الرسم العثمانيفَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَآ أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتّٰى يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ۖ هُوَ أَزْكٰى لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
الـرسـم الإمـلائـيفَاِنۡ لَّمۡ تَجِدُوۡا فِيۡهَاۤ اَحَدًا فَلَا تَدۡخُلُوۡهَا حَتّٰى يُؤۡذَنَ لَـكُمۡۚ وَاِنۡ قِيۡلَ لَـكُمُ ارۡجِعُوۡا فَارۡجِعُوۡاۚ هُوَ اَزۡكٰى لَـكُمۡؕ وَاللّٰهُ بِمَا تَعۡمَلُوۡنَ عَلِيۡمٌ
تفسير ميسر:
فإن لم تجدوا في بيوت الآخرين أحدًا فلا تدخلوها حتى يوجد مَن يأذن لكم، فإن لم يأذن، بل قال لكم; ارجعوا فارجعوا، ولا تُلحُّوا، فإن الرجوع عندئذ أطهر لكم؛ لأن للإنسان أحوالا يكره اطلاع أحد عليها. والله بما تعملون عليم، فيجازي كل عامل بعمله.
وذلك لما فيه من التصرف في ملك الغير بغير إذنه فإن شاء أذن وإن شاء لم يأذن " وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم " أي إذا ردوكم من الباب قبل الإذن أو بعده "فارجعوا هو أزكى لكم" أي رجوعكم أزكى لكم وأطهر "والله بما تعلمون عليم" وقال قتادة; قال بعض المهاجرين لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي ارجع فأرجع وأنا مغتبط "وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم" وقال سعيد بن جبير في الآية; أى لا تقفوا على أبواب الناس.
قوله تعالى ; فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليمفيه أربع مسائل ; الأولى ; قوله تعالى ; فإن لم تجدوا فيها أحدا الضمير في تجدوا فيها للبيوت التي هي بيوت الغير . وحكى الطبري ، عن مجاهد أنه قال ; معنى قوله ; فإن لم تجدوا فيها أحدا أي لم يكن لكم فيها متاع . وضعف الطبري هذا التأويل ، وكذلك هو في غاية الضعف ؛ وكأن مجاهدا رأى أن البيوت غير المسكونة إنما تدخل دون إذن إذا كان للداخل فيها متاع . ورأى لفظة ( المتاع ) متاع البيت ، الذي هو البسط والثياب ؛ وهذا كله ضعيف . والصحيح أن هذه الآية مرتبطة بما قبلها والأحاديث ؛ التقدير ; يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا ، فإن أذن لكم فادخلوا وإلا فارجعوا ؛ كما فعل - عليه السلام - مع سعد ، وأبو موسى مع عمر - رضي الله عنهما - . فإن لم تجدوا فيها أحدا يأذن لكم فلا تدخلوها حتى تجدوا إذنا . وأسند الطبري ، عن قتادة قال ; قال رجل من المهاجرين ; لقد طلبت عمري هذه الآية فما أدركتها أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي ارجع فأرجع وأنا مغتبط ؛ لقوله تعالى ; هو أزكى لكم .الثانية ; سواء كان الباب مغلقا أو مفتوحا ؛ لأن الشرع قد أغلقه بالتحريم للدخول حتى يفتحه الإذن من ربه ، بل يجب عليه أن يأتي الباب ويحاول الإذن على صفة لا يطلع منه على البيت لا في إقباله ولا في انقلابه . فقد روى علماؤنا عن عمر بن الخطاب أنه قال ; ( من ملأ عينيه من قاعة بيت فقد فسق ) وروي في الصحيح عن سهل بن سعد أن رجلا اطلع في جحر في باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدرى يرجل به رأسه ؛ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك إنما جعل الله الإذن من أجل البصر . وروي عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ; لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح .[ ص; 204 ] الثالثة ; إذا ثبت أن الإذن شرط في دخول المنزل فإنه يجوز من الصغير والكبير . وقد كان أنس بن مالك دون البلوغ يستأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك الصحابة مع أبنائهم وغلمانهم - رضي الله عنهم - . وسيأتي لهذا مزيد بيان في آخر السورة إن شاء الله تعالى .الرابعة ; والله بما تعملون عليم توعد لأهل التجسس على البيوت ، وطلب الدخول على غفلة للمعاصي ، والنظر إلى ما لا يحل ولا يجوز ، ولغيرهم ممن يقع في محظور .
يقول تعالى ذكره; فإن لم تجدوا في البيوت التي تستأذنون فيها أحدا، يأذن لكم بالدخول إليها، فلا تدخلوها، لأنها ليست لكم، فلا يحلّ لكم دخولها إلا بإذن أربابها، فإن أذن لكم أربابها أن تدخلوها فادخلوها( وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ) يقول; وإن قال لكم أهل البيوت التي تستأذنون فيها; ارجعوا فلا تدخلوها، وارجعوا عنها ولا تدخلوها;( هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ) يقول; رجوعكم عنها إذا قيل لكم ارجعوا، ولم يؤذن لكم بالدخول فيها، أطهر لكم عند الله. وقوله; ( هُوَ ) كناية من اسم الفعل (1) أعني من قوله; ( فارْجِعُوا ). وقوله; ( وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) يقول جلّ ثناؤه; والله بما تعملون من رجوعكم بعد استئذانكم في بيوت غيركم إذا قيل لكم ارجعوا، وترك رجوعكم عنها وطاعتكم الله فيما أمركم ونهاكم في ذلك وغيره من أمره ونهيه- ذو علم محيط بذلك كله، محص جميعه عليكم، حتى يجازيكم على جميع ذلك.وكان مجاهد يقول في تأويل ذلك ما حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا ) قال; إن لم يكن لكم فيها متاع، فلا تدخلوها إلا بإذن ( وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ).حدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.قال; ثنا الحسن، قال; ثنا هاشم بن القاسم المزني، عن قَتادة، قال; قال رجل من المهاجرين; لقد طلبت عمري كله هذه الآية، فما أدركتها، أن أستأذن على بعض إخواني، فيقول لي ارجع، فأرجع وأنا مغتبط، لقوله ( وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ )وهذا القول الذي قاله مجاهد في تأويل قوله; ( فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا ) بمعنى; إن لم يكن لكم فيها متاع، قول بعيد من مفهوم كلام العرب; لأن العرب لا تكاد تقول; ليس بمكان كذا أحد، إلا وهي تعني ليس بها أحد من بني آدم.وأما الأمتعة وسائر الأشياء غير بني آدم، ومن كان سبيله سبيلهم، فلا تقول ذلك فيها.------------------------الهوامش;(1) يريد باسم الفعل ; المصدر ؛ لأنه اسم الحدث ، ولا يريد ما اصطلح النحاة علي تسميته اسم فعل كصه وأف.
أي: فلا تمتنعوا من الرجوع، ولا تغضبوا منه، فإن صاحب المنزل، لم يمنعكم حقا واجبا لكم، وإنما هو متبرع، فإن شاء أذن أو منع، فأنتم لا يأخذ أحدكم الكبر والاشمئزاز من هذه الحال، { هُوَ أَزْكَى لَكُمْ } أي: أشد لتطهيركم من السيئات، وتنميتكم بالحسنات. { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } فيجازي كل عامل بعمله، من كثرة وقلة، وحسن وعدمه، هذا الحكم في البيوت المسكونة، سواء كان فيها متاع للإنسان أم لا، وفي البيوت غير المسكونة، التي لا متاع فيها للإنسان، وأما البيوت التي ليس فيها أهلها، وفيها متاع الإنسان المحتاج للدخول إليه، وليس فيها أحد يتمكن من استئذانه، وذلك كبيوت الكراء وغيرها
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - النور٢٤ :٢٨
An-Nur24:28