قَالَتْ يٰٓأَيُّهَا الْمَلَؤُا أَفْتُونِى فِىٓ أَمْرِى مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتّٰى تَشْهَدُونِ
قَالَتۡ يٰۤاَيُّهَا الۡمَلَؤُا اَفۡتُوۡنِىۡ فِىۡۤ اَمۡرِىۡۚ مَا كُنۡتُ قَاطِعَةً اَمۡرًا حَتّٰى تَشۡهَدُوۡنِ
تفسير ميسر:
قالت; يا أيها الأشراف أشيروا عليَّ في هذا الأمر، ما كنت لأفصل في أمر إلا بمحضركم ومشورتكم.
لما قرأت عليهم كتاب سليمان استشارتهم في أمرها وما قد نزل بها ولهذا قالت "يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون" أي حتى تحضرون وتشيرون.
قوله تعالى ; قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري الملأ أشراف القوم وقد مضى في سورة ( البقرة ) القول فيه . قال ابن عباس ; كان معها ألف قيل . وقيل ; اثنا عشر ألف قيل مع كل قيل مائة ألف . والقيل الملك دون الملك الأعظم . فأخذت في حسن الأدب مع قومها ، ومشاورتهم في أمرها ، وأعلمتهم أن ذلك مطرد عندها في كل أمر يعرض ، ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون فكيف في هذه النازلة الكبرى . فراجعها الملأ بما يقر عينها ، من إعلامهم إياها بالقوة والبأس ، ثم سلموا الأمر إلى نظرها ; وهذه محاورة حسنة من الجميع . قال قتادة ; ذكر لنا أنه كان لها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا هم أهل مشورتها ، كل رجل منهم على عشرة آلاف .الثانية ; في هذه الآية دليل على صحة المشاورة . وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ; وشاورهم في الأمر في ( آل عمران ) إما استعانة بالآراء ، وإما مداراة للأولياء . وقد مدح الله تعالى الفضلاء بقوله ; وأمرهم شورى بينهم . والمشاورة من الأمر القديم وخاصة في الحرب ; فهذه بلقيس امرأة جاهلية كانت تعبد الشمس ; قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون لتختبر عزمهم على مقاومة عدوهم ، وحزمهم فيما يقيم أمرهم ، وإمضائهم على الطاعة لها ، بعلمها بأنهم إن لم يبذلوا أنفسهم وأموالهم ودماءهم دونها لم يكن لها طاقة بمقاومة عدوها ، وإن لم يجتمع أمرهم وحزمهم وجدهم كان ذلك عونا لعدوهم عليهم ، وإن لم تختبر ما عندهم ، وتعلم قدر عزمهم لم تكن على بصيرة من أمرهم ، وربما كان في استبدادها برأيها وهن في طاعتها ، ودخيلة في تقدير أمرهم ، وكان في مشاورتهم وأخذ رأيهم عون على ما تريده من قوة شوكتهم ، وشدة مدافعتهم ; ألا ترى إلى قولهم في [ ص; 182 ] جوابهم ; نحن أولو قوة وأولو بأس شديد قال ابن عباس ; كان من قوة أحدهم أنه يركض فرسه حتى إذا احتد ضم فخذيه فحبسه بقوته .
يقول تعالى ذكره; قالت ملكة سبأ لأشراف قومها; ( يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ) تقول; أشيروا عليّ في أمري الذي قد حضرني من أمر صاحب هذا الكتاب الذي ألقي إليّ, فجعلت المشورة فتيا.وقوله; (مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ) تقول; ما كنت قاضية أمرا في ذلك حتى تشهدون, فأشاوركم فيه.كما حدثني يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد; دعت قومها تشاورهم (يَاأَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ) يقول في الكلام; ما كنت لأقطع أمرا دونك ولا كنت لأقضي أمرا, فلذلك قالت; (مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا ) بمعنى; قاضية.
فمن حزمها وعقلها أن جمعت كبار دولتها ورجال مملكتها وقالت: يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي . أي: أخبروني ماذا نجيبه به؟ وهل ندخل تحت طاعته وننقاد؟ أم ماذا نفعل؟ مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ أي: ما كنت مستبدة بأمر دون رأيكم ومشورتكم.
(يأيّها الملأ) مرّ إعرابها ، والنون في(أفتوني) نون الوقاية
(في أمري) متعلّق بـ (أفتوني) ،
(أمرا) مفعول به لاسم الفاعل قاطعة ،
(حتّى) حرف غاية وجرّ
(تشهدون) منصوب بأن مضمرة بعد حتّى، وعلامة النصب حذف النون ... والواو فاعل، و (النون) للوقاية قبل ياء المتكلّم المحذوفة للفاصلة.
جملة: «قالت ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة النداء وجوابه ... في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «أفتوني ... » لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: «ما كنت قاطعة ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ- أو تعليليّة- وجملة: «تشهدون» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر والمصدر المؤوّلـ (أن تشهدوا ... ) في محلّ جرّ بـ (حتّى) متعلّق باسم الفاعل قاطعة.