الرسم العثمانيضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوٓا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِـَٔايٰتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنۢبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ
الـرسـم الإمـلائـيضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ الذِّلَّةُ اَيۡنَ مَا ثُقِفُوۡۤا اِلَّا بِحَبۡلٍ مِّنَ اللّٰهِ وَحَبۡلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآءُوۡ بِغَضَبٍ مِّنَ اللّٰهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ الۡمَسۡكَنَةُ ؕ ذٰ لِكَ بِاَنَّهُمۡ كَانُوۡا يَكۡفُرُوۡنَ بِاٰيٰتِ اللّٰهِ وَيَقۡتُلُوۡنَ الۡاَنۡۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقٍّؕ ذٰ لِكَ بِمَا عَصَوۡا وَّكَانُوۡا يَعۡتَدُوۡنَ
تفسير ميسر:
جعل الله الهوان والصغار أمرًا لازمًا لا يفارق اليهود، فهم أذلاء محتقرون أينما وُجِدوا، إلا بعهد من الله وعهد من الناس يأمنون به على أنفسهم وأموالهم، وذلك هو عقد الذمة لهم وإلزامهم أحكام الإسلام، ورجعوا بغضب من الله مستحقين له، وضُربت عليهم الذلَّة والمسكنة، فلا ترى اليهوديَّ إلا وعليه الخوف والرعب من أهل الإيمان؛ ذلك الذي جعله الله عليهم بسبب كفرهم بالله، وتجاوزهم حدوده، وقَتْلهم الأنبياء ظلمًا واعتداء، وما جرَّأهم على هذا إلا ارتكابهم للمعاصي، وتجاوزهم حدود الله.
قال تعالى "ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس" أي ألزمهم الله الذلة والصغار أينما كانوا فلا يأمنون "إلا بحبل من الله" أي بذمّة من الله وهو عقد الذمة لهم وضرب الجزية عليهم وإلزامهم أحكام الملة "وحبل من الناس" أي أمان منهم لهم كما في المهادن والمعاهد والأسير إذا أمَّنه واحد من المسلمين ولو امرأة وكذا عبد على أحد قولي العلماء قال ابن عباس "إلا بحبل من الله وحبل من الناس" أي بعهد من الله وعهد من الناس وكذا قال مجاهد وعكرمة وعطاء والضحاك والحسن وقتادة والسدي والربيع بن أنس. وقوله "وباءوا بغضب من الله" أي ألزموا فالتزموا بغضب من الله وهم يستحقونه "وضربت عليهم المسكنة" أي ألزموها قدرا وشرعا. ولهذا قال "ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق" أي إنما حملهم على ذلك الكبر والبغي والحسد فأعقبهم ذلك الذلة والصغار والمسكنة أبدا متصلا بذل الآخرة ثم قال تعالى "ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون" أي إنما حملهم على الكفر بآيات الله وقتل رسل الله وقيضوا لذلك أنهم كانوا يكثرون العصيان لأوامر الله والغشيان لمعاصي الله والاعتداء في شرع الله فعياذا بالله من ذلك والله عز وجل المستعان. قال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن سليمان الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر الأزدي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال; كانت بنو إسرائيل تقتل في اليوم ثلثمائة نبي ثم يقوم سوق بقلهم في آخر النهار.
قوله تعالى ; ضربت عليهم الذلة يعني اليهود . أين ما ثقفوا أي وجدوا ولقوا ، وتم الكلام . وقد مضى في البقرة معنى ضرب الذلة عليهم . إلا بحبل من الله استثناء منقطع ليس من الأول . أي لكنهم يعتصمون بحبل من الله . وحبل من الناس يعني الذمة التي لهم . والناس ; محمد والمؤمنون يؤدون إليهم الخراج فيؤمنونهم . وفي الكلام اختصار ، والمعنى ; إلا أن يعتصموا بحبل من الله ، فحذف ; قاله الفراء .وباءوا بغضب من الله أي رجعوا . وقيل احتملوا . وأصله في اللغة أنه لزمهم ، وقد مضى في البقرة . ثم أخبر لم فعل ذلك بهم . فقال ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون وقد مضى في البقرة مستوفى .
القول في تأويل قوله ; لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلا أَذًىقال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه; لن يضركم، يا أهل الإيمان بالله ورسوله، هؤلاء الفاسقون من أهل الكتاب بكفرهم وتكذيبهم نبيَّكم محمدًا صلى الله عليه وسلم شيئا =" إلا أذى "، يعني بذلك; ولكنهم يؤذونكم بشركهم، وإسماعكم كفرهم، وقولهم في عيسى وأمه وعزير، ودعائهم إياكم إلى الضلالة، ولن يضروكم بذلك، (23) .* * *وهذا من الاستثناء المنقطع الذي هو مخالف معنى ما قبله، كما قيل; " ما اشتكى شيئًا إلا خيرًا "، وهذه كلمة محكية عن العرب سماعًا.* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;7626- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله; " لن يضروكم إلا أذى "، يقول; لن يضروكم إلا أذى تسمعونه منهم.7627- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قوله; " لن يضروكم إلا أذى "، قال; أذى تسمعونه منهم.7628- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن &; 7-109 &; ابن جريج، قوله; " لن يضروكم إلا أذى "، قال; إشراكهم في عُزير وعيسى والصَّليب.7629- حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد، عن الحسن في قوله; " لن يضروكم إلا أذى " الآية، قال; تسمعون منهم كذبًا على الله، يدعونكم إلى الضلالة.* * *القول في تأويل قوله ; وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111)قال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه; وإن يقاتلكم أهلُ الكتاب من اليهود والنصارى يهزَموا عنكم، فيولوكم أدبارهم انهزامًا.* * *فقوله; " يولوكم الأدبار "، كناية عن انهزامهم، لأن المنهزم يحوِّل ظهره إلى جهة الطالب هربًا إلى ملجأ وموئل يئل إليه منه، خوفًا على نفسه، والطالبُ في أثره. فدُبُر المطلوب حينئذ يكون محاذي وجه الطالب الهازِمِِة.* * *=" ثم لا ينصرون "، يعني; ثم لا ينصرهم الله، أيها المؤمنون، عليكم، لكفرهم بالله ورسوله، وإيمانكم بما آتاكم نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم. لأن الله عز وجل قد ألقى الرعب في قلوبهم، فأيدكم أيها المؤمنون بنصركم. (24) .* * *وهذا وعدٌ من الله تعالى ذكره نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم وأهل الإيمان، نصرَهم على الكفرة به من أهل الكتاب.* * *وإنما رفع قوله; " ثم لا ينصرون " وقد جَزم قوله; " يولوكم الأدبار "، على جواب الجزاء، ائتنافًا للكلام، لأن رؤوس الآيات قبلها بالنون، فألحق هذه بها، كما قال; وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ [سورة المرسلات; 36]، رفعًا، وقد قال في موضع آخر; لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا [سورة فاطر; 36] إذْ لم يكن رأس آية. (25)----------------الهوامش ;(23) في المطبوعة; "ولا يضرونكم" ، وفي المخطوطة; "ولا يضروكم" ، والصواب هو ما أثبت.(24) في المطبوعة; "قد ألقى الرعب في قلوب كائدكم" ، وهو تصحيح لما في المخطوطة; "قد ألقى الرعب في قلوب فأيدكم" ، وظاهر أن"قلوب" صوابها"قلوبهم" ، واستقام الكلام على ما في المخطوطة.(25) انظر معاني القرآن للفراء 1; 229.
أخبر تعالى أنه عاقبهم بالذلة في بواطنهم والمسكنة على ظواهرهم، فلا يستقرون ولا يطمئنون { إلا بحبل } أي: عهد { من الله وحبل من الناس } فلا يكون اليهود إلا تحت أحكام المسلمين وعهدهم، تؤخذ منهم الجزية ويستذلون، أو تحت أحكام النصارى وقد { باءوا } مع ذلك { بغضب من الله } وهذا أعظم العقوبات، والسبب الذي أوصلهم إلى هذه الحال ذكره الله بقوله: { ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله } التي أنزلها الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الموجبة لليقين والإيمان، فكفروا بها بغيا وعنادا { ويقتلون الأنبياء بغير حق } أي: يقابلون أنبياء الله الذين يحسنون إليهم أعظم إحسان بأشر مقابلة، وهو القتل، فهل بعد هذه الجراءة والجناية شيء أعظم منها، وذلك كله بسبب عصيانهم واعتدائهم، فهو الذي جرأهم على الكفر بالله وقتل أنبياء الله، ثم قال تعالى:
(ضربت) فعل ماض مبنيّ للمجهول.. والتاء للتأنيث
(على) حرف جرّ و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (ضربت) ،
(الذلّة) نائب فاعل مرفوع
(أينما) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ نصب على الظرفيّة المكانيّة متعلّق بـ (ثقفوا) أو بالجواب المقدّر
(ثقفوا) فعل ماض مبنيّ للمجهول مبنيّ على الضمّ.. والواو نائب فاعلـ (إلا) أداة استثناء
(بحبل) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من فاعل جواب الشرط، وهو مستثنى من جميع الأحوال، أي: ذلّوا في كل الأحوال إلا في حالهم
متمسّكين بعهد الله
(من الله) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لحبلـ (الواو) عاطفة
(باءوا) فعل ماض مبنيّ على الضم.. والواو فاعلـ (بغضب) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من الفاعل في(باءوا) أي:
متلبّسين بغضب من الله
(من الله) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لغضبـ (الواو) عاطفة
(ضربت عليهم المسكنة) مثل ضربت عليهم الذلّة،
(ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ و (اللام) للبعد و (الكاف) للخطابـ (الباء) حرف جرّ
(أنّ) حرف مشبّه بالفعل و (هم) ضمير في محلّ نصب اسم أنّ
(كانوا) فعل ناقص ... والواو اسم كان
(يكفرون) مضارع مرفوع.. والواو فاعلـ (بآيات) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يكفرون) ،
(الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور
(الواو) عاطفة
(يقتلون) مثل يكفرون
(الأنبياء) مفعول به منصوبـ (بغير) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يقتلون) ،
(حقّ) مضاف إليه مجرور.
والمصدر المؤوّلـ (أنّهم كانوا ... ) في محلّ جرّ بالباء متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ ذلك.
(ذلك) مثل الأولـ (الباء) حرف جرّ
(ما) حرف مصدريّ
(عصوا) مثل باءوا
(الواو) عاطفة
(كانوا) مثل الأولـ (يعتدون) مثل يكفرون.
والمصدر المؤوّلـ (ما عصوا) في محلّ جرّ بالباء متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ ذلك
(الثاني) .
جملة: «ضربت عليهم الذلّة» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «ثقفوا» لا محلّ لها استئناف بيانيّ ... وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله أي: أينما ثقفوا ذلّوا.
وجملة: «باءوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة ضربت ...وجملة: «ضربت.. المسكنة» لا محلّ لها معطوفة على جملة ضربت
(الأولى) .
وجملة: «كانوا يكفرون ... » في محلّ رفع خبر أنّ.
وجملة: «يكفرون ... » في محلّ نصب خبر كانوا.
وجملة: «يقتلون ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة يكفرون.
وجملة: «ذلك بأنّهم
(في المرّتين) » لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: «عصوا» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ.
وجملة: «كانوا يعتدون» لا محلّ لها معطوفة على جملة عصوا.
وجملة: «يعتدون» في محلّ نصب خبر كانوا.
- القرآن الكريم - آل عمران٣ :١١٢
Ali 'Imran3:112