الرسم العثمانيقُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰرِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذٰلِكَ أَزْكٰى لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا يَصْنَعُونَ
الـرسـم الإمـلائـيقُلْ لِّـلۡمُؤۡمِنِيۡنَ يَغُـضُّوۡا مِنۡ اَبۡصَارِهِمۡ وَيَحۡفَظُوۡا فُرُوۡجَهُمۡ ؕ ذٰ لِكَ اَزۡكٰى لَهُمۡ ؕ اِنَّ اللّٰهَ خَبِيۡرٌۢ بِمَا يَصۡنَـعُوۡنَ
تفسير ميسر:
قل - أيها النبي - للمؤمنين يَغُضُّوا مِن أبصارهم عمَّا لا يحلُّ لهم من النساء والعورات، ويحفظوا فروجهم عمَّا حَرَّم الله من الزنى واللواط، وكشف العورات، ونحو ذلك، ذلك أطهر لهم. إن الله خبير بما يصنعون فيما يأمرهم به وينهاهم عنه.
هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعا كما رواه مسلم في صحيحه من حديث يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جده جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال; سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري. وكذا رواه الامام أحمد عن هشيم عن يونس بن عبيد به ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديثه أيضا وقال الترمذي حسن صحيح وفي رواية لبعضهم فقال "أطرق بصرك" يعنى انظر إلى الأرض والصرف أعم فإنه قد يكون إلى الأرض وإلى جهة أخرى والله أعلم. وقال أبو داود حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري حدثنا شريك عن أبي ربيعة الأيادي عن عبدالله بن بريدة عن أبيه قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى "يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليس لك الآخرة" ورواه الترمذي من حديث شريك وقال; غريب لا نعرفه إلا من حديثه وفي الصحيح عن أبي سعيد قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم; "إياكم والجلوس على الطرقات" قالوا يا رسول الله لا بد لنا من مجالسنا نتحدث فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه". قالوا وما حق الطريق يا رسول الله؟ - قال; "غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وقال أبو القاسم البغوي حدثنا طالوت بن عباد حدثنا فضيل بن حسين سمعت أبا أمامة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول; "اكفلوا لي بست أكفل لكم بالجنة إذا حدث أحدكم فلا يكذب وإذا أؤتمن فلا يخن وإذا وعد فلا يخلف وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم واحفظوا فروجكم". وفي صحيح البخاري "من يكفل لي ما بين لحييه وما بين رجليه أكفل له الجنة" وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة قال; كل ما عصي الله به فهو كبيرة وقد ذكر الطرفين فقال "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم" ولما كان النظر داعية إلى فساد القلب كما قال بعض السلف; النظر سهم سم إلى القلب. ولذلك أمر الله بحفظ الفروج كما أمر بحفظ الأبصار التي هي بواعث إلى ذلك فقال تعالي " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم" وحفظ الفرج تارة يكون بمنعه من الزنا كما قال تعالى "والذين هم لفروجهم حافظون" الآية وتارة يكون بحفظه من النظر إليه كما جاء في الحديث في مسند أحمد والسنن "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" "ذلك أزكى لهم" أي أطهر لقلوبهم واتقى لدينهم كما قيل من حفظ بصره أورثه الله نورا في بصيرته ويروي فى قلبه. وروى الإمام أحمد حدثنا عتاب حدثنا عبدالله بن المبارك أخبرنا يحيي بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن على بن زيد عن القاسم عن أبي أمامة " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال; "ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة ثم يغض بصره إلا أخلف الله له عبادة يجد حلاوتها" وروي هذا مرفوعا عن ابن عمر وحذيفة وعائشة رضي الله عنهم ولكن في أسانيدها ضعف إلا أنها في الترغيب ومثله يتسامح فيه وفي الطبراني من طريق عبيد الله بن يزيد عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا "لتغضن أبصاركم ولتحفظن فروجكم ولتقيمن وجوهكم أو لتكسفن وجوهكم" وقال الطبراني; حدثنا أحمد بن زهير التستري قال; قرأنا على محمد بن حفص بن عمر الضرير المقري حدثنا يحيي بن أبي بكير حدثنا هريم بن سفيان عن عبدالرحمن بن إسحاق عن القاسم بن عبدالرحمن عن أبيه عن عبدالله بن مسعود " قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن النظر سهم من سهام إبليس مسموم من تركها مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوتها في قلبه" وقوله تعالى "إن الله خبير بما يصنعون" كما قال تعالى "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" وفى الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم; "كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق وزنا الأذنين الاستماع وزنا اليدين البطش وزنا الرجلين الخطى والنفس تمني وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" رواه البخاري تعليقا ومسلم مسندا من وجه آخر بنحو ما ذكر. وقد قال كثير من السلف إنهم كانوا ينهون أن يحد الرجل نظره إلى الأمرد وقد شدد كثير من أئمة الصوفية في ذلك وحرمه طائفة من أهل العلم لما فيه من الافتتان وشدد آخرون في ذلك كثيرا جدا. وقال ابن أبي الدنيا حدثنا أبو سعيد المدني حدثنا عمر بن سهل المازني حدثني عمر بن محمد بن صهبان عن صفوان بن سليم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم; "كل عين باكية يوم القيامة إلا عينا غضت عن محارم الله وعينا سهرت فى سبيل الله وعينا يخرج منها مثل رأس الذباب من خشية الله عز وجل".
قوله تعالى ; قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعونفيه سبع مسائل ; الأولى ; قوله تعالى ; قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم وصل تعالى بذكر الستر ما يتعلق به من أمر النظر ؛ يقال ; غض بصره يغضه غضا ؛ قال الشاعر ;فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلاباوقال عنترة ;وأغض طرفي ما بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواهاولم يذكر الله تعالى ما يغض البصر عنه ويحفظ الفرج ، غير أن ذلك معلوم بالعادة ، وأن المراد منه المحرم دون المحلل . وفي البخاري ; ( وقال سعيد بن أبي الحسن للحسن إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورءوسهن ؟ قال ; اصرف بصرك ؛ يقول الله تعالى ; قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم وقال قتادة ; عما لا يحل لهم ؛ وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن خائنة الأعين من النظر إلى ما نهي عنه .الثانية ; قوله تعالى ; من أبصارهم من زائدة ؛ كقوله ; فما منكم من أحد عنه حاجزين . وقيل ; من للتبعيض ؛ لأن من النظر ما يباح . وقيل ; الغض النقصان ؛ [ ص; 206 ] يقال ; غض فلان من فلان أي وضع منه ؛ فالبصر إذا لم يمكن من عمله فهو موضوع منه ومنقوص . ف ( من ) صلة للغض ، وليست للتبعيض ولا للزيادة .الثالثة ; البصر هو الباب الأكبر إلى القلب ، وأعمر طرق الحواس إليه ، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته . ووجب التحذير منه ، وغضه واجب عن جميع المحرمات ، وكل ما يخشى الفتنة من أجله ؛ وقد قال ; صلى الله عليه وسلم - ; إياكم والجلوس على الطرقات فقالوا ; يا رسول الله ، ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها . فقال ; فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه قالوا ; وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال ; غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر . رواه أبو سعيد الخدري ، خرجه البخاري ، ومسلم . وقال ; صلى الله عليه وسلم - لعلي ; لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية . وروى الأوزاعي قال ; حدثني هارون بن رئاب أن غزوان ، وأبا موسى الأشعري كانا في بعض مغازيهم ، فكشفت جارية فنظر إليها غزوان ، فرفع يده فلطم عينه حتى نفرت ، فقال ; إنك للحاظة إلى ما يضرك ولا ينفعك ؛ فلقي أبا موسى فسأله فقال ; ظلمت عينك ، فاستغفر الله وتب ، فإن لها أول نظرة وعليها ما كان بعد ذلك . قال الأوزاعي ; وكان غزوان ملك نفسه فلم يضحك حتى مات - رضي الله عنه - . وفي صحيح مسلم ، عن جرير بن عبد الله قال ; سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظرة الفجاءة ؛ فأمرني أن أصرف بصري . وهذا يقوي قول من يقول ; إن من للتبعيض ؛ لأن النظرة الأولى لا تملك فلا تدخل تحت خطاب تكليف ، إذ وقوعها لا يتأتى أن يكون مقصودا ، فلا تكون مكتسبة فلا يكون مكلفا بها ؛ فوجب التبعيض لذلك ، ولم يقل ذلك في الفرج ؛ لأنها تملك . ولقد كره الشعبي أن يديم الرجل النظر إلى ابنته أو أمه أو أخته ؛ وزمانه خير من زماننا هذا وحرام على الرجل أن ينظر إلى ذات محرمة نظر شهوة يرددها .الرابعة ; قوله تعالى ; ويحفظوا فروجهم أي يستروها عن أن يراها من لا يحل .[ ص; 207 ] وقيل ; ويحفظوا فروجهم أي عن الزنا ؛ وعلى هذا القول لو قال ; ( من فروجهم ) لجاز . والصحيح أن الجميع مراد واللفظ عام . وروى بهز بن حكيم بن معاوية القشيري ، عن أبيه ، عن جده قال ; قلت يا رسول الله ، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال ; احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك . قال ; الرجل يكون مع الرجل ؟ قال ; إن استطعت ألا يراها فافعل . قلت ; فالرجل يكون خاليا ؟ فقال ; الله أحق أن يستحيا منه من الناس . وقد ذكرت عائشة - رضي الله عنها - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحالها معه فقالت ; ما رأيت ذلك منه ، ولا رأى ذلك مني .الخامسة ; بهذه الآية حرم العلماء نصا دخول الحمام بغير مئزر . وقد روي عن ابن عمر أنه قال ; أطيب ما أنفق الرجل درهم يعطيه للحمام في خلوة . وصح عن ابن عباس أنه دخل الحمام وهو محرم بالجحفة . فدخوله جائز للرجال بالمآزر ، وكذلك النساء للضرورة كغسلهن من الحيض ، أو النفاس ، أو مرض يلحقهن ؛ والأولى بهن والأفضل لهن غسلهن إن أمكن ذلك في بيوتهن ، فقد روى أحمد بن منيع ، حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا زبان ، عن سهل بن معاذ ، عن أبيه ، عن أم الدرداء أنه سمعها تقول ; لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد خرجت من الحمام فقال ; من أين يا أم الدرداء ؟ فقالت من الحمام ؛ فقال ; والذي نفسي بيده ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن - عز وجل - . وخرج أبو بكر البزار ، عن طاوس ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال ; قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; احذروا بيتا يقال له الحمام . قالوا ; يا رسول الله ، ينقي الوسخ ؟ قال ; فاستتروا . قال أبو محمد عبد الحق ; هذا أصح إسناد حديث في هذا الباب ؛ على أن الناس [ ص; 208 ] يرسلونه عن طاوس ، وأما ما خرجه أبو داود في هذا من الحظر والإباحة فلا يصح منه شيء لضعف الأسانيد ، وكذلك ما خرجه الترمذي .قلت ; أما دخول الحمام في هذه الأزمان فحرام على أهل الفضل والدين ؛ لغلبة الجهل على الناس واستسهالهم إذا توسطوا الحمام رمي مآزرهم ، حتى يرى الرجل البهي ذو الشيبة قائما منتصبا وسط الحمام وخارجه باديا عن عورته ضاما بين فخذيه ولا أحد يغير عليه . هذا أمر بين الرجال فكيف من النساء ! لا سيما بالديار المصرية إذ حماماتهم خالية عن المظاهر التي هي من أعين الناس سواتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .السادسة ; قال العلماء ; فإن استتر فليدخل بعشرة شروط ;الأول ; ألا يدخل إلا بنية التداوي أو بنية التطهير عن الرحضاء .الثاني ; أن يعتمد أوقات الخلوة أو قلة الناس .الثالث ; أن يستر عورته بإزار صفيق .الرابع ; أن يكون نظره إلى الأرض أو يستقبل الحائط لئلا يقع بصره على محظور .الخامس ; أن يغير ما يرى من منكر برفق ، يقول ; استتر سترك الله ! .السادس ; إن دلكه أحد لا يمكنه من عورته ، من سرته إلى ركبته إلا امرأته أو جاريته .وقد اختلف في الفخذين هل هما عورة أم لا ؟ .السابع ; أن يدخله بأجرة معلومة بشرط أو بعادة الناس .الثامن ; أن يصب الماء على قدر الحاجة .التاسع ; إن لم يقدر على دخوله وحده اتفق مع قوم يحفظون أديانهم على كرائه .العاشر ; أن يتذكر به جهنم . فإن لم يمكنه ذلك كله فليستتر وليجتهد في غض البصر .ذكر الترمذي أبو عبد الله في نوادر الأصول من حديث طاوس ، عن عبد الله بن عباس قال ; قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; اتقوا بيتا يقال له الحمام . قيل ; يا رسول الله ، إنه يذهب به الوسخ ويذكر النار فقال ; إن كنتم لا بد فاعلين فادخلوه مستترين . وخرج من حديث أبي هريرة قال ; قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; نعم البيت يدخله الرجل المسلم بيت الحمام - وذلك لأنه إذا دخله سأل الله الجنة واستعاذ به من النار - وبئس البيت يدخله الرجل بيت العروس . وذلك لأنه يرغبه [ ص; 209 ] في الدنيا وينسيه الآخرة . قال أبو عبد الله ; فهذا لأهل الغفلة ، صير الله هذه الدنيا بما فيها سببا للذكر لأهل الغفلة ليذكروا بها آخرتهم ؛ فأما أهل اليقين فقد صارت الآخرة نصب أعينهم ، فلا بيت حمام يزعجه ولا بيت عروس يستفزه ، لقد دقت الدنيا بما فيها من الصنفين والضربين في جنب الآخرة ، حتى أن جميع نعيم الدنيا في أعينهم كنثارة الطعام من مائدة عظيمة ، وجميع شدائد الدنيا في أعينهم كتفلة عوقب بها مجرم أو مسيء قد كان استوجب القتل أو الصلب من جميع عقوبات أهل الدنيا .السابعة ; قوله تعالى ; ذلك أزكى لهم أي غض البصر وحفظ الفرج أطهر في الدين وأبعد من دنس الأنام . إن الله خبير أي عالم . بما يصنعون تهديد ووعيد .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ ) بالله وبك يا محمد ( يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) يقول; يكفوا من نظرهم إلى ما يشتهون النظر إليه، مما قد نهاهم الله عن النظر إليه ( وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) أن يراها من لا يحلّ له رؤيتها، بلبس ما يسترها عن أبصارهم ( ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ) يقول; فإن غضها من النظر عما لا يحلّ النظر إليه، وحفظ الفرج عن أن يظهر لأبصار الناظرين؛ أطهر لهم عند الله وأفضل ( إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) يقول; إن الله ذو خبرة بما تصنعون أيها الناس فيما أمركم به من غض أبصاركم عما أمركم بالغضّ عنه، وحفظ فروجكم عن إظهارها لمن نهاكم عن إظهارها له.وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;حدثني عليّ بن سهل الرملي، قال; ثنا حجاج، قال; ثنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية في قوله; ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) قال; كل فرج ذُكِرَ حِفْظُهُ في القرآن فهو من الزنا إلا هذه وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ فإنه يعني الستر.حدثني عليّ، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله; ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ قال; يغضوا أبصارهم عما يكره الله.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) قال; يغضّ من بصره; أن ينظر إلى ما لا يحلّ له، إذا رأى ما لا يحلّ له غضّ من بصره لا ينظر إليه، ولا يستطيع أحد أن يغضّ بصره كله، إنما قال الله; ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ).
أي: أرشد المؤمنين، وقل لهم: الذين معهم إيمان، يمنعهم من وقوع ما يخل بالإيمان: { يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } عن النظر إلى العورات وإلى النساء الأجنبيات، وإلى المردان، الذين يخاف بالنظر إليهم الفتنة، وإلى زينة الدنيا التي تفتن، وتوقع في المحذور. { وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ } عن الوطء الحرام، في قبل أو دبر، أو ما دون ذلك، وعن التمكين من مسها، والنظر إليها. { ذَلِكَ } الحفظ للأبصار والفروج { أَزْكَى لَهُمْ } أطهر وأطيب، وأنمى لأعمالهم، فإن من حفظ فرجه وبصره، طهر من الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش، وزكت أعماله، بسبب ترك المحرم، الذي تطمع إليه النفس وتدعو إليه، فمن ترك شيئا لله، عوضه الله خيرا منه، ومن غض بصره عن المحرم، أنار الله بصيرته، ولأن العبد إذا حفظ فرجه وبصره عن الحرام ومقدماته، مع داعي الشهوة، كان حفظه لغيره أبلغ، ولهذا سماه الله حفظا، فالشيء المحفوظ إن لم يجتهد حافظه في مراقبته وحفظه، وعمل الأسباب الموجبة لحفظه، لم ينحفظ، كذلك البصر والفرج، إن لم يجتهد العبد في حفظهما، أوقعاه في بلايا ومحن، وتأمل كيف أمر بحفظ الفرج مطلقا، لأنه لا يباح في حالة من الأحوال، وأما البصر فقال: { يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } أتى بأداة \" من \" الدالة على التبعيض، فإنه يجوز النظر في بعض الأحوال لحاجة، كنظر الشاهد والعامل والخاطب، ونحو ذلك. ثم ذكرهم بعلمه بأعمالهم، ليجتهدوا في حفظ أنفسهم من المحرمات.
(للمؤمنين) متعلّق بـ (قل) ،
(يغضّوا) مضارع مجزوم جواب الطلب، ومفعول قل مقدّر، أي: قل لهم غضّوا أبصاركم
(من أبصارهم) متعلّق بـ (غضّوا) ،
(الواو) عاطفة
(لهم) متعلّق بـ (أزكى) ،
(ما) حرف مصدريّ .. والمصدر المؤوّلـ (ما يصنعون) في محلّ جرّ بالباء متعلّق بـ (خبير) .
جملة: «قل ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يغضّوا من أبصارهم» لا محلّ لها جواب شرط مقدّر غير مقترنة بالفاء أي: إن تقل لهم غضّوا يغضوا..وجملة: «يحفظوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة يغضّوا.
وجملة: «ذلك أزكى ... » لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: «إنّ الله.. خبير» لا محلّ لها تعليل آخر.
وجملة: «يصنعون ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(ما) .
31-
(الواو) عاطفة
(للمؤمنات) متعلّق بـ (قل) ،
(يغضضن) مضارع مبنيّ على السكون في محلّ جزم جواب الطلب و (النون) ضمير فاعلـ (من أبصارهنّ) متعلّق بـ (يغضضن) ، و (هنّ) ضمير متّصل مضاف إليه
(يحفظن) مثل يغضضن ومعطوف عليه بالواو، وكذلك الفعل المنفيّ
(يبدين) معطوف على
(يحفظن أو يغضضن) ،
(إلّا) أداة استثناء
(ما) اسم موصول في محلّ نصب على الاستثناء، أو بدل من زينتهنّ
(منها] متعلّق بـ (ظهر) ،
(الواو) عاطفة
(اللام) لام الأمر
(يضربن) مضارع مبنيّ على السكون في محلّ جزم باللام
(بخمرهنّ) متعلّق بـ (يضربن) بتضمينه معنى يلقين
(على جيوبهنّ) متعلّق بـ (يضربن) ،
(الواو) عاطفة
(لا يبدين زينتهنّ) مثل الأولى
(إلّا) للاستثناء
(لبعولتهنّ) بدل من المستثنى المقدّر بإعادة الجارّ أي: لا يبدين زينتهنّ لأحد من الناس إلّا لبعولتهنّ
(أو) حرف عطف في المواضع الأحد عشر، والأسماء بعدها معطوفة على بعولتهنّ مجرورة أو في محلّ جرّ
(ما) اسم موصول والعائد محذوف أي ملكته
(غير) نعت للتابعين مجرور
(من الرجال) متعلّق بحال من التابعين- أو من أولي الإربة-
(الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب نعت للطفلـ (على عورات) متعلّق بـ (يظهروا) ،
(الواو) عاطفة
(لا يضربن) مثل لا يبدين
(بأرجلهنّ) متعلّق بـ (يضربن) ،
(اللام) لام التعليل(يعلم) مضارع مبنيّ للمجهول منصوب بأن مضمرة بعد اللام
(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع نائب الفاعلـ (من زينتهنّ) متعلّق بحال من العائد المحذوف .
والمصدر المؤوّلـ (أن يعلم ... ) في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (يضربن) .
(الواو) استئنافيّة
(إلى الله) متعلّق بـ (توبوا) ،
(جميعا) حال منصوبة من فاعل توبوا
(أيّها) منادى نكرة مقصودة مبنيّ على الضمّ في محلّ نصبـ (المؤمنون) بدل من أيّ تبعه في الرفع لفظا، وعلامة الرفع الواو.
وجملة: «قلـ (الثانية) ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة قلـ (الأولى) .
وجملة: «يغضضن ... » لا محلّ لها جواب شرط مقدّر غير مقترنة بالفاء، أي: إن تقل لهن اغضضن من أبصاركنّ يغضضن.
وجملة: «يحفظن ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة يغضضن.
وجملة: «لا يبدين ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة يغضضن أو يحفظن.
وجملة: «ظهر منها ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الأول.
وجملة: «يضربن ... » في محلّ نصب معطوفة على مقول القول المقدّر.
وجملة: «لا يبدين
(الثانية) » لا محلّ لها معطوفة على جملة لا يبدين
(الأولى) .
وجملة: «ملكت أيمانهنّ» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الثاني.
وجملة: «لم يظهروا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «لا يضربن ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة يضربن..
وجملة: «يعلم ما يخفين ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر.وجملة: «يخفين ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الثالث.
وجملة: «توبوا ... » لا محلّ لها استئنافيّة .
وجملة: «أيّها المؤمنون ... » لا محلّ لها اعتراضيّة.
وجملة: «لعلّكم تفلحون» لا محلّ لها استئناف بيانيّ- أو تعليليّة- وجملة: «تفلحون» في محلّ رفع خبر لعلّ.
- القرآن الكريم - النور٢٤ :٣٠
An-Nur24:30