الرسم العثمانيمَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْءَاخِرَةِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًۢا بَصِيرًا
الـرسـم الإمـلائـيمَنۡ كَانَ يُرِيۡدُ ثَوَابَ الدُّنۡيَا فَعِنۡدَ اللّٰهِ ثَوَابُ الدُّنۡيَا وَالۡاٰخِرَةِ ؕ وَكَانَ اللّٰهُ سَمِيۡعًاۢ بَصِيۡرًا
تفسير ميسر:
من يرغب منكم -أيها الناس- في ثواب الدنيا ويعرض عن الآخرة، فعند الله وحده ثواب الدنيا والآخرة، فليطلب من الله وحده خيري الدنيا والآخرة، فهو الذي يملكهما. وكان الله سميعًا لأقوال عباده، بصيرًا بأعمالهم ونياتهم، وسيجازيهم على ذلك.
وقوله "من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة أي يا من ليس له همة إلا الدنيا اعلم أن عند الله ثواب الدنيا والآخرة وإذا سألته من هذه وهذه أعطاك وأغناك وأقناك كما قال تعالى "فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النا"ر أولئك لهم نصيب مما كسبوا الآية وقال تعالى "من كان يريد حرث الأخرة نزد له في حرثه" الآية وقال تعالى "من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد- إلى قوله - انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض" الآية وقد زعم ابن جرير أن المعنى في هذه الآية "من كان يريد ثواب الدنيا" أي من المنافقين الذين أظهروا الإيمان لأجل ذلك "فعند الله ثواب الدنيا " وهو ما حصل لهم من المغانم وغيرها مع المسلمين وقوله "والآخرة" أي وعند الله ثواب الآخرة وهو ما ادخره لهم من العقوبة في نار جهنم جعلها كقوله "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها - إلى قوله - وباطل ما كانوا يعملون" ولا شك أن هذه الآية معناها ظاهر وأما تفسيره الآية الأولى بهذا ففيه نظر فإن قوله "فعند الله ثواب الدنيا والآخرة" ظاهر في حصول الخير في الدنيا والآخرة أي بيده هذا وهذا فلا يقتصر قاصر الهمة على السعي للدنيا فقط بل لتكن همته سامية إلى نيل المطالب العالية في الدنيا والآخرة فإن مرجع ذلك كله إلى الذي بيده الضر والنفع وهو الله الذي لا إله إلا هو الذي قد قسم السعادة والشقاوة بين الناس في الدنيا والآخرة وعدل بينهم فيما علمه فيهم ممن يستحق هذا وممن يستحق هذا. ولهذا قال "وكان الله سميعا بصيرا".
قوله تعالى ; من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيراأي من عمل بما افترضه الله عليه طلبا للآخرة آتاه الله ذلك في الآخرة ، ومن عمل طلبا للدنيا آتاه بما كتب له في الدنيا وليس له في الآخرة من ثواب ؛ لأنه عمل لغير الله كما قال تعالى ; وما له في الآخرة من نصيب . وقال تعالى ; أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار . وهذا على أن يكون المراد بالآية المنافقون والكفار ، وهو اختيار الطبري . وروي أن المشركين كانوا لا يؤمنون بالقيامة ، وإنما . يتقربون إلى الله تعالى ليوسع عليهم في الدنيا ويرفع عنهم مكروهها ؛ فأنزل الله عز وجل من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا أي يسمع ما يقولونه ويبصر ما يسرونه .
القول في تأويل قوله ; مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)قال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه; " من كان يريد "، ممن أظهرَ الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل النفاق، (71) الذين يستبطنون الكفر وهم مع ذلك يظهرون الإيمان=" ثواب الدنيا "، يعني; عَرَض الدنيا، (72) بإظهارهِ مَا أظهر من الإيمان بلسانه. (73) =" فعند الله ثواب الدنيا "، يعني; جزاؤه في الدنيا منها وثوابه فيها، وهو ما يصيبُ من المغنم إذا شَهِد مع النبي مشهدًا، (74) وأمنُه على نفسه وذريته وماله، وما أشبه ذلك. وأما ثوابه في الآخرة، فنارُ جهنم.* * *فمعنى الآية; من كان من العاملين في الدنيا من المنافقين يريد بعمله ثوابَ الدنيا وجزاءَها من عمله، فإن الله مجازيه به جزاءَه في الدنيا من الدنيا، (75) وجزاءه في الآخرة من الآخرة من العقاب والنكال. وذلك أن الله قادر على ذلك كله، وهو مالك جميعه، كما قال في الآية الأخرى; مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سورة هود; 15-16] .* * *وإنما عنى بذلك جل ثناؤه; الذين تَتَيَّعُوا في أمر بني أبيرق، (76) والذين وصفهم في قوله; وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ [سورة النساء; 107، 108] ، ومن كان من نظرائهم في أفعالهم ونفاقهم.* * *وقوله; " وكان الله سميعًا بصيرًا "، يعني; وكان الله سميعًا لما يقول هؤلاء المنافقون الذين يريدون ثواب الدنيا بأعمالهم، وإظهارهم للمؤمنين ما يظهرون لهم إذا لَقُوا المؤمنين، وقولهم لهم; "آمنًا " (77) =" بصيرًا "، يعني; وكان ذا بصر بهم وبما هم عليه منطوون للمؤمنين، (78) فيما يكتمونه ولا يبدونه لهم من الغش والغِلّ الذي في صدورهم لهم. (79)* * *---------------الهوامش ;(71) في المطبوعة; "لمحمد صلى الله عليه وسلم" ، والصواب من المخطوطة.(72) انظر تفسير"ثواب" فيما سلف 2 ; 458 / 7 ; 262 ، 304 ، 490.(73) في المطبوعة; "بإظهار" بغير هاء ، وأثبت ما في المخطوطة.(74) في المطبوعة; "وثوابه فيها هو ..." ، وأثبت ما في المخطوطة.(75) قوله; "مجازيه به" ، كان في المخطوطة; "مجازيه بها" ، وفي المطبوعة ، حذف"بها" ، والصواب ما أثبت.(76) في المطبوعة; "الذين سعوا في أمر بني أبيرق" ، وفي المخطوطة ، كما كتبتها غير منقوطة. يقال; "تتيع فلان في الأمر وتتايع"; إذا أسرع إليه وتهافت فيه من غير فكر ولا روية. ولا يكون ذلك إلا في الشر ، لا يقال في الخير. والذي في المطبوعة صواب في المعنى والسياق والخبر ، ولكني تبعت رسم المخطوطة ، فهو موافق أيضًا لسياق قصتهم.(77) انظر تفسير"سميع" فيما سلف 6 ; 363 ، والمراجع هناك.(78) انظر تفسير"بصير" فيما سلف 6 ; 283 ، والمراجع هناك.(79) في المطبوعة ، حذف"لهم" من آخر هذه الجملة.
ثم أخبر أن مَن كانت همته وإرادته دنية غير متجاوزة ثواب الدنيا، وليس له إرادة في الآخرة فإنه قد قصر سعيه ونظره، ومع ذلك فلا يحصل له من ثواب الدنيا سوى ما كتب الله له منها، فإنه تعالى هو المالك لكل شيء الذي عنده ثواب الدنيا والآخرة، فليطلبا منه ويستعان به عليهما، فإنه لا ينال ما عنده إلا بطاعته، ولا تدرك الأمور الدينية والدنيوية إلا بالاستعانة به، والافتقار إليه على الدوام. وله الحكمة تعالى في توفيق من يوفقه، وخذلان من يخذله وفي عطائه ومنعه، ولهذا قال: { وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ْ}
(من) اسم شرط جازم مبني في محل رفع مبتدأ
(كان) فعل ماض ناقص مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، واسمه ضمير مستتر تقديره هو (يريد) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (ثواب) مفعول به منصوبـ (الدنيا) مضاف إليه مجرور وعلامة الجر الكسرة المقدرة على الألف
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(عند) ظرفمكان منصوب متعلق بخبر مقدم
(الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور
(ثواب) مبتدأ مؤخر مرفوع
(الدنيا) مثل الأولـ (الواو) عاطفة
(الآخرة) معطوف على الدنيا مجرور مثله
(الواو) استئنافية
(كان الله سميعا) مثل كان الله واسعا ،
(بصيرا) خبر ثان منصوب.
جملة «من كان ... » لا محل لها استئنافية.
وجملة «كان يريد ... » في محل رفع خبر المبتدأ
(من) .
وجملة «عند الله ثواب ... » في محل جزم جواب الشرط الجازم مقترنة بالفاء.
وجملة «كان الله سميعا ... » لا محل لها استئنافية.
- القرآن الكريم - النساء٤ :١٣٤
An-Nisa'4:134