الرسم العثمانيكِتٰبٌ أَنزَلْنٰهُ إِلَيْكَ مُبٰرَكٌ لِّيَدَّبَّرُوٓا ءَايٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبٰبِ
الـرسـم الإمـلائـيكِتٰبٌ اَنۡزَلۡنٰهُ اِلَيۡكَ مُبٰرَكٌ لِّيَدَّبَّرُوۡۤا اٰيٰتِهٖ وَلِيَتَذَكَّرَ اُولُوا الۡاَلۡبَابِ
تفسير ميسر:
هذا الموحى به إليك -أيها الرسول- كتاب أنزلناه إليك مبارك؛ ليتفكروا في آياته، ويعملوا بهداياته ودلالاته، وليتذكر أصحاب العقول السليمة ما كلفهم الله به.
قال تعالى "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب" أي ذوو العقول وهي الألباب جمع لب وهو العقل قال الحسن البصري والله ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول قرأت القرآن كله ما يرى له القرآن فى خلق ولا عمل رواه ابن أبي حاتم.
قوله تعالى ; كتاب أي هذا كتاب أنزلناه إليك مبارك يا محمد ليدبروا آياته أي ليتدبروا ، فأدغمت التاء في الدال . وفي هذا دليل على وجوب معرفة معاني القرآن ، ودليل على أن الترتيل أفضل من الهذ ، إذ لا يصح التدبر مع الهذ على ما بيناه في كتاب التذكار . وقال الحسن ; تدبر آيات الله اتباعها . وقراءة العامة " ليدبروا " . وقرأ أبو حنيفة وشيبة ; " لتدبروا " بتاء وتخفيف الدال ، وهي قراءة علي - رضي الله عنه - ، والأصل لتتدبروا ، فحذف إحدى التاءين تخفيفاوليتذكر أولو الألباب أي أصحاب العقول ، واحدها لب ، وقد جمع على ألب ، كما جمع بؤس على أبؤس ، ونعم على أنعم ، قال أبو طالب ;قلبي إليه مشرف الألبوربما أظهروا التضعيف في ضرورة الشعر ، قال الكميت ;إليكم ذوي آل النبي تطلعت نوازع من قلبي ظماء وألبب
وقوله ( كِتَابٌ أَنـزلْنَاهُ إِلَيْكَ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ; وهذا القرآن ( كِتَابٌ أَنـزلْنَاهُ إِلَيْكَ ) يا محمد ( مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ) يقول; ليتدبَّروا حُجَج الله التي فيه, وما شرع فيه من شرائعه, فيتعظوا ويعملوا به.واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة القراء; ( لِيَدَّبَّرُوا ) بالياء, يعني; ليتدبر هذا القرآن من أرسلناك إليه من قومك يا محمد. وقراءة أبو جعفر وعاصم " لتَدَّبَّرُوا آياته " بالتاء, بمعنى; لتتدبره أنت يا محمد وأتباعك.وأولى القراءتين عندنا بالصواب في ذلك أن يقال; إنهما قراءتان مشهورتان صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ( وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ ) يقول; وليعتبر أولو العقول والحِجَا ما في هذا الكتاب من الآيات, فيرتدعوا عما هم عليه مقيمين من الضلالة, وينتهوا إلى ما دلهم عليه من الرشاد وسبيل الصواب.وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ( أُولُو الألْبَابِ ) قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا محمد, قال; ثنا أحمد, قال; ثنا أسباط, عن السديّ( أُولُو الألْبَابِ ) قال; أولو العقول من الناس، وقد بيَّنا ذلك فيما مضى قبل بشواهده, بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
{ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ } فيه خير كثير، وعلم غزير، فيه كل هدى من ضلالة، وشفاء من داء، ونور يستضاء به في الظلمات، وكل حكم يحتاج إليه المكلفون، وفيه من الأدلة القطعية على كل مطلوب، ما كان به أجل كتاب طرق العالم منذ أنشأه اللّه.{ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ } أي: هذه الحكمة من إنزاله، ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمها ويتأملوا أسرارها وحكمها، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة، تدرك بركته وخيره، وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود.{ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } أي: أولو العقول الصحيحة، يتذكرون بتدبرهم لها كل علم ومطلوب، فدل هذا على أنه بحسب لب الإنسان وعقله يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب.
(كتاب) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا
(إليك) متعلّق بـ (أنزلناه) ،
(مبارك) خبر ثان مرفوع ،
(اللام) لام التعليلـ (يدّبروا) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام، وعلامة النصب حذف النون..
و (الواو) فاعل ...والمصدر المؤوّلـ (أن يدّبّروا) في محلّ جرّ بـ (اللام) متعلّق بـ (أنزلناه) .
(الواو) عاطفة
(ليتذكّر) مثلـ (ليدّبّروا) ،
(أولو) فاعل مرفوع وعلامة الرفع الواو فهو ملحق بجمع المذكّر.
جملة: «
(هذا) كتاب ... » لا محلّ لها استئنافيّة.وجملة: «أنزلناه..» في محلّ رفع نعت لكتاب.
وجملة: «يدّبّروا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (أن) المضمر.
وجملة: «يتذكّر أولو ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (أن) المضمر الثاني.
والمصدر المؤوّلـ (أن يتذكّر..) في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (أنزلناه) لأنه معطوف على المصدر الأول.
- القرآن الكريم - ص٣٨ :٢٩
Sad38:29