الرسم العثمانيفَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ۙ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ۖ وَلَا تُخٰطِبْنِى فِى الَّذِينَ ظَلَمُوٓا ۖ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ
الـرسـم الإمـلائـيفَاَوۡحَيۡنَاۤ اِلَيۡهِ اَنِ اصۡنَعِ الۡفُلۡكَ بِاَعۡيُنِنَا وَ وَحۡيِنَا فَاِذَا جَآءَ اَمۡرُنَا وَفَارَ التَّـنُّوۡرُۙ فَاسۡلُكۡ فِيۡهَا مِنۡ كُلٍّ زَوۡجَيۡنِ اثۡنَيۡنِ وَاَهۡلَكَ اِلَّا مَنۡ سَبَقَ عَلَيۡهِ الۡقَوۡلُ مِنۡهُمۡۚ وَلَا تُخَاطِبۡنِىۡ فِى الَّذِيۡنَ ظَلَمُوۡاۚ اِنَّهُمۡ مُّغۡرَقُوۡنَ
تفسير ميسر:
فأوحينا إليه أن اصنع السفينة بمرأى منا وبأمرنا لك ومعونتنا، وأنت في حفظنا وكلاءتنا، فإذا جاء أمرنا بعذاب قومك بالغرق، وبدأ الطوفان، فنبع الماء بقوة من التنور -وهو المكان الذي يخبز فيه- علامة على مجيء العذاب، فأدخِلْ في السفينة من كل الأحياء ذكرًا وأنثى؛ ليبقى النسل، وأدخل أهلك إلا مَنِ استحق العذاب لكفره كزوجتك وابنك، ولا تسألني نجاة قومك الظالمين، فإنهم مغرقون لا محالة. وفي هذه الآية إثبات صفة العين لله سبحانه بما يليق به تعالى دون تشبيه ولا تكييف.
فعند ذلك أمره الله تعالى بصنعة السفينة وإحكامها وإتقانها وأن يحمل فيها من كل زوجين اثنين أي ذكرا وأنثى من كل صنف من الحيوانات والنباتات والثمار وغير ذلك وأن يحمل فيها أهله " إلا من سبق عليه القول منهم " أي من سبق عليه القول من الله بالهلاك وهم الذين لم يؤمنوا به من أهله كابنه وزوجته والله أعلم.وقوله " ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون " أي عند معاينة إنزال المطر العظيم لا تأخذنك رأفة بقومك وشفقة عليهم وطمع في تأخيرهم لعلهم يؤمنون فإني قد قضيت أنهم مغرقون على ما هم عليه من الكفر والطغيان وقد تقدمت القصة مبسوطة في سورة هود بما يغني عن إعادة ذلك ههنا.
فأوحينا إليه أي أرسلنا إليه رسلا من السماء أن اصنع الفلك على ما تقدم بيانه .قوله تعالى ; فاسلك فيها أي أدخل فيها واجعل فيها ؛ يقال ; سلكته في كذا وأسلكته فيه إذا أدخلته . قال عبد مناف بن ربع الهذلي ;حتى إذا أسلكوهم في قتائدة شلا كما تطرد الجمالة الشردامن كل زوجين اثنين قرأ حفص من كل بالتنوين ، الباقون بالإضافة ؛ وقد ذكر . وقال الحسن ; لم يحمل نوح في السفينة إلا ما يلد ويبيض ، فأما البق ، والذباب ، والدود فلم يحمل شيئا منها ، وإنما خرج من الطين . وقد مضى القول في السفينة والكلام فيها مستوفى ، والحمد لله .
وقوله; ( فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنِا وَوَحْيِنَا) يقول; فقلنا له حين استنصرنَا على كَفَرة قومه; اصنع الفلك، وهي السفينة؛ بأعيننا ، يقول; بمرأى منا، ومنظر، ووحينا ، يقول; وبتعليمنا إياك صنعتها، ( فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا ) يقول; فإذا جاء قضاؤنا في قومك، بعذابهم وهلاكهم ( وَفَارَ التَّنُّورُ ) .وقد ذكرنا فيما مضى اختلاف المختلفين في صفة فور التنور. والصواب عندنا من القول فيه بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.( فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ) يقول; فادخل في الفلك واحمل. والهاء والألف في قوله; ( فِيهَا ) من ذكر الفلك ( مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ )يقال ; سلكته في كذا، وأسلكته فيه، ومن سلكته قول الشاعر;وكُـنْتُ لِـزَازَ خَـصْمِكَ لَـمْ أُعَـرّدْوَقَــدْ سَـلَكُوكَ فِـي يَـوْمٍ عَصِيـبِ (3)وبعضهم يقول; أسلكت بالألف، ومنه قول الهُذَلي.حــتى إذَا أَسْــلَكُوهُمْ فِـي قُتـائِدَةٍشَـلا كمَـا تَطْـرُدُ الجَمَّالَـةُ الشُّـردَا (4)وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله; ( فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ) يقول لنوح; اجعل في السفينة من كل زوجين اثنين ( وَأَهْلَكَ ) وهم ولده ونساؤهم ( إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ) من الله بأنه هالك، فيمن يهلك من قومك ، فلا تحمله معك، وهو يام الذي غرق.ويعني بقوله; ( مِنْهُمْ ) من أهلك، والهاء والميم في قوله ( منهم ) من ذكر الأهل.وقوله; ( وَلا تُخَاطِبْنِي ) الآية، يقول; ولا تسألني في الذين كفروا بالله أن أنجيهم.( إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ) يقول; فإني قد حتمت عليهم أن أغرق جميعهم.------------------------الهوامش ;(3) البيت لعدي بن زيد العبادي (انظر شرحنا له في ص 82 من الجزء الثاني عشر من هذا التفسير ، وقد استشهد به المؤلف هناك عند قوله تعالى { وقال هذا يوم عصيب) أي شديد واستشهد به هنا على أنه يقال ; سلكته في كذا بمعنى أدخلته فيه وأسلكته فيه ، والبيت شاهد على الأول . قال في اللسان ( اللسان ; سلك) والسلك ، بالفتح ; مصدر سلكت الشيء في الشيء ، فانسلك أي أدخلته فيه فدخل . قال عدي بن زيد ; " وكنت لزاز ....." كما استشهد به المؤلف مرة أخرى في ( 14 ; 9) من هذه الطبعة عند قوله تعالى ; {كذلك نسلكه في قلوب المجرمين} فراجعه ثمة.(4) البيت لعبد مناف بن ربع الهذلي ( اللسان; سلك) . قال; وسلك المكان يسلكه سلكًا وسلوكًا ، وسلكه غيره ( بنصب غير ) وفيه ، وأسلكه إياه ، وفيه ، وعليه ( بمعنى أدخله فيه ) قال عبد مناف بن ربع الهذلي ; " حتى إذا أسلكوهم ... البيت " . وقد سبق استشهاد المؤلف بالبيت في ص 9 من الجزء الرابع عشر من هذه الطبعة ) عند قوله تعالى ; { كذلك نسلكه في قلوب المجرمين } فراجعه ثمة .
{ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ } عند استجابتنا له، سببا ووسيلة للنجاة، قبل وقوع أسبابه، { أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ } أي: السفينة { بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } أي: بأمرنا لك ومعونتنا، وأنت في حفظنا وكلاءتنا بحيث نراك ونسمعك. { فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا } بإرسال الطوفان الذي عذبوا به { وَفَارَ التَّنُّورُ } أي: فارت الأرض، وتفجرت عيونا، حتى محل النار، الذي لم تجر العادة إلا ببعده عن الماء، { فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } أي: أدخل في الفلك من كل جنس من الحيوانات، ذكرا وأنثى، تبقى مادة النسل لسائر الحيوانات، التي اقتضت الحكمة الربانية إيجادها في الأرض، { وَأَهْلَكَ } أي: أدخلهم { إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ } كابنه، { وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا } أي: لا تدعني أن أنجيهم، فإن القضاء والقدر، قد حتم أنهم مغرقون.
(الفاء) عاطفة
(إليه) متعلّق بـ (أوحينا) ،
(أن) تفسيريّة
(بأعيننا) متعلّق بحال من فاعل اصنع و (الباء) للملابسة، و (الفاء) في(فاسلك) رابطة لجواب الشرط
(فيها) متعلّق بـ (اسلك) بتضمينه معنى أدخلـ (من كلّ) متعلّق بـ (اسلك) ،
(اثنين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء
(إلّا) للاستثناء
(من) موصول في محلّ نصب مستثنى بإلّا
(عليه) متعلّق بـ (سبق) ،
(منهم) حال من الضمير في(عليه) ،
(لا) ناهية جازمة
(في الذين) متعلّق بـ (تخاطبني) بحذف مضاف أي في أمر الذين..
جملة: «أوحينا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة قال .
وجملة: «اصنع ... » لا محلّ لها تفسيريّة.
وجملة: «جاء أمرنا ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «فار التنّور ... » في محلّ جرّ معطوفة على جملة جاء أمرنا.
وجملة: «اسلك ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «سبق عليه القول» لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) .
وجملة: «لا تخاطبني ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب الشرط.
وجملة: «ظلموا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .وجملة: «إنّهم مغرقون» لا محلّ لها تعليليّة.
- القرآن الكريم - المؤمنون٢٣ :٢٧
Al-Mu'minun23:27