قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمٰوٰتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلٰى هُدًى أَوْ فِى ضَلٰلٍ مُّبِينٍ
قُلۡ مَنۡ يَّرۡزُقُكُمۡ مِّنَ السَّمٰوٰتِ وَالۡاَرۡضِؕ قُلِ اللّٰهُ ۙ وَ اِنَّاۤ اَوۡ اِيَّاكُمۡ لَعَلٰى هُدًى اَوۡ فِىۡ ضَلٰلٍ مُّبِيۡنٍ
تفسير ميسر:
قل -أيها الرسول- للمشركين; مَن يرزقكم من السماوات بالمطر، ومن الأرض بالنبات والمعادن وغير ذلك؟ فإنهم لا بدَّ أن يُقِرُّوا بأنه الله، وإن لم يُقِرُّوا بذلك فقل لهم; الله هو الرزاق، وإنَّ أحد الفريقين منا ومنكم لعلى هدى متمكن منه، أو في ضلال بيِّن منغمس فيه.
يقول تعالى مقررا تفرده بالخلق والرزق وانفراده بالإلهية أيضا فكما كانوا يعترفون بأنهم لا يرزقهم من السماء والأرض أي بما ينزل من المطر وينبت من الزرع إلا الله فكذلك فليعلموا أنه لا إله غيره وقوله تعالى " وإنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين " هذا من باب اللف والنشر أي واحد من الفريقين مبطل والآخر محق لا سبيل إلى أن تكونوا أنتم ونحن على الهدى أو على الضلال بل واحد منا مصيب ونحن قد أقمنا البرهان على التوحيد فدل على بطلان ما أنتم عليه من الشرك بالله تعالى ولهذا قال " وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ".قال قتادة قد قال ذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم للمشركين والله ما نحن وإياكم على أمر واحد إن أحد الفريقين لمهتد وقال عكرمة وزياد بن أبي مريم معناها إنا نحن لعلى هدى وإنكم لفي ضلال مبين.
قوله تعالى ; قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين .قوله تعالى ; قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله لما ذكر أن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرة مما يقدر عليه الرب قرر ذلك فقال ; قل يا محمد للمشركين من يرزقكم من السماوات والأرض أي من يخلق لكم هذه الأرزاق الكائنة من السماوات ; أي عن المطر والشمس والقمر والنجوم وما فيها من المنافع . ( والأرض ) أي الخارجة من الأرض عن الماء والنبات أي لا يمكنهم أن يقولوا هذا فعل آلهتنا - فيقولون لا ندري ، فقل إن الله يفعل ذلك الذي يعلم ما في نفوسكم وإن قالوا ; إن الله يرزقنا فقد تقررت الحجة بأنه الذي ينبغي أن يعبد . وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين هذا على وجه الإنصاف في الحجة ; كما يقول القائل ; أحدنا كاذب ، وهو يعلم أنه صادق وأن صاحبه كاذب . والمعنى ; ما نحن وأنتم على أمر واحد ، بل على أمرين متضادين ، وأحد الفريقين مهتد وهو نحن والآخر ضال وهو أنتم ; فكذبهم بأحسن من تصريح التكذيب ، والمعنى ; أنتم الضالون حين أشركتم بالذي يرزقكم من السماوات والأرض . ( أو إياكم ) معطوف على اسم ( إن ) ولو عطف على الموضع لكان ( أو أنتم ) ويكون لعلى هدى للأول لا غير وإذا قلت ; ( أو إياكم ) كان للثاني أولى ، وحذفت من الأول ، ويجوز أن يكون للأول ، وهو اختيار المبرد ، قال ; ومعناه معنى قول المستبصر لصاحبه على صحة الوعيد والاستظهار بالحجة الواضحة ; أحدنا كاذب ، قد عرف المعنى ، كما تقول ; أنا أفعل كذا وتفعل أنت كذا وأحدنا مخطئ ، وقد عرف أنه هو [ ص; 269 ] المخطئ ، فهكذا وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين . و ( أو ) عند البصريين على بابها وليست للشك ، ولكنها على ما تستعمل العرب في مثل هذا إذا لم يرد المخبر أن يبين وهو عالم بالمعنى . وقال أبو عبيدة والفراء ; هي بمعنى الواو ، وتقديره ; وإنا على هدى وإياكم لفي ضلال مبين . وقال جرير ;أثعلبة الفوارس أو رياحا عدلت بهم طهية والربابايعني أثعلبة ورياحا . وقال آخر ;فلما اشتد أمر الحرب فينا وتأملنا رياحا أو رزاما
&; 20-401 &; القول في تأويل قوله تعالى ; قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; قل يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم الأوثان والأصنام; من يرزقكم من السماوات والأرض بإنـزاله الغيث عليكم منها حياة لحروثكم، وصلاحًا لمعايشكم، وتسخيره الشمس والقمر والنجوم لمنافعكم، ومنافع أقواتكم، والأرض بإخراجه منها أقواتكم وأقوات أنعامكم، وترك الخبر عن جواب القوم استغناء بدلالة الكلام عليه، ثم ذكره، وهو; فإن قالوا; لا ندري، فقل; الذي يرزقكم ذلك الله وإنَّا أو إياكم أيها القوم لعلى هدى أو في ضلال مبين; يقول; قل لهم; إنا لعلى هدى أو في ضلال، أو إنكم على ضلال أو هدى.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) قال; قد قال ذلك أصحاب محمد للمشركين، والله ما أنا وأنتم على أمر واحد، إن أحد الفريقين لمهتد.وقد قال قوم; معنى ذلك; وإنا لعلى هدى وإنكم لفي ضلال مبين.* ذكر من قال ذلك;حثني إسحاق بن إبراهيم الشهيدي قال; ثنا عتاب بن بشير، عن خصيف عن عكرمة وزياد في قوله ( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) قال; إنا لعلى هدى، وإنكم لفي ضلال مبين.واختلف أهل العربية في وجه دخول " أو " في هذا الموضع؛ فقال بعض نحويي البصرة; ليس ذلك لأنه شك ولكن هذا في كلام العرب على أنه هو المهتدي، قال; وقد يقول الرجل لعبده; أحدنا ضارب صاحبه. ولا يكون فيه إشكال على السامع أن المولى هو الضارب.وقال آخر منهم; معنى ذلك; إنا لعلى هدى، وإنكم إياكم لفي ضلال مبين، لأن العرب تضع " أو " في موضع واو الموالاة، قال جرير;أثَعْلَبَـــةَ الفَـــوَارسِ أوْ رِياحــاعَــدَلتَ بهــم طُهَيَّــةَ والخِشـابا (1)قال; يعني; ثعلبة ورياحا، قال; وقد تكلم بهذا من لا يشك في دينه، وقد علموا أنهم على هدى، وأولئك في ضلال، فيقال; هذا وإن كان كلامًا واحدًا على جهة الاستهزاء، فقال; هذا لهم، وقال;فــإن يَــكُ حـبُّهُمْ رُشْـدًا أُصِبْـهُولسْــتُ بِمُخْــطِيءٍ إن كـانَ غيَّـا (2)وقال بعض نحويي الكوفة; معنى " أو " ومعنى الواو في هذا الموضع في المعنى، غير أن القرينة على غير ذلك، لا تكون " أو " بمنـزلة الواو ولكنها تكون في الأمر المفوض، كما تقول; إن شئت فخذ درهمًا أو اثنين، فله أن يأخذ اثنين أو واحدًا، وليس له أن يأخذ ثلاثة. قال; وهو في قول من لا يبصر العربية، ويجعل " أو " بمنـزلة الواو، ويجوز له أن يأخذ ثلاثة، لأنه في قولهم بمنـزلة قولك; خذ درهمًا أو اثنين، قال; والمعنى في ( إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ ) إنا لضالون أو مهتدون، وإنكم أيضًا لضالون وهو يعلم أن رسوله هو المهتدي وأن غيره الضال. قال; وأنت تقول في الكلام للرجل يكذبك; والله إن أحدنا لكاذب، وأنت تعنيه، وكذبته تكذيبًا غير مكشوف، وهو في القرآن وكلام العرب كثير، أن يوجه الكلام إلى أحسن مذاهبه إذا عرف، كقول القائل لمن قال; والله لقد قدم فلان، وهو كاذب، فيقول; قل; إن شاء الله، أو قل; فيما أظن، فيكذبه بأحسن تصريح التكذيب. قال; ومن كلام العرب أن يقولوا; قاتله الله، ثم يستقبح فيقولون; قاتله الله، وكاتعه الله. قال; ومن ذلك; ويحك وويسك، إنما هي في معنى ويلك، إلا أنها دونها. والصواب من القول في ذلك عندي أن ذلك أمر من الله لنبيه بتكذيب من أمره بخطابه بهذا القول بأجمل التكذيب، كما يقول الرجل لصاحب يخاطبه، وهو يريد تكذيبه في خبر له; أحدنا كاذب، وقائل ذلك يعني صاحبه لا نفسه، فلهذا المعنى صير الكلام بـ " أو ".------------------------الهوامش;(1) البيت لجرير. وهو من شواهد سيبويه (الكتاب 1 ; 52 ، 489) وروايته في الموضع الثاني "أو رياحا". وفي الموضع الأول; "أم ريحا". قال; فأما إذا قلت أتضرب أو تحبس زيدا، وهو بمنزلة أزيدا أو عمرا ضربت. قال الشاعر; "أثعلبة ... البيت". وإن قلت; أزيدا تضرب أو تقتل كان كقولك أتقتل زيدا أو عمرا ضربت. قال; و"أم" في كل هذا; جيد. وإن قال; أتجلس أم تذهب. فأم وأو فيه سواء.والبيت; من شواهد أبي عبيدة في; (مجاز القرآن الورقة 99 - ب) قال في تفسير الآية; (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين); لأن العرب تضع أو في موضع واو الموالاة، قال; أثعلبة الفوارس أو ... البيت. يعني ثعلبة ورياحا. وقال قد يتكلم بهذا من يشك في دينه، وقد علموا أنهم على هدى، وأولئك على ضلال، فقال هذا، وإن كان كلاما واحدا، على وجه الاستهزاء يقال هذا له. وقال;إنْ يَكُــنْ حُــبُّهُمْ رُشْــدًا أُصِبْـهُوَلَسْــتُ بِمُخْــطِئٍ إنْ كـانَ غَيًّـاقلت; وقد سمى ابن هشام في المعنى "أو" هذه; أو التي للإبهام.(2) البيت لأبي الأسود الدؤلي، قال صاحب الأغاني ترجمته; كان أَبو الأسود الدؤلي نازلا في بني قشير، وكانت بنو قشير عثمانية، وكانت امرأته أمُّ عوف منهم، فكانوا يؤذونه ويسبونه وينالون من علي بن أبي طالب بحضرته، ليغيظوه به، ويرمونه بالليل، فقال في ذلك أبياتا يهجوهم ويمدح عليا وآل بيته. فقال له بنو قشير; شككت يا أبا الأسود في صاحبك حيث تقول; (فإن يك حبهم رشدا أصبه) فقال; أما سمعتم قول الله عز وجل; (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين). أفترى الله جل وعز شكك في نبيه. وقد روي أن معاوية قال هذه المقالة، فأجابه بهذا الجواب. ا . هـ. وقال الفراء في معاني القرآن (الورقتان 263 ، 264) في تفسير قوله تعالى; (وإنا أو إياكم) ... الآية; قال المفسرون; معناه; وإنا لعلى هدى، وأنتم في ضلال مبين.معنى "أو" معنى الواو عندهم. كذلك هو المعنى. غير أن العربية على غير ذلك. لا تكون "أو" بمنزلة الواو، ولكنها تكون في الأمر المفوض (واو الإباحة) كما تقول; إن شئت خذ درهما أو اثنين، فله أن يأخذ واحدا أو اثنين، وليس له أن يأخذ ثلاثة؛ في قول من لا يبصر بالعربية، ويجعل أو بمنزلة الواو، ويجوز له أن يأخذ ثلاثة، لأنه في قولهم بمنزلة قولك; خذ درهما واثنين.فالمعنى في قوله; (إنا أو إياكم) إنا لضالون أو مهتدون، وإنكم أيضا لضالون أو مهتدون، وهو يعلم أن رسوله المهتدي، وأن غيره الضالون ... إلخ ما قاله.
يأمر تعالى, نبيه محمدا صلى اللّه عليه وسلم, أن يقول لمن أشرك باللّه ويسأله عن حجة شركه: { مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } فإنهم لا بد أن يقروا أنه اللّه، ولئن لم يقروا فـ { قُلِ اللَّهُ } فإنك لا تجد من يدفع هذا القول، فإذا تبين أن اللّه وحده الذي يرزقكم من السماوات والأرض, وينزل [لكم] المطر, وينبت لكم النبات, ويفجر لكم الأنهار, ويطلع لكم من ثمار الأشجار, وجعل لكم الحيوانات جميعها, لنفعكم ورزقكم, فلم تعبدون معه من لا يرزقكم شيئا, ولا يفيدكم نفعا؟.وقوله: { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } أي: إحدى الطائفتين منا ومنكم, على الهدى, مستعلية عليه, أو في ضلال مبين، منغمرة فيه، وهذا الكلام يقوله من تبين له الحق, واتضح له الصواب, وجزم بالحق الذي هو عليه, وبطلان ما عليه خصمه.أي: قد شرحنا من الأدلة الواضحة عندنا وعندكم, ما به يعلم علما يقينا لا شك فيه, من المحق منا, ومن المبطل, ومن المهتدي ومن الضال؟ حتى إنه يصير التعيين بعد ذلك, لا فائدة فيه، فإنك إذا وازنت بين من يدعو إلى عبادة الخالق, لسائر المخلوقات المتصرف فيها, بجميع أنواع التصرفات, المسدي جميع النعم, الذي رزقهم وأوصل إليهم كل نعمة, ودفع عنهم كل نقمة, الذي له الحمد كله, والملك كله, وكل أحد من الملائكة فما دونهم, خاضعون لهيبته, متذللون لعظمته, وكل الشفعاء تخافه, لا يشفع أحد منهم عنده إلا بإذنه العلي الكبير, في ذاته, وأوصافه, وأفعاله, الذي له كل كمال, وكل جلال, وكل جمال, وكل حمد وثناء ومجد، يدعو إلى التقرب لمن هذا شأنه, وإخلاص العمل له, وينهى عن عبادة من سواه, وبين من يتقرب إلى أوثان, وأصنام, وقبور, لا تخلق, ولا ترزق, ولا تملك لأنفسها, ولا لمن عبدها, نفعا ولا ضرا, ولا موتا ولا حياة, ولا نشورا، بل هي جمادات, لا تعقل, ولا تسمع دعاء عابديها, ولو سمعته ما استجابت لهم، ويوم القيامة يكفرون بشركهم, ويتبرأون منهم, ويتلاعنون بينهم، ليس لهم قسط من الملك, ولا شركة فيه, ولا إعانة فيه، ولا لهم شفاعة يستقلون بها دون اللّه، فهو يدعو مَنْ هذا وصفه, ويتقرب إليه مهما أمكنه, ويعادي من أخلص الدين للّه, ويحاربه, ويكذب رسل اللّه, الذين جاءوا بالإخلاص للّه وحده، تبين لك أي الفريقين, المهتدي من الضال, والشقي من السعيد؟ ولم يحتج إلى أن يعين لك ذلك, لأن وصف الحال, أوضح من لسان المقال.
(من) اسم استفهام مبتدأ
(من السموات) متعلّق بـ (يرزقكم) ،
(الله) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع خبره محذوف دلّ عليه الكلام المتقدّم أي: الله رازقكم
(الواو) عاطفة
(أو) حرف عطف للإبهام
(إيّاكم) ضمير منفصل في محلّ نصب معطوف على الضمير المتّصل اسم إنّ
(اللام) المزحلقة
(على هدى) متعلّق بخبر إنّ
(في ضلال) مثل على هدى معطوف عليه بـ (أو) .
جملة: «قل ... » لا محلّ لها استئنافيّة.وجملة: «من يرزقكم ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «يرزقكم» في محلّ رفع خبر المبتدأ
(من) .
وجملة: «قلـ (الثانية) ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «الله
(رازقكم) » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «إنّا ... لعلى هدى ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة الله
(رازقكم) .