا، والعقول والأموال، وفيهما منافع للناس من جهة كسب الأموال وغيرها، وإثمهما أكبر من نفعهما؛ إذ يصدَّان عن ذكر الله وعن الصلاة، ويوقعان العداوة والبغضاء بين الناس، ويتلفان المال. وكان هذا تمهيدًا لتحريمهما. ويسألونك عن القَدْر الذي ينفقونه من أموالهم تبرعًا وصدقة، قل لهم; أنفقوا القَدْر الذي يزيد على حاجتكم. مثل ذلك البيان الواضح يبيِّن الله لكم الآيات وأحكام الشريعة؛ لكي تتفكروا فيما ينفعكم في الدنيا والآخرة. ويسألونك -أيها النبي- عن اليتامى كيف يتصرفون معهم في معاشهم وأموالهم؟ قل لهم; إصلاحكم لهم خير، فافعلوا الأنفع لهم دائمًا، وإن تخالطوهم في سائر شؤون المعاش فهم إخوانكم في الدين. وعلى الأخ أن يرعى مصلحة أخيه. والله يعلم المضيع لأموال اليتامى من الحريص على إصلاحها. ولو شاء الله لضيَّق وشقَّ عليكم بتحريم المخالطة. إن الله عزيز في ملكه، حكيم في خلقه وتدبيره وتشريعه.
قال الإمام أحمد; حدثنا خلف بن الوليد حدثنا إسرائيل عن أبي إسحق عن أبي ميسرة عن عمر أنه قال; لما نزل تحريم الخمر قال; اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت هذه الآية التي في البقرة "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير" فدعي عمر فقرئت عليه فقال; اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في النساء "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى" فكان منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أقام الصلاة نادى "أن لا يقربن الصلاة سكران" فدعي عمر فقرئت عليه فقال; اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في المائدة فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ "فهل أنتم منتهون" قال عمر; انتهينا انتهينا. وهكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن إسرائيل عن أبي إسحق وكذا رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق الثوري عن أبي إسحق عن أبي ميسرة واسمه عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي عن عمرو وليس له عنه سواه لكن قد قال أبو زرعة لم يسمع منه والله أعلم. وقال علي بن المديني; هذا إسناد صالح صحيح وصححه الترمذي وزاد ابن أبي حاتم بعد قوله انتهينا إنها تذهب المال وتذهب العقل وسيأتي هذا الحديث أيضا مع ما رواه أحمد من طريق أبي هريرة أيضا عند قوله في سورة المائدة "إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" الآيات فقوله "يسألونك عن الخمر والميسر" أما الخمر فكما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إنه كل ما خامر العقل كما سيأتي بيانه في سورة المائدة وكذا الميسر وهو القمار. وقوله "قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس" أما إثمهما فهو في الدين وأما المنافع فدنيوية من حيث إن فيها نفع البدن وتهضيم الطعام وإخراج الفضلات وتشحيذ بعض الأذهان ولذة الشدة المطربة التي فيها كما قال حسان بن ثابت في جاهليته; ونشربها فتتركنا ملوكا وأسدا لا ينهنهنا اللقاء وكذا بيعها والانتفاع بثمنها وكان يقمشه بعضهم من الميسر فينفقه على نفسه أو عياله ولكن هذه المصالح لا توازي مضرته ومفسدته الراجحة لتعلقها بالعقل والدين ولهذا قال الله تعالى "وإثمهما أكبر من نفعهما" ولهذا كانت هذه الآية ممهدة لتحريم الخمر على البتات ولم تكن مصرحة بل معرضة ولهذا قال عمر - رضي الله عنه - لما قرئت عليه; اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا حتى نزل التصريح بتحريمها في سورة المائدة "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون" وسيأتي الكلام على ذلك في سورة المائدة إن شاء الله تعالى وبه الثقة. قال ابن عمر والشعبي ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم; إن هذه أول آية نزلت في الخمر "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير" ثم نزلت الآية التي في سورة النساء ثم نزلت الآية التي في المائدة فحرمت الخمر. وقوله "ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو" قرئ بالنصب وبالرفع وكلاهما حسن متجه قريب قال ابن أبي حاتم; حدثنا أبي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا يحيى أنه بلغه أن معاذ بن جبل وثعلبة أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالا; يا رسول الله إن لنا أرقاء وأهلين من أموالنا فأنزل الله "ويسألونك ماذا ينفقون" وقال الحكم عن مقسم عن ابن عباس "ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو" قال; ما يفضل عن أهلك وكذا روي عن ابن عمر ومجاهد وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب والحسن وقتادة والقاسم وسالم وعطاء الخراساني والربيع بن أنس وغير واحد أنهم قالوا في قوله "قل العفو" يعني الفضل وعن طاوس; اليسير من كل شيء وعن الربيع أيضا أفضل مالك وأطيبه والكل يرجع إلى الفضل. وقال عبد بن حميد في تفسيره; حدثنا هوذة بن خليفة عن عوف عن الحسن في الآية "يسألونك ماذا ينفقون قل العفو" قال ذلك أن لا يجهد مالك ثم تقعد تسأل الناس ويدل على ذلك ما رواه ابن جرير حدثنا علي بن مسلم حدثنا أبو عاصم عن ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة قال; قال رجل يا رسول الله عندي دينار قال "أنفقه على نفسك" قال; عندي آخر. قال "أنفقه على أهلك". قال; عندي آخر قال "أنفقه على ولدك" قال; عندي آخر قال "فأنت أبصر" وقد رواه مسلم في صحيحه وأخرجه مسلم أيضا عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل "ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا". وعنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى واليد العليا خير من السفلى وابدأ بمن تعول" وفي الحديث أيضا "ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف" ثم قد قيل إنها منسوخة بآية الزكاة كما رواه علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس وقاله عطاء الخراساني والسدي وقيل مبينة بآية الزكاة قاله مجاهد وغيره وهو أوجه.
قوله تعالى ; يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرونقوله تعالى ; يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما فيه تسع مسائل ; الأولى ; قوله تعالى ; يسألونك السائلون هم المؤمنون ، كما تقدم . والخمر مأخوذة من خمر إذا ستر ، ومنه خمار المرأة . وكل شيء غطى شيئا فقد خمره ، ومنه خمروا [ ص; 49 ] آنيتكم فالخمر تخمر العقل ، أي تغطيه وتستره ، ومن ذلك الشجر الملتف يقال له ; الخمر ( بفتح الميم ) لأنه يغطي ما تحته ويستره ، يقال منه ; أخمرت الأرض كثر خمرها ، قال الشاعر ;ألا يا زيد والضحاك سيرا فقد جاوزتما خمر الطريقأي سيرا مدلين فقد جاوزتما الوهدة التي يستتر بها الذئب وغيره . وقال العجاج يصف جيشا يمشي برايات وجيوش غير مستخف ;في لامع العقبان لا يمشي الخمر يوجه الأرض ويستاق الشجرومنه قولهم ; دخل في غمار الناس وخمارهم ، أي هو في مكان خاف . فلما كانت الخمر تستر العقل وتغطيه سميت بذلك وقيل ; إنما سميت الخمر خمرا لأنها تركت حتى أدركت ، كما يقال ; قد اختمر العجين ، أي بلغ إدراكه . وخمر الرأي ، أي ترك حتى يتبين فيه الوجه . وقيل ; إنما سميت الخمر خمرا لأنها تخالط العقل ، من المخامرة وهي المخالطة ، ومنه قولهم ; دخلت في خمار الناس ، أي اختلطت بهم . فالمعاني الثلاثة متقاربة ، فالخمر تركت وخمرت حتى أدركت ، ثم خالطت العقل ، ثم خمرته ، والأصل الستر .والخمر ; ماء العنب الذي غلى أو طبخ ، وما خامر العقل من غيره فهو في حكمه ؛ لأن إجماع العلماء أن القمار كله حرام . وإنما ذكر الميسر من بينه فجعل كله قياسا على الميسر ، والميسر إنما كان قمارا في الجزر خاصة ، فكذلك كل ما كان كالخمر فهو بمنزلتها .الثانية ; والجمهور من الأمة على أن ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فمحرم قليله وكثيره ، والحد في ذلك واجب . وقال أبو حنيفة والثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وجماعة من فقهاء الكوفة ; ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فهو حلال ، وإذا سكر منه أحد دون أن [ ص; 50 ] يتعمد الوصول إلى حد السكر فلا حد عليه ، وهذا ضعيف يرده النظر والخبر ، على ما يأتي بيانه في " المائدة والنحل " إن شاء الله تعالى .الثالثة ; قال بعض المفسرين ; إن الله تعالى لم يدع شيئا من الكرامة والبر إلا أعطاه هذه الأمة ، ومن كرامته وإحسانه أنه لم يوجب عليهم الشرائع دفعة واحدة ، ولكن أوجب عليهم مرة بعد مرة ، فكذلك تحريم الخمر . وهذه الآية أول ما نزل في أمر الخمر ، ثم بعده ; لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ثم قوله ; إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ثم قوله ; إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه على ما يأتي بيانه في " المائدة " .الرابعة ; قوله تعالى ; والميسر الميسر ; قمار العرب بالأزلام . قال ابن عباس ; ( كان الرجل في الجاهلية يخاطر الرجل على أهله وماله فأيهما قمر صاحبه ذهب بماله وأهله ) فنزلت الآية . وقال مجاهد ومحمد بن سيرين والحسن وابن المسيب وعطاء وقتادة ومعاوية بن صالح وطاوس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس أيضا ; ( كل شيء فيه قمار من نرد وشطرنج فهو الميسر ، حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب ، إلا ما أبيح من الرهان في الخيل والقرعة في إفراز الحقوق ) ، على ما يأتي . وقال مالك ; الميسر ميسران ; ميسر اللهو ، وميسر القمار ، فمن ميسر اللهو النرد والشطرنج والملاهي كلها . وميسر القمار ; ما يتخاطر الناس عليه . قال علي بن أبي طالب ; الشطرنج ميسر العجم . وكل ما قومر به فهو ميسر عند مالك وغيره من العلماء . وسيأتي في " يونس " زيادة بيان لهذا الباب إن شاء الله تعالى .[ ص; 51 ] والميسر مأخوذ من اليسر ، وهو وجوب الشيء لصاحبه ، يقال ; يسر لي كذا إذا وجب فهو ييسر يسرا وميسرا . والياسر ; اللاعب بالقداح ، وقد يسر ييسر ، قال الشاعر ;فأعنهم وايسر بما يسروا به وإذا هم نزلوا بضنك فانزلوقال الأزهري ; الميسر ; الجزور الذي كانوا يتقامرون عليه ، سمي ميسرا لأنه يجزأ أجزاء ، فكأنه موضع التجزئة ، وكل شيء جزأته فقد يسرته . والياسر ; الجازر ؛ لأنه يجزئ لحم الجزور . قال ; وهذا الأصل في الياسر ، ثم يقال للضاربين بالقداح والمتقامرين على الجزور ; ياسرون ؛ لأنهم جازرون إذ كانوا سببا لذلك . وفي الصحاح ; ويسر القوم الجزور أي اجتزروها واقتسموا أعضاءها . قال سحيم بن وثيل اليربوعي ;أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدمكان قد وقع عليه سباء فضرب عليه بالسهام . ويقال ; يسر القوم إذا قامروا . ورجل يسر وياسر بمعنى . والجمع أيسار ، قال النابغة ;أني أتمم أيساري وأمنحهم مثنى الأيادي وأكسو الجفنة الأدماوقال طرفة ;وهم أيسار لقمان إذا أغلت الشتوة أبداء الجزروكان من تطوع بنحرها ممدوحا عندهم ، قال الشاعر ;وناجية نحرت لقوم صدق وما ناديت أيسار الجزاءالخامسة ; روى مالك في الموطأ عن داود بن حصين أنه سمع سعيد بن المسيب يقول ; كان من ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة والشاتين ، وهذا محمول عند مالك وجمهور أصحابه في الجنس الواحد ، حيوانه بلحمه ، وهو عنده من باب المزابنة والغرر والقمار ؛ لأنه لا يدرى هل في الحيوان مثل اللحم الذي أعطى أو أقل أو أكثر ، وبيع اللحم باللحم لا يجوز [ ص; 52 ] متفاضلا ، فكان بيع الحيوان باللحم كبيع اللحم المغيب في جلده إذا كانا من جنس واحد ، والجنس الواحد عنده الإبل والبقر والغنم والظباء والوعول وسائر الوحوش ، وذوات الأربع المأكولات ، كلها عنده جنس واحد ، لا يجوز بيع شيء من حيوان هذا الصنف والجنس كله بشيء واحد من لحمه بوجه من الوجوه ؛ لأنه عنده من باب المزابنة ، كبيع الزبيب بالعنب والزيتون بالزيت والشيرج بالسمسم ، ونحو ذلك . والطير عنده كله جنس واحد ، وكذلك الحيتان من سمك وغيره . وروي عنه أن الجراد وحده صنف . وقال الشافعي وأصحابه والليث بن سعد ; لا يجوز بيع اللحم بالحيوان على حال من الأحوال من جنس واحد كان أم من جنسين مختلفين ، على عموم الحديث . وروي عن ابن عباس ( أن جزورا نحرت على عهد أبي بكر الصديق فقسمت على عشرة أجزاء ، فقال رجل ; أعطوني جزءا منها بشاة ، فقال أبو بكر ; لا يصلح هذا ) . قال الشافعي ; ولست أعلم لأبي بكر في ذلك مخالفا من الصحابة . قال أبو عمر ; قد روي عن ابن عباس ( أنه أجاز بيع الشاة باللحم ، وليس بالقوي ) . وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كره أن يباع حي بميت ، يعني الشاة المذبوحة بالقائمة . قال سفيان ; ونحن لا نرى به بأسا . قال المزني ; إن لم يصح الحديث في بيع الحيوان باللحم فالقياس أنه جائز ، وإن صح بطل القياس واتبع الأثر . قال أبو عمر ; وللكوفيين في أنه جائز بيع اللحم بالحيوان حجج كثيرة من جهة القياس والاعتبار ، إلا أنه إذا صح الأثر بطل القياس والنظر . وروى مالك عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان باللحم . قال أبو عمر ; ولا أعلمه يتصل عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه ثابت ، وأحسن أسانيده مرسل سعيد بن المسيب على ما ذكره مالك في موطئه ، وإليه ذهب الشافعي ، وأصله أنه لا يقبل المراسيل إلا أنه زعم أنه افتقد مراسيل سعيد فوجدها أو أكثرها صحاحا . فكره بيع أنواع الحيوان بأنواع اللحوم على ظاهر الحديث وعمومه ؛ لأنه لم يأت أثر يخصه ولا إجماع . ولا يجوز عنده أن يخص النص بالقياس . والحيوان عنده اسم لكل ما يعيش في البر والماء وإن اختلفت أجناسه ، كالطعام الذي هو اسم لكل مأكول أو مشروب ، فاعلم .السادسة ; قوله تعالى ; قل فيهما يعني الخمر والميسر إثم كبير إثم الخمر ما يصدر عن الشارب من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش والزور ، وزوال العقل الذي يعرف [ ص; 53 ] به ما يجب لخالقه ، وتعطيل الصلوات والتعوق عن ذكر الله ، إلى غير ذلك . روى النسائي عن عثمان رضي الله عنه قال ; اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث ، إنه كان رجل ممن كان قبلكم تعبد فعلقته امرأة غوية ، فأرسلت إليه جاريتها فقالت له ; إنا ندعوك للشهادة ، فانطلق مع جاريتها فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه ، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر ، فقالت ; إني والله ما دعوتك للشهادة ، ولكن دعوتك لتقع علي ، أو تشرب من هذه الخمر كأسا ، أو تقتل هذا الغلام . قال ; فاسقيني من هذه الخمر كأسا ، فسقته كأسا . قال ; زيدوني ، فلم يرم حتى وقع عليها ، وقتل النفس ، فاجتنبوا الخمر ، فإنها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر ، إلا ليوشك أن يخرج أحدهما صاحبه ، وذكره أبو عمر في الاستيعاب . وروي أن الأعشى لما توجه إلى المدينة ليسلم فلقيه بعض المشركين في الطريق فقالوا له ; أين تذهب ؟ فأخبرهم بأنه يريد محمدا صلى الله عليه وسلم ، فقالوا ; لا تصل إليه ، فإنه يأمرك بالصلاة ، فقال ; إن خدمة الرب واجبة . فقالوا ; إنه يأمرك بإعطاء المال إلى الفقراء . فقال ; اصطناع المعروف واجب . فقيل له ; إنه ينهى عن الزنى . فقال ; هو فحش وقبيح في العقل ، وقد صرت شيخا فلا أحتاج إليه . فقيل له ; إنه ينهى عن شرب الخمر . فقال ; أما هذا فإني لا أصبر عليه! فرجع ، وقال ; أشرب الخمر سنة ثم أرجع إليه ، فلم يصل إلى منزله حتى سقط عن البعير فانكسرت عنقه فمات . وكان قيس بن عاصم المنقري شرابا لها في الجاهلية ثم حرمها على نفسه ، وكان سبب ذلك أنه غمز عكنة ابنته وهو سكران ، وسب أبويه ، ورأى القمر فتكلم بشيء ، وأعطى الخمار كثيرا من ماله ، فلما أفاق أخبر بذلك فحرمها على نفسه ، وفيها يقول ;رأيت الخمر صالحة وفيها خصال تفسد الرجل الحليمافلا والله أشربها صحيحا ولا أشفى بها أبدا سقيماولا أعطي بها ثمنا حياتي ولا أدعو لها أبدا نديما[ ص; 54 ] فإن الخمر تفضح شاربيها وتجنيهم بها الأمر العظيماقال أبو عمر ; وروى ابن الأعرابي عن المفضل الضبي أن هذه الأبيات لأبي محجن الثقفي قالها في تركه الخمر ، وهو القائل رضي الله عنه ;إذا مت فادفني إلى جنب كرمة تروي عظامي بعد موتي عروقهاولا تدفنني بالفلاة فإنني أخاف إذا ما مت أن لا أذوقهاوجلده عمر الحد عليها مرارا ، ونفاه إلى جزيرة في البحر ، فلحق بسعد فكتب إليه عمر أن يحبسه ، فحبسه ، وكان أحد الشجعان البهم ، فلما كان من أمره في حرب القادسية ما هو معروف حل قيوده وقال ; لا نجلدك على الخمر أبدا . قال أبو محجن ; وأنا والله لا أشربها أبدا ، فلم يشربها بعد ذلك . وفي رواية ; قد كنت أشربها إذ يقام علي الحد وأطهر منها ، وأما إذا بهرجتني فوالله لا أشربها أبدا . وذكر الهيثم بن عدي أنه أخبره من رأى قبر أبي محجن بأذربيجان ، أو قال ; في نواحي جرجان ، وقد نبتت عليه ثلاث أصول كرم وقد طالت وأثمرت ، وهي معروشة على قبره ، ومكتوب على القبر " هذا قبر أبي محجن " قال ; فجعلت أتعجب وأذكر قوله ;إذا مت فادفني إلى جنب كرمةثم إن الشارب يصير ضحكة للعقلاء ، فيلعب ببوله وعذرته ، وربما يمسح وجهه ، حتى رئي بعضهم يمسح وجهه ببوله ويقول ; اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ورئي بعضهم والكلب يلحس وجهه وهو يقول له ; أكرمك الله . وأما القمار فيورث العداوة والبغضاء ؛ لأنه أكل مال الغير بالباطل .السابعة ; قوله تعالى ; ومنافع للناس أما في الخمر فربح التجارة ، فإنهم كانوا يجلبونها من الشام برخص فيبيعونها في الحجاز بربح ، وكانوا لا يرون المماسكة فيها ، فيشتري طالب الخمر الخمر بالثمن الغالي . هذا أصح ما قيل في منفعتها ، وقد قيل في منافعها ; إنها تهضم الطعام ، وتقوي الضعف ، وتعين على الباه ، وتسخي البخيل ، وتشجع الجبان ، وتصفي اللون ، إلى غير ذلك من اللذة بها . وقد قال حسان بن ثابت رضي الله عنه ; [ ص; 55 ]ونشربها فتتركنا ملوكا وأسدا ما ينهنهنا اللقاءإلى غير ذلك من أفراحها . وقال آخر ;فإذا شربت فإنني رب الخورنق والسديروإذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعيرومنفعة الميسر مصير الشيء إلى الإنسان في القمار بغير كد ولا تعب ، فكانوا يشترون الجزور ويضربون بسهامهم ، فمن خرج سهمه أخذ نصيبه من اللحم ولا يكون عليه من الثمن شيء ، ومن بقي سهمه آخرا كان عليه ثمن الجزور كله ولا يكون له من اللحم شيء . وقيل ; منفعته التوسعة على المحاويج ، فإن من قمر منهم كان لا يأكل من الجزور وكان يفرقه في المحتاجين .وسهام الميسر أحد عشر سهما ، منها سبعة لها حظوظ وفيها فروض على عدد الحظوظ ، وهي ; " الفذ " وفيه علامة واحدة له نصيب وعليه نصيب إن خاب . الثاني ; " التوأم " وفيه علامتان وله وعليه نصيبان . الثالث ; " الرقيب " وفيه ثلاث علامات على ما ذكرنا . الرابع ; " الحلس " وله أربع . الخامس ; " النافز " والنافس أيضا وله خمس . السادس ; " المسبل " وله ست . السابع ; " المعلى " وله سبع . فذلك ثمانية وعشرون فرضا ، وأنصباء الجزور كذلك في قول الأصمعي . وبقي من السهام أربعة ، وهي الأغفال لا فروض لها ولا أنصباء ، وهي ; " المصدر " و " المضعف " و " المنيح " و " السفيح " . وقيل ; الباقية الأغفال الثلاثة ; " السفيح " و " المنيح " و " الوغد " تزاد هذه الثلاثة لتكثر السهام على الذي يجيلها فلا يجد إلى الميل مع أحد سبيلا . ويسمى المجيل المفيض والضارب والضريب والجمع الضرباء . وقيل ; يجعل خلفه رقيب لئلا يحابي أحدا ، ثم يجثو الضريب على ركبتيه ، ويلتحف بثوب ويخرج رأسه ويدخل يده في الربابة فيخرج . وكانت عادة العرب أن تضرب الجزور بهذه السهام في الشتوة وضيق الوقت وكلب البرد على الفقراء ، يشترى الجزور ويضمن الأيسار ثمنها ويرضى صاحبها من حقه ، وكانوا يفتخرون بذلك ويذمون من لم يفعل ذلك منهم ، ويسمونه " البرم " قال متمم بن نويرة ;[ ص; 56 ]ولا برما تهدي النساء لعرسه إذا القشع من برد الشتاء تقعقعاثم تنحر وتقسم على عشرة أقسام . قال ابن عطية ; وأخطأ الأصمعي في قسمة الجزور ، فذكر أنها على قدر حظوظ السهام ثمانية وعشرون قسما ، وليس كذلك ، ثم يضرب على العشرة فمن فاز سهمه بأن يخرج من الربابة متقدما أخذ أنصباءه وأعطاها الفقراء . والربابة ( بكسر الراء ) ; شبيهة بالكنانة تجمع فيها سهام الميسر ، وربما سموا جميع السهام ربابة ، قال أبو ذؤيب يصف الحمار وأتنه ;وكأنهن ربابة وكأنه يسر يفيض على القداح ويصدعوالربابة أيضا ; العهد والميثاق ، قال الشاعر ( علقمة بن عبدة ) ;وكنت امرأ أفضت إليك ربابتي وقبلك ربتني فضعت ربوبوفي أحيان ربما تقامروا لأنفسهم ثم يغرم الثمن من لم يفز سهمه ، كما تقدم . ويعيش بهذه السيرة فقراء الحي ، ومنه قول الأعشى ;المطعمو الضيف إذا ما شتوا والجاعلو القوت على الياسرومنه قول الآخر ;بأيديهم مقرومة ومغالق يعود بأرزاق العفاة منيحهاو " المنيح " في هذا البيت المستمنح ؛ لأنهم كانوا يستعيرون السهم الذي قد املس وكثر فوزه ، فذلك المنيح الممدوح . وأما المنيح الذي هو أحد الأغفال فذلك إنما يوصف بالكر ، وإياه أراد الأخطل بقوله ;ولقد عطفن على فزارة عطفة كر المنيح وجلن ثم مجالاوفي الصحاح ; " والمنيح سهم من سهام الميسر مما لا نصيب له إلا أن يمنح صاحبه شيئا " . ومن الميسر قول لبيد ;إذا يسروا لم يورث اليسر بينهم فواحش ينعى ذكرها بالمصايف[ ص; 57 ] فهذا كله نفع الميسر ، إلا أنه أكل المال بالباطل .الثامنة ; قوله تعالى ; وإثمهما أكبر من نفعهما أعلم الله جل وعز أن الإثم أكبر من النفع ، وأعود بالضرر في الآخرة ، فالإثم الكبير بعد التحريم ، والمنافع قبل التحريم . وقرأ حمزة والكسائي " كثير " بالثاء المثلثة ، وحجتهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الخمر ولعن معها عشرة ; بائعها ومبتاعها والمشتراة له وعاصرها والمعصورة له وساقيها وشاربها وحاملها والمحمولة له وآكل ثمنها . وأيضا فجمع المنافع يحسن معه جمع الآثام . و " كثير " بالثاء المثلثة يعطي ذلك . وقرأ باقي القراء وجمهور الناس كبير بالباء الموحدة ، وحجتهم أن الذنب في القمار وشرب الخمر من الكبائر ، فوصفه بالكبير أليق . وأيضا فاتفاقهم على أكبر حجة ل كبير بالباء بواحدة . وأجمعوا على رفض " أكثر " بالثاء المثلثة ، إلا في مصحف عبد الله بن مسعود فإن فيه " قل فيهما إثم كثير " " وإثمهما أكثر " بالثاء مثلثة في الحرفين .التاسعة ; قال قوم من أهل النظر ; حرمت الخمر بهذه الآية ؛ لأن الله تعالى قد قال ; قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم ، فأخبر في هذه الآية أن فيها إثما فهو حرام . قال ابن عطية ; ليس هذا النظر بجيد ؛ لأن الإثم الذي فيها هو الحرام ، لا هي بعينها على ما يقتضيه هذا النظر .قلت ; وقال بعضهم ; في هذه الآية ما دل على تحريم الخمر لأنه سماه إثما ، وقد حرم الإثم في آية أخرى ، وهو قوله عز وجل ; قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم وقال بعضهم ; الإثم أراد به الخمر ، بدليل قول الشاعر ;شربت الإثم حتى ضل عقلي كذاك الإثم يذهب بالعقولقلت ; وهذا أيضا ليس بجيد ؛ لأن الله تعالى لم يسم الخمر إثما في هذه الآية ، وإنما قال ; قل فيهما إثم كبير ولم يقل ; قل هما إثم كبير . وأما آية " الأعراف " وبيت الشعر فيأتي الكلام فيهما هناك مبينا ، إن شاء الله تعالى . وقد قال قتادة ; إنما في هذه الآية ذم الخمر ، فأما التحريم فيعلم بآية أخرى وهي آية " المائدة " وعلى هذا أكثر المفسرين .[ ص; 58 ] قوله تعالى ; ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون فيه ثلاث مسائل ; الأولى ; قوله تعالى ; قل العفو قراءة الجمهور بالنصب . وقرأ أبو عمرو وحده بالرفع . واختلف فيه عن ابن كثير . وبالرفع قراءة الحسن وقتادة وابن أبي إسحاق . قال النحاس وغيره ; إن جعلت " ذا " بمعنى الذي كان الاختيار الرفع ، على معنى ; الذي ينفقون هو العفو ، وجاز النصب . وإن جعلت " ما " و " ذا " شيئا واحدا كان الاختيار النصب ، على معنى ; قل ينفقون العفو ، وجاز الرفع . وحكى النحويون ; ماذا تعلمت ; أنحوا أم شعرا ؟ بالنصب والرفع ، على أنهما جيدان حسنان ، إلا أن التفسير في الآية على النصب .الثانية ; قال العلماء ; لما كان السؤال في الآية المتقدمة في قوله تعالى ; ويسألونك ماذا ينفقون سؤالا عن النفقة إلى من تصرف ، كما بيناه ودل عليه الجواب ، والجواب خرج على وفق السؤال ، كان السؤال الثاني في هذه الآية عن قدر الإنفاق ، وهو في شأن عمرو بن الجموح - كما تقدم - فإنه لما نزل قل ما أنفقتم من خير فللوالدين ، قال ; كم أنفق ؟ فنزل ; قل العفو والعفو ; ما سهل وتيسر وفضل ، ولم يشق على القلب إخراجه ، ومنه قول الشاعر ;خذي العفو مني تستديمي مودتي ولا تنطقي في سورتي حين أغضبفالمعنى ; أنفقوا ما فضل عن حوائجكم ، ولم تؤذوا فيه أنفسكم فتكونوا عالة ، هذا أولى ما قيل في تأويل الآية ، وهو معنى قول الحسن وقتادة وعطاء والسدي والقرظي محمد بن كعب وابن أبي ليلى وغيرهم ، قالوا ; ( العفو ما فضل عن العيال ) ، ونحوه عن ابن عباس وقال مجاهد ; صدقة عن ظهر غنى ، وكذا قال عليه السلام ; خير الصدقة ما أنفقت عن غنى وفي حديث آخر ; خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى . وقال قيس بن سعد ; هذه الزكاة المفروضة . وقال جمهور العلماء ; بل هي نفقات التطوع . وقيل ; هي منسوخة . وقال الكلبي ; [ ص; 59 ] كان الرجل بعد نزول هذه الآية إذا كان له مال من ذهب أو فضة أو زرع أو ضرع نظر إلى ما يكفيه وعياله لنفقة سنة أمسكه وتصدق بسائره ، وإن كان ممن يعمل بيده أمسك ما يكفيه وعياله يوما وتصدق بالباقي ، حتى نزلت آية الزكاة المفروضة فنسخت هذه الآية وكل صدقة أمروا بها . وقال قوم ; هي محكمة ، وفي المال حق سوى الزكاة . والظاهر يدل على القول الأول .الثالثة ; قوله تعالى ; كذلك يبين الله لكم الآيات قال المفضل بن سلمة ; أي في أمر النفقة . لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة فتحبسون من أموالكم ما يصلحكم في معاش الدنيا وتنفقون الباقي فيما ينفعكم في العقبى . وقيل ; في الكلام تقديم وتأخير ، أي كذلك يبين الله لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون في الدنيا وزوالها وفنائها فتزهدون فيها ، وفي إقبال الآخرة وبقائها فترغبون فيها .
يسألونك عن الخمر والميسرالقول في تأويل قوله تعالى ; { يسألونك عن الخمر والميسر } يعني بذلك جل ثناؤه ; يسألك أصحابك يا محمد عن الخمر وشربها . والخمر ; كل شراب خامر العقل فستره وغطى عليه , وهو من قول القائل ; خمرت الإناء إذا غطيته , وخمر الرجل ; إذا دخل في الخمر , ويقال , هو في خمار الناس وغمارهم , يراد به ; دخل في عرض الناس , ويقال للضبع خامري أم عامر , أي استتري . وما خامر العقل من داء وسكر فخالطه وغمره فهو خمر , ومن ذلك أيضا خمار المرأة وذلك لأنها تستر به رأسها فتغطيه , ومنه يقال ; هو يمشي لك الخمر , أي مستخفيا . كما قال العجاج ; في لامع العقبان لا يأتي الخمر يوجه الأرض ويستاق الشجر ويعني بقوله ; لا يأتي الخمر ; لا يأتي مستخفيا ولا مسارقة ولكن ظاهرا برايات وجيوش ; والعقبان جمع عقاب , وهي الرايات . وأما " الميسر " فإنها " المفعل " من قول القائل ; يسر لي هذا الأمر ; إذا وجب لي فهو ييسر لي يسرا وميسرا , والياسر ; الواجب , بقداح وجب ذلك أو مباحه أو غير ذلك , ثم قيل للمقامر ; ياسر , ويسر كما قال الشاعر ; فبت كأنني يسر غبين يقلب بعدما اختلع القداحا وكما قال النابغة ; أو ياسر ذهب القداح بوفره أسف تأكله الصديق مخلع يعني بالياسر ; المقامر , وقيل للقمار ; ميسر , وكان مجاهد يقول نحو ما قلنا في ذلك . 3275 - حدثني محمد بن عمرو , قال ; ثنا أبو عاصم , قال ; ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ; { يسألونك عن الخمر والميسر } قال ; القمار , وإنما سمي الميسر لقولهم أيسروا واجزروا , كقولك ضع كذا وكذا . 3276 - حدثنا محمد بن بشار , قال ; ثنا أبو عاصم , قال ثنا سفيان , عن ليث , عن مجاهد , قال ; كل القمار من الميسر , حتى لعب الصبيان بالجوز . 3277 - حدثنا محمد بن بشار , قال ; ثنا عبد الرحمن , قال ; ثنا سفيان , عن عبد الملك بن عمير , عن أبي الأحوص , قال ; قال عبد الله ; إياكم وهذم الكعاب الموسومة التي تزجرون بها زجرا فإنهن من الميسر . 3278 - حدثنا محمد بن المثنى , قال ; ثنا محمد بن جعفر , قال ; ثنا شعبة , عن عبد الملك بن عمير , عن أبي الأحوص , مثله . * - حدثنا محمد بن المثنى , قال ; ثنا محمد بن نافع , قال ; ثنا شعبة , عن يزيد بن أبي زياد , عن أبي الأحوص , عن عبد الله أنه قال ; إياكم وهذه الكعاب التي تزجرون بها زجرا , فإنها من الميسر . 3279 - حدثني علي بن سعيد الكندي , قال ; ثنا علي بن مسهر , عن عاصم , عن محمد بن سيرين , قال ; القمار ; ميسر . * - حدثنا ابن بشار , قال ; ثنا أبو عامر , قال ; ثنا سفيان , عن عاصم الأحول , عن محمد بن سيرين , قال ; كل شيء له خطر , أو في خطر - أبو عامر شك - فهو من الميسر . * - حدثنا الوليد بن شجاع أبو همام , قال ; ثنا علي بن مسهر , عن عاصم , عن محمد بن سيرين , قال ; كل قمار ميسر حتى اللعب بالنرد على القيام والصياح والريشة يجعلها الرجل في رأسه . * - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا جرير , عن عاصم , عن ابن سيرين , قال ; كل لعب فيه قمار من شرب أو صياح أو قيام فهو من الميسر . 3280 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال ; ثنا خالد بن الحارث , قال ; ثنا الأشعث , عن الحسن , أنه قال ; الميسر ; القمار . 3281 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال ; ثنا المعتمر , عن ليث , عن طاوس وعطاء قالا ; كل قمار فهو من الميسر , حتى لعب الصبيان بالكعاب والجوز . 3282 - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا حكام , عن عمرو , عن عطاء , عن سعيد , قال ; الميسر ; القمار . 3283 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال ; ثنا هشيم , قال ; أخبرنا عبد الملك بن عمير , عن أبي الأحوص , عن عبيد الله قال ; إياكم وهاتين الكعبتين يزجر بهما زجرا فإنهما من الميسر . 3284 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال ; ثنا ابن علية , عن ابن عروبة , عن قتادة قال ; أما قوله والميسر , فهو القمار كله . 3285 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال ; أخبرنا ابن وهب , قال ; أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم , عن عبيد الله بن عمر أنه سمع عمر بن عبيد الله يقول للقاسم بن محمد ; النرد ; ميسر , أرأيت الشطرنج ميسر هو ؟ فقال القاسم ; كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة , فهو ميسر . 3286 - حدثني علي بن داود , قال ; قال ثنا أبو صالح , قال ; ثنى معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قال ; الميسر ; القمار , كان الرجل في الجاهلية يخاطر على أهله وماله , فأيهما قمر صاحبه ذهب بأهله وماله . 3287 - حدثني موسى بن هارون , قال ; ثنا عمرو بن حماد , قال ; ثنا أسباط , عن السدي , قال ; الميسر القمار . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال ; أخبرنا عبد الرزاق , قال ; أخبرنا معمر , عن قتادة , قال ; الميسر القمار . 3288 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال ; أخبرنا عبد الرزاق , قال ; أخبرنا معمر , عن الليث , عن مجاهد وسعيد بن جبير , قالا ; الميسر ; القمار كله , حتى الجوز الذي يلعب به الصبيان . 3289 - حدثت عن الحسين , قال ; سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد , قال ; سمعت عبيد بن سليمان يحدث عن الضحاك قوله ; الميسر ; قال ; القمار . * - حدثنا بشر بن معاذ , قال ; ثنا يزيد , قال ; ثنا سعيد , عن قتادة ; الميسر القمار . 3290 - حدثنا المثنى , قال ; ثنا إسحاق , قال ; ثنا أبو بدر شجاع بن الوليد , قال ; ثنا موسى بن عقبة , عن نافع أن ابن عمر كان يقول ; القمار من الميسر . 3291 - حدثنا القاسم , قال ; ثنا الحسين , قال ; ثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , قال ; الميسر قداح العرب , وكعاب فارس , قال ; وقال ابن جريج , وزعم عطاء بن ميسرة أن الميسر ; القمار كله . 3292 - حدثنا ابن البرقي , قال ; ثنا عمرو بن أبي سلمة , عن سعيد بن عبد العزيز , قال ; قال مكحول ; الميسر ; القمار . * - حدثنا الحسن بن محمد الذارع , قال ; ثنا الفضل بن سليمان وشجاع بن الوليد , عن موسى بن عقبة , عن نافع , عن ابن عمر , قال ; الميسر ; القمار .قل فيهما إثم كبيروأما قوله ; { قل فيهما إثم كبير } فإنه يعني بذلك جل ثناؤه ; قل يا محمد لهم فيهما , يعني في الخمر والميسر إثم كبير . فالإثم الكبير الذي فيهما ما ذكر عن السدي فيما ; 3293 - حدثني به موسى بن هارون , قال ; ثنا عمرو بن حماد , قال ; ثنا أسباط , عن السدي ; أما قوله ; { فيهما إثم كبير } فإثم الخمر أن الرجل يشرب فيسكر فيؤذي الناس . وإثم الميسر أن يقامر الرجل فيمنع الحق ويظلم . 3294 - حدثني محمد بن عمرو , قال ; ثنا أبو عاصم , قال ; ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد ; { قل فيهما إثم كبير } قال ; هذا أول ما عيبت به الخمر . 3295 - حدثني علي بن داود , قال ; ثنا أبو صالح , قال ; ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله ; { قل فيهما إثم كبير } يعني ما ينقص من الدين عند من يشربها . والذي هو أولى بتأويل الآية , الإثم الكبير الذي ذكر الله جل ثناؤه أنه في الخمر والميسر , في الخمر ما قاله السدي زوال عقل شارب الخمر إذا سكر من شربه إياها حتى يعزب عنه معرفة ربه , وذلك أعظم الآثام , وذلك معنى قول ابن عباس إن شاء الله . وأما في الميسر فما فيه من الشغل به عن ذكر الله , وعن الصلاة , ووقوع العداوة والبغضاء بين المتياسرين بسببه , كما وصف ذلك به ربنا جل ثناؤه بقوله ; { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة } 5 91ومنافع للناسوأما قوله ; { ومنافع للناس } فإن منافع الخمر كانت أثمانها قبل تحريمها , وما يصلون إليه بشربها من اللذة , كما قال الأعشى في صفتها . لنا من ضحاها خبث نفس وكأبة وذكرى هموم ما تفك أذاتها وعند العشاء طيب نفس ولذة ومال كثير عدة نشواتها وكما قال حسان ; فنشربها فتتركنا ملوكا وأسدا ما ينهنهنا اللقاء وأما منافع الميسر فما مصيبون فيه من أنصباء الجزور , وذلك أنهم كانوا يياسرون على الجزور , وإذا أفلج الرجل منهم صاحبه نحره , ثم أقتسموا أعشارا على عدد القداح , وفي ذلك يقول أعشى بني ثعلبة . وجزور أيسار دعوت إلى الندى ونياط مقفرة أخاف ضلالها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك ; 3296 - حدثني محمد بن عمرو , قال ; ثنا أبو عاصم , قال ; ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال ; المنافع ههنا ما يصيبون من الجزور . 3297 - حدثني موسى بن هارون , قال ; ثنا عمرو بن حماد , قال ; ثنا أسباط عن السدي ; أما منافعهما فإن منفعة الخمر في لذته وثمنه , ومنفعة الميسر فيما يصاب من القمار . 3298 - حدثنا أبو هشام الرفاعي , قال ; ثنا ابن أبي زائدة , عن ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد ; { قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس } قال ; منافعهما قبل أن يحرما . 3299 - حدثنا علي بن داود , قال ; ثنا أبو صالح , قال ; ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس ; { ومنافع للناس } قال ; يقول فيما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوها . واختلف القراء في قراءة ذلك , فقرأه معظم أهل المدينة وبعض الكوفيين والبصريين { قل فيهما إثم كبير } بالباء , بمعنى ; قل في شرب هذه والقمار هذا كبير من الآثام . وقرأه آخرون من أهل المصرين , البصرة والكوفة ; " قل فيهما إثم كبير " بمعنى الكثرة من الآثام , وكأنهم رأوا أن الإثم بمعنى الآثام , وإن كان في اللفظ واحدا فوصفوه بمعناه من الكثرة . وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأه بالباء { قل فيهما إثم كبير } لإجماع جميعهم على قوله ; { وإثمهما أكبر من نفعهما } وقراءته بالباء ; وفي ذلك دلالة بينة على أن الذي وصف به الإثم الأول من ذلك هو العظم والكبر , لا الكثرة في العدد . ولو كان الذي وصف به من ذلك الكثرة , لقيل وإثمهما أكثر من نفعهما .وإثمهما أكبر من نفعهماالقول في تأويل قوله تعالى ; { وإثمهما أكبر من نفعهما } يعني بذلك عز ذكره ; والإثم بشرب هذه والقمار هذا , أعظم وأكبر مضرة عليهم من النفع الذي يتناولون بهما . وإنما كان ذلك كذلك , لأنهم كانوا إذا سكروا وثب بعضهم على بعض وقاتل بعضهم بعضا , وإذا ياسروا وقع بينهم فيه بسببه الشر , فأداهم ذلك إلى ما يأثمون به . ونزلت هذه الآية في الخمر قبل أن يصرح بتحريمها , فأضاف الإثم جل ثناؤه إليهما , وإنما الإثم بأسبابهما , إذ كان عن سببهما يحدث . وقد قال عدد من أهل التأويل ; معنى ذلك وإثمهما بعد تحريمهما أكبر من نفعهما قبل تحريمهما . ذكر من قال ذلك ; 3300 - حدثني محمد بن سعد , قال ; ثني أبي , قال ; ثني عمي , قال ; ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس ; { وإثمهما أكبر من نفعهما } قال ; منافعهما قبل التحريم , وإثمهما بعدما حرما . 3301 - حدثت عن عمار , قال ; ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه عن الربيع ; { ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } ينزل المنافع قبل التحريم , والإثم بعد ما حرم . 3302 - حدثت عن الحسين , قال ; سمعت أبا معاذ , قال ; أخبرني عبيد بن سليمان , قال ; سمعت الضحاك يقول في قوله ; { وإثمهما أكبر من نفعهما } يقول ; إثمهما بعد التحريم أكبر من نفعهما قبل التحريم . 3303 - حدثني علي بن داود , قال ; ثنا عبد الله بن صالح , قال ; ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله ; { وإثمهما أكبر من نفعهما } يقوله ; ما يذهب من الدين والإثم فيه أكبر مما يصيبون في فرحها إذا شربوها . وإنما اخترنا ما قلنا في ذلك من التأويل لتواتر الأخبار وتظاهرها بأن هذه نزلت قبل تحريم الخمر والميسر , فكان معلوما بذلك أن الإثم الذي ذكر الله في هذه الآية فأضافه إليهما إنما عنى به الإثم الذي يحدث عن أسبابهما على ما وصفنا , لا الإثم بعد التحريم . ذكر الأخبار الدالة على ما قلنا من أن هذه الآية نزلت قبل تحريم الخمر ; 3304 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال ; ثنا أبو أحمد , قال ; ثنا قيس , عن سالم , عن سعيد بن جبير , قال ; لما نزلت ; { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيها إثم كبير ومنافع للناس } فكرهها قوم لقوله ; { فيها إثم كبير } وشربها قوم لقوله ; { ومنافع للناس } حتى نزلت ; { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } 4 43 قال ; فكانوا يدعونها في حين الصلاة ويشربونها في غير حين الصلاة , حتى نزلت ; { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } 5 90 فقال عمر ; ضيعة لك ! اليوم قرنت بالميسر . 3305 - حدثني محمد بن معمر , قال ; ثنا أبو عامر , قال ; ثنا محمد بن أبي حميد , عن أبي توبة المصري , قال ; سمعت عبد الله بن عمر يقول ; أنزل الله عز وجل في الخمر ثلاثا , فكان أول ما أنزل ; { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير } الآية , فقالوا ; يا رسول الله ننتفع بها ونشربها , كما قال الله جل وعز في كتابه . ثم نزلت هذه الآية ; { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } 4 43 الآية , قالوا ; يا رسول الله لا نشربها عند قرب الصلاة قال ; ثم نزلت ; { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } 5 90 الآية , قال ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; " حرمت الخمر " . 3306 - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا يحيى بن واضح , قال ; ثنا الحسين , عن يزيد النحوي , عن عكرمة والحسن قالا ; قال الله ; { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } 4 43 و { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } فنسختها الآية التي في المائدة , فقال ; { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر } 5 90 الآية . 3307 - حدثنا ابن بشار , قال ; ثنا عبد الوهاب , قال ; ثنا عوف , عن أبي القموص زيد بن علي , قال ; أنزل الله عز وجل في الخمر ثلاث مرات ; فأول ما أنزل قال الله ; { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } قال ; فشربها من المسلمين من شاء الله منهم على ذلك , حتى شرب رجلان , فدخلا في الصلاة , فجعلا يهجران كلاما لا يدري عوف ما هو , فأنزل الله عز وجل فيهما ; { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } فشربها من شربها منهم , وجعلوا يتقونها عند الصلاة , حتى شربها - فيما زعم أبو القميص - رجل , فجعل ينوح على قتلى بدر ; تحيي بالسلامة أم عمرو وهل لك بعد رهطك من سلام ذريني أصطبح بكرا فإني رأيت الموت نقب عن هشام وود بنو المغيرة لو فدوه بألف من رجال أو سوام كأي بالطوي طوي بدر من الشيزى يكلل بالسنام كأي بالطوي طوي بدر من الفتيان والحلل الكرام قال ; فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم , فجاء فزعا يجر رداءه من الفزع حتى انتهى إليه , فلما عاينه الرجل , فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا كان بيده ليضربه , قال ; أعوذ بالله من غضب الله ورسوله , والله لا أطعمها أبدا ! فأنزل الله تحريمها ; { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس } . . إلى قوله ; { فهل أنتم منتهون } 5 90 ; 91 فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ; انتهينا انتهينا . 3308 - حدثنا سفيان بن وكيع , قال ; ثنا إسحاق الأزرق , عن زكريا عن سماك , عن الشعبي , قال ; نزلت في الخمر أربع آيات ; { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس } فتركوها , ثم نزلت ; { تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا } 16 67 فشربوها . ثم نزلت الآيتان في المائدة { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام } إلى قوله ; { فهل أنتم منتهون } 5 90 ; 91 3309 - حدثني موسى بن هارون , قال ; ثنا عمرو بن حماد , قال ; ثنا أسباط , عن السدي , قال ; نزلت هذه الآية ; { يسألونك عن الخمر والميسر } الآية , فلم يزالوا بذلك يشربونها , حتى صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما , فدعا ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم علي بن أبي طالب , فقرأ ; { قل يا أيها الكافرون } ولم يفهمها , فأنزل الله عز وجل يشدد في الخمر ; { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } 4 43 فكانت لهم حلالا , يشربون من صلاة الفجر حتى يرتفع النهار أو ينتصف , فيقومون إلى صلاة الظهر وهم مصحون , ثم لا يشربونها حتى يصلوا العتمة وهي العشاء , ثم يشربونها حتى ينتصف الليل وينامون , ثم يقومون إلى صلاة الفجر وقد صحوا . فلم يزالوا بذلك يشربونها , حتى صنع سعد بن أبي وقاص طعاما فدعا ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم رجل من الأنصار , فشوى لهم رأس بعير ثم دعاهم عليه , فلما أكلوا وشربوا من الخمر سكروا وأخذوا في الحديث , فتكلم سعد بشيء , فغضب الأنصاري , فرفع لحي البعير فكسر أنف سعد , فأنزل الله نسخ الخمر وتحريمها وقال ; { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام } إلى قوله ; { فهل أنتم منتهون } 5 90 ; 91 3310 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال ; أخبرنا عبد الرزاق , قال ; أخبرنا معمر , عن قتادة , وعن رجل عن مجاهد في قوله ; { يسألونك عن الخمر والميسر } قال ; لما نزلت هذه الآية شربها بعض الناس وتركها بعض , حتى نزل تحريمها في سورة المائدة . 3311 - حدثنا محمد بن عمرو , قال ; ثنا أبو عاصم , قال ; ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد ; { قل فيهما إثم كبير } قال ; هذا أول ما عيبت به الخمر . 3312 - حدثنا بشر بن معاذ , قال ; ثنا يزيد بن زريع , قال ; ثنا سعيد , عن قتادة قوله ; { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس } فذمهما الله ولم يحرمهما لما أراد أن يبلغ بهما من المدة والأجل , ثم أنزل الله في سورة النساء أشد منها ; { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } 4 43 فكانوا يشربونها , حتى إذا حضرت الصلاة سكتوا عنها , فكان السكر عليهم حراما . ثم أنزل الله جل وعز في سورة المائدة بعد غزوة الأحزاب ; { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر } إلى ; { لعلكم تفلحون } 5 90 ; 91 فجاء تحريمها في هذه الآية قليلها وكثيرها , ما أسكر منها وما لم يسكر , وليس للعرب يومئذ عيش أعجب إليهم منها . 3313 - وحدثت عن عمار بن الحسن , قال ; ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع قوله ; { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } قال ; لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; " إن ربكم يقدم في تحريم الخمر " , قال ; ثم نزلت ; { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } 4 43 قال النبي ; وإن ربكم يقدم في تحريم الخمر " , قال ; ثم نزلت ; { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } 5 90 فحرمت الخمر عند ذلك . 3314 - حدثني يونس , قال ; أخبرنا ابن وهب , قال ; قال ابن زيد في قوله ; { يسألونك عن الخمر والميسر } الآية كلها , قال ; نسخت ثلاثة في سورة المائدة , وبالحد الذي حد النبي صلى الله عليه وسلم , وضرب النبي صلى الله عليه وسلم , قال ; كان النبي صلى الله عليه وسلم يضربهم بذلك حدا , ولكنه كان يعمل في ذلك برأيه , ولم يكن حدا مسمى وهو حد . وقرأ ; { إنما الخمر والميسر } 5 90 الآية .ويسألونك ماذا ينفقون قل العفوالقول في تأويل قوله تعالى ; { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } يعني جل ذكره بذلك ; ويسألك يا محمد أصحابك ; أي شيء ينفقون من أموالهم فيتصدقون به , فقل لهم يا محمد أنفقوا منها العفو . واختلف أهل التأويل في معنى ; { العفو } في هذا الموضع , فقال بعضهم . معناه ; الفضل . ذكر من قال ذلك ; 3315 - حدثنا عمرو بن علي الباهلي , قال ; ثنا وكيع ح , وحدثنا ابن وكيع , قال ; ثنا أبي , عن ابن أبي ليلى , عن الحكم , عن مقسم , عن ابن عباس قال ; العفو ; ما فضل عن هلك . 3316 - حدثنا بشر بن معاذ , قال ; ثنا يزيد , قال ; ثنا سعيد , عن قتادة ; قل العفو ; أي الفضل . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال ; أخبرنا عبد الرزاق , قال , أخبرنا معمر , عن قتادة , قال ; هو الفضل . 3317 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال ; ثنا هشيم , قال ; أخبرنا عبد الملك , عن عطاء في قوله ; العفو , قال ; الفضل . 3318 - حدثنا موسى بن هارون , قال ; ثنا عمرو بن حماد , قال ; ثنا أسباط , عن السدي , قال ; العفو , يقول ; الفضل . 3319 - حدثني يونس , قال ; أخبرنا ابن وهب , قال ; قال ابن زيد في قوله ; { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } قال ; كان القوم يعملون في كل يوم بما فيه , فإن فضل ذلك اليوم فضل عن العيال قدموه ولا يتركون عيالهم جوعا , ويتصدقون به على الناس . 3320 - حدثنا عمرو بن علي , قال ; ثنا يزيد بن زريع , قال ; ثنا يونس , عن الحسن في قوله ; { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } قال ; هو الفضل فضل المال . وقال آخرون ; معنى ذلك ما كان عفوا لا يبين على من أنفقه أو تصدق به . ذكر من قال ذلك ; 3321 - حدثني علي بن داود , قال ; ثنا عبد الله بن صالح قال ; ثني معاوية بن صالح , عن علي , عن ابن عباس ; { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } يقول ; ما لا يتبين في أموالكم . 3322 - حدثني محمد بن عمرو , قال ; ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن جريج , عن طاوس في قول الله جل وعز ; { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } قال ; اليسير من كل شيء . وقال آخرون ; معنى ذلك ; الوسط من النفقة ما لم يكن إسرافا ولا إقتارا . ذكر من قال ذلك ; 3323 - حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع , قال ; ثنا بشر بن المفضل , عن عوف , عن الحسن في قوله ; { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } يقول ; لا تجهد مالك حتى ينفد للناس . 3324 - حدثنا القاسم , قال ; ثنا الحسين , قال ; ثني حجاج , عن ابن جريج , قال ; سألت عطاء , عن قوله ; { يسألونك ماذا ينفقون قل العفو } قال ; العفو في النفقة أن لا تجهد مالك حتى ينفد , فتسأل الناس 3325 - حدثنا القاسم , قال ; ثنا الحسين , قال ; ثنا حجاج عن ابن جريج , قال ; سألت عطاء , عن قوله { يسألونك ماذا ينفقون قل العفو } قال ; العفو ; ما لم يسرفوا , ولم يقتروا في الحق , قال ; وقال مجاهد ; العفو صدقة عن ظهر غنى . * - حدثنا عمرو بن علي , قال ; ثنا يحيى بن سعيد , قال ; ثنا عوف , عن الحسن في قوله ; { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } قال ; هو أن لا تجهد مالك . وقال آخرون ; معنى ذلك { قل العفو } خذ منهم ما أتوك به من شيء قليلا أو كثيرا . ذكر من قال ذلك ; 3326 - حدثني محمد بن سعد , قال ; ثني أبي , قال ; ثني عمي , قال ; ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس ; { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } يقول ; ما أتوك به من شيء قليل أو كثير , فاقبله منهم . وقال آخرون ; معنى ذلك ما طاب من أموالكم . ذكر من قال ذلك ; 3327 - حدثت عن عمار , قال ; ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع قوله ; { يسألونك ماذا ينفقون قل العفو } قال ; يقول الطيب منه , يقول ; أفضل مالك وأطيبه . 3328 - حدثت عن عمار بن الحسن قال ; ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن قتادة , قال ; كان يقول ; العفو ; الفضل . يقول أفضل مالك . وقال آخرون ; معنى ذلك الصدقة المفروضة . ذكر من قال ذلك ; 3329 - حدثني محمد بن عمرو , قال ; ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن قيس بن سعد , أو عيسى عن قيس , عن مجاهد - شك أبو عاصم - قول الله جل وعز ; { قل العفو } قال ; الصدقة المفروضة . وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال ; معنى العفو ; الفضل من مال الرجل عن نفسه وأهله في مئونتهم وما لا بد لهم منه . وذلك هو الفضل الذي تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإذن في الصدقة , وصدقته في وجه البر . ذكر بعض الأخبار التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ; 3330 - حدثنا علي بن مسلم , قال ; ثنا أبو عاصم , عن ابن عجلان , عن المقبري , عن أبي هريرة , قال ; قال رجل يا رسول الله عندي دينار ! قال ; " أنفقه على نفسك ؟ " قال ; عندي آخر ! قال ; " أنفقه على أهلك ! " قال ; عندي آخر ! قال ; " أنفقه على ولدك ! " قال ; عندي آخر ! قال ; " فأنت أبصر " . 3331 - حدثني محمد بن معمر البحراني , قال ; ثنا روح بن عبادة , قال ; ثنا ابن جريج , قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول ; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; " إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه , فإن كان لا فضل فليبدأ مع نفسه بمن يعول , ثم إن وجد فضلا بعد ذلك فليتصدق على غيرهم " . 3332 - حدثنا عمرو بن علي , قال ; ثنا يزيد بن هارون , قال ; ثنا محمد بن إسحاق , عن عاصم , عن عمر بن قتادة , عن محمود بن لبيد عن جابر بن عبد الله , قال ; أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ببيضة من ذهب أصابها في بعض المعادن , فقال ; يا رسول الله , خذ هذه مني صدقة , فوالله ما أصبحت أملك غيرها ! فأعرض عنه , فأتاه من ركنه الأيمن , فقال له مثل ذلك , فأعرض عنه . ثم قال له مثل ذلك فأعرض عنه . ثم قال له مثل ذلك , فقال ; " هاتها ! " مغضبا , فأخذها فحذفه بها حذفة لو أصابه شجه أو عقره , ثم قال ; " يجيء أحدكم بماله كله يتصدق به ويجلس يتكفف الناس ! إنما الصدقة عن ظهر غنى " . 3333 - حدثنا محمد بن المثنى , قال ; ثنا محمد بن جعفر , قال ; ثنا شعبة , عن إبراهيم المخرمي , قال ; سمعت أبا الأحوص يحدث عن عبد الله , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ; " ارضخ من الفضل , وابدأ بمن تعول , ولا تلام على كفاف " . وما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول باستقصاء ذكرها الكتاب . فإذا كان الذي أذن صلى الله عليه وسلم لأمته الصدقة من أموالهم بالفضل عن حاجة المتصدق الفضل من ذلك , هو العفو من مال الرجل ; إذ كان العفو في كلام العرب في المال وفي كل شيء هو الزيادة والكثرة , ومن ذلك قوله جل ثناؤه ; { حتى عفوا } 7 95 بمعنى ; زادوا على ما كانوا عليه من العدد وكثروا , ومنه قول الشاعر ; ولكنا يعض السيف منا بأسوق عافيات الشحم كوم يعني به كثيرات الشحوم . ومن ذلك قيل للرجل ; خذ ما عفا لك من فلان , يراد به ; ما فضل فصفا لك عن جهده بما لم تجهده . كان بينا أن الذي أذن الله به في قوله { قل العفو } لعباده من النفقة , فأذنهم بإنفاقه إذا أرادوا إنفاقه هو الذي بين لأمته رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ; " خير الصدقة ما أنفقت عن غنى " وأذنهم به . فإن قال لنا قائل ; وما تنكر أن يكون ذلك العفو هو الصدقة المفروضة ؟ قيل ; أنكرت ذلك لقيام الحجة على أن من حلت في ماله الزكاة المفروضة , فهلك جميع ماله إلا قدر الذي لزم ماله لأهل سهمان الصدقة , أن عليه أن يسلمه إليهم , إذا كان هلاك ماله بعد تفريطه في أداء الواجب كان لهم [ في ] ماله إليهم , وذلك لا شك أنه جهده إذا سلمه إليهم لا عفوه , وفي تسمية الله جل ثناؤه ما علم عباده وجه إنفاقهم من أموالهم عفوا , ما يبطل أن يكون مستحقا اسم جهد في حالة , وإذا كان ذلك كذلك فبين فساد قول من زعم أن معنى العفو هو ما أخرجه رب المال إلى إمامه , فأعطاه كائنا ما كان من قليل ماله وكثيره , وقول من زعم أنه الصدقة المفروضة . وكذلك أيضا لا وجه لقول من يقول ; إن معناه ما لم يتبين في أموالكم , لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له أبو لبابة ; إن من توبتي أن أنخلع إلى الله ورسوله من مالي صدقة , قال النبي صلى الله عليه وسلم ; " يكفيك من ذلك الثلث " وكذلك روي عن كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له نحوا من ذلك . والثلث لا شك أنه بين فقده من مال ذي المال , ولكنه عندي كما قال جل ثناؤه ; { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما } 25 67 وكما قال جل ثناؤه لمحمد صلى الله عليه وسلم ; { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا } 17 29 وذلك هو ما حده صلى الله عليه وسلم فيما دون ذلك على قدر المال واحتماله . ثم اختلف أهل العلم في هذه الآية ; هل هي منسوخة , أم ثابتة الحكم على العباد ؟ فقال بعضهم ; هي منسوخة نسختها الزكاة المفروضة . ذكر من قال ذلك ; 3334 - حدثني علي بن داود , قال ; ثنا عبد الله بن صالح , قال ; ثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله ; { يسألونك ماذا ينفقون قل العفو } قال ; كان هذا قبل أن تفرض الصدقة . 3335 - حدثني محمد بن سعد , قال ; ثني أبي , قال ; ثني عمي , قال ; أبي , عن أبيه , عن ابن عباس ; { يسألونك ماذا ينفقون قل العفو } قال ; لم تفرض فيه فريضة معلومة , ثم قال ; { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } 7 199 ثم نزلت الفرائض بعد ذلك مسماة . 3336 - حدثني موسى بن هارون , قال ; ثنا عمرو بن حماد , قال ; ثنا أسباط , عن السدي , قوله ; { يسألونك ماذا ينفقون قل العفو } هذه نسختها الزكاة . وقال آخرون ; بل مثبتة الحكم غير منسوخه . ذكر من قال ذلك ; 3337 - حدثني محمد بن عمرو , قال ; ثنا أبو عاصم . قال ; ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن قيس بن سعد - أو عيسى , عن قيس . عن مجاهد ; شك أبو عاصم , قال - قال ; العفو ; الصدقة المفروضة . والصواب من القول في ذلك ما قاله ابن عباس على ما رواه عنه عطية من أن قوله ; { قل العفو } ليس بإيجاب فرض فرض من الله حقا في ماله . ولكنه إعلام منه ما يرضيه من النفقة مما يسخطه جوابا معه لمن سأل نبيه محمدا عما فيه له رضا , فهو أدب من الله لجميع خلقه على ما أدبهم به في الصدقة غير المفروضات ثابت الحكم غير ناسخ لحكم كان قبله بخلافه , ولا منسوخ بحكم حدث بعده , فلا ينبغي لذي ورع ودين أن يتجاوز في صدقات التطوع وهباته وعطايا النفل وصدقته ما أدبهم به نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله ; " إذا كان عند أحدكم فضل فليبدأ بنفسه , ثم بأهله , ثم بولده " ثم يسلك حينئذ في الفضل مسالكه التي ترضي الله ويحبها . وذلك هو القوام بين الإسراف والإقتار الذي ذكره الله عز وجل في كتابه إن شاء الله تعالى . ويقال لمن زعم أن ذلك منسوخ ; ما الدلالة على نسخه ؟ وقد أجمع الجميع لا خلاف بينهم على أن للرجل أن ينفق من ماله صدقة وهبة ووصية الثلث . فما الذي دل على أن ذلك منسوخ ؟ فإن زعم أنه يعني بقوله ; إنه منسوخ أن إخراج العفو من المال غير لازم فرضا , وأن فرض ذلك ساقط بوجود الزكاة في المال ; قيل له ; وما الدليل على أن إخراج العفو كان فرضا , فأسقطه فرض الزكاة ؟ ولا دلالة في الآية على أن ذلك كان فرضا , إذ لم يكن أمر من الله عز ذكره , بل فيها الدلالة على أنها جواب ما سأل عنه القوم على وجه التعرف لما فيه لله الرضا من الصدقات , ولا سبيل لمدعي ذلك إلى دلالة توجب صحة ما ادعى . وأما القراء فإنهم اختلفوا في قراءة العفو , فقرأته عامة قراء الحجاز وقراء الحرمين ومعظم قراء الكوفيين ; { قل العفو } نصبا , وقرأه بعض قراء البصريين ; " قل العفو " رفعا . فمن قرأه نصبا جعل " ماذا " حرفا واحدا , ونصبه بقوله ; { ينفقون } على ما قد بينت قبل , ثم نصب العفو على ذلك ; فيكون معنى الكلام حينئذ ; ويسألونك أي شيء ينفقون ؟ ومن قرأ رفعا جعل " ما " من صلة " ذا " ورفعوا العفو ; فيكون معنى الكلام حينئذ ; ما الذي ينفقون , قل الذي ينفقون العفو . ولو نصب العفو , ثم جعل " ماذا " حرفين بمعنى يسألونك ماذا ينفقون ؟ قل ينفقون العفو , ورفع الذين جعلوا " ماذا " حرفا واحدا بمعنى . ما ينفقون ؟ قل الذي ينفقون ; خبرا كان صوابا صحيحا في العربية . وبأي القراءتين قرئ ذلك عندي صواب لتقارب معنييهما مع استفاضة القراءة بكل واحدة منهما . غير أن أعجب القراءتين إلي وإن كان الأمر كذلك قراءة من قرأه بالنصب , لأن من قرأ به من القراء أكثر وهو أعرف وأشهر .كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرونالقول في تأويل قوله تعالى ; { كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون } يعني بقول عز ذكره ; { كذلك يبين الله لكم الآيات } هكذا يبين أي ما بينت لكم أعلامي وحججي , وهي آياته في هذه السورة , وعرفتكم فيها ما فيه خلاصكم من عقابي , وبينت لكم حدودي وفرائضي , ونبهتكم فيها على الأدلة على وحدانيتي , ثم على حجج رسولي إليكم , فأرشدتكم إلى ظهور الهدى , فكذلك أبين لكم في سائر كتابي الذي أنزلته على نبيي محمد صلى الله عليه وسلم آياتي وحججي , وأوضحها لكم لتتفكروا في وعدي ووعيدي وثوابي وعقابي , فتختاروا طاعتي التي تنالون بها ثوابي في الدار الآخرة , والفوز بنعيم الأبد على القليل من اللذات , واليسير من الشهوات , بركوب معصيتي في الدنيا الفانية التي من ركبها , كان معاده إلي , ومصيره إلى ما لا قبل له به من عقابي وعذابي . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك ; 3338 - حدثنا علي بن داود , قال ثنا أبو صالح , قال ; ثني معاوية بن صالح , عن علي , عن ابن عباس { كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة } قال ; يعني في زوال الدنيا وفنائها , وإقبال الآخرة وبقائها . 3339 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال ; أخبرنا عبد الرزاق , قال أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله ; { لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة } يقول ; لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة فتعرفون فضل الآخرة على الدنيا . 3340 - حدثنا القاسم , قال ; ثنا الحسين قال ; ثني حجاج , عن ابن جريج قال ; قوله ; { كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة } قال ; أما الدنيا فتعلمون أنها دار بلاء ثم فناء , والآخرة دار جزاء ثم بقاء , فتتفكرون , فتعملون للباقية منهما . قال ; وسمعت أبا عاصم يذكر نحو هذا أيضا . 3341 - حدثنا بشر , قال ; ثنا يزيد , قال ; ثنا سعيد , عن قتادة قوله ; { كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة } وإنه من تفكر فيهما عرف فضل إحداهما على الأخرى وعرف أن الدنيا دار بلاء ثم دار فناء , وأن الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء , فكونوا ممن يصرم حاجة الدنيا لحاجة الآخرة .
أي: يسألك - يا أيها الرسول - المؤمنون عن أحكام الخمر والميسر, وقد كانا مستعملين في الجاهلية وأول الإسلام, فكأنه وقع فيهما إشكال، فلهذا سألوا عن حكمهما، فأمر الله تعالى نبيه, أن يبين لهم منافعهما ومضارهما, ليكون ذلك مقدمة لتحريمهما, وتحتيم تركهما. فأخبر أن إثمهما ومضارهما, وما يصدر منهما من ذهاب العقل والمال, والصد عن ذكر الله, وعن الصلاة, والعداوة, والبغضاء - أكبر مما يظنونه من نفعهما, من كسب المال بالتجارة بالخمر, وتحصيله بالقمار والطرب للنفوس, عند تعاطيهما، وكان هذا البيان زاجرا للنفوس عنهما, لأن العاقل يرجح ما ترجحت مصلحته, ويجتنب ما ترجحت مضرته، ولكن لما كانوا قد ألفوهما, وصعب التحتيم بتركهما أول وهلة, قدم هذه الآية, مقدمة للتحريم, الذي ذكره في قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } إلى قوله: { مُنْتَهُونَ } وهذا من لطفه ورحمته وحكمته، ولهذا لما نزلت, قال عمر رضي الله عنه: انتهينا انتهينا. فأما الخمر: فهو كل مسكر خامر العقل وغطاه, من أي نوع كان، وأما الميسر: فهو كل المغالبات التي يكون فيها عوض من الطرفين, من النرد, والشطرنج, وكل مغالبة قولية أو فعلية, بعوض سوى مسابقة الخيل, والإبل, والسهام, فإنها مباحة, لكونها معينة على الجهاد, فلهذا رخص فيها الشارع. { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } وهذا سؤال عن مقدار ما ينفقونه من أموالهم، فيسر الله لهم الأمر, وأمرهم أن ينفقوا العفو, وهو المتيسر من أموالهم, الذي لا تتعلق به حاجتهم وضرورتهم، وهذا يرجع إلى كل أحد بحسبه, من غني وفقير ومتوسط, كل له قدرة على إنفاق ما عفا من ماله, ولو شق تمرة. ولهذا أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم, أن يأخذ العفو من أخلاق الناس وصدقاتهم, ولا يكلفهم ما يشق عليهم. ذلك بأن الله تعالى لم يأمرنا بما أمرنا به حاجة منه لنا, أو تكليفا لنا [بما يشق] بل أمرنا بما فيه سعادتنا, وما يسهل علينا, وما به النفع لنا ولإخواننا فيستحق على ذلك أتم الحمد. ولما بيّن تعالى هذا البيان الشافي, وأطلع العباد على أسرار شرعه قال: { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ } أي: الدالات على الحق, المحصلات للعلم النافع والفرقان، { لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } أي: لكي تستعملوا أفكاركم في أسرار شرعه, وتعرفوا أن أوامره, فيها مصالح الدنيا والآخرة، وأيضا لكي تتفكروا في الدنيا وسرعة انقضائها, فترفضوها وفي الآخرة وبقائها, وأنها دار الجزاء فتعمروها.
(يسألونك عن الخمر) مثل يسألونك عن الشهر ،
(الميسر) معطوف على الخمر بحرف العطف مجرور مثله
(قل) فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(في) حرف جرّ و (هما) ضمير متّصل فيمحلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم
(إثم) مبتدأ مؤخّر مرفوع
(كبير) نعت لاثم مرفوع مثله
(الواو) عاطفة
(منافع) معطوف على إثم مرفوع مثله
(للناس) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لمنافع
(الواو) اعتراضيّة أو حاليّة
(إثم) مبتدأ مرفوع و (هما) ضمير مضاف إليه
(أكبر) خبر مرفوع
(من نفع) جارّ ومجرور متعلّق بأكبر و (هما) مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(يسألونك) سبق إعرابه ،
(ماذا) اسم استفهام مبنيّ في محلّ نصب مفعول به مقدّم
(ينفقون) مضارع مرفوع.. والواو فاعلـ (قل) مثل الأولـ (العفو) مفعول به لفعل محذوف تقديره أنفقوا.
(الكاف) حرف جرّ وتشبيه
(ذا) اسم إشارة في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف مفعول مطلق أي تبيّنا كذلك و (اللام) للبعد و (الكاف) للخطابـ (يبيّن) مضارع مرفوع
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(اللام) حرف جرّ و (كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (يبيّن) ،
(الآيات) مفعول به منصوب وعلامة النصب الكسرة
(لعلّ) حرف مشبّه بالفعل للترجي و (كم) ضمير في محلّ نصب اسم لعلّ
(تتفكرون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل جملة: «يسألونك» عن الخمر لا محلّ لها استئنافيّة وجملة: «قل ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّوجملة: «فيهما إثم» في محلّ نصب مقول القول وجملة: «إثمهما أكبر» في محلّ نصب حال- أولا محلّ لها اعتراضيّة.وجملة: «يسألونك
(الثانية) » لا محلّ لها معطوفة على جملة يسألونك الأولى وجملة: «ينفقون» مفعول به لـ (يسألون) المعلّق بالاستفهام وجملة: «قلـ (الثانية) » لا محلّ لها استئناف بياني وجملة: «
(أنفقوا) العفو» في محلّ نصب مقول القول وجملة: «يبيّن الله» لا محلّ لها استئنافيّةوجملة: «لعلّكم تتفكرون» لا محلّ لها تعليليّةوجملة: «تتفكّرون» في محلّ رفع خبر لعلّ