الرسم العثمانيكُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيٰمَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيٰوةُ الدُّنْيَآ إِلَّا مَتٰعُ الْغُرُورِ
الـرسـم الإمـلائـيكُلُّ نَفۡسٍ ذَآٮِٕقَةُ الۡمَوۡتِؕ وَاِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ اُجُوۡرَكُمۡ يَوۡمَ الۡقِيٰمَةِؕ فَمَنۡ زُحۡزِحَ عَنِ النَّارِ وَاُدۡخِلَ الۡجَـنَّةَ فَقَدۡ فَازَ ؕ وَمَا الۡحَيٰوةُ الدُّنۡيَاۤ اِلَّا مَتَاعُ الۡغُرُوۡرِ
تفسير ميسر:
كل نفس لا بدَّ أن تذوق الموت، وبهذا يرجع جميع الخلق إلى ربهم؛ ليحاسبهم. وإنما تُوفَّون أجوركم على أعمالكم وافية غير منقوصة يوم القيامة، فمن أكرمه ربه ونجَّاه من النار وأدخله الجنة فقد نال غاية ما يطلب. وما الحياة الدنيا إلا متعة زائلة، فلا تغترُّوا بها.
يخبر تعالى إخبارا عاما يعم جميع الخليقة بأن كل نفس ذائقة الموت كقوله تعالى "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" فهو تعالى وحده الذي لا يموت والجن والإنس يموتون وكذلك الملائكة وحملة العرش وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء فيكون آخرا كما كان أولا وهذه الآية فيها تعزية لجميع الناس فإنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت فإذا انقضت العدة وفرغت النطفة التي قدر الله وجودها من صلب آدم وانتهت البرية أقام الله القيامة وجازى الخلائق بأعمالها جليلها وحقيرها قليلها وكثيرها كبيرها وصغيرها فلا يظلم أحدا مثقال ذرة ولهذا قال تعالى "وإنما توفون أجوركم يوم القيامة" قال ابن أبي حاتم حدثنا عبدالعزيز الأويسي حدثنا علي بن أبي علي الهاشمي عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبى طالب رضي الله عنه قال; لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية جاءهم آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه فقال; السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته "كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة" إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته قال جعفر بن محمد فأخبرني أبي أن على بن أبي طالب قال;أتدرون من هذا؟ هذا الخضر عليه السلام. وقوله "فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز" أي من جنب النار ونجا منها وأدخل الجنة فقد فاز كل الفوز قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن عبدالله الأنصاري حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرءوا إن شئم "فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز" هذا حديث ثابت في الصحيحين من غير هذا الوجه بدون هذه الزيادة. وقد رواه بهذه الزيادة أبو حاتم وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث محمد بن عمرو. هذا ورواه ابن مردويه من وجه آخر فقال; حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن يحيى أنبأنا حميد بن مسعدة أنبأنا عمرو بن علي عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها" ثم تلا هذه الآية "فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز" وتقدم عند قوله تعالى "ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" ما رواه وكيع بن الجراح في تفسيره عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبدالرحمن بن عبد رب الكعبة عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه". وقد رواه الإمام أحمد في مسنده عن وكيع به وقوله تعالى "وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" تصغير لشأن الدنيا وتحقير لأمرها وأنها دنيئة فانية قليلة زائلة كما قال تعالى "بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى" وقال "وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى". وفي الحديث "والله ما الدنيا في الآخرة إلا كما يغمس أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم ترجع إليه" وقال قتادة في قوله تعالى "وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" قال; هي متاع متروكة أوشكت والله الذي لا إله إلا هو أن تضمحل عن أهلها فخذوا من هذا المتاع طاعة الله إن استطعتم ولا قوة إلا بالله.
قوله تعالى ; كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرورفيه سبع مسائل ;الأولى ; لما أخبر جل وتعالى عن الباخلين وكفرهم في قولهم ; إن الله فقير ونحن أغنياء وأمر المؤمنين بالصبر على أذاهم في قوله ; لتبلون الآية - بين أن ذلك مما ينقضي ولا يدوم ; فإن أمد الدنيا قريب ، ويوم القيامة يوم الجزاء . ذائقة الموت من الذوق ، وهذا مما لا محيص عنه للإنسان ، ولا محيد عنه لحيوان . وقد قال أمية بن أبي الصلت ;من لم يمت عبطة يمت هرما للموت كأس وإن المرء ذائقهاوقال آخر ;الموت باب وكل الناس داخله فليت شعري بعد الباب ما الدارالثانية ; قراءة العامة ذائقة الموت بالإضافة . وقرأ الأعمش ويحيى وابن أبي إسحاق " ذائقة الموت " بالتنوين ونصب الموت . قالوا ; لأنها لم تذق بعد . وذلك أن اسم الفاعل على ضربين ; أحدهما أن يكون بمعنى المضي . والثاني بمعنى الاستقبال ; فإن أردت الأول لم يكن فيه إلا الإضافة إلى ما بعده ; كقولك ; هذا ضارب زيد أمس ، وقاتل بكر أمس ; لأنه يجري مجرى الاسم الجامد وهو العلم ، نحو غلام زيد ، وصاحب بكر . قال الشاعر ;الحافظو عورة العشيرة لا يأ تيهم من ورائهم وكفوإن أردت الثاني جاز الجر . والنصب والتنوين فيما هذا سبيله هو الأصل ; لأنه يجري [ ص; 279 ] مجرى الفعل المضارع فإن كان الفعل غير متعد ، لم يتعد نحو قائم زيد . وإن كان متعديا عديته ونصبت به ، فتقول ; زيد ضارب عمرا بمعنى يضرب عمرا . ويجوز حذف التنوين والإضافة تخفيفا ، كما قال المرار " ;سل الهموم بكل معطي رأسه ناج مخالط صهبة متعيسمغتال أحبله مبين عنقه في منكب زبن المطي عرندسفحذف التنوين تخفيفا ، والأصل ; معط رأسه بالتنوين والنصب ، ومثل هذا أيضا في التنزيل قوله تعالى هل هن كاشفات ضره وما كان مثله .الثالثة ; ثم اعلم أن للموت أسبابا وأمارات ، فمن علامات موت المؤمن عرق الجبين . أخرجه النسائي من حديث بريدة قال ; سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ; المؤمن يموت بعرق الجبين . وقد بيناه في " التذكرة " فإذا احتضر لقن الشهادة ; لقوله عليه السلام ; لقنوا موتاكم لا إله إلا الله لتكون آخر كلامه فيختم له بالشهادة ; ولا يعاد عليه منها لئلا يضجر . ويستحب قراءة " يس " ذلك الوقت ; لقوله عليه السلام ; اقرءوا يس على موتاكم أخرجه أبو داود . وذكر الآجري في كتاب النصيحة من حديث أم الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ; ما من ميت يقرأ عنده سورة يس إلا هون عليه الموت . فإذا قضي وتبع البصر الروح كما [ ص; 280 ] أخبر - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم وارتفعت العبادات وزال التكليف ، توجهت على الأحياء أحكام ; منها ; تغميضه ، وإعلام إخوانه الصلحاء بموته . وكرهه قوم وقالوا ; هو من النعي . والأول أصح ، وقد بيناه في غير هذا الموضع . ومنها الأخذ في تجهيزه بالغسل والدفن لئلا يسرع إليه التغير ; قال - صلى الله عليه وسلم - لقوم أخروا دفن ميتهم ; عجلوا بدفن جيفتكم وقال ; أسرعوا بالجنازة الحديث ، وسيأتي .الرابعة ; فأما غسله فهو سنة لجميع المسلمين حاشا الشهيد على ما تقدم . قيل ; غسله واجب قاله القاضي عبد الوهاب . والأول ; مذهب الكتاب ، وعلى هذين القولين العلماء . وسبب الخلاف قوله عليه السلام لأم عطية في غسلها ابنته زينب ، على ما في كتاب مسلم . وقيل ; هي أم كلثوم ، على ما في كتاب أبي داود ; اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك الحديث . وهو الأصل عند العلماء في غسل الموتى . فقيل ; المراد بهذا الأمر بيان حكم الغسل فيكون واجبا . وقيل ; المقصود منه تعليم كيفية الغسل فلا يكون فيه ما يدل على الوجوب . قالوا ويدل عليه قوله ; ( إن رأيتن ذلك ) وهذا يقتضي إخراج ظاهر الأمر عن الوجوب ; لأنه فوضه إلى نظرهن . قيل لهم ; هذا فيه بعد ; لأن ردك ( إن رأيتن ) إلى الأمر ، ليس السابق إلى الفهم بل السابق رجوع هذا الشرط إلى أقرب مذكور ، وهو ( أكثر من ذلك ) أو إلى التخيير في الأعداد . وعلى الجملة فلا خلاف في أن غسل الميت مشروع معمول به في الشريعة لا يترك . وصفته كصفة غسل الجنابة على ما هو معروف . ولا يجاوز السبع غسلات في غسل الميت بإجماع ; على ما حكاه أبو عمر . فإن خرج منه شيء بعد السبع غسل الموضع [ ص; 281 ] وحده ، وحكمه حكم الجنب إذا أحدث بعد غسله . فإذا فرغ من غسله كفنه في ثيابه وهي ;الخامسة ; والتكفين واجب عند عامة العلماء ، فإن كان له مال فمن رأس ماله عند عامة العلماء إلا ما حكي عن طاوس أنه قال ; من الثلث كان المال قليلا أو كثيرا . فإن كان الميت ممن تلزم غيره نفقته في حياته من سيد إن كان عبدا أو أب أو زوج أو ابن ; فعلى السيد باتفاق ، وعلى الزوج والأب والابن باختلاف . ثم على بيت المال أو على جماعة المسلمين على الكفاية . والذي يتعين منه بتعيين الفرض ستر العورة ; فإن كان فيه فضل غير أنه لا يعم جميع الجسد غطي رأسه ووجهه إكراما لوجهه وسترا لما يظهر من تغير محاسنه .والأصل في هذا قصة مصعب بن عمير ، فإنه ترك يوم أحد نمرة كان إذا غطي رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غطي رجلاه خرج رأسه ; فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; ضعوها مما يلي رأسه واجعلوا على رجليه من الإذخر أخرج الحديث مسلم .والوتر مستحب عند كافة العلماء في الكفن ، وكلهم مجمعون على أنه ليس فيه حد والمستحب منه البياض قال - صلى الله عليه وسلم - ; البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم أخرجه أبو داود . وكفن - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف . والكفن في غير البياض جائز إلا أن يكون حريرا أو خزا .فإن تشاح الورثة في الكفن قضي عليهم في مثل لباسه في جمعته وأعياده قال - صلى الله عليه وسلم - ; إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه أخرجه مسلم . إلا أن يوصي بأقل من ذلك . فإن أوصى بسرف قيل ; يبطل الزائد . وقيل ; يكون في الثلث . والأول أصح ; لقوله تعالى ; ولا تسرفوا . وقال أبو بكر ; إنه للمهلة . فإذا فرغ من غسله وتكفينه ووضع على سريره واحتمله الرجال على أعناقهم وهي ;السادسة ; فالحكم الإسراع في المشي ; لقوله عليه السلام ; أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم . لا كما يفعله اليوم [ ص; 282 ] الجهال في المشي رويدا والوقوف بها المرة بعد المرة ، وقراءة القرآن بالألحان إلى ما لا يحل ولا يجوز حسب ما يفعله أهل الديار المصرية بموتاهم . روى النسائي ; أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا خالد قال أنبأنا عيينة بن عبد الرحمن قال حدثني أبي قال ; شهدت جنازة عبد الرحمن بن سمرة وخرج زياد يمشي بين يدي السرير ، فجعل رجال من أهل عبد الرحمن ومواليهم يستقبلون السرير ويمشون على أعقابهم ويقولون ; رويدا رويدا ، بارك الله فيكم ! فكانوا يدبون دبيبا ، حتى إذا كنا ببعض طريق المربد لحقنا أبو بكرة - رضي الله عنه - على بغلة فلما رأى الذين يصنعون حمل عليهم ببغلته وأهوى إليهم بالسوط فقال ; خلوا ! فوالذي أكرم وجه أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - لقد رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنها لنكاد نرمل بها رملا ، فانبسط القوم . وروى أبو ماجدة عن ابن مسعود قال سألنا نبينا صلى الله عليه سلم عن المشي مع الجنازة فقال ; دون الخبب إن يكن خيرا يعجل إليه وإن يكن غير ذلك فبعدا لأهل النار الحديث . قال أبو عمر ; والذي عليه جماعة العلماء في ذلك الإسراع فوق السجية قليلا ، والعجلة أحب إليهم من الإبطاء . ويكره الإسراع الذي يشق على ضعفة الناس ممن يتبعها . وقال إبراهيم النخعي ; بطئوا بها قليلا ولا تدبوا دبيب اليهود والنصارى . وقد تأول قوم الإسراع في حديث أبي هريرة تعجيل الدفن لا المشي ، وليس بشيء لما ذكرنا . وبالله التوفيق .السابعة ; وأما الصلاة عليه فهي واجبة على الكفاية كالجهاد . هذا هو المشهور من مذاهب العلماء ; مالك وغيره ; لقوله في النجاشي ; قوموا فصلوا عليه . وقال أصبغ ; إنها سنة . وروى عن مالك . وسيأتي لهذا المعنى زيادة بيان في " براءة " .الثامنة ; وأما دفنه في التراب ودسه وستره فذلك واجب ; لقوله تعالى ; فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه . وهناك يذكر حكم بنيان القبر وما [ ص; 283 ] يستحب منه ، وكيفية جعل الميت فيه . ويأتي في " الكهف " حكم بناء المسجد عليه ، إن شاء الله تعالى . فهذه جملة من أحكام الموتى وما يجب لهم على الأحياء . وعن عائشة قالت ; قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا أخرجه مسلم . وفي سنن النسائي عنها أيضا قالت ; ذكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - هالك بسوء فقال ; لا تذكروا هلكاكم إلا بخير .قوله تعالى ; وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فأجر المؤمن ثواب ، وأجر الكافر عقاب ، ولم يعتد بالنعمة والبلية في الدنيا أجرا وجزاء ; لأنها عرصة الفناء .فمن زحزح عن النار أي أبعد . وأدخل الجنة فقد فاز ظفر بما يرجو ، ونجا مما يخاف . وروى الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ; من سره أن يزحزح عن النار وأن يدخل الجنة فلتأته منيته وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه . عن أبي هريرة قال ; قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرءوا إن شئتم فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز .وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور أي تغر المؤمن وتخدعه فيظن طول البقاء وهي فانية . والمتاع ما يتمتع به وينتفع ; كالفأس والقدر والقصعة ثم يزول ولا يبقى ملكه ; قاله أكثر المفسرين . قال الحسن ; كخضرة النبات ، ولعب البنات لا حاصل له . وقال قتادة ; هي متاع [ ص; 284 ] متروك توشك أن تضمحل بأهلها ; فينبغي للإنسان أن يأخذ من هذا المتاع بطاعة الله سبحانه ما استطاع . ولقد أحسن من قال ;هي الدار دار الأذى والقذى ودار الفناء ودار الغيرفلو نلتها بحذافيرها لمت ولم تقض منها الوطرأيا من يؤمل طول الخلود وطول الخلود عليه ضررإذا أنت شبت وبان الشباب فلا خير في العيش بعد الكبروالغرور ( بفتح الغين ) الشيطان ; يغر الناس بالتمنية والمواعيد الكاذبة . قال ابن عرفة ; الغرور ما رأيت له ظاهرا تحبه ، وفيه باطن مكروه أو مجهول . والشيطان غرور ; لأنه يحمل على محاب النفس ، ووراء ذلك ما يسوء . قال ; ومن هذا بيع الغرر ، وهو ما كان له ظاهر بيع يغر وباطن مجهول .
القول في تأويل قوله ; كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)قال أبو جعفر; يعني بذلك تعالى ذكره; أن مصير هؤلاء المفترين على الله من اليهود، المكذبين برسوله، الذين وصف صفتهم، وأخبر عن جراءتهم على ربهم= ومصير غيرهم من جميع خلقه تعالى ذكره، ومرجع جميعهم، إليه. لأنه قد حَتم الموت على جميعهم، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم; لا يحزنك تكذيبُ من كذبك، يا محمد، من هؤلاء اليهود وغيرهم، وافتراء من افترى عليَّ، فقد كُذِّب قبلك رسلٌ جاءوا من الآيات والحجج من أرسلوا إليه، بمثل الذي جئتَ من أرسلت إليه، فلك فيهم أسوة تتعزى بهم، ومصيرُ من كذَّبك وافترى عليّ وغيرهم ومرجعهم إليّ، فأوفّي كل نفس منهم جزاء عمله يوم القيامة، كما قال جل ثناؤه; " وإنما توفَّون أجوركم يوم القيامة "، يعني; أجور أعمالكم، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشر=" فمن زحزح عن النار "، يقول; فمن نُحِّي عن النار وأبعد منها (19) =" فقد فاز "، يقول; فقد نجا وظفر بحاجته.* * *يقال منه; " فاز فلان بطلبته، يفوز فوزًا ومفازًا ومفازة "، إذا ظفر بها.* * *وإنما معنى ذلك; فمن نُحِّي عن النار فأبعد منها وأدخل الجنة، فقد نجا وظفر بعظيم الكرامة=" وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور "، يقول; وما لذّات الدنيا وشهواتها وما فيها من زينتها وزخارفها=" إلا متاع الغرور "، يقول; إلا متعة يمتعكموها الغرور والخداع المضمحلّ الذي لا حقيقة له عند الامتحان، ولا صحة له عند الاختبار. فأنتم تلتذون بما متعكم الغرور من دنياكم، ثم هو عائد عليكم بالفجائع والمصائب والمكاره. يقول تعالى ذكره; ولا تركنوا إلى الدنيا فتسكنوا إليها، فإنما أنتم منها في غرور تمتَّعون، ثم أنتم عنها بعد قليل راحلون. (20)* * *وقد روي في تأويل ذلك ما;-8314 - حدثني به المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن بكير بن الأخنس، عن عبد الرحمن بن سابط في قوله; " وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور "، قال; كزاد الراعي، تزوِّده الكفّ من التمر، أو الشيء من الدقيق، أو الشيء يشرب عليه اللبن.* * *فكأن ابن سابط ذهب في تأويله هذا، إلى أن معنى الآية; وما الحياة الدنيا إلا متاعٌ قليلٌ، لا يُبلِّغ مَنْ تمتعه ولا يكفيه لسفره. وهذا التأويل، وإن كان وجهًا من وجوه التأويل، فإن الصحيح من القول فيه هو ما قلنا. لأن " الغرور " إنما هو الخداع في كلام العرب. وإذ كان ذلك كذلك، فلا وجه لصرفه إلى معنى القلة، لأن الشيء قد يكون قليلا وصاحبه منه في غير خداع ولا غرور. وأما الذي هو في غرور، فلا القليل يصح له ولا الكثير مما هو منه في غرور.* * *و " الغرور " مصدر من قول القائل; " غرني فلان فهو يغرُّني غرورًا " بضم " الغين ". وأما إذا فتحت " الغين " من " الغرور "، فهو صفة للشيطان الغَرور، الذي يغر ابن آدم حتى يدخله من معصية الله فيما يستوجب به عقوبته.* * *وقد;8315 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبدة وعبد الرحيم قالا حدثنا &; 7-454 &; محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم; موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، واقرءوا إن شئتم " وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ". (21)-----------------------الهوامش ;(19) انظر تفسير"زحزح" فيما سلف 2; 375.(20) انظر تفسير; "المتاع" فيما سلف 1; 539 ، 540 / 3; 55.(21) الحديث; 8315 - عبدة; هو ابن سليمان الكلابي الكوفي. وعبد الرحيم; هو ابن سليمان المروزي الأشل.والحديث رواه أحمد في المسند; 9649 (ج2 ص438 حلبي) ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد ابن عمرو - بهذا الإسناد.وكذلك رواه الترمذي 4; 85 ، عن عبد بن حميد وغيره ، عن محمد بن عمرو. وقال; "هذا حديث حسن صحيح".وكذلك رواه الحاكم في المستدرك 2; 299 ، من طريق شجاع بن الوليد ، عن محمد بن عمرو. وقال; "هذا حديث على شرط مسلم ، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.وذكره ابن كثير 2; 311 ، من رواية ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن محمد بن عمرو.ثم قال ابن كثير; "هذا حديث ثابت في الصحيحين ، من غير هذا الوجه ، بدون هذه الزيادة [يعني ذكر الآية في الحديث]. وقد رواه بهذه الزيادة أبو حاتم بن حبان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ، من حديث محمد بن عمرو".وذكره السيوطي 2; 107 ، وزاد نسبته لابن أبي شيبة ، وهناد ، وعبد بن حميد. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب 4; 277 ، من رواية الترمذي - ضمن ألفاظ للحديث بمعناه ، عند أحمد ، والبخاري ، والطبراني في الأوسط"بأسناد رواته رواة الصحيح" ، وابن حبان في صحيحه.
هذه الآية الكريمة فيها التزهيد في الدنيا بفنائها وعدم بقائها، وأنها متاع الغرور، تفتن بزخرفها، وتخدع بغرورها، وتغر بمحاسنها، ثم هي منتقلة، ومنتقل عنها إلى دار القرار، التي توفى فيها النفوس ما عملت في هذه الدار، من خير وشر. { فمن زحزح } أي: أخرج، { عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } أي: حصل له الفوز العظيم من العذاب الأليم، والوصول إلى جنات النعيم، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ومفهوم الآية، أن من لم يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فإنه لم يفز، بل قد شقي الشقاء الأبدي، وابتلي بالعذاب السرمدي. وفي هذه الآية إشارة لطيفة إلى نعيم البرزخ وعذابه، وأن العاملين يجزون فيه بعض الجزاء مما عملوه، ويقدم لهم أنموذج مما أسلفوه، يفهم هذا من قوله: { وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } أي: توفية الأعمال التامة، إنما يكون يوم القيامة، وأما ما دون ذلك فيكون في البرزخ، بل قد يكون قبل ذلك في الدنيا كقوله تعالى: { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر }
(كل) مبتدأ مرفوع
(نفس) مضاف إليه مجرور
(ذائقة) خبر مرفوع و (الموت) مضاف إليه مجرور
(الواو) عاطفة
(إنّما) كافّة ومكفوفة
(توفّون) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع.. والواو نائب فاعلـ (أجور) مفعول به منصوب و (كم) ضمير مضاف إليه
(يوم) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ (توفّون) ،
(القيامة) مضاف إليه مجرور
(الفاء) عاطفة
(من) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ
(زحزح) فعل ماض مبنيّ للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو (عن النار) جارّ ومجرور متعلّق بـ (زحزح) ،
(الواو) عاطفة
(أدخل) مثل زحزح
(الجنّة) مفعول به منصوب على السعة
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(قد) حرف تحقيق
(فاز) فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو.
(الواو) استئنافيّة
(ما) نافية مهملة
(الحياة) مبتدأ مرفوع
(الدنيا) نعت للحياة مرفوع مثله وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف
(إلّا) أداة حصر
(متاع) خبر الحياة مرفوع
(الغرور) مضاف إليه مجرور.
جملة: «كلّ نفس ذائقة.» لا محلّ لها استئنافيّة.وجملة: «توفّون أجوركم» لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «من زحزح
(الاسميّة) » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «زحزح ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(من) » .
وجملة: «أدخل ... » في محلّ رفع معطوفة على جملة زحزح.
وجملة: «قد فاز» في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة: «الحياة ... متاع» لا محلّ لها استئنافيّة.
- القرآن الكريم - آل عمران٣ :١٨٥
Ali 'Imran3:185