الرسم العثمانيرُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌۢ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
الـرسـم الإمـلائـيرُسُلًا مُّبَشِّرِيۡنَ وَمُنۡذِرِيۡنَ لِئَلَّا يَكُوۡنَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّٰهِ حُجَّةٌ ۢ بَعۡدَ الرُّسُلِ ؕ وَكَانَ اللّٰهُ عَزِيۡزًا حَكِيۡمًا
تفسير ميسر:
أرسَلْتُ رسلا إلى خَلْقي مُبشِّرين بثوابي، ومنذرين بعقابي؛ لئلا يكون للبشر حجة يعتذرون بها بعد إرسال الرسل. وكان الله عزيزًا في ملكه، حكيمًا في تدبيره.
وقوله "رسلا مبشرين ومنذرين" أي يبشرون من أطاع الله واتبع رضوانه بالخيرات وينذرون من خالف أمره وكذب رسله بالعقاب والعذاب وقوله "لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما" أي أنه تعالى أنزل كتبه وأرسل رسله بالبشارة والنذارة وبين ما يحبه ويرضاه مما يكرهه ويأباه لئلا يبقى لمعتذر عذر كما قال تعالى "ولولا أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى" وكذا قوله "ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم" الآية. وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل من أجل ذلك مدح نفسه ولا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين". وفي لفظ آخر"من أجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه".
قوله تعالى ; رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما[ ص; 380 ] قوله تعالى ; رسلا مبشرين ومنذرين هو نصب على البدل من ورسلا قد قصصناهم ويجوز أن يكون على إضمار فعل ؛ ويجوز نصبه على الحال ؛ أي كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده رسلا . لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فيقولوا ما أرسلت إلينا رسولا ، وما أنزلت علينا كتابا ؛ وفي التنزيل ; وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقوله تعالى ; ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك وفي هذا كله دليل واضح أنه لا يجب شيء من ناحية العقل . وروي عن كعب الأحبار أنه قال ; كان الأنبياء ألفي ألف ومائتي ألف . وقال مقاتل ; كان الأنبياء ألف ألف وأربعمائة ألف وأربعة وعشرين ألفا . وروى أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ; بعثت على أثر ثمانية آلاف من الأنبياء منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل ذكره أبو الليث السمرقندي في التفسير له ؛ ثم أسند عن شعبة عن أبي إسحاق عن الحارث الأعور عن أبي ذر الغفاري قال ; قلت يا رسول الله كم كانت الأنبياء وكم كان المرسلون ؟ قال ; كانت الأنبياء مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي وكان المرسلون ثلاثمائة وثلاثة عشر .قلت ; هذا أصح ما روي في ذلك ؛ خرجه الآجري وأبو حاتم البستي في المسند الصحيح له .
القول في تأويل قوله ; رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)قال أبو جعفر; يعني جل ثناؤه بذلك; إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده، ومن ذكر من الرسل (16) =" رسلا "، فنصب " الرسل " على القطع من أسماء الأنبياء الذين ذكر أسماءهم (17) =" مبشرين "، يقول; أرسلتهم رسلا إلى خلقي وعبادي، مبشرين بثوابي من أطاعني واتبع أمري وصدَّق رسلي، ومنذرين عقابي من عصاني وخالف أمري وكذب رسلي=" لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل "، يقول; أرسلت رسلي إلى عبادي مبشرين ومنذرين، لئلا يحتجّ من كفر بي وعبد الأنداد من دوني، أو ضل عن سبيلي بأن يقول إن أردتُ عقابه; لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى [سورة طه; 134]. فقطع حجة كلّ مبطل ألحدَ في توحيده وخالف أمره، بجميع معاني الحجج القاطعة عذرَه، إعذارًا منه بذلك إليهم، لتكون لله الحجة البالغة عليهم وعلى جميع خلقه.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;10849- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي; " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل "، فيقولوا; ما أرسلت إلينا رسلا.* * *=" وكان الله عزيزًا حكيمًا "، يقول; ولم يزل الله ذا عِزة في انتقامه ممن انتقم [منه] من خلقه، (18) على كفره به، ومعصيته إياه، بعد تثبيته حجَّتَه عليه برسله وأدلَّتَه=" حكيمًا "، في تدبيره فيهم ما دبّره. (19)-----------------الهوامش ;(16) في المخطوطة; "ومن ذكر الرسل" ، بإسقاط"من" ، والصواب ما في المطبوعة.(17) في المطبوعة والمخطوطة; "فنصب به الرسل" ، بزيادة"به" ، والصواب حذفها. انظر معنى"القطع" فيما سلف من فهارس المصطلحات.(18) الزيادة بين القوسين لا بد منها لسياق الكلام.(19) انظر تفسير"عزيز" فيما سلف; ص408 ، تعليق; 2 ، والمراجع هناك= وتفسير"حكيم" فيما سلف من فهارس اللغة.
تفسير الايات من 163 حتى 165 :ـ يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله من الشرع العظيم والأخبار الصادقة ما أوحى إلى هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفي هذا عدة فوائد: منها: أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل، بل أرسل الله قبله من المرسلين العدد الكثير والجم الغفير فاستغراب رسالته لا وجه له إلا الجهل والعناد. ومنها: أنه أوحى إليه كما أوحى إليهم من الأصول والعدل الذي اتفقوا عليه، وأن بعضهم يصدق بعضا ويوافق بعضهم بعضا. ومنها: أنه من جنس هؤلاء الرسل، فليعتبره المعتبر بإخوانه المرسلين، فدعوته دعوتهم؛ وأخلاقهم متفقة؛ ومصدرهم واحد؛ وغايتهم واحدة، فلم يقرنه بالمجهولين؛ ولا بالكذابين ولا بالملوك الظالمين. ومنها: أن في ذكر هؤلاء الرسل وتعدادهم من التنويه بهم، والثناء الصادق عليهم، وشرح أحوالهم مما يزداد به المؤمن إيمانا بهم ومحبة لهم، واقتداء بهديهم، واستنانا بسنتهم ومعرفة بحقوقهم، ويكون ذلك مصداقا لقوله: { سَلَامٌ عَلَى نُــوحٍ فـِي الْعَـالَمِيـنَ } { سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ } { سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ } { سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } فكل محسن له من الثناء الحسن بين الأنام بحسب إحسانه. والرسل -خصوصا هؤلاء المسمون- في المرتبة العليا من الإحسان. ولما ذكر اشتراكهم بوحيه ذكر تخصيص بعضهم، فذكر أنه آتى داود الزبور، وهو الكتاب المعروف المزبور الذي خص الله به داود عليه السلام لفضله وشرفه، وأنه كلم موسى تكليما، أي: مشافهة منه إليه لا بواسطة حتى اشتهر بهذا عند العالمين فيقال: \"موسى كليم الرحمن\". وذكر أن الرسل منهم من قصه الله على رسوله، ومنهم من لم يقصصه عليه، وهذا يدل على كثرتهم وأن الله أرسلهم مبشرين لمن أطاع الله واتبعهم، بالسعادة الدنيوية والأخروية، ومنذرين من عصى الله وخالفهم بشقاوة الدارين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فيقولوا: { مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } فلم يبق للخَلْق على الله حجة لإرساله الرسل تترى يبينون لهم أمر دينهم، ومراضي ربهم ومساخطه وطرق الجنة وطرق النار، فمن كفر منهم بعد ذلك فلا يلومن إلا نفسه. وهذا من كمال عزته تعالى وحكمته أن أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب، وذلك أيضا من فضله وإحسانه، حيث كان الناس مضطرين إلى الأنبياء أعظم ضرورة تقدر فأزال هذا الاضطرار، فله الحمد وله الشكر. ونسأله كما ابتدأ علينا نعمته بإرسالهم، أن يتمها بالتوفيق لسلوك طريقهم، إنه جواد كريم.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - النساء٤ :١٦٥
An-Nisa'4:165