وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِۦمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الْمَوْتٰى ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلٰى وَلٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلٰى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
وَاِذۡ قَالَ اِبۡرٰهٖمُ رَبِّ اَرِنِىۡ كَيۡفَ تُحۡىِ الۡمَوۡتٰى ؕ قَالَ اَوَلَمۡ تُؤۡمِنۡؕ قَالَ بَلٰى وَلٰـكِنۡ لِّيَطۡمَٮِٕنَّ قَلۡبِىۡؕ قَالَ فَخُذۡ اَرۡبَعَةً مِّنَ الطَّيۡرِ فَصُرۡهُنَّ اِلَيۡكَ ثُمَّ اجۡعَلۡ عَلٰى كُلِّ جَبَلٍ مِّنۡهُنَّ جُزۡءًا ثُمَّ ادۡعُهُنَّ يَاۡتِيۡنَكَ سَعۡيًا ؕ وَاعۡلَمۡ اَنَّ اللّٰهَ عَزِيۡزٌ حَكِيۡمٌ
تفسير ميسر:
واذكر -أيها الرسول- طلب إبراهيم من ربه أن يريه كيفية البعث، فقال الله له; أَوَلم تؤمن؟ قال; بلى، ولكن أطلب ذلك لأزداد يقينًا على يقيني، قال; فخذ أربعة من الطير فاضممهن إليك واذبحهن وقطعهن، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءًا، ثم نادِهن يأتينك مسرعات. فنادى إبراهيم عليه السلام، فإذا كل جزء يعود إلى موضعه، وإذا بها تأتي مسرعة. واعلم أن الله عزيز لا يغلبه شيء، حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.
ذكروا لسؤال إبراهيم عليه السلام أسبابا منها أنه لما قال لنمرود "ربي الذي يحيي ويميت" أحب أن يترقى من علم اليقين بذلك إلى عين اليقين وأن يرى ذلك مشاهدة فقال "رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي" فأما الحديث الذي رواه البخاري عند هذه الآية حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة وسعيد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال; قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي وكذا رواه مسلم عن حرملة بن يحيى عن وهب به فليس المراد ههنا بالشك ما قد يفهمه من لا علم عنده بلا خلاف وقد أجيب عن هذا الحديث بأجوبة أحدها. وقوله "قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك" اختلف المفسرون في هذه الأربعة ما هي وإن كان لا طائل تحت تعيينها إذ لو كان في ذلك مهم لنص عليه القرآن فروي عن ابن عباس أنه قال هي الغرنوق والطاوس والديك والحمامة وعنه أيضا أنه أخذ وزا ورألا وهو فرخ النعام وديكا وطاوسا وقال; مجاهد وعكرمة كانت حمامة وديكا وطاوسا وغرابا وقوله "فصرهن إليك" أي وقطعهن قاله ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو مالك وأبو الأسود الدؤلي ووهب ابن منبه والحسن والسدي وغيرهم وقال العوفي عن ابن عباس "فصرهن إليك" أوثقهن فلما أوثقهن ذبحهن ثم جعل على كل جبل منهن جزءا فذكروا أنه عمد إلى أربعة من الطير فذبحهن ثم قطعهن ونتف ريشهن ومزقهن وخلط بعضهن ببعض ثم جزأهن أجزاء وجعل على كل جبل منهن جزءا قيل أربعة أجبل وقيل سبعة قال ابن عباس; وأخذ رءوسهن بيده ثم أمره الله عز وجل أن يدعوهن فدعاهن كما أمره الله عز وجل فجعل ينظر إلى الريش يطير إلى الريش والدم إلى الدم واللحم إلى اللحم والأجزاء من كل طائر يتصل بعضها إلى بعض حتى قام كل طائر على جدته وأتينه يمشين سعيا ليكون أبلغ له في الرؤية التي سألها وجعل كل طائر يجيء ليأخذ رأسه الذي في يد إبراهيم عليه السلام فإذا قدم له غير رأسه يأباه فإذا قدم إليه رأسه تركب مع بقية جسده بحول الله وقوته ولهذا قال "واعلم أن الله عزيز حكيم" أي عزيز لا يغلبه شيء ولا يمتنع منه شيء وما شاء كان بلا ممانع لأنه القاهر لكل شيء حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره وقال عبدالرزاق; أخبرنا معمر عن أيوب في قوله "ولكن ليطمئن قلبي" قال; قال ابن عباس; ما في القرآن آية أرجى عندي منها وقال ابن جرير; حدثني محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت زيد بن علي يحدث عن رجل عن سعيد بن المسيب قال; اتفق عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمرو بن العاص أن يجتمعا قال; ونحن شببة فقال أحدهما لصاحبه أي آية في كتاب الله أرجى عندك لهذه الأمة فقال عبدالله بن عمرو قول الله تعالى "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا" الآية فقال ابن عباس أما إن كنت تقول هذا فأنا أقول أرجى منها لهذه الأمة قول إبراهيم "رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي" وقال ابن أبي حاتم; أخبرنا أبي حدثنا عبدالله بن صالح كاتب الليث حدثني محمد بن أبي سلمة عن عمرو حدثني ابن المنكدر أنه قال; التقى عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمرو بن العاص فقال ابن عباس لابن عمرو بن العاص أي آية في القرآن أرجى عندك؟ فقال عبدالله بن عمرو; قول الله عز وجل "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا" الآية فقال ابن عباس; لكن أنا أقول قول الله عز وجل "وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى" فرضي من إبراهيم قوله "بلى" قال فهذا لما يعترض في النفوس ويوسوس به الشيطان وهكذا رواه الحاكم في المستدرك عن أبي عبدالله محمد بن يعقوب بن الأحزم بن إبراهيم بن عبدالله السعدي عن بشر بن عمر الزهراني عن عبد العزيز بن أبي سلمة بإسناده مثله ثم قال صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
قوله تعالى ; وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم[ ص; 271 ] اختلف الناس في هذا السؤال هل صدر من إبراهيم عن شك أم لا ؟ فقال الجمهور ; لم يكن إبراهيم عليه السلام شاكا في إحياء الله الموتى قط وإنما طلب المعاينة ، وذلك أن النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أخبرت به ، ولهذا قال عليه السلام ; ليس الخبر كالمعاينة رواه ابن عباس ولم يروه غيره ، قاله أبو عمر . قال الأخفش ; لم يرد رؤية القلب وإنما أراد رؤية العين . وقال الحسن وقتادة وسعيد بن جبير والربيع ; سأل ليزداد يقينا إلى يقينه . قال ابن عطية ; وترجم الطبري في تفسيره فقال ; وقال آخرون سأل ذلك ربه ؛ لأنه شك في قدرة الله تعالى . وأدخل تحت الترجمة عن ابن عباس قال ; ما في القرآن آية أرجى عندي منها . وذكر عن عطاء بن أبي رباح أنه قال ; دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس فقال ; رب أرني كيف تحيي الموتى . وذكر حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ; نحن أحق بالشك من إبراهيم الحديث ، ثم رجح الطبري هذا القول .قلت ; حديث أبي هريرة خرجه البخاري ومسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ; نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن ؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي . قال ابن عطية ; وما ترجم به الطبري عندي مردود ، وما أدخل تحت الترجمة [ ص; 272 ] متأول ، فأما قول ابن عباس ; ( هي أرجى آية ) فمن حيث فيها الإدلال على الله تعالى وسؤال الإحياء في الدنيا وليست مظنة ذلك . ويجوز أن يقول ; هي أرجى آية لقوله أولم تؤمن أي إن الإيمان كاف لا يحتاج معه إلى تنقير وبحث . وأما قول عطاء ; ( دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس ) فمعناه من حيث المعاينة على ما تقدم . وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم ; ( نحن أحق بالشك من إبراهيم ) فمعناه أنه لو كان شاكا لكنا نحن أحق به ونحن لا نشك فإبراهيم عليه السلام أحرى ألا يشك ، فالحديث مبني على نفي الشك عن إبراهيم ، والذي روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ; ذلك محض الإيمان إنما هو في الخواطر التي لا تثبت ، وأما الشك فهو توقف بين أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر ، وذلك هو المنفي عن الخليل عليه السلام . وإحياء الموتى إنما يثبت بالسمع وقد كان إبراهيم عليه السلام أعلم به ، يدلك على ذلك قوله ; ربي الذي يحيي ويميت فالشك يبعد على من تثبت قدمه في الإيمان فقط فكيف بمرتبة النبوة والخلة ، والأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعا . وإذا تأملت سؤاله عليه السلام وسائر ألفاظ الآية لم تعط شكا ، وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حالة شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسئول ، نحو قولك ; كيف علم زيد ؟ وكيف نسج الثوب ؟ ونحو هذا . ومتى قلت ; كيف ثوبك ؟ وكيف زيد ؟ فإنما السؤال عن حال من أحواله . وقد تكون " كيف " خبرا عن شيء شأنه أن يستفهم عنه بكيف ، نحو قولك ; كيف شئت فكن ، ونحو قول البخاري ; كيف كان بدء الوحي . و " كيف " في هذه الآية إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء ، والإحياء متقرر ، ولكن لما وجدنا بعض المنكرين لوجود شيء قد يعبرون عن إنكاره بالاستفهام عن حالة لذلك الشيء يعلم أنها لا تصح ، فيلزم من ذلك أن الشيء في نفسه لا يصح ، مثال ذلك أن يقول مدع ; أنا أرفع هذا الجبل ، فيقول المكذب له ; أرني كيف ترفعه فهذه طريقة مجاز في العبارة ، ومعناها تسليم جدلي ، كأنه يقول ; افرض أنك ترفعه ، فأرني كيف ترفعه فلما كانت عبارة الخليل عليه السلام بهذا الاشتراك المجازي ، خلص الله له ذلك وحمله على أن بين له الحقيقة فقال له ; أولم تؤمن قال بلى فكمل الأمر وتخلص من كل شك ، ثم علل عليه السلام سؤاله بالطمأنينة .قلت ; هذا ما ذكره ابن عطية وهو بالغ ، ولا يجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم مثل هذا الشك فإنه كفر ، والأنبياء متفقون على الإيمان بالبعث . وقد أخبر الله تعالى أن أنبياءه [ ص; 273 ] وأولياءه ليس للشيطان عليهم سبيل فقال ; إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وقال اللعين ; إلا عبادك منهم المخلصين ، وإذا لم يكن له عليهم سلطنة فكيف يشككهم ، وإنما سأل أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها وإيصال الأعصاب والجلود بعد تمزيقها ، فأراد أن يترقى من علم اليقين إلى علم اليقين ، فقوله ; أرني كيف طلب مشاهدة الكيفية . وقال بعض أهل المعاني ; إنما أراد إبراهيم من ربه أن يريه كيف يحيي القلوب ، وهذا فاسد مردود بما تعقبه من البيان ، ذكره الماوردي ، وليست الألف في قوله أولم تؤمن ألف استفهام وإنما هي ألف إيجاب وتقرير كما قال جرير ;ألستم خير من ركب المطاياوالواو واو الحال . و " تؤمن " معناه إيمانا مطلقا ، دخل فيه فضل إحياء الموتى .قال بلى ولكن ليطمئن قلبي أي سألتك ليطمئن قلبي بحصول الفرق بين المعلوم برهانا والمعلوم عيانا . والطمأنينة ; اعتدال وسكون ، فطمأنينة الأعضاء معروفة ، كما قال عليه السلام ; ثم اركع حتى تطمئن راكعا الحديث . وطمأنينة القلب هي أن يسكن فكره في الشيء المعتقد . والفكر في صورة الإحياء غير محظور ، كما لنا نحن اليوم أن نفكر فيها إذ هي فكر فيها عبر فأراد الخليل أن يعاين فيذهب فكره في صورة الإحياء . وقال الطبري ; معنى ليطمئن قلبي ليوقن ، وحكي نحو ذلك عن سعيد بن جبير ، وحكي عنه ليزداد يقينا ، وقاله إبراهيم وقتادة . وقال بعضهم ; لأزداد إيمانا مع إيماني . قال ابن عطية ; ولا زيادة في هذا المعنى تمكن إلا السكون عن الفكر وإلا فاليقين لا يتبعض . وقال السدي وابن جبير أيضا ; أولم تؤمن بأنك خليلي ؟ قال ; بلى ولكن ليطمئن قلبي بالخلة . وقيل ; دعا أن يريه كيف يحيي الموتى ليعلم هل تستجاب دعوته ، فقال الله له ; أولم تؤمن أني أجيب دعاءك ، قال ; بلى ولكن ليطمئن قلبي أنك تجيب دعائي .واختلف في المحرك له على ذلك ، فقيل ; إن الله وعده أن يتخذه خليلا فأراد آية على ذلك ، قاله السائب بن يزيد . وقيل ; قول النمروذ ; أنا أحيي وأميت . وقال الحسن ; رأى جيفة نصفها في البر توزعها السباع ونصفها في البحر توزعها دواب البحر ، فلما رأى تفرقها أحب أن [ ص; 274 ] يرى انضمامها فسأل ليطمئن قلبه برؤية كيفية الجمع كما رأى كيفية التفريق ، فقيل له ; فخذ أربعة من الطير قيل ; هي الديك والطاوس والحمام والغراب ، ذكر ذلك ابن إسحاق عن بعض أهل العلم ، وقاله مجاهد وابن جريج وعطاء بن يسار وابن زيد . وقال ابن عباس مكان الغراب الكركي ، وعنه أيضا مكان الحمام النسر . فأخذ هذه الطير حسب ما أمر وذكاها ، ثم قطعها قطعا صغارا ، وخلط لحوم البعض إلى لحوم البعض مع الدم والريش حتى يكون أعجب ، ثم جعل من ذلك المجموع المختلط جزءا على كل جبل ، ووقف هو من حيث يرى تلك الأجزاء وأمسك رءوس الطير في يده ، ثم قال ; تعالين بإذن الله ، فتطايرت تلك الأجزاء وطار الدم إلى الدم والريش إلى الريش حتى التأمت مثل ما كانت أولا وبقيت بلا رءوس ، ثم كرر النداء فجاءته سعيا ، أي عدوا على أرجلهن . ولا يقال للطائر ; " سعى " إذا طار إلا على التمثيل ، قاله النحاس . وكان إبراهيم إذا أشار إلى واحد منها بغير رأسه تباعد الطائر ، وإذا أشار إليه برأسه قرب حتى لقي كل طائر رأسه ، وطارت بإذن الله . وقال الزجاج ; المعنى ثم اجعل على كل جبل من كل واحد جزءا . وقرأ أبو بكر عن عاصم وأبو جعفر " جزؤا " على فعل . وعن أبي جعفر أيضا " جزا " مشددة الزاي . الباقون مهموز مخفف ، وهي لغات ، ومعناه النصيب . يأتينك سعيا نصب على الحال . و " صرهن " معناه قطعهن ، قاله ابن عباس ومجاهد وأبو عبيدة وابن الأنباري ، يقال ; صار الشيء يصوره أي قطعه ، وقاله ابن إسحاق . وعن أبي الأسود الدؤلي ; هو بالسريانية التقطيع ، قاله توبة بن الحمير يصفه ;فلما جذبت الحبل أطت نسوعه بأطراف عيدان شديد سيورهافأدنت لي الأسباب حتى بلغتها بنهضي وقد كاد ارتقائي يصورهاأي يقطعها . والصور ; القطع . وقال الضحاك وعكرمة وابن عباس في بعض ما روي عنه ; إنها لفظة بالنبطية معناه قطعهن . وقيل ; المعنى أملهن إليك ، أي اضممهن واجمعهن إليك ، يقال ; رجل أصور إذا كان مائل العنق . وتقول ; إني إليكم لأصور ، يعني مشتاقا مائلا . وامرأة صوراء ، والجمع صور مثل أسود وسود ، قال الشاعر ;الله يعلم أنا في تلفتنا يوم الفراق إلى جيراننا صورفقوله إليك على تأويل التقطيع متعلق ب خذ ولا حاجة إلى مضمر ، وعلى تأويل الإمالة والضم متعلق ب " صرهن " وفي الكلام متروك ; فأملهن إليك ثم قطعهن . وفيها خمس قراءات ; اثنتان في السبع وهما ضم الصاد وكسرها وتخفيف الراء . وقرأ قوم " فصرهن " بضم الصاد وشد الراء المفتوحة ، كأنه يقول فشدهن ، ومنه صرة الدنانير . وقرأ قوم [ ص; 275 ] " فصرهن " بكسر الصاد وشد الراء المفتوحة ، ومعناه صيحهن ، من قولك ; صر الباب والقلم إذا صوت ، حكاه النقاش . قال ابن جني ; هي قراءة غريبة ، وذلك أن يفعل بكسر العين في المضاعف المتعدي قليل ، وإنما بابه يفعل بضم العين ، كشد يشد ونحوه ، ولكن قد جاء منه نم الحديث ينمه وينمه ، وهر الحرب يهرها ويهرها ، ومنه بيت الأعشى ;ليعتورنك القول حتى تهره وتعلم أني عنك لست بمجرمإلى غير ذلك في حروف قليلة . قال ابن جني ; وأما قراءة عكرمة بضم الصاد فيحتمل في الراء الضم والفتح والكسر كمد وشد والوجه ضم الراء من أجل ضمة الهاء من بعد .القراءة الخامسة " صرهن " بفتح الصاد وشد الراء مكسورة ، حكاها المهدوي وغيره عن عكرمة ، بمعنى فاحبسهن ، من قولهم ; صرى يصري إذا حبس ، ومنه الشاة المصراة . وهنا اعتراض ذكره الماوردي وهو يقال ; فكيف أجيب إبراهيم إلى آيات الآخرة دون موسى في قوله رب أرني أنظر إليك ؟ فعنه جوابان ; أحدهما أن ما سأله موسى لا يصح مع بقاء التكليف ، وما سأله إبراهيم خاص يصح معه بقاء التكليف . الثاني أن الأحوال تختلف فيكون الأصلح في بعض الأوقات الإجابة ، وفي وقت آخر المنع فيما لم يتقدم فيه إذن . وقال ابن عباس ; أمر الله تعالى إبراهيم بهذا قبل أن يولد له وقبل أن ينزل عليه الصحف ، والله أعلم .
وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبيالقول في تأويل قوله تعالى ; { وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } يعني تعالى ذكره بذلك ; ألم تر إذ قال إبراهيم رب أرني . وإنما صلح أن يعطف بقوله ; . { وإذ قال إبراهيم } على قوله ; { أو كالذي مر على قرية } وقوله ; { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } لأن قوله ; { ألم تر } ليس معناه ; ألم تر بعينيك , وإنما معناه ; ألم تر بقلبك , فمعناه ; ألم تعلم فتذكر , فهو وإن كان لفظه لفظ الرؤية فيعطف عليه أحيانا بما يوافق لفظه من الكلام , وأحيانا بما يوافق معناه . واختلف أهل التأويل في سبب مسألة إبراهيم ربه أن يريه كيف يحيي الموت ؟ فقال بعضهم ; كانت مسألته ذلك ربه , أنه رأى دابة قد تقسمتها السباع والطير , فسأل ربه أن يريه كيفية إحيائه إياها مع تفرق لحومها في بطون طير الهواء وسباع الأرض ليرى ذلك عيانا , فيزداد يقينا برؤيته ذلك عيانا إلى علمه به خبرا , فأراه الله ذلك مثلا بما أخبر أنه أمره به . ذكر من قال ذلك ; 4661 - حدثنا بشر بن معاذ , قال ; ثنا يزيد بن زريع , قال ; حدثنا سعيد , عن قتادة قوله ; { وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى } ذكر لنا أن خليل الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم أتى على دابة توزعتها الدواب والسباع , فقال ; { رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } . 4662 - حدثنا عن الحسن , قال ; سمعت أبا معاذ , قال ; أخبرنا عبيد , قال ; سمعت الضحاك يقول في قوله ; { رب أرني كيف تحيي الموتى } قال ; مر إبراهيم على دابة ميت قد بلي وتقسمته الرياح والسباع , فقام ينظر , فقال ; سبحان الله , كيف يحيي الله هذا ؟ وقد علم أن الله قادر على ذلك , فذلك قوله ; { رب أرني كيف تحيي الموتى } . 4663 - حدثنا القاسم , قال ; ثنا الحسين , قال ; ثني حجاج , قال ; قال ابن جريج ; بلغني أن إبراهيم بينا هو يسير على الطريق , إذا هو بجيفة حمار عليها السباع والطير قد تمزعت لحمها وبقي عظامها . فلما ذهبت السباع , وطارت الطير على الجبال والآكام , فوقف وتعجب ثم قال ; رب قد علمت لتجمعنها من بطون هذه السباع والطير { رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى } ولكن ليس الخبر كالمعاينة . 4664 - حدثني يونس , قال ; أخبرنا ابن وهب , قال ; قال ابن زيد ; مر إبراهيم بحوت نصفه في البر , ونصفه في البحر , فما كان منه في البحر فدواب البحر تأكله , وما كان منه في البر فالسباع ودواب البر تأكله , فقال له الخبيث ; يا إبراهيم متى يجمع الله هذا من بطون هؤلاء ؟ فقال ; يا رب أرني كيف تحيي الموتى ! قال ; أولم تؤمن ؟ قال ; بلى ولكن ليطمئن قلبي . وقال آخرون ; بل كان سبب مسألته ربه ذلك , المناظرة والمحاجة التي جرت بينه وبين نمرود في ذلك . ذكر من قال ذلك ; 4665 - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا سلمة , قال ; ثني محمد بن إسحاق , قال ; لما جرى بين إبراهيم وبين قومه ما جرى مما قصه الله في سورة الأنبياء , قال نمرود فيما يذكرون لإبراهيم ; أرأيت إلهك هذا الذي تعبد وتدعو إلى عبادته وتذكر من قدرته التي تعظمه بها على غيره ما هو ؟ قال له إبراهيم ; ربي الذي يحيي ويميت . قال نمرود ; أنا أحيي وأميت . فقال له إبراهيم ; كيف تحيي وتميت ؟ ثم ذكر ما قص الله من محاجته إياه . قال ; فقال إبراهيم عند ذلك ; { رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } من غير شك في الله تعالى ذكره ولا في قدرته , ولكنه أحب أن يعلم ذلك وتاق إليه قلبه , فقال ; ليطمئن قلبي , أي ما تاق إليه إذا هو علمه . وهذان القولان , أعني الأول وهذا الآخر , متقاربا المعنى في أن مسألة إبراهيم ربه أن يريه كيف يحيي الموتى كانت ليرى عيانا ما كان عنده من علم ذلك خبرا . وقال آخرون ; بل كانت مسألته ذلك ربه عند البشارة التي أتته من الله بأنه اتخذه خليلا , فسأل ربه أن يريه عاجلا من العلامة له على ذلك ليطمئن قلبه بأنه قد اصطفاه لنفسه خليلا , ويكون ذلك لما عنده من اليقين مؤيدا . ذكر من قال ذلك ; 4666 - حدثني موسى بن هارون , قال ; ثنا عمرو , قال ; ثنا أسباط , عن السدي , قال ; لما اتخذ الله إبراهيم خليلا سأل ملك الموت ربه أن يأذن له أن يبشر إبراهيم بذلك , فأذن له , فأتى إبراهيم وليس في البيت فدخل داره , وكان إبراهيم أغير الناس , إن خرج أغلق الباب ; فلما جاء وجد في داره رجلا , فثار إليه ليأخذه , قال ; من أذن لك أن تدخل داري ؟ قال ملك الموت ; أذن لي رب هذه الدار , قال إبراهيم ; صدقت ! وعرف أنه ملك الموت , قال ; من أنت ؟ قال ; أنا ملك الموت جئتك أبشرك بأن الله قد اتخذك خليلا . فحمد الله وقال ; يا ملك الموت أرني الصورة التي تقبض فيها أنفاس الكفار . قال ; يا إبراهيم لا تطيق ذلك . قال ; بلى . قال ; فأعرض ! فأعرض إبراهيم ثم نظر إليه , فإذا هو برجل أسود تنال رأسه السماء يخرج من فيه لهب النار , ليس من شعرة في جسده إلا في صورة رجل أسود يخرج من فيه ومسامعه لهب النار . فغشي على إبراهيم , ثم أفاق وقد تحول ملك الموت في الصورة الأولى , فقال ; يا ملك الموت لو لم يلق الكافر عند الموت من البلاء والحزن إلا صورتك لكفاه , فأرني كيف تقبض أنفاس المؤمنين ! قال ; فأعرض ! فأعرض إبراهيم ثم التفت , فإذا هو برجل شاب أحسن الناس وجها وأطيبه ريحا , في ثياب بيض , فقال ; يا ملك الموت لو لم يكن للمؤمن عند ربه من قرة العين والكرامة إلا صورتك هذه لكان يكفيه . فانطلق ملك الموت , وقام إبراهيم يدعو ربه يقول ; { رب أرني كيف تحيي الموتى } حتى أعلم أني خليلك { قال أولم تؤمن } بأني خليلك , يقول تصدق , { قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } بخلولتك . 4667 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال ; ثنا أبو أحمد الزبيري , قال ; ثنا عمرو بن ثابت , عن أبيه , عن سعيد بن جبير ; { ولكن ليطمئن قلبي } قال ; بالخلة . وقال آخرون ; قال ذلك لربه لأنه شك في قدرة الله على إحياء الموتى . ذكر من قال ذلك ; 4668 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال ; أخبرنا عبد الرزاق , قال ; أخبرنا معمر , عن أيوب في قوله ; { ولكن ليطمئن قلبي } قال ; قال ابن عباس ; ما في القرآن آية أرجى عندي منها . 4669 - حدثنا محمد بن المثنى , قال ; ثنا محمد بن جعفر , قال ; ثنا شعبة , قال ; سمعت زيد بن علي يحدث عن رجل , عن سعيد بن المسيب , قال ; أتعد عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو أن يجتمعا , قال ; ونحن يومئذ شببة , فقال أحدهما لصاحبه ; أي آية في كتاب الله أرجى لهذه الأمة ؟ فقال عبد الله بن عمرو { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } 39 53 حتى ختم الآية , فقال ابن عباس ; أما إن كنت تقول إنها , وإن أرجى منها لهذه الأمة قول إبراهيم صلى الله عليه وسلم { رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } . 4670 - حدثنا القاسم , قال ; ثني الحسين , قال ; ثني حجاج , عن ابن جريج , قال ; سألت عطاء بن أبي رباح , عن قوله ; { وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } قال ; دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس , فقال ; { رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى . .. قال فخذ أربعة من الطير } ليريه . 4671 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري , قالا ; ثنا سعيد بن تليد , قال ; ثنا عبد الرحمن بن القاسم , قال ; ثني بكر بن مضر , عن عمرو بن الحارث , عن يونس بن يزيد , عن ابن شهاب , قال ; أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب , عن أبي هريرة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ; " نحن أحق بالشك من إبراهيم , قال ; رب أرني كيف تحيي الموتى , قال أولم تؤمن ؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " . * - حدثني يونس , قال ; أخبرنا ابن وهب , قال ; أخبرني يونس عن ابن شهاب وسعيد بن المسيب , عن أبي هريرة , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ; فذكر نحوه . وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية , ما صح به الخبر عن رسول الله صلى أنه قال , وهو قوله ; " نحن أحق بالشك من إبراهيم , قال رب أرني كيف تحيي الموتى , قال أولم تؤمن " وإن تكون مسألته ربه ما سأله أن يريه من إحياء الموتى لعارض من الشيطان عرض في قلبه , كالذي ذكرنا عن ابن زيد آنفا من أن إبراهيم لما رأى الحوت الذي بعضه في البر وبعضه في البحر قد تعاوره دواب البر ودواب البحر وطير الهواء , ألقى الشيطان في نفسه فقال ; متى يجمع الله هذا من بطون هؤلاء ؟ فسأل إبراهيم حينئذ ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ليعاين ذلك عيانا , فلا يقدر بعد ذلك الشيطان أن يلقي في قلبه مثل الذي ألقي فيه عند رؤيته ما رأى من ذلك , فقال له ربه ; { أولم تؤمن } يقول ; أولم تصدق يا إبراهيم بأني على ذلك قادر ؟ قال ; بلى يا رب , لكن سألتك أن تريني ذلك ليطمئن قلبي , فلا يقدر الشيطان أن يلقي في قلبي مثل الذي فعل عند رؤيتي هذا الحوت . 4672 - حدثني بذلك يونس , قال ; أخبرنا ابن وهب , عن ابن زيد . ومعنى قوله ; { ليطمئن قلبي } ليسكن ويهدأ باليقين الذي يستيقنه . وهذا التأويل الذي . قلناه في ذلك هو تأويل الذين وجهوا معنى قوله ; { ليطمئن قلبي } إلى أنه ليزداد إيمانا , أو إلى أنه ليوفق . ذكر من قال ذلك ; ليوفق , أو ليزداد يقينا أو إيمانا ; 4673 - حدثنا أبو كريب , قال ; ثنا أبو نعيم , عن سفيان , عن قيس بن مسلم , عن سعيد بن جبير ; { ليطمئن قلبي } قال ; ليوفق . 4674 - حدثنا محمد بن بشار , قال ; ثنا عبد الرحمن , قال ; ثنا سفيان . وحدثنا أحمد بن إسحاق , قال ; ثنا أبو أحمد , قال ; ثنا سفيان , عن أبي الهيثم , عن سعيد بن جبير ; { ليطمئن قلبي } قال ; ليزداد يقيني . 4675 - حدثني المثنى , قال ; ثنا إسحاق , قال ; ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك ; { ولكن ليطمئن قلبي } يقول ; ليزداد يقينا . 4676 - حدثنا بشر بن معاذ , قال ; ثنا يزيد , قال ; ثنا سعيد , عن قتادة ; { ولكن ليطمئن قلبي } قال ; وأراد نبي الله إبراهيم ليزداد يقينا إلى يقينه . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال ; أخبرنا عبد الرزاق , قال ; قال معمر وقال قتادة ; ليزداد يقينا . 4677 - حدثنا عن عمار , قال ; ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع ; { ولكن ليطمئن قلبي } قال ; أراد إبراهيم أن يزداد يقينا . * - حدثني المثنى , قال ; ثنا محمد بن كثير البصري , قال ; ثنا إسرائيل , قال ; ثنا أبو الهيثم , عن سعيد بن جبير ; { ليطمئن قلبي } قال ; ليزداد يقيني . * - حدثني المثنى , قال ; ثنا الفضل بن دكين , قال ; ثنا سفيان , عن أبي الهيثم , عن سعيد بن جبير ; { ولكن ليطمئن قلبي } قال ; ليزداد يقينا . 4678 - حدثنا صالح بن مسمار , قال ; ثنا زيد بن الحباب , قال ; ثنا خلف بن خليفة , قال ; ثنا ليث بن أبي سليم , عن مجاهد وإبراهيم في قوله ; { ليطمئن قلبي } قال ; لأزداد إيمانا مع إيماني . * - حدثنا صالح , قال ; ثنا زيد , قال ; أخبرنا زياد , عن عبد الله العامري , قال ; ثنا ليث , عن أبي الهيثم , عن سعيد بن جبير في قول الله ; { ليطمئن قلبي } قال ; لأزداد إيمانا مع إيماني . وقد ذكرنا فيما مضى قول من قال ; معنى قوله ; { ليطمئن قلبي } بأني خليلك . وقال آخرون ; معنى قوله ; { ليطمئن قلبي } لأعلم أنك تجيبني إذا دعوتك وتعطيني إذا سألتك . ذكر من قال ذلك ; 4679 - حدثني المثنى , قال ; ثنا عبد الله بن صالح , قال ; ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس قوله ; { ليطمئن قلبي } قال ; أعلم أنك تجيبني إذا دعوتك , وتعطيني إذا سألتك . وأما تأويل قوله ; { قال أولم تؤمن } فإنه ; أولم تصدق ؟ كما ; 4680 - حدثني موسى , قال ; ثنا عمرو , قال ; ثنا أسباط , عن السدي , وحدثنا أحمد بن إسحاق , قال ; ثنا أبو أحمد , قال ; ثنا سفيان , عن قيس بن مسلم , عن سعيد بن جبير قوله ; { أولم تؤمن } قال ; أولم توقن بأني خليلك ؟ 4681 - حدثني يونس , قال ; أخبرنا ابن وهب , قال ; قال ابن زيد في قوله ; { أولم تؤمن } قال ; أولم توقن.قال فخذ أربعة من الطيرالقول في تأويل قوله تعالى ; { قال فخذ أربعة من الطير } . يعني تعالى ذكره بذلك ; قال الله له ; فخذ أربعة من الطير . فذكر أن الأربعة من الطير ; الديك , والطاووس , والغراب , والحمام . ذكر من قال ذلك ; 4682 - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا سلمة , قال ; ثني محمد بن إسحاق , عن بعض أهل العلم ; أن أهل الكتاب الأول يذكرون أنه أخذ طاووسا , وديكا , وغرابا , وحماما . 4683 - حدثنا المثنى , قال ; ثنا أبو حذيفة , قال ; ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال ; الأربعة من الطير ; الديك , والطاووس , والغراب , والحمام . 4684 - حدثنا القاسم , قال ; ثنا الحسين , قال ; ثني حجاج ; { قال فخذ أربعة من الطير } قال ابن جريج ; زعموا أنه ديك , وغراب , وطاووس , وحمامة . 4685 - حدثني يونس , قال ; أخبرنا ابن وهب , قال ; قال ابن زيد ; { قال فخذ أربعة من الطير } قال ; فأخذ طاووسا , وحماما , وغرابا , وديكا ; مخالفا أجناسها وألوانها .فصرهن إليكالقول في تأويل قوله تعالى ; { فصرهن إليك } . اختلفت القراء في قراءة ذلك , فقرأته عامة قراء أهل المدينة والحجاز والبصرة ; { فصرهن إليك } بضم الصاد من قول قائل ; صرت إلى هذا الأمر ; إذا ملت إليه أصور صورا , ويقال ; إني إليكم لأصور أي مشتاق مائل , ومنه قول الشاعر ; الله يعلم أنا في تلفتنا يوم الفراق إلى أحبابنا صور وهو جمع أصور وصوراء وصور , مثل أسود وسوداء . ومنه قول الطرماح ; عفائف إلا ذاك أو أن يصورها هوى والهوى للعاشقين صروع يعني بقوله ; " أو أن يصورها هوى " ; يميلها . فمعنى قوله ; { فصرهن إليك } اضممهن إليك ووجههن إليك ووجههن نحوك , كما يقال ; صر وجهك إلي , أي أقبل به إلي . ومن وجه قوله ; { فصرهن إليك } إلى هذا التأويل كان في الكلام عنده متروك قد ترك ذكره استغناء بدلالة الظاهر عليه , ويكون معناه حينئذ عنده , قال ; فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك , ثم قطعهن , ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا . وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك إذا قرئ كذلك بضم الصاد ; قطعهن , كما قال توبة بن الحمير ; فلما جذبت الحبل أطت نسوعه بأطراف عيدان شديد أسورها فأدنت لي الأسباب حتى بلغتها بنهضي وقد كان ارتقائي يصورها يعني يقطعها . وإذا كان ذلك تأويل قوله ; فصرهن , ويكون إليك من صلة " خذ " . وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة ; " فصرهن إليك " بالكسر , بمعنى قطعهن . وقد زعم جماعة من نحويي الكوفة أنهم لا يعرفون فصرهن ولا فصرهن , بمعنى قطعهن في كلام العرب , وأنهم لا يعرفون كسر الصاد منها لغة في هذيل وسليم ; وأنشدوا لبعض بني سليم ; وفرع يصير الجيد وحف كأنه على الليت قنوان الكروم الدوالح يعني بقوله يصير ; يميل , وأن أهل هذه اللغة يقولون ; صاروه وهو يصيره صيرا , وصر وجهك إلي ; أي أمله , كما تقول ; صره . وزعم بعض نحويي الكوفة أنه لا يعرف لقوله ; { فصرهن } ولا لقراءة من قرأ ; " فصرهن " بضم الصاد وكسرها وجها في التقطيع , إلا أن يكون " فصرهن إليك " في قراءة من قرأه بكسر الصاد من المقلوب , وذلك أن تكون لام فعله جعلت مكان عينه , وعينه مكان لامه , فيكون من صرى يصري صريا , فإن العرب تقول ; بات يصري في حوضه ; إذا استقى , ثم قطع واستقى , ومن ذلك قول الشاعر ; صرت نطرة لو صادفت جوز دارع غدا والعواصي من دم الجوف تنعر صرت ; قطعت نظرة . ومنه قول الآخر ; يقولون إن الشام يقتل أهله فمن لي إذا لم آته بخلود تعرب آبائي فهلا صراهم من الموت أن لم يذهبوا وجدودي يعني قطعهم , ثم نقلت ياؤها التي هي لام الفعل فجعلت عينا للفعل , وحولت عينها فجعلت لامها , فقيل صار يصير , كما قيل ; عثي يعثى عثا , ثم حولت لامها , فجعلت عينها , فقيل عاث يعيث . فأما نحويو البصرة فإنهم قالوا ; { فصرهن إليك } سواء معناه إذا قرئ بالضم من الصاد وبالكسر في أنه معني به في هذا الموضع التقطيع , قالوا ; وهما لغتان ; إحداهما صار يصور , والأخرى صار يصير , واستشهدوا على ذلك ببيت توبة بن الحمير الذي ذكرنا قبل , وببيت المعلى بن جمال العبدي ; وجاءت خلعة دهس صفايا يصور عنوقها أحوى زنيم بمعنى يفرق عنوقها ويقطعها , وببيت خنساء ; لظلت الشم منها وهي تنصار يعني بالشم ; الجبال أنها تتصدع وتتفرق . وببيت أبي ذؤيب ; فانصرن من فزع وسد فروجه غبر ضوار وافيان وأجدع قالوا ; فلقول القائل ; صرت الشيء معنيان ; أملته , وقطعته , وحكوا سماعا ; صرنا به الحكم ; فصلنا به الحكم . وهذا القول الذي ذكرناه عن البصريين من أن معنى الضم في الصاد من قوله ; { فصرهن إليك } والكسر سواء بمعنى واحد , وأنهما لغتان معناهما في هذا الموضع فقطعهن , وأن معنى إليك تقديمها قبل فصرهن من أجل أنها صلة قوله ; " فخذ " , أولى بالصواب من قول الذين حكينا قولهم من نحويي الكوفيين الذي أنكروا أن يكون للتقطيع في ذلك وجه مفهوم إلا على معنى القلب الذي ذكرت , لإجماع أهل التأويل على أن معنى قوله ; { فصرهن } غير خارج من أحد معنيين ; إما قطعهن , وإما اضممهن إليك , بالكسر قرئ ذلك أو بالضم . ففي إجماع جميعهم على ذلك على غير مراعاة منهم كسر الصاد وضمها , ولا تفريق منهم بين معنيي القراءتين أعني الكسر والضم , أوضح الدليل على صحة قول القائلين من نحويي أهل البصرة في ذلك ما حكينا عنهم من القول , وخطأ قول نحويي الكوفيين ; لأنهم لو كانوا إنما تأولوا قوله ; { فصرهن } بمعنى فقطعهن , على أن أصل الكلام فاصرهن , ثم قلبت فقيل فصرهن بكسر الصاد لتحول ياء فاصرهن مكان رائه , وانتقال رائه مكان يائه , لكان لا شك مع معرفتهم بلغتهم وعلمهم بمنطقهم , قد فصلوا بين معنى ذلك إذا قرئ بكسر صاده , وبينه إذا قرئ بضمها , إذ كان غير جائز لمن قلب فاصرهن إلى فصرهن أن يقرأه فصرهن بضم الصاد , وهم مع اختلاف قراءتهم ذلك قد تأولوه تأويلا واحدا على أحد الوجهين اللذين ذكرنا . ففي ذلك أوضح الدليل على خطأ قول من قال ; إن ذلك إذا قرئ بكسر الصاد بتأويل التقطيع مقلوب من صرى يصري إلى صار يصير , وجهل من زعم أن قول القائل صار يصور وصار يصير غير معروف في كلام العرب بمعنى قطع . ذكر من حضرنا قوله في تأويل قول الله تعالى ذكره ; { فصرهن } أنه بمعنى فقطعهن . 4686 - حدثنا سليمان بن عبد الجبار , قال ; ثنا محمد بن الصلت , قال ; ثنا أبو كدينة , عن عطاء , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس ; { فصرهن } قال ; هي نبطية فشققهن . 4687 - حدثني محمد بن المثنى , قال ; ثنا محمد بن جعفر , قال ; ثنا شعبة , عن أبي جمرة , عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية ; { فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك } قال ; إنما هو مثل . قال ; قطعهن ثم اجعلهن في أرباع الدنيا , ربعا ههنا , وربعا ههنا , ثم ادعهن يأتينك سعيا . 4688 - حدثني المثنى , قال ; ثنا عبد الله بن صالح , قال ; ثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس ; { فصرهن } قال ; قطعهن . 4689 - حدثني يعقوب , قال ; ثنا هشيم , قال ; أخبرنا حصين , عن أبي مالك في قوله ; { فصرهن إليك } يقول ; قطعهن . * - حدثني المثنى , قال ; ثنا عمرو بن عون , قال ; أخبرنا هشيم , عن حصين , عن أبي مالك , مثله . 4690 - حدثنا أبو كريب , قال ; ثنا يحيى بن يمان , عن أشعث , عن جعفر , عن سعيد ; { فصرهن } قال ; قال جناح ذه عند رأس ذه , ورأس ذه عند جناح ذه . 4691 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال ; حدثنا المعتمر بن سليمان , عن أبيه , قال ; زعم أبو عمرو , عن عكرمة في قوله ; { فصرهن إليك } قال ; قال عكرمة بالنبطية ; قطعهن . 4692 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال ; ثنا أبو أحمد , قال ; ثنا إسرائيل , عن يحيى , عن مجاهد ; { فصرهن إليك } قال ; قطعهن . 4693 - حدثني المثنى , قال ; ثنا أبو حذيفة , قال ; ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد ; { فصرهن إليك } انتفهن بريشهن ولحومهن تمزيقا , ثم اخلط لحومهن بريشهن . * - حدثني محمد بن عمرو , قال ; ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد ; { فصرهن إليك } قال ; انتفهن بريشهن ولحومهن تمزيقا . 4694 - حدثنا بشر بن معاذ , قال ; ثنا يزيد بن زريع , قال ; ثنا سعيد , عن قتادة ; { فصرهن إليك } أمر نبي الله عليه السلام أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن , ثم يخلط بين لحومهن وريشهن ودمائهن . 4695 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال ; أخبرنا عبد الرزاق , قال ; أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله ; { فصرهن إليك } قال ; فمزقهن , قال ; أمر أن يخلط الدماء بالدماء , والريش بالريش , ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا . 4696 - حدثنا عن الحسين بن الفرج , قال ; سمعت أبا معاذ , قال ; أخبرنا عبيد بن سليمان , قال ; سمعت الضحاك ; { فصرهن إليك } يقول ; فشققهن وهو بالنبطية صرى , وهو التشقيق . 4697 - حدثني موسى , قال ; ثنا عمرو , قال ; ثنا أسباط , عن السدي ; { فصرهن إليك } يقول قطعهن . 4698 - حدثنا عن عمار , قال ; ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله ; { فصرهن إليك } يقول قطعهن إليك ومزقهن تمزيقا . 4699 - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا سلمة , عن ابن إسحاق ; { فصرهن إليك } أي قطعهن , وهو الصور في كلام العرب . ففيما ذكرنا من أقوال من روينا في تأويل قوله ; { فصرهن إليك } أنه بمعنى فقطعهن إليك , دلالة واضحة على صحة ما قلنا في ذلك , وفساد قول من خالفنا فيه . وإذ كان ذلك كذلك , فسواء قرأ القارئ ذلك بضم الصاد فصرهن إليك أو كسرها فصرهن إذ كانت اللغتان معروفتين بمعنى واحد , غير أن الأمر وإن كان كذلك , فإن أحبهما إلي أن أقرأ به " فصرهن إليك " بضم الصاد , لأنها أعلى اللغتين وأشهرهما وأكثرهما في إحياء العرب . وعند نفر قليل من أهل التأويل أنها بمعنى أوثق . ذكر من قال ذلك ; 4700 - حدثني محمد بن سعد , قال ; ثني أبي , قال ; ثني عمي , قال ; ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس ; { فصرهن إليك } صرهن ; أوثقهن . 4701 - حدثنا القاسم , قال ; ثنا الحسين , قال ; ثني حجاج , عن ابن جريج , قال ; قلت لعطاء قوله ; { فصرهن إليك } قال ; اضممهن إليك . 4702 - حدثني يونس , قال ; أخبرنا ابن وهب , قال ; قال ابن زيد ; { فصرهن إليك } قال ; اجمعهن .ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعياالقول في تأويل قوله تعالى ; { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا } . اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ; { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } فقال بعضهم ; يعني بذلك على كل ربع من أرباع الدنيا جزءا منهن . ذكر من قال ذلك ; 4703 - حدثني المثنى , قال ; ثنا محمد بن جعفر , قال ; ثنا شعبة , عن أبي جمرة , عن ابن عباس ; { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } قال ; اجعلهن في أرباع الدنيا ; ربعا ههنا , وربعا ههنا , وربعا ههنا , وربعا ههنا , ثم ادعهن يأتينك سعيا . * - حدثني محمد بن سعد , قال ; ثني أبي , قال ; ثني عمي , قال ; ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس ; { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } قال ; لما أوثقهن ذبحهن , ثم جعل على كل جبل منهن جزءا . 4704 - حدثنا بشر , قال ; ثنا يزيد , قال ; ثنا سعيد , عن قتادة ; قال ; أمر نبي الله أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن , ثم يخلط بين لحومهن وريشهن ودمائهن , ثم يجزئهن على أربعة أجبل , فذكر لنا أنه شكل على أجنحتهن , وأمسك برءوسهن بيده , فجعل العظم يذهب إلى العظم , والريشة إلى الريشة , والبضعة إلى البضعة , وذلك بعين خليل الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم . ثم دعاهن فأتينه سعيا على أرجلهن , ويلقى كل طير برأسه . وهذا مثل آتاه الله إبراهيم . يقول ; كما بعث هذه الأطيار من هذه الأجبل الأربعة , كذلك يبعث الله الناس يوم القيامة من أرباع الأرض ونواحيها . 4705 - حدثت عن عمار , قال ; ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال ; ذبحهن , ثم قطعهن , ثم خلط بين لحومهن وريشهن , ثم قسمهن على أربعة أجزاء , فجعل على كل جبل منهن جزءا , فجعل العظم يذهب إلى العظم , والريشة إلى الريشة , والبضعة إلى البضعة , وذلك بعين خليل الله إبراهيم , ثم دعاهن فأتينه سعيا , يقول ; شدا على أرجلهن . وهذا مثل أراه الله إبراهيم , يقول ; كما بعثت هذه الأطيار من هذه الأجبل الأربعة , كذلك يبعث الله الناس يوم القيامة من أرباع الأرض ونواحيها . 4706 - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا سلمة , قال ; ثنا ابن إسحاق , عن بعض أهل العلم ; أن أهل الكتاب يذكرون أنه أخذ الأطيار الأربعة , ثم قطع كل طير بأربعة أجزاء , ثم عمد إلى أربعة أجبال , فجعل على كل جبل ربعا من كل طائر , فكان على كل جبل ربع من الطاووس , وربع من الديك , وربع من الغراب وربع من الحمام . ثم دعاهن فقال ; تعالين بإذن الله كما كنتم ! فوثب كل ربع منها إلى صاحبه حتى اجتمعن , فكان كل طائر كما كان قبل أن يقطعه , ثم أقبلن إليه سعيا , كما قال الله . وقيل ; يا إبراهيم هكذا يجمع الله العباد , ويحيي الموتى للبعث من مشارق الأرض ومغاربها , وشامها ويمنها . فأراه الله إحياء الموتى بقدرته , حتى عرف ذلك بغير ما قال نمرود من الكذب والباطل . 4707 - حدثني يونس , قال ; أخبرنا ابن وهب , قال ; قال ابن زيد ; { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } قال ; فأخذ طاووسا , وحمامة , وغرابا , وديكا , ثم قال ; فرقهن , اجعل رأس كل واحد وجؤشوش الآخر وجناحي الآخر ورجلي الآخر معه ! فقطعهن وفرقهن أرباعا على الجبال , ثم دعاهن فجئنه جميعا , فقال الله ; كما ناديتهن فجئنك , فكما أحييت هؤلاء وجمعتهن بعد هذا , فكذلك أجمع هؤلاء أيضا ; يعني الموتى . وقال آخرون ; بل معنى ذلك ; ثم اجعل على كل جبل من الأجبال التي كانت الأطيار والسباع التي كانت تأكل من لحم الدابة التي رآها إبراهيم ميتة , فسأل إبراهيم عند رؤيته إياها أن يريه كيف يحييها وسائر الأموات غيرها . وقالوا ; كانت سبعة أجبال . ذكر من قال ذلك ; 4708 - حدثنا القاسم , قال ; ثنا الحسين , قال ; ثني حجاج , عن ابن جريج , قال ; لما قال إبراهيم ما قال عند رؤيته الدابة التي تفرقت الطير والسباع عنها حين دنا منها , وسأل ربه ما سأل , قال ; فخذ أربعة من الطير - قال ابن جريج ; فذبحها - ثم أخلط بين دمائهن وريشهن ولحومهن , ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا حيث رأيت الطير ذهبت والسباع ! قال ; فجعلهن سبعة أجزاء , وأمسك رءوسهن عنده , ثم دعاهن بإذن الله , فنظر إلى كل قطرة من دم تطير إلى القطرة الأخرى , وكل ريشة تطير إلى الريشة الأخرى , وكل بضعة وكل عظم يطير بعضه إلى بعض من رءوس الجبال , حتى لقيت كل جثة بعضها بعضا في السماء , ثم أقبلن يسعين حتى وصلت رأسها . 4709 - حدثني موسى , قال ; ثنا عمرو , قال ; ثنا أسباط , عن السدي , قال ; فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك , ثم اجعل على سبعة أجبال , فاجعل على كل جبل منهن جزءا , ثم ادعهن يأتينك سعيا ! فأخذ إبراهيم أربعة من الطير , فقطعهن أعضاء , لم يجعل عضوا من طير مع صاحبه , ثم جعل رأس هذا مع رجل هذا , وصدر هذا مع جناح هذا , وقسمهن على سبعة أجبال , ثم دعاهن فطار كل عضو إلى صاحبه , ثم أقبلن إليه جميعا . وقال آخرون ; بل أمره الله أن يجعل ذلك على كل جبل . ذكر من قال ذلك ; 4710 - حدثني محمد بن عمرو , قال ; ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد ; { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } قال ; ثم بددهن على كل جبل يأتينك سعيا , وكذلك يحيي الله الموتى . * - حدثني المثنى , قال ; ثنا أبو حذيفة , قال ; ثنا شبل عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد ; ثم اجعلهن أجزاء على كل جبل , ثم ادعهن يأتينك سعيا , كذلك يحيى الله الموتى ; هو مثل ضربه الله لإبراهيم . * - حدثنا القاسم , قال ; ثنا الحسين , قال ; ثنا حجاج , قال ; قال ابن جريج , قال مجاهد ; { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } ثم بددهن أجزاء على كل جبل , ثم ادعهن ; تعالين بإذن الله ! فكذلك يحيي الله الموتى ; مثل ضربه الله لإبراهيم صلى الله عليه وسلم . 4711 - حدثني المثنى , قال ; ثني إسحاق , قال ; ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك , قال ; أمره أن يخالف بين قوائمهن ورءوسهن وأجنحتهن , ثم يجعل على كل جبل منهن جزءا . * - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال ; سمعت أبا معاذ , قال ; أخبرنا عبيد , قال ; سمعت الضحاك يقول في قوله ; { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } فخالف إبراهيم بين قوائمهن وأجنحتهن . وأولى التأويلات بالآية ما قاله مجاهد , وهو أن الله تعالى ذكره أمر إبراهيم بتفريق أعضاء الأطيار الأربعة بعد تقطيعه إياهن على جميع الأجبال التي كان يصل إبراهيم في وقت تكليف الله إياه تفريق ذلك وتبديدها عليها أجزاء , لأن الله تعالى ذكره قال له ; { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } والكل حرف يدل على الإحاطة بما أضيف إليه لفظه واحد ومعناه الجمع . فإذا كان ذلك كذلك فلن يجوز أن تكون الجبال التي أمر الله إبراهيم بتفريق أجزاء الأطيار الأربعة عليها خارجة من أحد معنيين ; إما أن تكون بعضا أو جميعا ; فإن كانت بعضا فغير جائز أن يكون ذلك البعض إلا ما كان لإبراهيم السبيل إلى تفريق أعضاء الأطيار الأربعة عليه . أو يكون جميعا , فيكون أيضا كذلك . وقد أخبر الله تعالى ذكره أنه أمره بأن يجعل ذلك على كل جبل , وذلك إما كل جبل وقد عرفهن إبراهيم بأعيانهن , وإما ما في الأرض من الجبال . فأما قول من قال ; إن ذلك أربعة أجبل , وقول من قال ; هن سبعة ; فلا دلالة عندنا على صحة شيء من ذلك فنستجيز القول به . وإنما أمر الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم أن يجعل الأطيار الأربعة أجزاء متفرقة على كل جبل ليري إبراهيم قدرته على جمع أجزائهن وهن متفرقات متبددات في أماكن مختلفة شتى , حتى يؤلف بعضهن إلى بعض , فيعدن كهيئتهن قبل تقطيعهن وتمزيقهن وقبل تفريق أجزائهن على الجبال أطيارا أحياء يطرن , فيطمئن قلب إبراهيم ويعلم أن كذلك يجمع الله أوصال الموتى لبعث القيامة وتأليفه أجزاءهم بعد البلى ورد كل عضو من أعضائهم إلى موضعه كالذي كان قبل الرد . والجزء من كل شيء هو البعض منه كان منقسما جميعه عليه على صحة أو غير منقسم , فهو بذلك من معناه مخالف معنى السهم ; لأن السهم من الشيء ; هو البعض المنقسم عليه جميعه على صحة , ولذلك كثر استعمال الناس في كلامهم عند ذكرهم أنصباءهم من المواريث السهام دون الأجزاء . وأما قوله ; { ثم ادعهن } فإن معناه ما ذكرت آنفا عن مجاهد أنه قال ; هو أنه أمر أن يقول لأجزاء الأطيار بعد تفريقهن على كل جبل تعالين بإذن الله . فإن قال قائل ; أمر إبراهيم أن يدعوهن وهن ممزقات أجزاء على رءوس الجبال أمواتا , أم بعد ما أحيين ؟ فإن كان أمر أن يدعوهن وهن ممزقات لا أرواح فيهن , فما وجه أمر من لا حياة فيه بالإقبال ؟ وإن كان أمر بدعائهن بعد ما أحيين , فما كانت حاجة إبراهيم إلى دعائهن وقد أبصرهن ينشرن على رءوس الجبال ؟ قيل ; إن أمر الله تعالى ذكره إبراهيم صلى الله عليه وسلم بدعائهن وهن أجزاء متفرقات إنما هو أمر تكوين , كقول الله للذين مسخهم قردة بعد ما كانوا إنسا ; { كونوا قردة خاسئين } 2 65 لا أمر عبادة , فيكون محالا إلا بعد وجود المأمور المتعبد .واعلم أن الله عزيز حكيمالقول في تأويل قوله تعالى ; { واعلم أن الله عزيز حكيم } . يعني تعالى ذكره بذلك ; واعلم يا إبراهيم أن الذي أحيا هذه الأطيار بعد تمزيقك إياهن , وتفريقك أجزاءهن على الجبال , فجمعهن ورد إليهن الروح , حتى أعادهن كهيئتهن قبل تفريقهن , { عزيز } في بطشه إذا بطش بمن بطش من الجبابرة والمتكبرة الذين خالفوا أمره , وعصوا رسله , وعبدوا غيره , وفي نقمته حتى ينتقم منهم , { حكي } في أمره . 4712 - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا سلمة , قال ; ثنا ابن إسحاق ; { واعلم أن الله عزيز حكيم } قال ; عزيز في بطشه , حكيم في أمره . 4713 - حدثني المثنى , قال ; ثنا إسحاق , قال ; ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع ; { واعلم أن الله عزيز } في نقمته { حكيم } في أمره .
وهذا فيه أيضا أعظم دلالة حسية على قدرة الله وإحيائه الموتى للبعث والجزاء، فأخبر تعالى عن خليله إبراهيم أنه سأله أن يريه ببصره كيف يحيي الموتى، لأنه قد تيقن ذلك بخبر الله تعالى، ولكنه أحب أن يشاهده عيانا ليحصل له مرتبة عين اليقين، فلهذا قال الله له: { أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } وذلك أنه بتوارد الأدلة اليقينية مما يزداد به الإيمان ويكمل به الإيقان ويسعى في نيله أولو العرفان، فقال له ربه { فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك } أي: ضمهن ليكون ذلك بمرأى منك ومشاهدة وعلى يديك. { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } أي: مزقهن، اخلط أجزاءهن بعضها ببعض، واجعل على كل جبل، أي: من الجبال التي في القرب منه، جزء من تلك الأجزاء { ثم ادعهن يأتينك سعيا } أي: تحصل لهن حياة كاملة، ويأتينك في هذه القوة وسرعة الطيران، ففعل إبراهيم عليه السلام ذلك وحصل له ما أراد وهذا من ملكوت السماوات والأرض الذي أراه الله إياه في قوله { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين } ثم قال: { واعلم أن الله عزيز حكيم } أي: ذو قوة عظيمة سخر بها المخلوقات، فلم يستعص عليه شيء منها، بل هي منقادة لعزته خاضعة لجلاله، ومع ذلك فأفعاله تعالى تابعة لحكمته، لا يفعل شيئا عبثى:
(الواو) عاطفة
(إذ) اسم ظرفيّ مبنيّ على السكون في محلّ نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره اذكر
(قال) فعل ماض
(إبراهيم) فاعل مرفوع ومنع من التنوين للعلمية والعجمة
(ربّ) منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدّرة على ما قبل الياء المحذوفة للتخفيف وهي مضاف إليه
(أر) فعل أمر مبنيّ على حذف حرف العلّة و (النون) للوقاية و (الياء) ضمير مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(كيف) اسم استفهام مبنيّ في محلّ نصب حالـ (تحيي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(الموتى) مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف
(قال) مثل الأول والفاعل الله
(الهمزة) للاستفهام التقريريّ
(الواو) عاطفة
(لم) حرف نفي وقلب وجزم
(تؤمن) مضارع مجزوم، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(قال) مثل الأولـ (بلى) حرف جواب لإيجاب النفي(الواو) عاطفة
(لكن) حرف استدراك
(اللام) لام التعليلـ (يطمئنّ) مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة بعد اللام
(قلب) فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الباء لمناسبة الياء و (الياء) ضمير مضاف إليه والمصدر المؤوّلـ (أن يطمئنّ قلبي) في محلّ جرّ باللام متعلّق بفعل محذوف تقديره أسأل، والاستدراك والفعل بعده معطوف على مقدّر أي:
بلى آمنت، وما سألت غير مؤمن ولكن سألت ليطمئنّ قلبي(قال) مثل الأول والفاعل الله
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(خذ) فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(أربعة) مفعول به منصوبـ (من الطير) تمييز العدد
(الفاء) عاطفة
(صر) مثل خذ و (هنّ) ضمير متّصل مفعول به
(إلى) حرف جرّ و (الكاف) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (صرهنّ) ،
(ثمّ) حرف عطف
(اجعل) مثل خذ
(على كلّ) جارّ ومجرور متعلّق بفعل اجعل بتضمينه معنى ألق ،
(جبل) مضاف إليه مجرور
(من) حرف جرّ و (هنّ) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بـ (اجعل) ،(جزءا) مفعول به منصوبـ (ثمّ ادع) مثل ثمّ اجعل و (هنّ) ضمير متّصل مفعول به
(يأتين) مضارع مبنيّ على السكون في محلّ جزم جواب الطلب ... و (النون) فاعل و (الكاف) ضمير مفعول به
(سعيا) مصدر في موضع الحال ،
(الواو) استئنافيّة
(اعلم) مثل اجعلـ (أنّ الله عزيز) مثل أنّ الله قدير- في الآية السابقة-
(حكيم) خبر ثان مرفوع والمصدر المؤوّلـ (أنّ الله عزيز) في محلّ نصب سدّ مسدّ مفعولي اعلم جملة: «قال إبراهيم» في محلّ جرّ مضاف إليه وجملة: «النداء وصلتها» في محلّ نصب مقول القول وجملة: «أرني» لا محلّ لها جواب النداء
(استئنافيّة) وجملة: «تحيي..» في محلّ نصب مفعول به ثان لفعل أر وجملة: «قال ...
(الثانية) » لا محلّ لها استئنافيّةوجملة: «أو لم تؤمن؟» في محلّ نصب معطوفة على جملة مقدّرة هي مقول القول. أي: أتسأل ولم تؤمن؟
وجملة: «قال..
(الثالثة) » لا محلّ لها استئناف بيانيّ والجملة المقدّرة: «بلى آمنت» في محلّ نصب مقول القول وجملة: «يطمئنّ قلبي» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ المقدر أنوجملة: «قال ...
(الرابعة) » لا محلّ لها استئنافيّةوجملة: «خذ أربعة ... » في محلّ جزم جواب شرط مقدّر، أي: إن أردت ذلك فخذ.. وجملة الشرط المقدّرة في محلّ نصب مقول القول وجملة: «صرهنّ» إليك في محلّ جزم معطوفة على جملة خذ أربعةوجملة: «اجعل» في محلّ جزم معطوفة على جملة صرهن ّوجملة: «ادعهنّ» في محلّ جزم معطوفة على جملة اجعل وجملة: «اعلم» لا محلّ لها استئنافيّة