الرسم العثمانياللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ
الـرسـم الإمـلائـياَللّٰهُ الَّذِىۡ خَلَقَكُمۡ مِّنۡ ضُعۡفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنۡۢ بَعۡدِ ضُعۡفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنۡۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ ضُعۡفًا وَّشَيۡبَةً ؕ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ ۚ وَهُوَ الۡعَلِيۡمُ الۡقَدِيۡرُ
تفسير ميسر:
الله تعالى هو الذي خلقكم من ماء ضعيف مهين، وهو النطفة، ثم جعل من بعد ضعف الطفولة قوة الرجولة، ثم جعل من بعد هذه القوة ضعف الكبر والهرم، يخلق الله ما يشاء من الضعف والقوة، وهو العليم بخلقه، القادر على كل شيء.
ينبه تعالى على تنقل الإنسان في أطوار الخلق حال بعد حال فأصله من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم يصير عظاما ثم تكسى العظام لحما وينفخ فيه الروح ثم يخرج من بطن أمه ضعيفا نحيفا واهن القوى ثم يشب قليلا قليلا حتى يكون صغيرا ثم حدثا ثم مراهقا ثم شابا وهو القوة بعد الضعف ثم يشرع في النقص فيكتهل ثم يشيخ ثم يهرم وهو الضعف بعد القوة فتضعف الهمة والحركة والبطش وتشيب اللمة وتتغير الصفات الظاهرة والباطنة ولهذا قال تعالى "ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء" أي يفعل ما يشاء ويتصرف في عبيده بما يريد "وهو العليم القدير" قال الإمام أحمد حدثنا وكيع عن فضيل ويزيد حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي قال; قرأت على ابن عمر "الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا" فقال "الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا" ثم قال قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قرأت علي فأخذ علي كما أخذت عليك ورواه أبو داود والترمذي وحسنه من حديث فضيل به ورواه أبو داود حديث عبدالله بن جابر عن عطية عن أبي سعيد بنحوه.
قوله تعالى ; الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير .قوله تعالى ; الله الذي خلقكم من ضعف ذكر استدلالا آخر على قدرته في نفس الإنسان ليعتبر . ومعنى ; من ضعف من نطفة ضعيفة . وقيل ; من ضعف أي في حال ضعف ; وهو ما كانوا عليه في الابتداء من الطفولة والصغر . وأجاز النحويون الكوفيون من ضعف بفتح العين ، وكذا كل ما كان فيه حرف من حروف الحلق ثانيا أو ثالثا . ثم جعل من بعد ضعف قوة يعني الشبيبة . ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يعني الهرم . وقرأ عاصم وحمزة ; بفتح الضاد فيهن ، الباقون بالضم ، لغتان ، والضم لغة النبي صلى الله عليه وسلم . وقرأ الجحدري ; من ضعف ثم جعل من بعد ضعف بالفتح فيهما ; ( ضعفا ) بالضم خاصة . أراد أن يجمع بين اللغتين . قال الفراء ; الضم لغة قريش ، والفتح لغة تميم . الجوهري ; الضعف ، والضعف ; خلاف القوة . وقيل ; الضعف بالفتح في الرأي ، وبالضم في الجسد ; ومنه الحديث في الرجل الذي كان [ ص; 44 ] يخدع في البيوع ; أنه يبتاع وفي عقدته ضعف . و ( شيبة ) مصدر كالشيب ، والمصدر يصلح للجملة ، وكذلك القول في الضعف والقوة . يخلق ما يشاء يعني من قوة وضعف . وهو العليم بتدبيره . القدير على إرادته . وأجاز النحويون الكوفيون من ضعف بفتح العين ، وكذا كل ما كان فيه حرف من حروف الحلق ثانيا أو ثالثا .
القول في تأويل قوله تعالى ; اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذّبين بالبعث من مشركي قريش، محتجا عليهم بأنه القادر على ذلك، وعلى ما يشاء; (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) أيها الناس (مِنْ ضَعْفٍ) يقول; من نطفة وماء مهين، فأنشأكم بشرا سويا، (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) يقول; ثم جعل لكم قوّة على التصرّف، من بعد خلقه إياكم من ضعف، ومن بعد ضعفكم بالصغر والطفولة، (ثُم جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً) يقول; ثم أحدث لكم الضعف، بالهرم والكبر عما كنتم عليه أقوياء في شبابكم، وشيبة.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قَتادة قوله; (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) أي من نطفة ( ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا ) الهرم (وَشَيْبَةً) الشمط.وقوله; (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) يقول تعالى ذكر; يخلق ما يشاء من ضعف وقوّة وشباب وشيب (وَهُوَ العَلِيمُ) بتدبير خلقه (القَدِيرُ) على ما يشاء، لا يمتنع عليه شيء أراده، فكما فعل هذه الأشياء، فكذلك يميت خلقه ويحييهم إذا شاء. يقول; واعلموا أن الذي فعل هذه الأفعال بقدرته يحيي الموتى إذا شاء.
يخبر تعالى عن سعة علمه وعظيم اقتداره وكمال حكمته، ابتدأ خلق الآدميين من ضعف وهو الأطوار الأول من خلقه من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى أن صار حيوانا في الأرحام إلى أن ولد، وهو في سن الطفولية وهو إذ ذاك في غاية الضعف وعدم القوة والقدرة. ثم ما زال اللّه يزيد في قوته شيئا فشيئا حتى بلغ سن الشباب واستوت قوته وكملت قواه الظاهرة والباطنة، ثم انتقل من هذا الطور ورجع إلى الضعف والشيبة والهرم.{ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } بحسب حكمته. ومن حكمته أن يري العبد ضعفه وأن قوته محفوفة بضعفين وأنه ليس له من نفسه إلا النقص، ولولا تقوية اللّه له لما وصل إلى قوة وقدرة ولو استمرت قوته في الزيادة لطغى وبغى وعتا.وليعلم العباد كمال قدرة اللّه التي لا تزال مستمرة يخلق بها الأشياء، ويدبر بها الأمور ولا يلحقها إعياء ولا ضعف ولا نقص بوجه من الوجوه.
(من ضعف) متعلّق بـ (خلقكم) ،
(من بعد) متعلّق بمحذوف مفعول به ثان عامله جعل في الموضعين
(ما) اسم موصول في محلّ نصب مفعول به، والعائد محذوف
(الواو) عاطفة- أو حاليّة-
(القدير) خبر ثان مرفوع.
جملة: «الله الذي ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «خلقكم..» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذي) .
وجملة: «جعلـ (الأولى) » لا محلّ لها معطوفة على جملة خلقكم.
وجملة: «جعلـ (الثانية) » لا محلّ لها معطوفة على جملة جعلـ (الأولى) .وجملة: «يخلق ... » في محلّ رفع خبر ثان للمبتدأ
(الله) .
وجملة: «يشاء» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «هو العليم ... » في محلّ رفع معطوفة على جملة يخلق» .
- القرآن الكريم - الروم٣٠ :٥٤
Ar-Rum30:54