الرسم العثمانيأَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِى نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصّٰدِقِينَ
الـرسـم الإمـلائـياَٮِٕنَّكُمۡ لَـتَاۡتُوۡنَ الرِّجَالَ وَتَقۡطَعُوۡنَ السَّبِيۡلَ وَتَاۡ تُوۡنَ فِىۡ نَادِيۡكُمُ الۡمُنۡكَرَ ؕ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهٖۤ اِلَّاۤ اَنۡ قَالُوا ائۡتِنَا بِعَذَابِ اللّٰهِ اِنۡ كُنۡتَ مِنَ الصّٰدِقِيۡنَ
تفسير ميسر:
واذكر -أيها الرسول- لوطًا حين قال لقومه; إنكم لتأتون الفعلة القبيحة، ما تَقَدَّمكم بفعلها أحد من العالمين، أإنكم لتأتون الرجال في أدبارهم، وتقطعون على المسافرين طرقهم بفعلكم الخبيث، وتأتون في مجالسكم الأعمال المنكرة كالسخرية من الناس، وحذف المارة، وإيذائهم بما لا يليق من الأقوال والأفعال؟ وفي هذا إعلام بأنه لا يجوز أن يجتمع الناس على المنكر مما نهى الله ورسوله عنه. فلم يكن جواب قوم لوط له إلا أن قالوا; جئنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين فيما تقول، والمنجزين لما تَعِد.
وكانوا مع هذا يكفرون بالله ويكذبون رسوله ويخالفون ويقطعون السبيل أي يقفون في طريق الناس يقتلونهم ويأخذون أموالهم "وتأتون في ناديكم المنكر" أي يفعلون ما لا يليق من الأقوال والأفعال في مجالسهم التي يجتمعون فيها لا ينكر بعضهم على بعض شيئا من ذلك فمن قائل كانوا يأتون بعضهم بعضا في الملأ قاله مجاهد ومن قائل كانوا يتضارطون ويتضاحكون قالته عائشة رضي الله عنها والقاسم ومن قائل كانوا يناطحون بين الكباش ويناقرون بين الديوك وكل ذلك كان يصدر عنهم وكانوا شرا من ذلك وقال الإمام أحمد حدثنا حماد بن أسامة أخبرني حاتم بن أبي صغيرة حدثنا سماك بن حرب عن أبي صالح مولى أم هانىء عن أم هانىء قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى; "وتأتون في ناديكم المنكر" قال; "يحذفون أهل الطريق ويسخرون منهم وذلك المنكر الذي كانوا يأتونه" ورواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم من حديث أبي أسامة حماد بن رسامة عن أبي يونس القشيري عن حاتم بن أبي صغيرة به. ثم قال الترمذي هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث حاتم ابن أبي صغيرة عن سماك وقال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا محمد بن كثير عن عمرو بن قيس عن الحكم عن مجاهد "وتأتون في ناديكم المنكر" قال الصفير ولعب الحمام والجلاهق والسؤال في المجلس وحل أزرار القباء وقوله تعالى; "فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين" وهذا من كفرهم واستهزائهم وعنادهم.
وتقطعون السبيل قيل ; كانوا قطاع الطريق ; قاله ابن زيد . وقيل ; كانوا يأخذون الناس من الطرق لقضاء الفاحشة ; حكاه ابن شجرة . وقيل ; إنه قطع النسل بالعدول عن النساء إلى الرجال . قال وهب بن منبه أي استغنوا بالرجال عن النساء .قلت ; ولعل الجميع كان فيهم فكانوا يقطعون الطريق لأخذ الأموال والفاحشة ويستغنون عن النساء بذلك وتأتون في ناديكم المنكر النادي ; المجلس . واختلف في المنكر الذي كانوا يأتونه فيه ; فقالت فرقة ; كانوا يخذفون النساء بالحصى ، ويستخفون بالغريب والخاطر عليهم . وروته أم هانئ عن النبي صلى الله عليه وسلم . قالت أم هانئ ; سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل ; وتأتون في ناديكم المنكر قال ; كانوا يخذفون من يمر بهم ويسخرون منه فذلك المنكر الذي كانوا يأتونه أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده ، وذكره النحاس والثعلبي والمهدوي والماوردي ، وذكر الثعلبي قال معاوية قال النبي صلى الله عليه وسلم ; إن قوم لوط كانوا يجلسون في مجالسهم وعند كل رجل قصعة فيها الحصى للخذف فإذا مر بهم عابر قذفوه فأيهم أصابه كان أولى به يعني يذهب به للفاحشة فذلك قوله ; [ ص; 315 ] وتأتون في ناديكم المنكر وقالت عائشة وابن عباس والقاسم بن أبي بزة والقاسم بن محمد ; إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم . وقال منصور عن مجاهد كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضا . وعن مجاهد ; كان من أمرهم لعب الحمام وتطريف الأصابع بالحناء والصفير والخذف ونبذ الحياء في جميع أمورهم . قال ابن عطية ; وقد توجد هذه الأمور في بعض عصاة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ; فالتناهي واجب قال مكحول ; في هذه الأمة عشرة من أخلاق قوم لوط ; مضغ العلك وتطريف الأصابع بالحناء وحل الإزار وتنقيض الأصابع والعمامة التي تلف حول الرأس والتشابك ورمي الجلاهق والصفير والخذف واللوطية . وعن ابن عباس قال ; إن قوم لوط كانت فيهم ذنوب غير الفاحشة ، منها ; أنهم يتظالمون فيما بينهم ، ويشتم بعضهم بعضا ، ويتضارطون في مجالسهم ، ويخذفون ، ويلعبون بالنرد والشطرنج ، ويلبسون المصبغات ، ويتناقرون بالديكة ، ويتناطحون بالكباش ، ويطرفون أصابعهم بالحناء ، وتتشبه الرجال بلباس النساء والنساء بلباس الرجال ، ويضربون المكوس على كل عابر ، ومع هذا كله كانوا يشركون بالله ، وهم أول من ظهر على أيديهم اللوطية والسحاق فلما وقفهم لوط عليه السلام على هذه القبائح رجعوا إلى التكذيب واللجاج ، فقالوا ائتنا بعذاب الله أي إن ذلك لا يكون ولا يقدر عليه . وهم لم يقولوا هذا إلا وهم مصممون على اعتقاد كذبه . وليس يصح في الفطرة أن يكون معاند يقول هذا .
القول في تأويل قوله تعالى ; أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل لوط لقومه (أَئِنَّكُمْ) أيها القوم، (لَتأْتُونَ الرّجالَ) في أدبارهم (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) يقول; وتقطعون المسافرين عليكم بفعلكم الخبيث، وذلك أنهم فيما ذُكر عَنْهم كانوا يفعلون ذلك بمن مرّ عليهم من المسافرين، من ورد بلادهم من الغرباء.* ذكر من قال ذلك;حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) قال; السبيل; الطريق. المسافر إذا مرّ بهم، وهو ابن السبيل قَطَعوا به، وعملوا &; 20-29 &; به ذلك العمل الخبيث.وقوله; ( وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) اختلف أهل التأويل في المنكر الذي عناه الله، الذي كان هؤلاء القوم يأتونه في ناديهم، فقال بعضهم; كان ذلك أنهم كانوا يتضارطُون في مجالسهم.* ذكر من قال ذلك;حدثني عبد الرحمن بن الأسود، قال; ثنا محمد بن ربيعة، قال; ثنا رَوْح بن عُطيفة الثقفيّ، عن عمرو بن مصعب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، في قوله; ( وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) قال; الضراط.وقال آخرون; بل كان ذلك أنهم كانوا يحذفون من مر بهم.* ذكر من قال ذلك;حدثنا أبو كُرَيب وابن وكيع قالا ثنا أبو أسامة، عن حاتم بن أبي صغيرة، عن سماك بن حرب، عن أبي صالح، عن أمّ هانئ، قالت; سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم عن قوله; ( وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) قالَ; " كانوا يَحْذِفُونَ أهْل الطَّرِيقِ وَيَسْخَرونَ مِنْهُمْ" فهو المنكر الذي كانوا يأتون.حدثنا الربيع، قال; ثنا أسد، قال; ثنا أبو أُسامة، بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، مثله.حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، قال; ثنا سليم بن أخضر، قال; ثنا أبو يونس القُشَيري، عن سِماك بن حرب، عن أبي صالح مولى أمّ هانئ، أن أمّ هانئ سُئلت عن هذه الآية ( وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) فقالت; سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال; " كانُوا يَحْذِفُون أهْلَ الطَّرِيقِ، وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ".حدثنا ابن حميد، قال; ثنا يحيى بن واضح، قال; ثنا عمر بن أبي زائدة، قال; سمعت عكرِمة يقول في قوله; ( وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) قال; كانوا يُؤذْون أهل الطريق يحذفون من مَرَّ بهم.حدثنا ابن وكيع، قال; ثني أبي، عن عمر بن أبي زائدة، قال; سمعت عكرِمة قال; الحذف.حدثنا موسى، قال; أخبرنا عمرو، قال; ثنا أسباط، عن السديّ( وَتَأْتُونَ فِي &; 20-30 &; نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) قال; كان كلّ من مرّ بهم حذفوه، فهو المنكر.حدثنا الربيع، قال; ثنا أسد، قال; ثنا سعيد بن زيد، قال; ثنا حاتم بن أبي صغيرة، قال; ثنا سماك بن حرب، عن باذام، عن أبي صالح مولى أمّ هانئ، عن أمّ هانئ، قالت; سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ( وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) قال; " كانُوا يَجْلِسُونَ بالطَّرِيقِ، فَيَحْذِفُونَ أبْناءَ السَّبِيلِ، وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ".وقال بعضهم; بل كان ذلك إتيانهم الفاحشة في مجالسهم.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن وكيع، قال; ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، قال; كان يأتي بعضهم بعضا في مجالسهم، يعني قوله; ( وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ).حدثنا سليمان بن عبد الجبار، قال; ثنا ثابت بن محمد الليثيّ، قال; ثنا فضيل بن عياض، عن منصور بن المعتمر، عن مجاهد، في قوله; ( وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) قال; كان يجامع بعضهم بعضا في المجالس.حدثنا ابن حميد، قال; ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد ( وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) قال; كان يأتي بعضهم بعضا في المجالس.حدثنا ابن وكيع، قال; ثني أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال; كانوا يجامعون الرجال في مجالسهم.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) قال; المجالس، و (المنكَرَ); إتيانهم الرجال.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله; ( وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) قال; كانوا يأتون الفاحشة في ناديهم.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، في قوله; ( وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) قال; ناديهم; المجالس، و (المنكر); عملهم الخبيث الذي كانوا يعملونه، كانوا يعترضون بالراكب، فيأخذونه ويركبونه. وقرأ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ، وقرأ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ .حدثني عليّ، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله; ( وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) يقول; في مجالسكم.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال; معناه; وتحذفون في مجالسكم المارّة بكم، وتسخَرون منهم؛ لما ذكرنا من الرواية بذلك عن رسول صلى الله عليه وسلم .وقوله; ( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) يقول تعالى ذكره; فلم يكن جواب قوم لُوط إذ نهاهم عما يكرهه الله من إتيان الفواحش التي حرمها الله إلا قيلهم; ( ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ ) الذي تعدنا، (إن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فيما تقول، والمنجزين لما تعد.
فأرسل اللّه لوطا إلى قومه، وكانوا مع شركهم، قد جمعوا بين فعل الفاحشة في الذكور، وتقطيع السبيل، وفشو المنكرات في مجالسهم، فنصحهم لوط عن هذه الأمور، وبيَّن لهم قبائحها في نفسها، وما تئول إليه من العقوبة البليغة، فلم يرعووا ولم يذكروا. { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - العنكبوت٢٩ :٢٩
Al-'Ankabut29:29