الرسم العثمانيلِلْفُقَرَآءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمٰهُمْ لَا يَسْـَٔلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌ
الـرسـم الإمـلائـيلِلۡفُقَرَآءِ الَّذِيۡنَ اُحۡصِرُوۡا فِىۡ سَبِيۡلِ اللّٰهِ لَا يَسۡتَطِيۡعُوۡنَ ضَرۡبًا فِى الۡاَرۡضِ يَحۡسَبُهُمُ الۡجَاهِلُ اَغۡنِيَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِۚ تَعۡرِفُهُمۡ بِسِيۡمٰهُمۡۚ لَا يَسۡـــَٔلُوۡنَ النَّاسَ اِلۡحَــافًا ؕ وَمَا تُنۡفِقُوۡا مِنۡ خَيۡرٍ فَاِنَّ اللّٰهَ بِهٖ عَلِيۡمٌ
تفسير ميسر:
اجعلوا صدقاتكم لفقراء المسلمين الذين لا يستطيعون السفر؛ طلبًا للرزق لاشتغالهم بالجهاد في سبيل الله، يظنهم مَن لا يعرفهم غير محتاجين إلى الصدقة؛ لتعففهم عن السؤال، تعرفهم بعلاماتهم وآثار الحاجة فيهم، لا يسألون الناس بالكُليَّة، وإن سألوا اضطرارًا لم يُلِحُّوا في السؤال. وما تنفقوا مِن مال في سبيل الله فلا يخفى على الله شيء منه، وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأتمَّه يوم القيامة.
وقوله "للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله" يعني المهاجرين الذين قد انقطعوا إلى الله وإلى رسوله وسكنوا المدينة وليس لهم سبب يردون به على أنفسهم ما يغنيهم "ولا يستطيعون ضربا في الأرض" يعني سفرا للتسبب في طلب المعاش والضرب في الأرض هو السفر قال الله تعالى "وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة" وقال تعالى "علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله" الآية. وقوله "يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف" أي الجاهل بأمرهم وحالهم يحسبهم أغنياء من تعففهم في لباسهم وحالهم ومقالهم وفي هذا المعنى الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة قال; قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان والأكلة والأكلتان ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يسأل الناس شيئا وقد رواه أحمد من حديث ابن مسعود أيضا. وقوله "تعرفهم بسيماهم" أي بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم كما قال تعالى "سيماهم في وجوههم" وقال "ولتعرفنهم في لحن القول" وفي الحديث الذي في السنن "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ "إن في ذلك لآيات للمتوسمين". وقوله "لا يسألون الناس إلحافا" أي لا يلحون في المسألة ويكلفون الناس ما لا يحتاجون إليه فإن من سأل وله ما يغنيه عن المسألة فقد ألحف في المسألة قال البخاري حدثنا ابن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شريك بن أبي نمر أن عطاء بن يسار وعبدالرحمن بن أبي عمرة الأنصاري قالا; سمعنا أبا هريرة يقول; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ولا اللقمة واللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف اقرءوا إن شئتم يعني قوله "لا يسألون الناس إلحافا" وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر المديني عن شريك بن عبدالله بن أبي نمر عن عطاء بن يسار وحده عن أبي هريرة به وقال أبو عبدالرحمن النسائي; أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل أخبرنا شريك وهو ابن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال; ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان إنما المسكين المتعفف اقرءوا إن شئتم "لا يسألون الناس إلحافا" وروى البخاري من حديث شعبة عن محمد بن أبي زياد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نحوه وقال ابن أبي حاتم; أخبرنا يونس بن عبدالأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني ابن أبي ذئب عن أبي الوليد عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ليس المسكين بالطواف عليكم فتطعمونه لقمة لقمة إنما المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس إلحافا وقال ابن جرير; حدثني معتمر عن الحسن بن مالك عن صالح بن سويد عن أبي هريرة قال; ليس المسكين بالطواف الذي ترده الأكلة والأكلتان ولكن المسكين المتعفف في بيته لا يسأل الناس شيئا تصيبه الحاجة اقرءوا إن شئتم "لا يسألون الناس إلحافا" وقال الإمام أحمد أيضا; حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن رجل من مزينة أنه قالت له أمه ألا تنطلق فتسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يسأله الناس فانطلقت أسأله فوجدته قائما يخطب وهو يقول "ومن استعف أعفه الله ومن استغنى أغناه الله ومن يسأل الناس له عدل خمس أواق فقد سأل الناس إلحافا" فقلت بيني وبين نفسي لِناقةٍ له خير من خمس أواق لغلامه ناقة أخرى فهي خير من خمس أواق فرجعت ولم أسأل وقال الإمام أحمد; حدثنا قتيبة حدثنا عبدالرحمن بن أبي الرجال عن عمارة بن عرفة عن عبدالرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال; سرحتني أمي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فأتيته فقعدت قال; فاستقبلني فقال من استغنى أغناه الله ومن استعف أعفه الله ومن استكف كفاه الله ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف قال فقلت ناقتي الياقوتة خير من أوقية فرجعت فلم أسأله وهكذا رواه أبو داود والنسائي كلاهما عن قتيبة زاد أبو داود وهشام بن عمار كلاهما عن عبدالرحمن بن أبي الرجال بإسناده نحوه وقال ابن أبي حاتم; حدثنا أبي حدثنا أبو الجماهر حدثنا عبدالرحمن بن أبي الرجال عن عمارة بن عرفة عن عبدالرحمن بن أبي سعيد قال; قال أبو سعيد الخدري قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سأل وله قيمة أوقية فهو ملحف والأوقية أربعون درهما وقال أحمد حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد قال; قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا وقال الإمام أحمد أيضا; حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبدالرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبدالله بن مسعود قال; قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خـدوشا أو كدوحا في وجهه قالوا; يا رسول الله وما غناه؟ قال; خمسون درهما أو حسابها من الذهب وقد رواه أهل السنن الأربعة من حديث حكيم بن جبير الأسدي الكوفي وقد تركه شعبة بن الحجاج وضعفه غير واحد من الأئمة من جراء هذا الحديث وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني; حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي حدثنا أبو حسين عبدالله بن أحمد بن يونس حدثني أبي حدثنا أبو بكر بن عياش عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال; بلغ الحارث رجلا كان بالشام من قريش أن أبا ذر كان به عوز فبعث إليه ثلاثمائة دينار فقال; ما وجد عبدالله رجلا أهون عليه مني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من سأل وله أربعون فقد ألحف ولآل أبي ذر أربعون درهما وأربعون شاة وما هنان قال أبو بكر بن عياش; يعني خادمين وقال ابن مردويه; حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم أخبرنا إبراهيم بن محمد أنبأنا عبدالجبار أخبرنا سفيان عن داود بن شابور عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من سأل وله أربعون درهما فهو ملحف وهو مثل سف الملة يعني الرمل ورواه النسائي عن أحمد بن سليمان عن أحمد بن آدم عن سفيان وهو ابن عيينة بإسناده نحوه قوله "وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم" أي لا يخفى عليه شيء منه وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأتمه يوم القيامة أحوج ما يكون إليه.
قوله تعالى ; للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليمفيه عشر مسائل ;الأولى ; قوله تعالى ; ( للفقراء ) اللام متعلقة بقوله وما تنفقوا من خير وقيل ; بمحذوف تقديره الإنفاق أو الصدقة للفقراء . قال السدي ومجاهد وغيرهما ; المراد بهؤلاء الفقراء فقراء المهاجرين من قريش وغيرهم ، ثم تتناول الآية كل من دخل تحت صفة الفقراء غابر الدهر . وإنما خص فقراء المهاجرين بالذكر لأنه لم يكن هناك سواهم وهم أهل الصفة وكانوا نحوا من أربعمائة رجل ، وذلك أنهم كانوا يقدمون فقراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما لهم أهل ولا مال فبنيت لهم صفة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل لهم ; أهل الصفة . قال أبو ذر ; كنت من أهل الصفة وكنا إذا أمسينا حضرنا باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر كل رجل فينصرف برجل ويبقى من بقي من أهل الصفة عشرة أو أقل فيؤتى النبي صلى الله عليه وسلم بعشائه ونتعشى معه . فإذا فرغنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; ناموا في المسجد . وخرج الترمذي عن البراء بن عازب ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون قال ; نزلت فينا معشر الأنصار كنا أصحاب نخل ، قال ; فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته ، وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلقه في المسجد ، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام ، فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فيضربه بعصاه فيسقط من البسر والتمر فيأكل ، وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي بالقنو فيه الشيص والحشف ، وبالقنو قد انكسر فيعلقه في المسجد ، فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه . قال ; ولو أن أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطاه لم يأخذه إلا على إغماض وحياء . قال ; [ ص; 310 ] فكنا بعد ذلك يأتي الرجل بصالح ما عنده . قال ; هذا حديث حسن غريب صحيح . قال علماؤنا ; وكانوا رضي الله عنهم في المسجد ضرورة ، وأكلوا من الصدقة ضرورة ، فلما فتح الله على المسلمين استغنوا عن تلك الحال وخرجوا ثم ملكوا وتأمروا . ثم بين الله سبحانه من أحوال أولئك الفقراء المهاجرين ما يوجب الحنو عليهم بقوله تعالى ; الذين أحصروا في سبيل الله والمعنى حبسوا ومنعوا . قال قتادة وابن زيد ; معنى أحصروا في سبيل الله حبسوا أنفسهم عن التصرف في معايشهم خوف العدو ، ولهذا قال تعالى ; لا يستطيعون ضربا في الأرض لكون البلاد كلها كفرا مطبقا . ، وهذا في صدر الإسلام ، فعلتهم تمنع من الاكتساب بالجهاد ، وإنكار الكفار عليهم إسلامهم يمنع من التصرف في التجارة فبقوا فقراء . وقيل ; معنى لا يستطيعون ضربا في الأرض أي لما قد ألزموا أنفسهم من الجهاد . والأول أظهر . والله أعلم .الثانية ; قوله تعالى ; يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف أي إنهم من الانقباض وترك المسألة والتوكل على الله بحيث يظنهم الجاهل بهم أغنياء . وفيه دليل على أن اسم الفقر يجوز أن يطلق على من له كسوة ذات قيمة ولا يمنع ذلك من إعطاء الزكاة إليه . وقد أمر الله تعالى بإعطاء هؤلاء القوم ، وكانوا من المهاجرين الذين يقاتلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرضى ولا عميان . والتعفف تفعل ، وهو بناء مبالغة من عف عن الشيء إذا أمسك عنه وتنزه عن طلبه ، وبهذا المعنى فسر قتادة وغيره . وفتح السين وكسرها في يحسبهم لغتان . قال أبو علي ; والفتح أقيس ؛ لأن العين من الماضي مكسورة فبابها أن تأتي في المضارع مفتوحة . والقراءة بالكسر حسنة ، لمجيء السمع به وإن كان شاذا عن القياس . و " من " في قوله من التعفف لابتداء الغاية . وقيل لبيان الجنس .الثالثة ; قوله تعالى ; تعرفهم بسيماهم فيه دليل على أن للسيما أثرا في اعتبار من يظهر عليه ذلك ، حتى إذا رأينا ميتا في دار الإسلام وعليه زنار وهو غير مختون لا يدفن في مقابر المسلمين ، ويقدم ذلك على حكم الدار في قول أكثر العلماء ، ومنه قوله تعالى ; ولتعرفنهم في لحن القول . فدلت الآية على جواز صرف الصدقة إلى من له ثياب وكسوة وزي في التجمل . واتفق العلماء على ذلك ، وإن اختلفوا بعده في مقدار ما يأخذه إذا احتاج فأبو [ ص; 311 ] حنيفة اعتبر مقدار ما تجب فيه الزكاة ، والشافعي اعتبر قوت سنة ، ومالك اعتبر أربعين درهما ، والشافعي لا يصرف الزكاة إلى المكتسب .والسيما ( مقصورة ) ; العلامة ، وقد تمد فيقال السيماء . وقد اختلف العلماء في تعيينها هنا ، فقال مجاهد ; هي الخشوع والتواضع . السدي ; أثر الفاقة والحاجة في وجوههم وقلة النعمة . ابن زيد ; رثاثة ثيابهم . وقال قوم وحكاه مكي ; أثر السجود . ابن عطية ; وهذا حسن ، وذلك لأنهم كانوا متفرغين متوكلين لا شغل لهم في الأغلب إلا الصلاة ، فكان أثر السجود عليهم .قلت ; وهذه السيما التي هي أثر السجود اشترك فيها جميع الصحابة رضوان الله عليهم بإخبار الله تعالى في آخر " الفتح " بقوله ; سيماهم في وجوههم من أثر السجود فلا فرق بينهم وبين غيرهم ، فلم يبق إلا أن تكون السيماء أثر الخصاصة والحاجة ، أو يكون أثر السجود أكثر ، فكانوا يعرفون بصفرة الوجوه من قيام الليل وصوم النهار . والله أعلم . وأما الخشوع فذلك محله القلب ويشترك فيه الغني والفقير ، فلم يبق إلا ما اخترناه ، والموفق الإله .الرابعة ; قوله تعالى ; لا يسألون الناس إلحافا مصدر في موضع الحال أي ملحفين يقال ; ألحف وأحفى وألح في المسألة سواء ويقال ( هو للشاعر بشار بن برد ) ;الحر يلحى والعصا للعبد وليس للملحف مثل الردواشتقاق الإلحاف من اللحاف ، سمي بذلك لاشتماله على وجوه الطلب في المسألة كاشتمال اللحاف من التغطية ، أي هذا السائل يعم الناس بسؤاله فيلحفهم ذلك ، ومنه قول ابن أحمر ;فظل يحفهن بقفقفيه ويلحفهن هفهافا ثخينايصف ذكر النعام يحضن بيضا بجناحيه ويجعل جناحه لها كاللحاف وهو رقيق مع ثخنه . وروى النسائي ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ; ليس المسكين الذي ترده [ ص; 312 ] التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان إنما المسكين المتعفف اقرءوا إن شئتم لا يسألون الناس إلحافا .الخامسة ; واختلف العلماء في معنى قوله لا يسألون الناس إلحافا على قولين ، فقال قوم منهم الطبري والزجاج ; إن المعنى لا يسألون البتة ، وهذا على أنهم متعففون عن المسألة عفة تامة ، وعلى هذا جمهور المفسرين ، ويكون التعفف صفة ثابتة لهم ، أي لا يسألون الناس إلحاحا ولا غير إلحاح . وقال قوم ; إن المراد نفي الإلحاف ، أي إنهم يسألون غير إلحاف ، وهذا هو السابق للفهم ، أي يسألون غير ملحفين . وفي هذا تنبيه على سوء حالة من يسأل الناس إلحافا روى الأئمة واللفظ لمسلم عن معاوية بن أبي سفيان قال ; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لا تلحفوا في المسألة فوالله لا يسألني أحد منكم شيئا فتخرج له مسألته مني شيئا وأنا له كاره فيبارك له فيما أعطيته . وفي الموطأ عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أنه قال ; نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد فقال لي أهلي ; اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله لنا شيئا نأكله ، وجعلوا يذكرون من حاجتهم ، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده رجلا يسأله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ; ( لا أجد ما أعطيك ) فتولى الرجل عنه وهو مغضب وهو يقول ; لعمري إنك لتعطي من شئت! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; إنه يغضب علي ألا أجد ما أعطيه من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا . قال الأسدي ; فقلت للقحة لنا خير من أوقية - قال مالك ; والأوقية أربعون درهما - قال ; فرجعت ولم أسأله ، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بشعير وزبيب فقسم لنا منه حتى أغنانا الله . قال ابن عبد البر ; هكذا رواه مالك وتابعه هشام بن سعد وغيره ، وهو حديث صحيح ، وليس حكم الصحابي إذا لم يسم كحكم من دونه إذا لم يسم عند العلماء ، لارتفاع الجرحة عن جميعهم وثبوت العدالة لهم . وهذا الحديث يدل على أن السؤال مكروه لمن له أوقية من فضة ، فمن سأل وله هذا الحد والعدد والقدر من الفضة أو ما يقوم مقامها ويكون عدلا منها فهو ملحف ، وما علمت أحدا من أهل العلم إلا وهو يكره السؤال لمن له هذا المقدار من الفضة أو عدلها من الذهب على ظاهر هذا الحديث . وما جاءه من غير مسألة فجائز له أن يأكله ، إن كان من غير الزكاة ، وهذا مما لا [ ص; 313 ] أعلم فيه خلافا ، فإن كان من الزكاة ففيه خلاف يأتي بيانه في آية الصدقات إن شاء الله تعالى .السادسة ; قال ابن عبد البر ; من أحسن ما روي من أجوبة الفقهاء في معاني السؤال وكراهيته ومذهب أهل الورع فيه ما حكاه الأثرم عن أحمد بن حنبل وقد سئل عن المسألة متى تحل قال ; إذا لم يكن ما يغذيه ويعشيه على حديث سهل بن الحنظلية . قيل لأبي عبد الله ; فإن اضطر إلى المسألة ؟ قال ; هي مباحة له إذا اضطر . قيل له ; فإن تعفف ؟ قال ; ذلك خير له . ثم قال ; ما أظن أحدا يموت من الجوع! الله يأتيه برزقه . ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري من استعف أعفه الله . وحديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ; ( تعفف ) . قال أبو بكر ; وسمعته يسأل عن الرجل لا يجد شيئا أيسأل الناس أم يأكل الميتة ؟ فقال ; أيأكل الميتة وهو يجد من يسأله ، هذا شنيع . قال ; وسمعته يسأله هل يسأل الرجل لغيره ؟ قال لا ، ولكن يعرض ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار فقال ; ( تصدقوا ) ولم يقل أعطوهم . قال أبو عمر ; قد قال النبي صلى الله عليه وسلم اشفعوا تؤجروا . وفيه إطلاق السؤال لغيره . والله أعلم . وقال ; ألا رجل يتصدق على هذا ؟ قال أبو بكر ; قيل له - يعني أحمد بن حنبل - فالرجل يذكر الرجل فيقول ; إنه محتاج ؟ فقال ; هذا تعريض وليس به بأس ، إنما المسألة أن يقول أعطه . ثم قال ; لا يعجبني أن يسأل المرء لنفسه فكيف لغيره ؟ والتعريض هنا أحب إلي .قلت ; قد روى أبو داود والنسائي وغيرهما أن الفراسي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ; أسأل يا رسول الله ؟ قال ; لا وإن كنت سائلا لا بد فاسأل الصالحين . فأباح صلى الله عليه وسلم سؤال أهل الفضل والصلاح عند الحاجة إلى ذلك ، وإن أوقع حاجته ، بالله فهو أعلى . قال إبراهيم بن [ ص; 314 ] أدهم ; سؤال الحاجات من الناس هي الحجاب بينك وبين الله تعالى ، فأنزل حاجتك بمن يملك الضر والنفع ، وليكن مفزعك إلى الله تعالى يكفيك الله ما سواه وتعيش مسرورا .السابعة ; فإن جاءه شيء من غير سؤال فله أن يقبله ولا يرده ، إذ هو رزق رزقه الله . روى مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى عمر بن الخطاب بعطاء فرده ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ; ( لم رددته ) ؟ فقال ; يا رسول الله ، أليس أخبرتنا أن أحدنا خير له ألا يأخذ شيئا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; ( إنما ذاك عن المسألة فأما ما كان من غير مسألة فإنما هو رزق رزقكه الله ) . فقال عمر بن الخطاب ; والذي نفسي بيده لا أسأل أحدا شيئا ولا يأتيني بشيء من غير مسألة إلا أخذته . وهذا نص . وخرج مسلم في صحيحه والنسائي في سننه وغيرهما عن ابن عمر قال سمعت عمر يقول ; كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول ; أعطه أفقر إليه مني ، حتى أعطاني مرة مالا فقلت ; أعطه أفقر إليه مني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; خذه وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه ومالا فلا تتبعه نفسك . زاد النسائي - بعد قوله ( خذه - فتموله أو تصدق به ) . وروى مسلم من حديث عبد الله بن السعدي المالكي عن عمر فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ; إذا أعطيت شيئا من غير أن تسأل فكل وتصدق . وهذا يصحح لك حديث مالك المرسل . قال الأثرم ; سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يسأل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم ; ( ما أتاك من غير مسألة ولا إشراف ) أي الإشراف أراد ؟ فقال ; أن تستشرفه وتقول ; لعله يبعث إلي بقلبك . قيل له ; وإن لم يتعرض ، قال نعم إنما هو بالقلب . قيل له ; هذا شديد قال ; وإن كان شديدا فهو هكذا . قيل له ; فإن كان الرجل لم يعودني أن يرسل إلي شيئا إلا أنه قد عرض بقلبي فقلت ; عسى أن يبعث إلي . قال ; هذا إشراف ، فأما إذا جاءك من غير أن تحتسبه ولا خطر على قلبك فهذا الآن ليس فيه إشراف . قال أبو عمر ; الإشراف في اللغة رفع الرأس إلى المطموع ، عنده والمطموع فيه ، وأن يهش الإنسان ويتعرض . وما قاله أحمد في تأويل الإشراف تضييق وتشديد وهو عندي بعيد ؛ لأن الله عز وجل تجاوز لهذه الأمة عما حدثت به أنفسها ما لم ينطق به لسان أو تعمله جارحة . وأما ما اعتقده [ ص; 315 ] القلب من المعاصي ما خلا الكفر فليس بشيء حتى يعمل به ، وخطرات النفس متجاوز عنها بإجماع .الثامنة ; الإلحاح في المسألة والإلحاف فيها مع الغنى عنها حرام لا يحل . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر رواه أبو هريرة خرجه مسلم . وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ; لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم رواه مسلم أيضا .التاسعة ; السائل إذا كان محتاجا فلا بأس أن يكرر المسألة ثلاثا إعذارا وإنذارا والأفضل تركه . فإن كان المسئول يعلم بذلك وهو قادر على ما سأله وجب عليه الإعطاء ، وإن كان جاهلا به فيعطيه مخافة أن يكون صادقا في سؤاله فلا يفلح في رده .العاشرة ; فإن كان محتاجا إلى ما يقيم به سنة كالتجمل بثوب يلبسه في العيد والجمعة فذكر ابن العربي ; سمعت بجامع الخليفة ببغداد رجلا يقول ; هذا أخوكم يحضر الجمعة معكم وليس عنده ثياب يقيم بها سنة الجمعة . فلما كان في الجمعة الأخرى رأيت عليه ثيابا أخر ، فقيل لي ; كساه إياها أبو الطاهر البرسني أخذ الثناء
القول في تأويل قوله ; لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)قال أبو جعفر; أما قوله; " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله "، فبيان من الله عز وجل عن سبيل النفقة ووجهها. ومعنى الكلام; وما تنفقوا من خير فلأنفسكم تنفقون للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله." واللام " التي في" الفقراء " مردودة على موضع " اللام " في" فلأنفسكم " كأنه قال; " وما تنفقوا من خير " - يعني به; وما تتصدقوا به من مال فللفقراء الذين أحصروا في سبيل الله. فلما اعترض في الكلام بقوله; " فلأنفسكم "، فأدخل " الفاء " التي هي جواب الجزاء فيه، تركت إعادتها في قوله; " للفقراء "، إذ كان الكلام مفهوما معناه، كما;-6211 - حدثني موسى، قال; حدثنا عمرو، قال; حدثنا أسباط، عن السدي قوله; لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ ، أما; " ليس عليك هداهم "، فيعني المشركين. وأما " النفقة " فبين أهلها، فقال; " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ". (22) .* * *وقيل; إن هؤلاء الفقراء الذين ذكرهم الله في هذه الآية، هم فقراء المهاجرين عامة دون غيرهم من الفقراء.* ذكر من قال ذلك;&; 5-591 &;6212 - حدثني محمد بن عمرو، قال; حدثنا أبو عاصم، قال; حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله; " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله "، مهاجري قريش بالمدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم، أمر بالصدقة عليهم.6213 - حدثني المثنى، قال; حدثنا إسحاق، قال; حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه قوله; " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " الآية، قال; هم فقراء المهاجرين بالمدينة.6214 - حدثني موسى، قال; حدثنا عمرو، قال; حدثنا أسباط، عن السدى; " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله "، قال; فقراء المهاجرين.* * *القول في تأويل قوله عز وجل ; الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِقال أبو جعفر; يعني تعالى ذكره بذلك; الذين جَعلهم جهادُهم عدوَّهم يُحْصِرون أنفسَهم فيحبسونها عن التصرُّف فلا يستطيعون تصرّفًا. (23) .* * *وقد دللنا فيما مضى قبلُ على أن معنى " الإحصار "، تصيير الرجل المحصَر بمرضه أو فاقته أو جهاده عدوَّه، وغير ذلك من علله، إلى حالة يحبس نفسَه فيها عن التصرُّف في أسبابه، بما فيه الكفاية فيما مضى قبل. (24) .* * *وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، (25) .فقال بعضهم; في ذلك بنحو الذي قلنا فيه.* ذكر من قال ذلك;&; 5-592 &;6215 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله; " الذين أحصروا في سبيل الله "، قال; حَصَروا أنفسهم في سبيل الله للغزو.6216 - حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد في قوله; " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله "، قال; كانت الأرض كلُّها كفرًا، لا يستطيع أحدٌ أن يخرج يبتغي من فضل الله، إذا خرج خرج في كُفر= وقيل; كانت الأرضُ كلها حربًا على أهل هذا البلد، وكانوا لا يتوجَّهون جهة إلا لهم فيها عدوّ، فقال الله عز وجل; " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " الآية، كانوا ههنا في سبيل الله.* * *وقال آخرون; بل معنى ذلك; الذين أحصرهم المشركون فمنعوهم التصرُّف.* ذكر من قال ذلك;6217 - حدثني موسى بن هارون، قال; حدثنا عمرو، قال; حدثنا أسباط، عن السدي; " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله "، حصرهم المشركون في المدينة.* * *قال أبو جعفر; ولو كان تأويل الآية على ما تأوله السدّيّ، لكان الكلام; للفقراء الذين حُصروا في سبيل الله، ولكنه " أحصِروا "، فدلّ ذلك على أن خوفهم من العدوّ الذي صيَّر هؤلاء الفقراء إلى الحال التي حَبَسوا -وهم في سبيل الله- أنفسَهم، لا أنّ العدوَّ هم كانوا الحابِسِيهم.وإنما يقال لمن حبسه العدوّ; " حصره العدوّ"، وإذا كان الرّجل المحبَّس من خوف العدوّ، قيل; " أحصره خوفُ العدّو ". (26) .* * *&; 5-593 &;القول في تأويل قوله ; لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِقال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه; لا يستطيعون تقلُّبًا في الأرض، وسفرًا في البلاد، ابتغاءَ المعاش وطَلبَ المكاسب، (27) فيستغنوا عن الصدقات، رهبةَ العدوّ وخوفًا على أنفسهم منهم. كما;-6218 - حدثني الحسن بن يحيى، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن قتادة; " لا يستطيعون ضربًا في الأرض " حبسوا أنفسهم في سبيل الله للعدوّ، فلا يستطيعون تجارةً.6219 - حدثني موسى، قال; حدثنا عمرو، قال; حدثنا أسباط، عن السدي; " لا يستطيعون ضربًا في الأرض "، يعني التجارة.6220 - حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد قوله; " لا يستطيعون ضربًا في الأرض "، كان أحدهم لا يستطيع أن يخرج يبتغي من فَضْل الله.* * *القول في تأويل قوله ; يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِقال أبو جعفر; يعني بذلك; " يحسبهم الجاهل " بأمرهم وحالهم=" أغنياء " من تعففهم عن المسألة، وتركهم التعرض لما في أيدي الناس، صبرًا منهم على البأساء والضراء. كما;-6221 - حدثنا يزيد، قال; حدثنا سعيد، عن قتادة &; 5-594 &; قوله; " يحسبهم الجاهل أغنياء "، يقول; يحسبهم الجاهل بأمرهم أغنياء من التعفف. (28) .* * *ويعني بقوله; " منَ التعفف "، من تَرْك مسألة الناس.* * *وهو " التفعُّل " من " العفة " عن الشيء، والعفة عن الشيء، تركه، كما قال رؤبة;* فَعَفَّ عَنْ أسْرَارِهَا بَعْدَ العَسَقْ* (29)يعني بَرئ وتجنَّبَ.* * *القول في تأويل قوله ; تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْقال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه; " تعرفهم " يا محمد=" بسيماهم "، يعني بعلامتهم وآثارهم، من قول الله عز وجل; سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [سورة الفتح; 29]، هذه لغة قريش. ومن العرب من يقول; " بسيمائهم " فيمدها.وأما ثقيف وبعض أسَدٍ، فإنهم يقولون; " بسيميائهم "; ومن ذلك قول الشاعر; (30) .&; 5-595 &;غُــلامٌ رَمَـاهُ اللـهُ بالحُسْـنِ يَافِعًـالَـهُ سِـيمِيَاءٌ لا تَشُـقُّ عَـلَى البَصَـرْ (31)* * *&; 5-596 &;وقد اختلف أهل التأويل في" السيما " التي أخبر الله جل ثناؤه أنها لهؤلاء الفقراء الذين وصفَ صفتهم، وأنهم يعرفون بها. (32)فقال بعضهم; هو التخشُّع والتواضع.ذكر من قال ذلك;6222 - حدثني محمد بن عمرو، قال; حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله; " تعرفهم بسيماهم " قال; التخشُّع.6223 - حدثني المثنى، قال; حدثنا أبو حذيفة، قال; حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.6224 - حدثني المثنى، قال; حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن ليث، قال; كان مجاهد يقول; هو التخشُّع.* * *وقال آخرون يعني بذلك; تعرفهم بسيما الفقر وجَهد الحاجة في وجُوههم.* ذكر من قال ذلك;6225 - حدثني موسى، قال; حدثنا عمرو، قال; حدثنا أسباط، عن السدي; " تعرفهم بسيماهم "، بسيما الفقر عليهم.6226 - حدثني المثنى، قال; حدثنا إسحاق، قال; حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله; " تعرفهم بسيماهم "، يقول; تعرف في وجوههم الجَهد من الحاجة.* * *وقال آخرون; معنى ذلك; تعرفهم برثاثة ثيابهم. وقالوا; الجوعُ خفيّ.* ذكر من قال ذلك;6227 - حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد; &; 5-597 &; " تعرفهم بسيماهم " قال; السيما; رثاثة ثيابهم، والجوع خفي على الناس، ولم تستطع الثياب التي يخرجون فيها [أن] تخفى على الناس. (33) .* * *قال أبو جعفر; وأول الأقوال في ذلك بالصواب; أن يقال; إن الله عز وجل أخبر نبيَّه صلى الله عليه وسلم أنه يعرفهم بعلاماتهم وآثار الحاجة فيهم. وإنما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدرك تلك العلامات والآثار منهم عند المشاهدة بالعِيان، فيعرفُهم وأصحابه بها، كما يُدرك المريضُ فيعلم أنه مريض بالمعاينة.وقد يجوز أن تكون تلك السيما كانت تخشُّعًا منهم، وأن تكون كانت أثر الحاجة والضرّ، وأن تكون كانت رثاثة الثياب، وأن تكون كانت جميعَ ذلك، وإنما تُدرك علامات الحاجة وآثار الضر في الإنسان، ويعلم أنها من الحاجة والضر، بالمعاينة دون الوصف. وذلك أن المريض قد يصير به في بعض أحوال مرضه من المرض، نظيرُ آثار المجهود من الفاقة والحاجة، وقد يلبس الغني ذو المال الكثير الثيابَ الرثة، فيتزيّى بزيّ أهل الحاجة، فلا يكون في شيء من ذلك دلالة بالصّفة على أنّ الموصوف به مختلٌّ ذو فاقة. وإنما يدري ذلك عند المعاينة بسيماه، كما وصف الله (34) نظير ما يُعرف أنه مريض عند المعاينة، دون وَصْفه بصفته.* * *القول في تأويل قوله ; لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًاقال أبو جعفر; يقال; " قد ألحف السائل في مسألته "، إذا ألحّ=" فهو يُلحف فيها إلحافًا ".* * *&; 5-598 &;فإن قال قائل; أفكان هؤلاء القوم يسألون الناس غيرَ إلحاف؟قيل; غير جائز أن يكون كانوا يسألون الناس شيئًا على وجه الصدقة إلحافًا أو غير إلحاف، (35) وذلك أن الله عز وجل وصفهم بأنهم كانوا أهل تعفف، وأنهم إنما كانوا يُعرفون بسيماهم. فلو كانت المسألة من شأنهم، لم تكن صفتُهم التعفف، ولم يكن بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى علم معرفتهم بالأدلة والعلامة حاجة، وكانت المسألة الظاهرة تُنبئ عن حالهم وأمرهم.وفي الخبر الذي;-6228 - حدثنا به بشر، قال; حدثنا يزيد، قال; حدثنا سعيد، عن قتادة، عن هلال بن حصن، عن أبي سعيد الخدري، قال; أعوزنا مرة فقيل لي; لو أتيتَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فسألته! فانطلقت إليه مُعْنِقًا، فكان أوّل ما واجهني به; " من استعفّ أعفَّه الله، ومَن استغنى أغناهُ الله، ومن سألنا لم ندّخر عنه شيئًا نجده ". قال; فرجعت إلى نفسي، فقلت; ألا أستعفّ فيُعِفَّني الله! فرجعت، فما سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا بعد ذلك من أمر حاجة، حتى مالت علينا الدنيا فغرَّقَتنا، إلا من عَصَم الله. (36) .* * *&; 5-599 &;(37) .=الدلالةُ الواضحةُ على أنّ التعفف معنى ينفي معنى المسألة من الشخص الواحد، وأنَّ من كان موصوفًا بالتعفف فغير موصوف بالمسألة إلحافًا أو غير إلحاف. (38) .* * *فإن قال قائل; فإن كان الأمر على ما وصفت، فما وجه قوله; " لا يسألون الناس إلحافا "، وهم لا يسألون الناس إلحافًا أو غير إلحاف (39) .قيل له; وجه ذلك أن الله تعالى ذكره لما وصفهم بالتعفف، وعرّف عبادَه أنهم ليسوا أهل مسألة بحالٍ بقوله; يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ، وأنهم إنما يُعرفون بالسيما- زاد عبادَه إبانة لأمرهم، وحُسنَ ثناءٍ عليهم، بنفي الشَّره والضراعة التي تكون في الملحِّين من السُّؤَّال، عنهم. (40) .وقد كان بعضُ القائلين يقول; (41) ذلك نظيرُ قول القائل; " قلَّما رأيتُ مثلَ &; 5-600 &; فلان "! ولعله لم يَرَ مثله أحدًا ولا نظيرًا.* * *وبنحو الذي قلنا في معنى الإلحاف قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;6229 - حدثني موسى بن هارون، قال; حدثنا عمرو، قال; حدثنا أسباط، عن السدي; " لا يسألون الناس إلحافًا "، قال; لا يلحفون في المسألة.6230 - حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد في قوله; " لا يسألون الناس إلحافًا "، قال; هو الذي يلح في المسألة.6231 - حدثنا بشر، قال; حدثنا يزيد، قال; حدثنا سعيد، عن قتادة قوله; " لا يسألون الناس إلحافًا "، ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول; " إن الله يحب الحليمَ الغنيّ المتعفف، ويبغض الغنيّ الفاحشَ البذِىء السائلَ الملحفَ= قال; وذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول; إن الله عز وجل كره لكم ثلاثًا; قيلا وقالا (42) وإضاعةَ المال، وكثرةَ السؤال. فإذا شئت رأيته في قيل وقال يومه أجمع وصدرَ ليلته، حتى يُلقى جيفةً على فراشه، لا يجعلُ الله له من نهاره ولا ليلته نصيبًا. وإذا شئت رأيته ذَا مال[ ينفقه] في شهوته ولذاته وملاعبه، (43) .وَيعدِ له عن حقّ الله، فذلك إضاعة المال، وإذا شئت رأيته باسطًا ذراعيه، يسأل الناس في كفيه، فإذا أعطي أفرط في مدحهم، وإنْ مُنع أفرط في ذَمهم...........................................................................................................................................................(44) .-------------------الهوامش ;(22) الأثر ; 6211- انظر الأثر السالف رقم ; 6208 والتعليق عليه .(23) التصرف ; الكسب . يقال "فلان يصرف لعياله ، ويتصرف لهم ، ويصطرف" ، أي يكتسب لهم. وهو من الصرف والتصرف ; وهو التقلب والحيلة .(24) انظر ما سلف 4 ; 21 -26 .(25) في المخطوطة ; "وقال ; اختلف أهل التأويل..." . وهما سواء .(26) انظر تفضيل ذلك فيما سلف 4 ; 21 -26 .(27) في المخطوطة ; "المكاسر" ، وهو دليل مبين عن غفلة الناسخ وعجلته ، كما أسلفت مرارًا كثيرة .(28) الأثر ; 6221 -كان الإسناد في المطبوعة والمخطوطة ; "كما حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد..." أسقط الناسخ من الإسناد"حدثنا بشر قال" ، كما زدته ، وهو إسناد دائر دورانًا في التفسير أقربه رقم ; 6206 .(29) مضى تخريج هذا البيت وتفسيره في 5 ; 110 ، ولم يذكر هناك مجيء ذكره في هذا الموضع من التفسير ، فقيده هناك .(30) هو ابن عنقاء الفزاري ، وعنقاء أمه ، وقد اختلف في اسمه ، فقال القالي في أماليه 1 ; 237 ; "أسيد" ، وقال الآمدي في المؤلف والمختلف ; 159 ، وقال المرزباني في معجم الشعراء ; "فيس بن بجرة" (بالجيم) ، أو"عبد قيس بن بجرة" ، وفي النقائض ; 106"عبد قيس ابن بحرة" بالحاء الساكنة وفتح الباء ، وهكذا كان في أصل اللآليء شرح أماني القالي ; 543 ، وغيره العلامة الراجكوتي"بجرة" بضم الباء وبالجيم الساكنة عن الإصابة في ترجمة"قيس بن بجرة" وفي هذه الترجمة أخطاء كثيرة . وذكر شيخنا سيد بن علي المرصفي في شرح الكامل 1 ; 108 أنه أسيد بن ثعلبة ابن عمرو . وهذا كاف في تعيين الاختلاف . وابن عنقاء ، عاش في الجاهلية دهرًا ، وأدرك الإسلام كبيرًا ، وأسلم .(31) يأتي في التفسير 4 ; 55 /8 ; 141 (بولاق) والأغاني 17 ; 117 ، الكامل 1 ; 14 ، المؤلف والمختلف ، ومعجم الشعراء ; 159 ، 323 ، أمالى القالي 1 ; 237 ، الحماسة 4 ; 68 ، وسمط اللآليء ; 543 ، وغيرها كثير . من أبيات جياد في قصة ، ذكرها القالي في أماليه . وذلك أن ابن عنقاء كان من أكثر أهل زمانه وأشدهم عارضة ولسانًا ، فطال عمره ، ونكبه دهره ، فاختلت حاله ، فمر عميلة بن كلدة الفزاري ، وهو غلام جميل من سادات فزارة ، فسلم عليه وقال ; ياعم ، ما أصارك إلى ما أدري؟ فقال ; بخل مثلك بماله ، وصوني وجهى عن مسألة الناس! فقال والله لئن بقيت إلى غد لأغيرن ما أردي من حالك . فرجع ابن عنقاء فأخبر أهله ، فقالت ; لقد غرك كلام جنح ليل!! فبات متململا بين اليأس والرجاء . فلما كان السحر ، سمع رغاء الإبل ، وثغاء الشاء وصهيل الخيل ، ولجب الأموال ، فقال ; ما هذا؟ فقال ; هذا عميلة ساق إليك ماله! ثم قسم عميلة ماله شطرين وساهمه عليه ، فقال ابن عنقاء فيه يمجده; رَآنِـي عَـلَى مَـا بِـي عُمَيْلَةُ فَاشْتَكَىإِلَـى مَالِـهِ حَـالي أسـرَّ كَمَـا جَهَرْدَعَـانِي فآسَـانِي وَلَـوْ ضَـنَّ لَـمْ أَلُمْعَـلَى حِـينَ لاَ بَـدْوٌ يُرجَّى ولا حَضَرْفَقُلْــتُ لَــهُ خـيرًا وأَثْنَيْـتُ فِعْلَـهُوَأَوْفَـاكَ مَـا أَبْلَيْـتَ مَـنْ ذَمَّ أَوْ شَكَرْغُــلاَمٌ رَمَــاهُ اللـه بِـالخَيْرِ يافِعًـالَـهُ سِـيمِيَاءُ لا تَشُـقُّ عَلَى البَصَـرْكَــأَنَّ الثُريَّـا عُلِّقَــتْ فـي جَبِينِـهِوَفِـي خَـدِّهِ الشِّعْرَي وَفِي وَجْهِهِ القَمَرْإذا قِيلَــتِ العَـوْرَاءُ أَغْضَـى كَأَنّـهُذَلِيـلٌ بِـلاَ ذُلّ وَلَـوْ شَـاءَ لاَنْتَصَـرْكَــرِيمٌ نَمَتْــهُ لِلمكَــارِمِ حُــرَّةٌفَجَــاءَ وَلاَ بُخْـلٌ لَدَيْـهِ ولا حَـصَرْوَلَمَّـا رَأَى المَجْـدَ اسـتُعيرت ثِيَابُـهتَــرَدَّى رِدَاءً وَاسِـعَ الـذّيْلِ وَأتْـزَرْوهذا شعر حر ، ينبع من نفس حرة . هذا وقد روي الطبري في 8 ; 141"رماه الله بالحسن إذ رمي" . وقال أبو رياش فيما انتقده على أبي العباس المبرد ; "لا يروي بيت ابن عنقاء ; "رماه الله بالحسن..." إلا أعمى البصيرة ، لأن الحسن مولود ، وإنما هو ; رماه الله بالخير يافعًا" .وقوله ; "لا تشق على البصر" ، أي لا تؤذيه بقبح أو ردة أو غيرهما ، بل تجلي بها العين ، وتسر النفس وترتاح إليها .(32) في المخطوطة والمطبوعة ; "وصفت صفتهم" ، وهو مخالف للسياق ، والصواب ما أثبت ، وصف الله صفتهم .(33) ما بين القوسين زيادة لا بد منها ، لتستقيم العبارة .(34) في المخطوطة والمطبوعة ; "كما وصفهم الله" ، والسياق يقتضي ما أثبت . والمخطوطة التي نقلت عنها ، فيما نظن ، كل النسخ المخطوطة التي طبع عنها، مضطربة الخط ، كما سلف الدليل على ذلك مرارًا ، وفي هذا الموضع من كتابة الناسخ بخاصة .(35) في المطبوعة ; "إلحافا وغير إلحاف" ، بالواو ، وهو لا يستقيم ، والصواب ما أثبت . وانظر معاني القرآن للفراء 1 ; 181 ، وقد قال ; "ومثله قولك في الكلام ; قلما رأيت مثل هذا الرجل! ، ولعلك لم تر قليلًا ولا كثيرًا من أشباهه" وسيأتي بعد ، في ص ; 599 ، وفي اللسان (لحف) ، وذكر الآية ; "أي ليس منهم سؤال فيكون إلحاف، كما قال امرؤ القيس [يصف طريقًا غير مسلوكة; عَــلَى لاَحِــبٍ لاَ يُهْتَـدَي بِمَنَـارِهِ[ إِذَا سَـافَهُ العَـوْدُ النُّبَـاطِيُّ جَرْجَرا ]المعنى ; "ليس به منار فيهتدى به" .(36) الحديث ; 6228 -إسناده صحيح .هلال بن حصن ، أخو بني مرة بن عباد ، من بني قيس بن ثعلبة ; تابعى ثقة . ذكره ابن حبّان في الثقات ، ص ; 364 ، وترجمه البخاري في الكبير 4 / 2/ 204 ، وابن أبي حاتم 4 /2/ 73 -فلم يذكرا فيه جرحا . وهو مترجم في التعجيل ، ص ; 434 .والحديث رواه أحمد في المسند ; 14221 ، 14222 (ج 3 ص 44 حلبي) ، عن محمد بن جعفر وحجاج ، ثم عن حسين بن محمد -ثلاثتهم عن شعبة ، عن أبي حمزة ، عن هلال بن حصن ، عن أبي سعيد . فذكر نحوه بأطول منه .وهذا أيضًا إسناد صحيح .أبو حمزة ; هو البصري"جار شعبة" ، عرف بهذا . واسمه ; عبد الرحمن بن عبد الله المازني" ، ثقة ، مترجم في التهذيب 6 ; 219 .وقد ثبت في ترجمة"هلال بن حصن" -في الكبير ، وابن أبي حاتم ، والثقات ، والتعجيل ، أنه روى عنه أيضًا"أبو حمزة" . وشك في صحة ذلك العلامة الشيخ عبد الرحمن اليماني مصحح التاريخ الكبير ، واستظهر أن يكون صوابه "أبو جمرة" ، يعنى نصر بن عمران الضبعي . ولكن يرفع هذا الشك أنه في المسند أيضًا "أبو حمزة" . لاتفاقه مع ما ثبت في التراجم ." أعوز الرجل فهو معوز" ; ساءت حاله وحل عليه الفقر ."أعنق الرجل إلى الشيء يعنق" ; أسرع إليه إسراعًا .(37) سياق الكلام ; "وفي الخبر... الدلالة الواضحة..."(38) في المخطوطة والمطبوعة في الموضعين ; "إلحافا وغير إلحاف""بالواو ، وانظر التعليق السالف رقم ; 1 ص598 .(39) في المخطوطة والمطبوعة في الموضعين ; "إلحافا وغير إلحاف""بالواو ، وانظر التعليق السالف رقم ; 1 ص598 .(40) "السؤال" جمع سائل ، على زنة""جاهل وجهال" . والسياق ; "بنفي الشره...عنهم" .(41) في المطبوعة ; و "قال ; كان بعض القائلين يقول في ذلك نظير قول القائل" هو كلام شديد الخلل . وفي المخطوطة ; "وقال كاد بعض القائلين يقول ... "وسائره كالذي كان في المطبوعة" وهو أشدّ اختلالا وفسادًا . وصواب العبارة ما استظهرته فأثبته . وهذا الذي حكاه أبو جعفر هو قول الفراء في معاني القرآن 1 ; 181 ، كما سلف في ص ; 598 التعليق ; 1 .(42) في المطبوعة ; "قيل وقال" وهو صواب ، وهما فعلان من قولهم"قيل كذا" و"قال كذا" ، وهو نهى عن القول بما لا يصح و لا يعلم . وأثبت ما في المخطوطة ، وهما مصدران بمعنى الإشارة إلى هذين الفعلين الماضين ، يجعلان حكاية متضمنة للضمير والإعراب ، على إجرائهما مجرى الأسماء خلوين من الضمير ، فيدخل عليهما حرف التعريف لذلك فيقال ; "القيل والقال" .(43) في المخطوطة ; "ذا مال في شهوته" وبين الكلامين بياض ، أما في المطبوعة والدر المنثور 1 ; 363 ، فساقه سياقًا مطردًا ; "ذا مال في شهوته" ، ولكنه لا يستقم مع قوله بعد ; "ويعدله عن حق الله" ، فلذلك وضعت ما بين القوسين استظهارًا حتى يعتدل جانبا هذه العبارة .(44) هذه النقط دلالة على أنه قد سقط من الناسخ كلام لا ندري ما هو ، ففي المخطوطة في إثر الأثر السالف 6231 ، الأثر الآتي ; 6232 "حدثنا يعقوب بن إبراهيم . . . " . وقد تنبه طابع المطبوعة ، فرأي أن الأثر الآتي ، هو من تفسير الآية التي أثبتها وأثبتناها اتباعًا له ، والذي لا شك فيه أنه قد سقط من الكلام في هذا الموضع تفسير بقية الآتية ; "وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم" وشيء قبله ، وشيء بعده ، لم أستطع أن أجد ما يدلني عليه في كتاب آخر ، ولكن سياق الأقوال التي ساقها الطبري دال على هذا الخرم . وهذا دليل آخر على شدة سهو الناسخ في هذا الموضع من الكتاب .
ثم ذكر مصرف النفقات الذين هم أولى الناس بها فوصفهم بست صفات أحدها الفقر، والثاني قوله: { أحصروا في سبيل الله } أي: قصروها على طاعة الله من جهاد وغيره، فهم مستعدون لذلك محبوسون له، الثالث عجزهم عن الأسفار لطلب الرزق فقال: { لا يستطيعون ضربا في الأرض } أي: سفرا للتكسب، الرابع قوله: { يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف } وهذا بيان لصدق صبرهم وحسن تعففهم. الخامس: أنه قال: { تعرفهم بسيماهم } أي: بالعلامة التي ذكرها الله في وصفهم، وهذا لا ينافي قوله: { يحسبهم الجاهل أغنياء } فإن الجاهل بحالهم ليس له فطنة يتفرس بها ما هم عليه، وأما الفطن المتفرس فمجرد ما يراهم يعرفهم بعلامتهم، السادس قوله: { لا يسألون الناس إلحافا } أي: لا يسألونهم سؤال إلحاف، أي: إلحاح، بل إن صدر منهم سؤال إذا احتاجوا لذلك لم يلحوا على من سألوا، فهؤلاء أولى الناس وأحقهم بالصدقات لما وصفهم به من جميل الصفات، وأما النفقة من حيث هي على أي شخص كان، فهي خير وإحسان وبر يثاب عليها صاحبها ويؤجر، فلهذا قال: { وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم }
(للفقراء) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر، والمبتدأ مقدّر تقديره الصدقات ،
(الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ نعت للفقراء
(أحصروا) فعل ماض مبنيّ للمجهول مبنيّ على الضمّ.. والواو نائب فاعلـ (في سبيل) جار ومجرور متعلّق بـ (أحصروا) ،
(الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور
(لا) نافية
(يستطيعون) مضارع مرفوع والواو فاعلـ (ضربا) مفعول به منصوبـ (في الأرض) جارّ ومجرور متعلّق بنعت لـ (ضربا) »
،
(يحسب) مضارع مرفوع و (هم) ضمير متّصل مفعول به أوّلـ (الجاهل) فاعل مرفوع
(أغنياء) مفعول به ثان منصوب ومنع من التنوين لأنه ملحق بالأسماء الممدودة المؤنّثة على وزن أفعلاء
(من التعفّف) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يحسبهم) ، ومن سببيّة ،
(تعرف) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت و (هم) مفعول به
(بسيما) جارّ ومجرور متعلّق بـ (تعرفهم) ، وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على الألف و (هم) مضاف إليه
(لا) نافية
(يسألون) مضارع مرفوع.. والواو فاعلـ (الناس) مفعول به أوّل منصوب، والمفعول الثاني مقدّر أي أموالا أو صدقة
(إلحافا) مصدر في موضع الحال ،
(الواو) استئنافيّة
(ما تنفقوا من خير) مرّ إعرابها ،
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(إنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد
(الله) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوبـ (الباء) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (عليم) خبر أنّ مرفوع.-
جملة:
(الصدقات) للفقراء لا محلّ لها استئنافيّة.وجملة: «أحصروا» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) وجملة: «لا يستطيعون» في محلّ نصب حال من فاعل أحصرواوجملة: «يحسبهم الجاهل..» في محلّ نصب حال من فاعل أحصروا وجملة: «تعرفهم..» في محلّ نصب حال من فاعل أحصروا وجملة: «لا يسألون الناس ... » في محلّ نصب حال من فاعل أحصروا وجملة: «ما تنفقوا من خير» لا محلّ لها استئنافيّةوجملة: «إنّ الله به عليم» في محلّ جزم جواب الشرط الجازم مقترنة بالفاء
- القرآن الكريم - البقرة٢ :٢٧٣
Al-Baqarah2:273