الرسم العثمانيوَوَصَّيْنَا الْإِنسٰنَ بِوٰلِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جٰهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَآ ۚ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
الـرسـم الإمـلائـيوَوَصَّيۡنَا الۡاِنۡسَانَ بِوَالِدَيۡهِ حُسۡنًا ؕ وَاِنۡ جَاهَدٰكَ لِتُشۡرِكَ بِىۡ مَا لَـيۡسَ لَـكَ بِهٖ عِلۡمٌ فَلَا تُطِعۡهُمَا ؕ اِلَىَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَاُنَبِّئُكُمۡ بِمَا كُنۡتُمۡ تَعۡمَلُوۡنَ
تفسير ميسر:
ووصينا الإنسان بوالديه أن يبرهما، ويحسن إليهما بالقول والعمل، وإن جاهداك -أيها الإنسان- على أن تشرك معي في عبادتي، فلا تمتثل أمرهما. ويلحق بطلب الإشراك بالله، سائر المعاصي، فلا طاعة لمخلوق كائنًا من كان في معصية الله سبحانه، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. إليَّ مصيركم يوم القيامة، فأخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من صالح الأعمال وسيئها، وأجازيكم عليها.
يقول تعالى آمرا عباده بالإحسان إلى الوالدين بعد الحث على التمسك بتوحيده فإن الوالدين هما سبب وجود الإنسان ولهما عليه غاية الإحسان فالوالد بالإنفاق والوالدة بالإشفاق ولهذا قال تعالى; "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناج الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" ومع هذه الوصية بالرأفة والرحمة والإحسان إليهما في مقابلة إحسانهما المتقدم قال; "وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما" أي وإن حرصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين فإياك وإياهما فلا تطعهما في ذلك فإن مرجعكم إلي يوم القيامة فأجزيك بإحسانك إليهما وصبرك على دينك وأحشرك مع الصالحين لا في زمرة والديك وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع من أحب أي حبا دينيا.
قوله تعالى ; ووصينا الإنسان بوالديه حسنا نزلت في سعد بن أبي وقاص فيما روى الترمذي قال ; أنزلت في أربع آيات فذكر قصة ; فقالت أم سعد ; أليس قد أمر الله بالبر ، والله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أموت أو تكفر ; قال ; فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها فنزلت هذه الآية ; ووصينا الإنسان بوالديه حسنا الآية . قال أبو عيسى ; هذا حديث حسن صحيح . وروي عن سعد أنه قال ; كنت بارا بأمي فأسلمت فقالت ; لتدعن دينك أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي ويقال يا قاتل أمه وبقيت يوما ويوما فقلت ; يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا ، فإن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي . فلما رأت ذلك أكلت ، ونزلت ; وإن جاهداك لتشرك بي الآية . وقال ابن عباس ; نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل لأمه وقد فعلت أمه مثل ذلك . وعنه أيضا ; نزلت في جميع الأمة إذ لا يصبر على بلاء الله إلا صديق . و ( حسنا ) نصب عند البصريين على التكرير أي ووصيناه حسنا . وقيل ; هو على القطع ، تقديره ; ووصيناه بالحسن ، كما تقول ; وصيته خيرا . أي بالخير . وقال أهل الكوفة ; تقديره ; ووصينا الإنسان أن يفعل حسنا . فيقدر له فعل ; وقال الشاعر ;عجبت من دهماء إذ تشكونا ومن أبي دهماء إذ يوصيناخيرا بها كأنما خافوناأي يوصينا أن نفعل بها خيرا ; كقوله ; ( فطفق مسحا ) أي يمسح مسحا . وقيل ; تقديره ; ووصيناه أمرا ذا حسن ، فأقيمت الصفة مقام الموصوف ، وحذف المضاف وأقيم [ ص; 303 ] المضاف إليه مقامه وقيل ; معناه ألزمناه حسنا . وقراءة العامة ; ( حسنا ) بضم الحاء وإسكان السين وقرأ أبو رجاء وأبو العالية والضحاك ; بفتح الحاء والسين وقرأ الجحدري ; ( إحسانا ) على المصدر ; وكذلك في مصحف أبي التقدير ; ووصينا الإنسان أن يحسن إحسانا ولا ينتصب ب ( وصينا ) لأنه قد استوفى مفعوليه . ( إلي مرجعكم ) وعيد في طاعة الوالدين في معنى الكفر فأنبئكم بما كنتم تعملون
القول في تأويل قوله تعالى ; وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)يقول تعالى ذكره; ( وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ ) فيما أنـزلنا إلى رسولنا(بِوَالِدَيْهِ) أن يفعل بهما(حُسْنا).واختلف أهل العربية في وجه نصب الحسن، فقال بعض نحويِّي البصرة; نُصب ذلك على نية تكرير وصيّنا. وكأن معنى الكلام عنده; ووصينا الإنسان بوالديه، ووصيناه حسنا. وقال; قد يقول الرجل وصيته خيرا; أي بخير.وقال بعض نحويي الكوفة; معنى ذلك; ووصينا الإنسان أن يفعل حُسنا، ولكن العرب تسقط من الكلام بعضه إذا كان فيما بقي الدلالة على ما سقط، وتعمل ما بقي فيما كان يعمل فيه المحذوف، فنصب قوله; (حُسْنا) وإن كان المعنى ما وصفت وصينا؛ لأنه قد ناب عن الساقط، وأنشد في ذلك;عَجِــبْتُ مِــنْ دَهْمـاءَ إذْ تَشْـكُوناوَمِــن أبــي دَهْمـاءَ إذْ يُوصِينـاخَيْرًا بها كأنَّنا جافُونا (1)وقال; معنى قوله; يوصينا خيرا; أن نفعل بها خيرا، فاكتفى بيوصينا منه، وقال; ذلك نحو قوله; فَطَفِقَ مَسْحًا أي يمسح مسحا.وقوله; ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا ) يقول; (ووصينا الإنسان)، فقلنا له; إن جاهداك والداك لتشرك بي ما ليس لك به علم أنه ليس لي شريك، فلا تطعهما فتشرك بي ما ليس لك به علم ابتغاء مرضاتهما، ولكن خالفهما في ذلك (إليّ مرجعكم) يقول تعالى ذكره; إليّ معادكم ومصيركم يوم القيامة ( فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) يقول; فأخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من صالح الأعمال وسيئاتها، ثم أجازيكم عليها المحسن بالإحسان، والمسيء بما هو أهله.وذُكر أن هذه الآية نـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب سعد بن أبي وقاص.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قَتادة ( وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ...) إلى قوله; ( فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) قال; نـزلت في سعد بن أبي وَقَّاص لما هاجر، قالت أمه; والله لا يُظِلُّني بيت حتى يرجع، فأنـزل الله في ذلك أن يحْسِن إليهما، ولا يطيعَهما في الشرك.---------------------الهوامش ;(1) هذه أبيات ثلاثة من مشطور السريع، وهي من شواهد الفراء في معاني القرآن (ص 178) قال; والعرب تقول; أوصيك به خيرًا، وآمرك به خيرًا، وكأن معناه; آمرك أن تفعل به، ثم تحذف أن، فتوصل الخير بالوصية، وبالأمر، قال الشاعر ; " عجبت ... " الأبيات.
أي: وأمرنا الإنسان، ووصيناه بوالديه حسنا، أي: ببرهما والإحسان إليهما، بالقول والعمل، وأن يحافظ على ذلك، ولا يعقهما ويسيء إليهما في قوله وعمله.{ وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } وليس لأحد علم بصحة الشرك باللّه، وهذا تعظيم لأمر الشرك، { فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } فأجازيكم بأعمالكم، فبروا والديكم وقدموا طاعتهما، إلا على طاعة اللّه ورسوله، فإنها مقدمة على كل شيء.
(الواو) استئنافيّة
(بوالديه) متعلّق بـ (وصّينا) ،
(حسنا) مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو صفته على حذف مضاف أي إيصاء ذا حسن ،
(الواو) عاطفة
(جاهداك) فعل ماض في محلّ جزم فعل الشرط
(اللام) لام التعليلـ (تشرك) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام
(بي) متعلّق بـ (تشرك) ،
(ما) اسم موصول في محلّ نصب مفعول به ،
(لك) متعلّق بخبر ليس محذوفا،
(به) متعلّق بحال من(علم) وهو اسم ليس مؤخر
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(لا) ناهية جازمة.والمصدر المؤوّلـ (أن تشرك) في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (جاهداك) .
(إليّ) متعلّق بخبر مقدّم للمبتدأ مرجعكم
(الفاء) عاطفة
(ما) حرف مصدريّ ... .
والمصدر المؤوّلـ (ما كنتم ... ) في محلّ جرّ بالباء متعلّق بـ (أنبّئكم) .
جملة: «وصينا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «إن جاهداك» لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «تشرك ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المقدّر.
وجملة: ليس لك به علم» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «لا تطعهما ... » في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة: «إليّ مرجعكم ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «أنبّئكم ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة إليّ مرجعكم.
وجملة: «كنتم تعملون ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(ما) .
وجملة: «تعملون ... » في محلّ نصب خبر كنتم.
- القرآن الكريم - العنكبوت٢٩ :٨
Al-'Ankabut29:8