الرسم العثمانييٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوٓا ءَامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَالْكِتٰبِ الَّذِى نَزَّلَ عَلٰى رَسُولِهِۦ وَالْكِتٰبِ الَّذِىٓ أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَالْيَوْمِ الْءَاخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلٰلًۢا بَعِيدًا
الـرسـم الإمـلائـييٰۤاَيُّهَا الَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡۤا اٰمِنُوۡا بِاللّٰهِ وَرَسُوۡلِهٖ وَالۡكِتٰبِ الَّذِىۡ نَزَّلَ عَلٰى رَسُوۡلِهٖ وَالۡكِتٰبِ الَّذِىۡۤ اَنۡزَلَ مِنۡ قَبۡلُؕ وَمَنۡ يَّكۡفُرۡ بِاللّٰهِ وَمَلٰٓٮِٕكَتِهٖ وَكُتُبِهٖ وَرُسُلِهٖ وَالۡيَوۡمِ الۡاٰخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلٰلًاۢ بَعِيۡدًا
تفسير ميسر:
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه داوموا على ما أنتم عليه من التصديق الجازم بالله تعالى وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ومن طاعتهما، وبالقرآن الذي نزله عليه، وبجميع الكتب التي أنزلها الله على الرسل. ومن يكفر بالله تعالى، وملائكته المكرمين، وكتبه التي أنزلها لهداية خلقه، ورسله الذين اصطفاهم لتبليغ رسالته، واليوم الآخر الذي يقوم الناس فيه بعد موتهم للعرض والحساب، فقد خرج من الدين، وبَعُدَ بعدًا كبيرًا عن طريق الحق.
يأمر تعالى عباده المؤمنين بالدخول في جميع شرائع الإيمان وشعبه وأركانه ودعائمه وليس هذا من باب تحصيل الحاصل بل من باب تكميل الكامل وتقريره وتثبيته والاستمرار عليه كما يقول المؤمن في كل صلاة اهدنا الصراط المستقيم أي بصرنا فيه وزدنا هدى وثبتنا عليه فأمرهم بالإيمان به وبرسوله كما قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله" وقوله "والكتاب الذي نزل على رسوله" يعني القرآن والكتاب الذي أنزل من قبل وهذا جنس يشمل جميع الكتب المتقدمة وقال في القرآن نزل لأنه "نزل" متفرقا منجما على الوقائع بحسب ما يحتاج إليه العباد في معاشهم ومعادهم وأما الكتب المتقدمة فكانت تنزل جملة واحدة لهذا قال تعالى "والكتاب الذي أنزل من قبل" ثم قال تعالى "ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا" أي فقد خرج عن طريق الهدى وبعد عن القصد كل البعد.
يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيداقوله تعالى ; يا أيها الذين آمنوا آمنوا الآية نزلت في جميع المؤمنين ؛ والمعنى ; يا أيها الذين صدقوا أقيموا على تصديقكم واثبتوا عليه . والكتاب الذي نزل على رسوله أي القرآن . والكتاب الذي أنزل من قبل أي كل كتاب أنزل على النبيين . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر " نزل " و " أنزل " بالضم . الباقون " نزل " و " أنزل " بالفتح . وقيل ; نزلت [ ص; 355 ] فيمن آمن بمن تقدم محمدا صلى الله عليه وسلم من الأنبياء عليهم السلام . وقيل ; إنه خطاب للمنافقين ؛ والمعنى على هذا يا أيها الذين آمنوا في الظاهر أخلصوا لله . وقيل ; المراد المشركون ؛ والمعنى يا أيها الذين آمنوا باللات والعزى والطاغوت آمنوا بالله ؛ أي صدقوا بالله وبكتبه .
القول في تأويل قوله ; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا (136)قال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه; " يا أيها الذين آمنوا "، بمن قبل محمد من الأنبياء والرسل، وصدَّقوا بما جاؤوهم به من عند الله="آمِنوا بالله ورسوله "، يقول; صدّقوا بالله وبمحمد رسوله، أنه لله رسولٌ، مرسل إليكم وإلى سائر الأمم قبلكم=" والكتاب الذي نـزل على رسوله "، يقول; وصدّقوا بما جاءكم به محمد من الكتاب الذي نـزله الله عليه، وذلك القرآن=" والكتاب الذي أنـزل من قبل "، يقول; وآمنوا بالكتاب الذي أنـزل الله من قبل الكتاب الذي نـزله على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو التوراة والإنجيل.* * *فإن قال قائل; وما وجه دعاء هؤلاء إلى الإيمان بالله ورسوله وكتبه، وقد سماهم " مؤمنين "؟قيل; إنه جل ثناؤه لم يسمِّهم " مؤمنين "، وإنما وصفهم بأنهم "آمنوا "، وذلك وصف لهم بخصوصٍ من التصديق. وذلك أنهم كانوا صنفين; أهل توراة مصدّقين &; 9-313 &; بها وبمن جاء بها، وهم مكذبون بالإنجيل والقرآن وعيسى ومحمد صلوات الله عليهما= وصنف أهل إنجيل، وهم مصدّقون به وبالتوراة وسائر الكتب، مكذِّبون بمحمد صلى الله عليه وسلم والفرقان، فقال جل ثناؤه لهم; " يا أيها الذين آمنوا "، يعني; بما هم به مؤمنون من الكتب والرسل= "آمنوا بالله ورسوله " محمد صلى الله عليه وسلم= " والكتاب الذي نـزل على رسوله "، فإنكم قد علمتم أن محمدًا رسول الله، تجدون صفته في كتبكم= وبالكتاب الذي أنـزل من قبلُ الذي تزعمون أنكم به مؤمنون، فإنكم لن تكونوا به مؤمنين وأنتم بمحمد مكذبون، لأن كتابكم يأمركم بالتصديق به وبما جاءكم به، فآمنوا بكتابكم في اتّباعكم محمدًا، وإلا فأنتم به كافرون. فهذا وجه أمرهم بالإيمان بما أمرهم بالإيمان به، بعد أن وصفهم بما وصفهم بقوله; " يا أيها الذين آمنوا ". (33)* * *وأما قوله; " ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر "، فإن معناه; ومن يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فيجحد نبوّته فقد ضلَّ ضلالا بعيدًا.وإنما قال تعالى ذكره; " ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر "، ومعناه; ومن يكفر بمحمد وبما جاء به من عند الله (34) = لأن جحود شيء من ذلك بمعنى جحود جميعه، ولأنه لا يصح إيمان أحدٍ من الخلق إلا بالإيمان بما أمره الله بالإيمان به، (35) والكفر بشيء منه كفر بجميعه، فلذلك قال; " ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر "، بعقب خطابه أهل الكتاب وأمره إياهم بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، تهديدًا منه لهم، وهم مقرّون بوحدانية الله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، سِوى محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الفرقان.* * *وأما قوله; " فقد ضل ضلالا بعيدًا "، فإنه يعني; فقد ذهب عن قصد السبيل، وجار عن محجَّة الطريق، إلى المهالك= ذهابًا وجورًا بعيدًا. لأن كفر من كفر بذلك، خروجٌ منه عن دين الله الذي شرعه لعباده. والخروج عن دين الله، الهلاك الذي فيه البوار، والضلال عن الهدى هو الضلال. (36)------------------الهوامش ;(33) كان ينبغي أن يذكر أبو جعفر هنا ، اختلاف المختلفين في قراءة"أَنْزَلَ" و"أُنْزِلَ"= و"نَزَّلّ" و"نُزِّلَ" ، وظاهر أنه نسي أن يذكرها هنا ، فأخرها إلى موضع الآتي في ص; 323 ، تعليق; 1.(34) كان في المطبوعة; "ومن يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فيجحد نبوته ، فهو يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، لأن جحود شيء من ذلك ..." ، أسقط من نص المخطوطة ما أثبت ، لأنه قد وقع في المخطوطة خطأ اضطرب معه الكلام ، فلم يحسن الناشر تصحيحه ، فحذف حتى يصل بعض الكلام ببعض ، فأساء غاية الإساءة.والخطأ الذي كان في المخطوطة هو أنه ساق الجملة كما كتبتها ، إلا أن كتب; "وإنما قال تعالى ذكره; ومن يكفر بالله فهو يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله" وبين أن"فهو يكفر" سبق قلم من الناسخ ، والصواب إسقاطها فيستقيم الكلام كما أثبته.وسياق الجملة; "وإنما قال تعالى ذكره كذا وكذا ... ومعناه ... كذا وكذا ، لأن جحود شيء من ذلك بمعنى جحود جميعه".(35) لما أدخل الناشر الأول ذلك الحذف على الكلام ، اضطر في هذا الموضع أن يجعل العبارة; "وذلك لأنه لا يصح إيمان أحد من الخلق ..." فزاد"ذلك" في الكلام.(36) انظر تفسير"الضلال البعيد" فيما سلف ص; 206 ، 207 ومعنى"الضلال" 1 ; 195 / 2 ; 495 ، 496 ، وغيرهما في فهارس اللغة.
اعلم أن الأمر إما أن يوجه إلى من لم يدخل في الشيء ولم يتصف بشيء منه، فهذا يكون أمرا له في الدخول فيه، وذلك كأمر من ليس بمؤمن بالإيمان، كقوله تعالى: { يَأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ ْ} الآية. وإما أن يوجه إلى من دخل في الشيء فهذا يكون أمره ليصحح ما وجد منه ويحصل ما لم يوجد، ومنه ما ذكره الله في هذه الآية من أمر المؤمنين بالإيمان، فإن ذلك يقتضي أمرهم بما يصحح إيمانهم من الإخلاص والصدق، وتجنب المفسدات والتوبة من جميع المنقصات. ويقتضي أيضا الأمر بما لم يوجد من المؤمن من علوم الإيمان وأعماله، فإنه كلما وصل إليه نص وفهم معناه واعتقده فإن ذلك من الإيمان المأمور به. وكذلك سائر الأعمال الظاهرة والباطنة، كلها من الإيمان كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة، وأجمع عليه سلف الأمة. ثم الاستمرار على ذلك والثبات عليه إلى الممات كما قال تعالى: { يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ْ} وأمر هنا بالإيمان به وبرسوله، وبالقرآن وبالكتب المتقدمة، فهذا كله من الإيمان الواجب الذي لا يكون العبد مؤمنا إلا به، إجمالا فيما لم يصل إليه تفصيله وتفصيلا فيما علم من ذلك بالتفصيل، فمن آمن هذا الإيمان المأمور به، فقد اهتدى وأنجح. { وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ْ} وأي ضلال أبعد من ضلال من ترك طريق الهدى المستقيم، وسلك الطريق الموصلة له إلى العذاب الأليم؟\" واعلم أن الكفر بشيء من هذه المذكورات كالكفر بجميعها، لتلازمها وامتناع وجود الإيمان ببعضها دون بعض
(يا أيها الذين آمنوا) مر إعرابها ،
(آمنوا) فعل أمر مبني على حذف النون ... والواو فاعلـ (بالله) جار ومجرور متعلق بـ (آمنوا) ،
(الواو) عاطفة
(رسول) معطوف على لفظ الجلالة مجرور مثله و (الهاء) ضمير مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(الكتاب) معطوف على لفظ الجلالة مجرور مثله
(الذي) اسم موصول مبني في محل جر نعت للكتابـ (نزل) فعل ماض ... والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (على رسول) جار ومجرور متعلق بـ (نزّل) و (الهاء) ضمير مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(الكتاب) مثل الأولـ (الذي أنزل) مثل الذي نزّلـ (من) حرف جر
(قبل) اسم مبني على الضم في محل جر بحرف الجر متعلق بـ (أنزل) ،
(الواو) عاطفة
(من) اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ
(يكفر) مضارع مجزوم فعل الشرط والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (بالله) جار ومجرور متعلق بـ (يكفر) ،
(الواو) عاطفة في المواضع الأربعة
(ملائكته، كتب، رسل، اليوم) ألفاظ معطوفة على لفظ الجلالة مجرور مثله، والضمائر فيها مضاف إليه
(الآخر) نعت لليوم مجرور مثله
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(قد) حرف تحقيق
(ضلّ) فعل ماض،والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (ضلالا) مفعول مطلق منصوبـ (بعيدا) نعت منصوب.
جملة «يا أيّها الذين ... » لا محل لها استئنافية.
وجملة «آمنوا» لا محل لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة «آمنوا
(الطلبية) » لا محل لها جواب النداء.
وجملة «نزّل ... » لا محل لها صلة الموصولـ (الذي) الأول.
وجملة «أنزل ... » لا محل لها صلة الموصولـ (الذي) الثاني.
وجملة «من يكفر ... » لا محل لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة «يكفر بالله ... » في محل رفع خبر المبتدأ
(من) .
وجملة «ضلّ ضلالا ... » في محل جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
- القرآن الكريم - النساء٤ :١٣٦
An-Nisa'4:136