فَأَقْبَلُوٓا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ
فَاَقۡبَلُوۡۤا اِلَيۡهِ يَزِفُّوۡنَ
تفسير ميسر:
فأقبلوا إليه يَعْدُون مسرعين غاضبين.
قوله تعالى ههنا "فأقبلوا إليه يزفون" قال مجاهد وغير واحد أي يسرعون.
فأقبلوا إليه يزفون قرأ حمزة " يزفون " بضم الياء . الباقون بفتحها . أي ; يسرعون ، قاله ابن زيد . قتادة والسدي ; يمشون . وقيل ; المعنى يمشون بجمعهم على مهل آمنين أن يصيب أحد آلهتهم بسوء . وقيل ; المعنى يتسللون تسللا بين المشي والعدو ، ومنه زفيف النعامة . وقال الضحاك ; يسعون . وحكى يحيى بن سلام ; يرعدون غضبا . وقيل ; يختالون وهو مشي الخيلاء ، قاله مجاهد . ومنه أخذ زفاف العروس إلى زوجها . وقال الفرزدق ;وجاء قريع الشول قبل إفالها يزف وجاءت خلفه وهي زفف[ ص; 87 ] ومن قرأ ; " يزفون " فمعناه يزفون غيرهم أي ; يحملونهم على التزفيف . وعلى هذا فالمفعول محذوف . قال الأصمعي ; أزففت الإبل أي ; حملتها على أن تزف . وقيل ; هما لغتان . يقال ; زف القوم وأزفوا ، وزففت العروس وأزففتها وازدففتها بمعنى ، والمزفة ; المحفة التي تزف فيها العروس ، حكى ذلك عن الخليل النحاس ; " يزفون " بضم الياء . زعم أبو حاتم أنه لا يعرف هذه اللغة ، وقد عرفها جماعة من العلماء منهم الفراء وشبهها بقولهم ; أطردت الرجل أي ; صيرته إلى ذلك . وطردته نحيته ، وأنشد [ للمخبل السعدي ] هو وغيره ;تمنى حصين أن يسود جذاعة فأمسى حصين قد أذل وأقهراأي ; صير إلى ذلك ، فكذلك " يزفون " يصيرون إلى الزفيف . قال محمد بن يزيد ; الزفيف الإسراع . وقال أبو إسحاق ; الزفيف أول عدو النعام . وقال أبو حاتم ; وزعم الكسائي أن قوما قرءوا " فأقبلوا إليه يزفون " خفيفة ، من وزف يزف ، مثل وزن يزن . قال النحاس ; فهذه حكاية أبي حاتم وأبو حاتم لم يسمع من الكسائي شيئا . وروى الفراء وهو صاحب الكسائي عن الكسائي أنه لا يعرف " يزفون " مخففة . قال الفراء ; وأنا لا أعرفها . قال أبو إسحاق ; وقد عرفها غيرهما أنه يقال وزف يزف إذا أسرع . قال النحاس ; ولا نعلم أحدا قرأ " يزفون " .قلت ; هي قراءة عبد الله بن يزيد فيما ذكر المهدوي . الزمخشري ; و " يزفون " على البناء للمفعول . " يزفون " من زفاه إذا حداه ، كأن بعضهم يزف بعضا لتسارعهم إليه . وذكر الثعلبي عن الحسن ومجاهد وابن السميقع ; " يرفون " بالراء من رفيف النعام ، وهو ركض بين المشي والطيران .
وقوله ( فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة، وبعض قرّاء الكوفة; ( فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ) بفتح الياء وتشديد الفاء من قولهم; زَفَّتِ النعامة، وذلك أوّل عدوها، وآخر مشيها; ومنه قول الفرزدق;وَجَــاءَ قَـرِيعُ الشَّـوْلِ قَبْـلَ إِفَالِهَـايَـزِفُّ وَجَـاءَتْ خَلْفَـهُ وَهِـيَ زُفَّفُ (2).وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة; " يُزِفُّونَ" بضم الياء وتشديد الفاء من أزف فهو يزف. وكان الفرّاء يزعم أنه لم يسمع في ذلك إلا زَفَفْت، ويقول; لعلّ قراءة من قرأه; " يُزِفُّونَ" بضم الياء من قول العرب; أطْرَدْتُ الرجل; أي صيرته طريدا، وطردته; إذا أنت خسئته إذا قلت; اذهب عنا; فيكون يزفون; أي جاءوا على هذه الهيئة بمنـزلة المزفوفة على هذه الحالة، فتدخل الألف. كما تقول; أحمدت الرجل; إذا أظهرت حمده، وهو محمد; إذا رأيت أمره إلى الحمد، ولم تنشر حمده; قال; وأنشدني المفضَّل;تَمَنَّــى حُـصَيْنٌ أنْ يَسُـودَ جِذَاعَـةُفأَمْسَــى حُـصَيْنٌ قَـدْ أذَلَّ وَأَقْهَـرا (3)فقال; أقهر، وإنما هو قُهِر، ولكنه أراد صار إلى حال قهر. وقرأ ذلك بعضهم." يَزِفُونَ" بفتح الياء وتخفيف الفاء من وَزَفَ يَزِفُ وذُكر عن الكسائي أنه لا يعرفها، وقال الفرّاء; لا أعرفها إلا أن تكون لغة لم أسمعها. وذُكر عن مجاهد أنه كان يقول; الوَزْف; النَّسَلان.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (إليه يزفون) قال; الوزيف; النسلان.والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأه بفتح الياء وتشديد الفاء، لأن ذلك هو الصحيح المعروف من كلام العرب، والذي عليه قراءة الفصحاء من القرّاء.وقد اختلف أهل التأويل في معناه، فقال بعضهم; معناه; فأقبل قوم إبراهيم إلى إبراهيم يَجْرُون.* ذكر من قال ذلك;حدثني عليّ ، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ) ; فأقبلوا إليه يجرون.وقال آخرون; أقبلوا إليه يَمْشُون.* ذكر من قال ذلك;محمد بن الحسين، قال; ثنا أحمد بن المفضل، قال; ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله ( فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ) قال; يَمْشُون.وقال آخرون; معناه; فأقبلوا يستعجلون.* ذكر من قال ذلك;حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد، عن أبيه ( فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ) قال; يستعجلون، قال; يَزِفّ; يستعجل.------------------------الهوامش;(2) البيت للفرزدق ( ديوانه طبعة الصاوي 558 ) من قصيدته التي مطلعها;" عزفت بأعشاش وما كدت تعزف" . ( وفي اللسان; قرع ) ; القريع من الإبل الذي يأخذ بذراع الناقة فينيخها. وقيل سمي قريعا لأنه يقرع الناقة، قال الفرزدق ( وأنشد بيت الشاهد ). والإفال; جمع أفيل وأفيلة، وهو الفصيل. وقال أبو عبيد; الإفال بنات المخاض. وفي ( اللسان; زفف ) الزفيف; سرعة المشي مع تقارب وسكون. وقيل; هو أول عدو النعام; زف يزف زفا، وزفيفا وزفوفا، وأزف عن الأعرابي. قال الفرّاء في معاني القرآن ; والناس يزفون بفتح الياء، أي يسرعون. وقرأها الأعمش يزفون ( بضم الياء ) أي يجيئون على هيئة الزفيف، بمنزلة المزفوفة على هذه الحال. وقال الزجاج; يزفون; يسرعون. وأصله من زفيف النعامة، وهو ابتداء عدوها .اهـ.(3) البيت للمخبل السعدي يهجو الزبرقان. واستشهد به الفرّاء في معاني القرآن ( مصورة الجامعة 273 ) لتخريج قراءة الأعمش قوله تعالى;" فأقبلوا إليه يزفون" بضم الياء. قال كأنها من أزفت، ولم نسمعها إلا زففت تقول للرجل; جاءنا يزف ( بفتح الياء ) . ولعل قراءة الأعمش من قول العرب; قد أطردت الرجل; أي صيرته طريدا، طردته إذا أنت قلت له; اذهب عنا." يزفون" ; أي جاءوا على هذه الهيئة بمنزلة المزفوفة. على هذه الحال، فتدخل الألف، كما تقول للرجلك هو محمود; إذا أظهرت حمده، وهو محمد; إذا رأيت أمره إلى الحمد؛ ولم تنشر حمده. قال; وأنشدني المفضل;" تمنى حصين ... البيت" فقال; اقهر; أي صار إلى القهر، وإنما هو قهر. وقرأ الناس بعد" يزفون" بفتح الياء وكسر الزاي. وقد قرأ بعض القراء;" يزفون" بالتخفيف كأنها من وزف يزف. وزعم الكسائي أنه لا يعرفها. وقال الفرّاء; لا أعرفها أيضا، إلا أن تكون لم تقع إلينا . وفي اللسان إلينا. وفي اللسان والمحكم; جذع; ( وجذاع الرجل; قومه، لا واحد لها ). قال المخبل يهجو الزبرقان;" تمنى... البيت". أي قد صار أصحابه أذلاء مقهورين ورواه الأصمعي; قد أذل وأقهرا ( بالبناء للمجهول ). أو يكون" أقهر" وجد مقهورا . وخص أبو عبيدة بالجذاع رهط الزبرقان.
{ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ } أي: يسرعون ويهرعون، أي: يريدون أن يوقعوا به، بعدما بحثوا وقالوا: { مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ } وقيل لهم { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } يقول: { تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ } فوبخوه ولاموه، فقال: { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنطِقُونَ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ } الآية.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة