أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُۥ لِلْإِسْلٰمِ فَهُوَ عَلٰى نُورٍ مِّن رَّبِّهِۦ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولٰٓئِكَ فِى ضَلٰلٍ مُّبِينٍ
اَفَمَنۡ شَرَحَ اللّٰهُ صَدۡرَهٗ لِلۡاِسۡلَامِ فَهُوَ عَلٰى نُوۡرٍ مِّنۡ رَّبِّهٖؕ فَوَيۡلٌ لِّلۡقٰسِيَةِ قُلُوۡبُهُمۡ مِّنۡ ذِكۡرِ اللّٰهِؕ اُولٰٓٮِٕكَ فِىۡ ضَلٰلٍ مُّبِيۡنٍ
تفسير ميسر:
أفمن وسَّع الله صدره، فسعد بقبول الإسلام والانقياد له والإيمان به، فهو على بصيرة من أمره وهدى من ربه، كمن ليس كذلك؟ لا يستوون. فويل وهلاك للذين قَسَتْ قلوبهم، وأعرضت عن ذكر الله، أولئك في ضلال بيِّن عن الحق.
وقوله تبارك وتعالى "أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه" أي هل يستوي هذا ومن هو قاسي القلب بعيد عن الحق كقوله عز وجل "أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها" ولهذا قال تعالى "فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله" أي فلا تلين عند ذكره ولا تخشع ولا تعي ولا تفهم "أولئك في ضلال مبين".
قوله تعالى ; أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين .قوله تعالى ; أفمن شرح الله صدره للإسلام شرح فتح ووسع . قال ابن عباس ; وسع صدره للإسلام حتى ثبت فيه . وقال السدي ; وسع صدره بالإسلام للفرح به والطمأنينة إليه ، فعلى هذا لا يجوز أن يكون هذا الشرح إلا بعد الإسلام ، وعلى الوجه الأول يجوز أن يكون الشرح قبل الإسلام . فهو على نور من ربه أي على هدى من ربه . كمن طبع على قلبه وأقساه . ودل على هذا المحذوف قوله ; فويل للقاسية قلوبهم قال المبرد ; يقال ; قسا القلب إذا صلب ، وكذلك عتا وعسا مقاربة لها . وقلب قاس أي ; صلب لا يرق ولا يلين . والمراد بمن شرح الله صدره هاهنا فيما ذكر المفسرون علي وحمزة - رضي الله عنهما . وحكى النقاش أنه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - . وقال مقاتل ; عمار بن ياسر . وعنه أيضا والكلبي ; رسول الله صلى الله عليه وسلم . والآية عامة فيمن شرح الله صدره بخلق الإيمان فيه . وروى مرة عن ابن مسعود قال ; قلنا ; يا رسول الله ، قوله تعالى ; أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه كيف انشرح صدره ؟ قال ; إذا دخل النور القلب انشرح وانفتح . قلنا ; يا رسول الله ، وما علامة ذلك ؟ . قال ; الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزوله وخرجه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول من حديث ابن عمر ; أن رجلا قال ; يا رسول الله ، أي المؤمنين أكيس ؟ قال ; أكثرهم للموت ذكرا ، وأحسنهم له استعدادا ، وإذا دخل النور في القلب انفسح واستوسع . قالوا ; فما آية ذلك يا نبي الله ؟ قال ; الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت فذكر - صلى الله عليه وسلم - خصالا ثلاثة ، ولا [ ص; 221 ] شك أن من كانت فيه هذه الخصال فهو الكامل الإيمان ، فإن الإنابة إنما هي أعمال البر ; لأن دار الخلود إنما وضعت جزاء لأعمال البر ، ألا ترى كيف ذكره الله في مواضع في تنزيله ثم قال بعقب ذلك ; " جزاء بما كانوا يعملون " فالجنة جزاء الأعمال ، فإذا انكمش العبد في أعمال البر فهو إنابته إلى دار الخلود ، وإذا خمد حرصه عن الدنيا ، ولها عن طلبها ، وأقبل على ما يغنيه منها فاكتفى به وقنع ، فقد تجافى عن دار الغرور . وإذا أحكم أموره بالتقوى فكان ناظرا في كل أمر ، واقفا متأدبا متثبتا حذرا يتورع عما يريبه إلى ما لا يريبه ، فقد استعد للموت . فهذه علامتهم في الظاهر . وإنما صار هكذا لرؤية الموت ، ورؤية صرف الآخرة عن الدنيا ، ورؤية الدنيا أنها دار الغرور ، وإنما صارت له هذه الرؤية بالنور الذي ولج القلب .وقوله تعالى ; فويل للقاسية قلوبهم قيل ; المراد أبو لهب وولده ، ومعنى ; " من ذكر الله " أن قلوبهم تزداد قسوة من سماع ذكره . وقيل ; إن من بمعنى عن ، والمعنى قست عن قبول ذكر الله . وهذا اختيار الطبري . وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ; قال الله تعالى ; اطلبوا الحوائج من السمحاء ؛ فإني جعلت فيهم رحمتي ، ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم ؛ فإني جعلت فيهم سخطي . وقال مالك بن دينار ; ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب ، وما غضب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم .
القول في تأويل قوله تعالى ; أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22)يقول تعالى ذكره; أفمن فسح الله قلبه لمعرفته, والإقرار بوحدانيته, والإذعان لربوبيته, والخضوع لطاعته ( فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ) يقول; فهو على بصيرة مما هو عليه ويقين, بتنوير الحق في قلبه, فهو لذلك لأمر الله متبع, وعما نهاه عنه منته فيما يرضيه, كمن أقسى الله قلبه, وأخلاه من ذكره, وضيقه عن استماع الحق, واتباع الهدى, والعمل بالصواب؟ وترك ذكر الذي أقسى الله قلبه, وجواب الاستفهام اجتزاء بمعرفة السامعين المراد من الكلام, إذ ذكر أحد الصنفين, وجعل مكان ذكر الصنف الآخر الخبر عنه بقوله; ( فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ).وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة, قوله; ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ) يعني; كتاب الله, هو المؤمن به يأخذ, وإليه ينتهي.حدثنا محمد, قال; ثنا أحمد, قال; ثنا أسباط, عن السديّ, قوله; ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ ) قال; وسع صدره للإسلام, والنور; الهدى.حُدثت عن ابن أبي زائدة عن ابن جُرَيج, عن مجاهد ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ ) قال; ليس المنشرح صدره مثل القاسي قلبه.قوله; ( فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) يقول تعالى ذكره; فويل للذين جفت قلوبهم ونأت عن ذكر الله وأعرضت, يعني عن القرآن الذي أنـزله تعالى ذكره, مذكرا به عباده, فلم يؤمن به, ولم يصدّق بما فيه. وقيل; ( مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) والمعنى; عن ذكر الله, فوضعت " مِنْ" مكان " عن ", كما يقال في الكلام; أتخمت من طعام أكلته, وعن طعام أكلته بمعنى واحد.وقوله; ( أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) يقول تعالى ذكره; هؤلاء القاسية قلوبهم من ذكر الله في ضلال مبين, لمن تأمله وتدبره بفهم أنه في ضلال عن الحق جائر.
أي: أفيستوي من شرح اللّه صدره للإسلام، فاتسع لتلقي أحكام اللّه والعمل بها، منشرحا قرير العين، على بصيرة من أمره، وهو المراد بقوله: { فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ } كمن ليس كذلك، بدليل قوله: { فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ } أي: لا تلين لكتابه، ولا تتذكر آياته، ولا تطمئن بذكره، بل هي معرضة عن ربها، ملتفتة إلى غيره، فهؤلاء لهم الويل الشديد، والشر الكبير.{ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } وأي ضلال أعظم من ضلال من أعرض عن وليه؟ ومن كل السعادة في الإقبال عليه، وقسا قلبه عن ذكره، وأقبل على كل ما يضره؟\"
(الهمزة) للاستفهام الإنكاريّ
(الفاء) عاطفة
(من) اسم شرط جازم مبتدأ ،
(للإسلام) متعلّق بفعل شرح
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(على نور) متعلّق بخبر المبتدأ هو (من ربّه) متعلّق بنعت لنور
(الفاء) استئنافيّة
(ويل) مبتدأ مرفوع ،
(للقاسية) متعلّق بخبر المبتدأ ويلـ (قلوبهم) فاعل لاسم الفاعل القاسية
(من ذكر) متعلّق بالقاسية والجار للسببيّة
(في ضلال) خبر المبتدأ أولئك.
جملة: «من شرح ... » لا محلّ لها معطوفة على استئناف مقدّر للتعليل أي: أمن أسلم فمن شرح..
وجملة: «شرح ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(من) .
وجملة: «هو على نور ... » في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء .وجملة: «ويل للقاسية ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «أولئك في ضلال ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ- أو تعليليّة.