الرسم العثمانييَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكٰرٰى وَمَا هُم بِسُكٰرٰى وَلٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
الـرسـم الإمـلائـييَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّاۤ اَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكٰرٰى وَمَا هُمۡ بِسُكٰرٰى وَلٰـكِنَّ عَذَابَ اللّٰهِ شَدِيۡدٌ
تفسير ميسر:
يوم ترون قيام الساعة تنسى الوالدةُ رضيعَها الذي ألقمته ثديها؛ لِمَا نزل بها من الكرب، وتُسْقط الحامل حملها من الرعب، وتغيب عقول للناس، فهم كالسكارى من شدة الهول والفزع، وليسوا بسكارى من الخمر، ولكن شدة العذاب أفقدتهم عقولهم وإدراكهم.
ثم قال تعالى " يوم ترونها " هذا من باب ضمير الشأن ولهذا قال مفسرا له " تذهل كل مرضعة عما أرضعت " أي فتشتغل لهول ما ترى عن أحب الناس إليها والتي هي أشفق الناس عليه تدهش عنه في حال إرضاعها له ولهذا قال " كل مرضعة " ولم يقل مرضع وقال " عما أرضعت " أي عن رضيعها فطامه وقوله " وتضع كل ذات حمل حملها " أي قبل تمامه لشدة الهول " وترى الناس سكارى " وقرئ "سكرى" أي من شدة الأمر الذي قد صاروا فيه قد دهشت عقولهم وغابت أذهانهم فمن رآهم حسب أنهم سكارى " وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ".
قوله تعالى ; يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديدقوله تعالى ; يوم ترونها الهاء في ( ترونها ) عائدة عند الجمهور على الزلزلة ؛ ويقوي هذا تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها والرضاع والحمل إنما هو في الدنيا . وقالت فرقة ; الزلزلة في يوم القيامة ؛ واحتجوا بحديث عمران بن حصين الذي ذكرناه ، وفيه ; أتدرون أي يوم ذلك . . . الحديث . وهو الذي يقتضيه سياق مسلم في حديث أبي سعيد الخدري .قوله ; ( تذهل ) أي تشتغل ؛ قاله قطرب . وأنشد ;ضربا يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليلهوقيل ; تنسى . وقيل ; تلهو ؛ وقيل ; تسلو ؛ والمعنى متقارب . عما أرضعت قال المبرد ; ( ما ) بمعنى المصدر ؛ أي تذهل عن الإرضاع . قال ; وهذا يدل على أن هذه الزلزلة في الدنيا ؛ إذ ليس بعد البعث حمل وإرضاع . إلا أن يقال ; ما ماتت حاملا تبعث حاملا فتضع حملها للهول . ومن ماتت مرضعة بعثت كذلك . ويقال ; هذا كما قال الله - عز وجل - ; يوما يجعل الولدان شيبا . وقيل ; تكون مع النفخة الأولى . وقيل ; تكون مع قيام الساعة ، حتى يتحرك الناس من قبورهم في النفخة الثانية . ويحتمل أن تكون الزلزلة في الآية عبارة عن أهوال يوم القيامة ؛ كما قال تعالى ; مستهم البأساء والضراء وزلزلوا . وكما قال ; عليه السلام - ; اللهم اهزمهم وزلزلهم . وفائدة ذكر هول ذلك اليوم التحريض على التأهب له ، والاستعداد بالعمل الصالح . وتسمية الزلزلة ب شيء إما لأنها حاصلة متيقن وقوعها ، فيستسهل لذلك أن تسمى شيئا وهي معدومة ؛ إذ اليقين يشبه الموجودات . وإما على المآل ؛ أي هي إذا وقعت شيء عظيم . وكأنه لم يطلق الاسم الآن ، بل المعنى أنها إذا كانت فهي إذا شيء عظيم ، [ ص; 7 ] ولذلك تذهل المراضع وتسكر الناس ؛ كما قال ; وترى الناس سكارى أي من هولها ومما يدركهم من الخوف والفزع . ( وما هم بسكارى ) من الخمر . وقال أهل المعاني ; وترى الناس كأنهم سكارى . يدل عليه قراءة أبي زرعة هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله ( وترى الناس ) بضم التاء ؛ أي تظن ويخيل إليك . وقرأ حمزة ، والكسائي ، ( سكرى ) بغير ألف . الباقون ( سكارى ) وهما لغتان لجمع سكران ؛ مثل كسلى وكسالى . والزلزلة ; التحريك العنيف . والذهول . الغفلة عن الشيء بطروء ما يشغل عنه من هم أو وجع أو غيره . قال ابن زيد ; المعنى تترك ولدها للكرب الذي نزل بها .
كما حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله ( يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ) قال; تترك ولدها للكرب الذي نـزل بها.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن أبي بكر، عن الحسن ( تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ) قال; ذهلت عن أولادها بغير فطام ( وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ) قال; ألقت الحوامل ما في بطونها لغير تمام، ( وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ) يقول; وتسقط كل حامل من شدة كرب ذلك حملها.وقوله ( وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى ) قرأت قرّاء الأمصار ( وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى) على وجه الخطاب للواحد، كأنه قال; وترى يا محمد الناس حينئذ سُكارى وما هم بسُكارى. وقد رُوي عن أبي زُرْعة بن عمرو بن جرير (وَتُرَى النَّاسَ) بضم التاء ونصب الناس، من قول القائل; أرِيْت تُرى، التي تطلب الاسم والفعل (7) ، كظنّ وأخواتها.والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار، لإجماع الحجة من القرّاء.واختلف القرّاء في قراءة قوله ( سُكارَى ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة ( سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ) . وقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة ( وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى ومَا هُمْ بِسَكْرَى) .والصواب من القول في ذلك عندنا، أنهما قراءتان مستفيضتان في قَرأة الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب، ومعنى الكلام; وترى الناس يا محمد من عظيم ما نـزل بهم من الكرب وشدّته سُكارى من الفزع وما هم بسكارى من شرب الخمر.وبنحو الذي قلنا في ذلك ; قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك; حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن أبي بكر، عن الحسن ( وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى ) من الخوف ( وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ) من الشراب.قال ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله ( وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ) قال; ما هُم بسكارى من الشراب، ( وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) .حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله ( وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ) قال; ما شربوا خمرا يقول تعالى ذكره; ( وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) يقول تعالى ذكره ; ولكنهم صاروا سكارى من خوف عذاب الله عند معاينتهم ما عاينوا من كرب ذلك وعظيم هوله، مع علمهم بشدة عذاب الله.----------------------------------الهوامش ;(7) لعل الصواب ; الاسم والخبر . لأن ظن ورأى وأعلم تدخل على الجملة الاسمية من المبتدأ والخبر .
{ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ } مع أنها مجبولة على شدة محبتها لولدها، خصوصا في هذه الحال، التي لا يعيش إلا بها. { وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا } من شدة الفزع والهول، { وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى } أي: تحسبهم -أيها الرائي لهم- سكارى من الخمر، وليسوا سكارى. { وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } فلذلك أذهب عقولهم، وفرغ قلوبهم، وملأها من الفزع، وبلغت القلوب الحناجر، وشخصت الأبصار، وفي ذلك اليوم، لا يجزي والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا. ويومئذ { يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } وهناك { يعض الظالم على يديه، يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا } وتسود حينئذ وجوه وتبيض وجوه، وتنصب الموازين، التي يوزن بها مثاقيل الذر، من الخير والشر، وتنشر صحائف الأعمال وما فيها من جميع الأعمال والأقوال والنيات، من صغير وكبير، وينصب الصراط على متن جهنم، وتزلف الجنة للمتقين، وبرزت الجحيم للغاوين. { إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا* وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا } ويقال لهم: { لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا } وإذا نادوا ربهم ليخرجهم منها، قال: { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } قد غضب عليهم الرب الرحيم، وحضرهم العذاب الأليم، وأيسوا من كل خير، ووجدوا أعمالهم كلها، لم يفقدوا منها نقيرا ولا قطميرا. هذا، والمتقون في روضات الجنات يحبرون، وفي أنواع اللذات يتفكهون، وفيما اشتهت أنفسهم خالدون، فحقيق بالعاقل الذي يعرف أن كل هذا أمامه، أن يعد له عدته، وأن لا يلهيه الأمل، فيترك العمل، وأن تكون تقوى الله شعاره، وخوفه دثاره، ومحبة الله، وذكره، روح أعماله.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - الحج٢٢ :٢
Al-Hajj22:2