الرسم العثمانيوَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتٰبًا مُّؤَجَّلًا ۗ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِۦ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْءَاخِرَةِ نُؤْتِهِۦ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِى الشّٰكِرِينَ
الـرسـم الإمـلائـيوَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ اَنۡ تَمُوۡتَ اِلَّا بِاِذۡنِ اللّٰهِ كِتٰبًا مُّؤَجَّلًا ؕ وَ مَنۡ يُّرِدۡ ثَوَابَ الدُّنۡيَا نُؤۡتِهٖ مِنۡهَا ۚ وَمَنۡ يُّرِدۡ ثَوَابَ الۡاٰخِرَةِ نُؤۡتِهٖ مِنۡهَا ؕ وَسَنَجۡزِى الشّٰكِرِيۡنَ
تفسير ميسر:
لن يموت أحد إلا بإذن الله وقدره وحتى يستوفي المدة التي قدرها الله له كتابًا مؤجَّلا. ومن يطلب بعمله عَرَض الدنيا، نعطه ما قسمناه له من رزق، ولا حظَّ له في الآخرة، ومن يطلب بعمله الجزاء من الله في الآخرة نمنحه ما طلبه، ونؤته جزاءه وافرًا مع ما لَه في الدنيا من رزق مقسوم، فهذا قد شَكَرَنا بطاعته وجهاده، وسنجزي الشاكرين خيرًا.
قوله تعالى "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا" أي لا يموت أحد إلا بقدر الله وحتى يستوفي المدة التي ضربها الله له ولهذا قال "كتابا مؤجلا" كقوله "وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب" وكقوله "هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده " وهذه الآية فيها تشجيع للجبناء وترغيب لهم في القتال فإن الإقدام والإحجام لا ينقص من العمر ولا يزيد فيه كما قال ابن أبي حاتم حدثنا العباس بن يزيد العبدي قال; سمعت أبا معاوية عن الأعمش عن حبيب بن ظبيان قال; قال رجل من المسلمين وهو حجر بن عدي ما يمنعكم أن تعبروا إلى هؤلاء العدو هذه النطفة - يعني دجلة - "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا" ثم أقحم فرسه دجلة فلما أقحم أقحم الناس فلما رآهم العدو قالوا; ديوان فهربوا. وقوله "ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها" أي من كان عمله للدنيا فقد ناله منها ما قدره الله له ولم يكن له في الآخرة من نصيب ومن قصد بعمله الدار الآخرة أعطاه الله منها وما قسم له في الدنيا كما قال تعالى "من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة نصيب" وقال تعالى "من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا" ولهذا قال ههنا "وسنجزي الشاكرين" أي سنعطيهم من فضلنا ورحمتنا في الدنيا والآخرة بحسب شكرهم وعملهم.
وله تعالى ; وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرينقوله تعالى ; وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا هذا حض على الجهاد ، وإعلام أن الموت لا بد منه وأن كل إنسان مقتول أو غير مقتول ميت إذا بلغ أجله المكتوب له ; لأن معنى مؤجلا إلى أجل . ومعنى بإذن الله بقضاء الله وقدره . و كتابا نصب على المصدر ، أي كتب الله كتابا مؤجلا . وأجل الموت هو الوقت الذي في معلومه سبحانه ، أن روح الحي تفارق جسده ، ومتى قتل العبد علمنا أن ذلك أجله . ولا يصح أن يقال ; لو لم يقتل لعاش . والدليل على قوله ; كتابا مؤجلا إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون إن أجل الله لآت لكل أجل كتاب . والمعتزلي يقول ; يتقدم الأجل ويتأخر ، وإن من قتل فإنما يهلك قبل أجله ، وكذلك كل ما ذبح من الحيوان كان هلاكه قبل أجله ; لأنه يجب على القاتل الضمان والدية . وقد بين الله تعالى في هذه الآية أنه لا تهلك نفس قبل أجلها . وسيأتي لهذا مزيد بيان في " الأعراف " إن شاء الله تعالى . وفيه دليل على كتب العلم وتدوينه . وسيأتي بيانه في " طه " عند قوله . قال علمها عند ربي في كتاب إن شاء الله تعالى .قوله تعالى ; ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها يعني الغنيمة . نزلت في الذين تركوا المركز طلبا للغنيمة . وقيل ; هي عامة في كل من أراد الدنيا دون الآخرة ; والمعنى نؤته منها ما قسم له . وفي التنزيل ; من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد[ ص; 216 ] ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها أي نؤته جزاء عمله ، على ما وصف الله تعالى من تضعيف الحسنات لمن يشاء . وقيل ; المراد منها عبد الله بن جبير ومن لزم المركز معه حتى قتلوا . وسنجزي الشاكرين أي نؤتيهم الثواب الأبدي جزاء لهم على ترك الانهزام ، فهو تأكيد ما تقدم من إيتاء مزيد الآخرة . وقيل ; وسنجزي الشاكرين من الرزق في الدنيا لئلا يتوهم أن الشاكر يحرم ما قسم له مما يناله الكافر .
القول في تأويل قوله ; وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاقال أبو جعفر; يعني تعالى ذكره بذلك; وما يموت محمد ولا غيره من خلق الله إلا بعد بلوغ أجله الذي جعله الله غاية لحياته وبقائه، فإذا بلغ ذلك من الأجل الذي كتبه الله له، وأذن له بالموت، فحينئذ يموت. فأما قبل ذلك، فلن يموت بكيد كائد ولا بحيلة محتال، كما;-7954- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق; " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابًا مؤجلا "، أي; أن لمحمد أجلا هو بالغه، إذا أذن الله له في ذلك كان. (52)* * *وقد قيل إنّ معنى ذلك; وما كانت نفسٌ لتموت إلا بإذن الله. (53)* * *وقد اختلف أهل العربية في معنى الناصب قوله; " كتابًا مؤجلا ".فقال بعض نحويي البصرة; هو توكيد، ونصبه على; " كتب الله كتابًا مؤجلا ". قال; وكذلك كل شيء في القرآن من قوله; حَقًّا إنما هو; " أحِقُّ ذلك حقًّا ". وكذلك; وَعَدَ اللَّهُ و رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ و صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ و كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ (54) إنما هو; صَنَعَ الله هكذا صنعًا. فهكذا تفسير كل شيء في القرآن من نحو هذا، فإنه كثيرٌ.* * *وقال بعض نحويي الكوفة في قوله; " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله "، معناه; كتب الله آجالَ النفوس، ثم قيل; " كتابًا مؤجلا "، فأخرج قوله; " كتابًا مؤجلا "، نصبًا من المعنى الذي في الكلام، إذ كان قوله; " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله "، قد أدَّى عن معنى; " كتب "، (55) قال; وكذلك سائر ما في القرآن من نظائر ذلك، فهو على هذا النحو.* * *وقال آخرون منهم; قول القائل; " زيد قائم حقًّا "، بمعنى; " أقول زيد قائم حقًّا "، لأن كل كلام " قول "، فأدى المقول عن " القول "، ثم خرج ما بعده منه، كما تقول; " أقول قولا حقًّا "، وكذلك " ظنًّا " و " يقينًا " وكذلك; وَعَدَ اللَّهُ ، وما أشبهه.* * *قال أبو جعفر; والصواب من القول في ذلك عندي، أن كل ذلك منصوب على المصدر من معنى الكلام الذي قبله، لأن في كل ما قبل المصادر التي هي مخالفة ألفاظُها ألفاظَ ما قبلها من الكلام، معانِيَ ألفاظ المصادر وإن خالفها في اللفظ، فنصبها من معاني ما قبلها دون ألفاظه.القول في تأويل قوله جل ثناؤه ; وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)قال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه; من يرد منكم، أيها المؤمنون، بعمله جزاءً منه بعضَ أعراض الدنيا، دون ما عند الله من الكرامة لمن ابتغى بعمله ما عنده =" نؤته منها "، يقول; نعطه منها، يعني من الدنيا، يعني أنه يعطيه منها ما قُسم له فيها من رزق أيام حياته، ثم لا نصيب له في كرامة الله التي أعدها لمن أطاعه وطلب ما عنده في الآخرة =" ومن يرد ثوابَ الآخرة "، يقول; ومن يرد منكم بعمله جزاءً منه ثواب الآخرة، يعني; ما عند الله من كرامته التي أعدها للعاملين له في الآخرة =" نؤته منها "، يقول; نعطه منها، يعني من الآخرة. والمعنى; من كرامة ألله التي خصَّ بها أهلَ طاعته في الآخرة. فخرج الكلامُ على الدنيا والآخرة، والمعنىُّ ما فيهما. كما;-7955- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق; " ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها "، أي; فمن كان منكم يريد الدنيا، ليست له رغبة في الآخرة، نؤته ما قسم له منها من رزق، ولا حظ له في الآخرة = " ومن يرد ثواب الآخرة نوته منها " ما وعده، مع ما يُجرى عليه من رزقه في دنياه. (56)* * *وأما قوله; " وسنجزي الشاكرين "، يقول; وسأثيب من شكر لي ما أوليته من إحساني إليه = بطاعته إياي، وانتهائه إلى أمري، وتجنُّبه محارمي = في الآخرة مثل الذي وعدت أوليائي من الكرامة على شكرهم إياي.وقال ابن إسحاق في ذلك بما;-7956- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق; " وسنجزي الشاكرين "، أي; ذلك جزاء الشاكرين، يعني بذلك، إعطاء الله إياه ما وعده في الآخرة، مع ما يجري عليه من الرزق في الدنيا. (57)----------------------الهوامش ;(52) الأثر; 7954- سيرة ابن هشام 3; 118 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها; 7940.(53) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1; 104.(54) هذه مواضع الآيات من كتاب الله على الترتيب; [سورة النساء; 122 / سورة يونس; 4 / سورة لقمان; 9] / [سورة الكهف; 82 / سورة القصص; 46 / سورة الدخان; 6] / [سورة النمل; 88] / [سورة النساء; 24].(55) في المطبوعة; "عن معناه كتب" ، وهو كلام مختل ، والصواب من المخطوطة.(56) الأثر; 7955- سيرة ابن هشام 3; 118 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها; 7954. والاختلاف عظيم في لفظ الأثر.(57) الأثر; 7956- ليس في سيرة ابن هشام بنصه.
ثم أخبر تعالى أن النفوس جميعها متعلقة بآجالها بإذن الله وقدره وقضائه، فمن حتَّم عليه بالقدر أن يموت، مات ولو بغير سبب، ومن أراد بقاءه، فلو أتى من الأسباب كل سبب، لم يضره ذلك قبل بلوغ أجله، وذلك أن الله قضاه وقدره وكتبه إلى أجل مسمى: { إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } ثم أخبر تعالى أنه يعطي الناس من ثواب الدنيا والآخرة ما تعلقت به إراداتهم، فقال: { ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها } قال الله تعالى: { كلاًّ نمدُّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا } { وسنجزي الشاكرين } ولم يذكر جزاءهم ليدل ذلك على كثرته وعظمته، وليعلم أن الجزاء على قدر الشكر، قلة وكثرة وحسنا.
(الواو) عاطفة
(ما) نافية
(كان) فعل ماض ناقص
(لنفس) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر كان مقدم
(أن) حرف مصدري ونصبـ (تموت) مضارع منصوب والفاعل ضمير مستتر تقديره هي.
والمصدر المؤوّلـ (أن تموت) في محلّ رفع اسم كان.
(الّا) أداة حصر
(بإذن) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من فاعل تموت ،
(الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور
(كتابا) مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره كتب ذلك
(مؤجلا) نعت منصوبـ (الواو) عاطفة
(من) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ
(يرد) مضارع مجزوم فعل الشرط، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (ثواب) مفعول به منصوب(الدنيا) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على الألف
(نؤت) مضارع مجزوم جواب الشرط وعلامة الجزم حذف حرف العلّة، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن للتعظيم
(من) حرف جرّ و (ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (نؤته)
(الواو) عاطفة
(من يرد ... نؤته منها) مثل المتقدّمة
(الواو) عاطفة
(السين) حرف استقبالـ (نجزي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء، والفاعل نحن للتعظيم
(الشاكرين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء.
جملة: «ما كان لنفس أن تموت» لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة في السابقة.
وجملة: «تموت» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفي(أن) .
وجملة: «من يرد» لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «يرد ثواب ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(من) .
وجملة: «نؤته منها» لا محلّ لها جواب شرط جازم غير مقترنة بالفاء.
وجملة: «من يرد
(الثانية) » لا محلّ لها معطوفة على جملة من يرد
(الأولى) .
وجملة: «يرد ثوابـ (الثانية) » في محلّ رفع خبر
(من) » .
وجملة: «نؤته
(الثانية) » لا محلّ لها جواب شرط جازم غير مقترنة بالفاء.
وجملة: «سنجزي ... » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
- القرآن الكريم - آل عمران٣ :١٤٥
Ali 'Imran3:145