الرسم العثمانيفَرِحِينَ بِمَآ ءَاتٰىهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
الـرسـم الإمـلائـيفَرِحِيۡنَ بِمَاۤ اٰتٰٮهُمُ اللّٰهُ مِنۡ فَضۡلِهٖ ۙ وَيَسۡتَبۡشِرُوۡنَ بِالَّذِيۡنَ لَمۡ يَلۡحَقُوۡا بِهِمۡ مِّنۡ خَلۡفِهِمۡۙ اَ لَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُوۡنَۘ
تفسير ميسر:
لقد عَمَّتهم السعادة حين مَنَّ الله عليهم، فأعطاهم مِن عظيم جوده وواسع كرمه من النعيم والرضا ما تَقَرُّ به أعينهم، وهم يفرحون بإخوانهم المجاهدين الذين فارقوهم وهم أحياء؛ ليفوزوا كما فازوا، لِعِلْمِهم أنهم سينالون من الخير الذي نالوه، إذا استشهدوا في سبيل الله مخلصين له، وأن لا خوف عليهم فيما يستقبلون من أمور الآخرة، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا.
قوله تعالى "فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون" إلى آخر الآية أي الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله أحياء عند ربهم وهم فرحون بما هم فيه من النعمة والغبطة ومستبشرون بإخوانهم الذين يقتلون بعدهم في سبيل الله أنهم يقدمون عليهم وأنهم لا يخافون مما أمامهم ولا يحزنون على ما تركوه وراءهم نسأل الله الجنة وقال محمد بن إسحق "ويستبشرون" أي ويسرون بلحوق من لحقهم من إخوانهم على ما مضوا عليه من جهادهم ليشركوهم فيما هم فيه من ثواب الله الذي أعطاهم قال السدي يؤتى الشهيد بكتاب فيه يقدم عليك فلان يوم كذا وكذا ويقدم عليك فلان يوم كذا وكذا فيسر بذلك كما يسر أهل الدنيا بغائبهم إذا قدم قال سعيد بن جبير; لما دخلوا الجنة ورأوا ما فيها من الكرامة للشهداء قالوا; يا ليت إخواننا الذين في الدنيا يعلمون ما عرفناه من الكرامة فإذا شهدوا القتال باشروها بأنفسهم حتى يستشهدوا فيصيبوا ما أصبنا من الخير فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمرهم وما هم فيه من الكرامة وأخبرهم أي ربهم أني قد أنزلت على نبيكم وأخبرته بأمركم وما أنتم فيه فاستبشروا بذلك فذلك قوله "ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم" الآية وقد ثبت في الصحيحين عن أنس في قصة أصحاب بئر معونة السبعين من الأنصار الذين قتلوا في غداة واحدة وقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على الذين قتلوهم ويلعنهم قال أنس; ونزل فيهم قرآن قرأناه حتى رفع "أن بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا".
و فرحين نصب في موضع الحال من [ ص; 259 ] المضمر في يرزقون . ويجوز في الكلام " فرحون " على النعت لأحياء . وهو من الفرح بمعنى السرور . والفضل في هذه الآية هو النعيم المذكور . وقرأ ابن السميقع " فارحين " بالألف وهما لغتان ، كالفره والفاره ، والحذر والحاذر ، والطمع والطامع ، والبخل والباخل . قال النحاس ; ويجوز في غير القرآن رفعه ، يكون نعتا لأحياء .قوله تعالى ; ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم المعنى لم يلحقوا بهم في الفضل ، وإن كان لهم فضل . وأصله من البشرة ; لأن الإنسان إذا فرح ظهر أثر السرور في وجهه . وقال السدي . ; يؤتى الشهيد بكتاب فيه ذكر من يقدم عليه من إخوانه ، فيستبشر كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا . وقال قتادة وابن جريج والربيع وغيرهم ; استبشارهم بأنهم يقولون ; إخواننا الذين تركنا خلفنا في الدنيا يقاتلون في سبيل الله مع نبيهم ، فيستشهدون فينالون من الكرامة مثل ما نحن فيه ; فيسرون ويفرحون لهم بذلك . وقيل ; إن الإشارة بالاستبشار للذين لم يلحقوا بهم إلى جميع المؤمنين وإن لم يقتلوا ، ولكنهم لما عاينوا ثواب الله وقع اليقين بأن دين الإسلام هو الحق الذي يثيب الله عليه ; فهم فرحون لأنفسهم بما آتاهم الله من فضله ، مستبشرون للمؤمنين بأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . ذهب إلى هذا المعنى الزجاج وابن فورك .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)قال أبو جعفر; يعني بذلك تعالى ذكره; ويفرحون بمن لم يلحق بهم من إخوانهم الذين فارقوهم وهم أحياء في الدنيا على مناهجهم من جهاد أعداء الله مع رسوله، لعلمهم بأنهم إن استشهدوا فلحقوا بهم صاروا من كرامة الله إلى مثل الذي صاروا هم إليه، فهم لذلك مستبشرون بهم، فرحون أنهم إذا صاروا كذلك &; 7-396 &; =" لا خوف عليهم ولا هم يحزنون "، يعني بذلك; (43) لا خوف عليهم، لأنهم قد أمنوا عقاب الله، وأيقنوا برضاه عنهم، فقد أمنوا الخوف الذي كانوا يخافونه من ذلك في الدنيا، ولا هم يحزنون على ما خلَّفوا وراءهم من أسباب الدنيا ونكد عيشها، للخفض الذي صارُوا إليه والدعة والزُّلْفة. (44) .* * *ونصب " أن لا " بمعنى; يستبشرون لهم بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. (45) .وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;8226- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله; " ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم " الآية، يقول; لإخوانهم الذين فارقوهم على دينهم وأمرهم، لما قدموا عليه من الكرامة والفضل والنعيم الذي أعطاهم.8227- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج; " ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم " الآية، قال، يقولون; إخواننا يقتلون كما قتلنا، يلحقونا فيصيبون من كرامة الله تعالى ما أصبنا.8228- حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع; ذكر لنا عن بعضهم في قوله; وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، قال; هم قتلى بدر وأحد، زعموا أن الله تبارك وتعالى لما قبض أرواحهم وأدخلهم الجنة، (46) جُعلت أرواحهم في طير خضر ترعى في &; 7-397 &; الجنة، وتأوي إلى قناديل من ذهب تحت العرش. فلما رأوا ما أعطاهم الله من الكرامة، قالوا; ليت إخواننا الذين بعدنا يعلمون ما نحن فيه! فإذا شهدوا قتالا تعجَّلوا إلى ما نحن فيه! فقال الله تعالى; إنيّ منـزل على نبيكم ومخبر إخوانكم بالذي أنتم فيه. ففرحوا به واستبشروا، وقالوا; يخبر الله نبيكم وإخوانكم بالذي أنتم فيه، فإذا شهدوا قتالا أتوكم! قال; فذلك قوله; فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إلى قوله; أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ .8229- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق; " ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم "، أي; ويسرون بلحوق من لحق بهم من إخوانهم على ما مضوا عليه من جهادهم، ليشركوهم فيما هم فيه من ثواب الله الذي أعطاهم، وأذهب الله عنهم الخوف والحزن. (47) .8230- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; " ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم "، قال; هم إخوانهم من الشهداء ممَّن يُستشهد من بعدهم =" لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " حتى بلغ; وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ .8231- حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي; أما " يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم "، فإن الشهيد يؤتى بكتاب فيه من يقدم عليه من إخوانه وأهله، فيقال; " يقدم عليك فلان يوم كذا وكذا، ويقدم عليك فلان يوم كذا وكذا "، فيستبشر حين يقدم عليه، كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا.------------------الهوامش ;(43) انظر تفسير نظيرة هذه الآية فيما سلف 1; 551 / 2 ; 150 ، 512 ، 513 / 5; 519.(44) "الخفض"; لين العيش وسعته وخصبه ، يقال; "عيش خفض ، وخافض ، وخفيض ، ومخفوض"; خصيب في دعة ولين. و"الزلفة"; القربة والدرجة والمنزلة ، عند الله رب العالمين.(45) انظر معاني القرآن للفراء 1; 247.(46) انظر تفسير"زعم" فيما سلف قريبًا ص 392 تعليق; 1.(47) الأثر; 8229- سيرة ابن هشام 3; 126 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها; 8220 ونص ابن هشام; "قد أذهب الله. . ." ، وهو أجود.
{ فرحين بما آتاهم الله من فضله } أي: مغتبطين بذلك، قد قرت به عيونهم، وفرحت به نفوسهم، وذلك لحسنه وكثرته، وعظمته، وكمال اللذة في الوصول إليه، وعدم المنغص، فجمع الله لهم بين نعيم البدن بالرزق، ونعيم القلب والروح بالفرح بما آتاهم من فضله: فتم لهم النعيم والسرور، وجعلوا { يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم } أي: يبشر بعضهم بعضا، بوصول إخوانهم الذين لم يلحقوا بهم، وأنهم سينالون ما نالوا، { ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون } أي: يستبشرون بزوال المحذور عنهم وعن إخوانهم المستلزم كمال السرور
(فرحين) حال منصوبة من الضمير في(يرزقون) ، أو في أحياء في الآية السابقة
(الباء) حرف جرّ و (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بفرحين
(آتى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف و (هم) ضمير مفعول به
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(من فضل) جارّ ومجرور متعلّق بـ (آتاهم) ،
(الواو) حاليّة ،(يستبشرون) مضارع مرفوع ... والواو فاعلـ (الباء) مثل الأولـ (الذين) في محلّ جرّ متعلّق بـ (يستبشرون) ،
(لم) حرف نفي وقلب وجزم
(يلحقوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون والواو فاعلـ (الباء) مثل الأول و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (يلحقوا) ،
(من خلف) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من الفاعل في(يلحقوا) أي كائنين من خلفهم أو باقين من خلفهم و (هم) ضمير مضاف إليه
(أن) مخفّفة من الثقيلة والاسم ضمير الشأن محذوف
(لا) نافية مهملة- أو عاملة عمل ليس-
(خوف) مبتدأ مرفوع ،
(عليهم) مثل بهم متعلّق بمحذوف خبر
(الواو) عاطفة
(لا) زائدة لتأكيد النفي(هم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ
(يحزنون) مضارع مرفوع ... والواو فاعل.
جملة: آتاهم الله ... لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: يستبشرون ... في محلّ رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره هم » .
وجملة: «لم يلحقوا بهم» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «لا خوف عليهم» في محلّ رفع خبر
(أن) المخفّفة.
والمصدر المؤول أن
(هـ) .. في محلّ جرّ بحرف جرّ محذوف أي بأن لا خوف ... ، والجارّ والمجرور متعلّق بما تعلّق به الجارّ
(بالذين) .. أو أن المصدر المؤوّل في محلّ جرّ بدل اشتمال من الموصولـ (الذين) .وجملة: «هم يحزنون» في محلّ رفع معطوفة على جملة لا خوف عليهم.
وجملة: «يحزنون» في محلّ رفع خبر المبتدأ
(هم) .
- القرآن الكريم - آل عمران٣ :١٧٠
Ali 'Imran3:170