الرسم العثمانيفَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصّٰلِحٰتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِۦ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا
الـرسـم الإمـلائـيفَاَمَّا الَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡا وَعَمِلُوا الصّٰلِحٰتِ فَيُوَفِّيۡهِمۡ اُجُوۡرَهُمۡ وَ يَزِيۡدُهُمۡ مِّنۡ فَضۡلِهٖۚ وَاَمَّا الَّذِيۡنَ اسۡتَـنۡكَفُوۡا وَاسۡتَكۡبَرُوۡا فَيُعَذِّبُهُمۡ عَذَابًا اَ لِيۡمًا ۙ وَّلَا يَجِدُوۡنَ لَهُمۡ مِّنۡ دُوۡنِ اللّٰهِ وَلِيًّا وَّلَا نَصِيۡرًا
تفسير ميسر:
فأمَّا الذين صَدَّقوا بالله اعتقادًا وقولا وعملا واستقاموا على شريعته فيوفيهم ثواب أعمالهم، ويزيدُهم من فضله، وأما الذين امتنعوا عن طاعة الله، واستكبروا عن التذلل له فيعذبهم عذابًا موجعًا، ولا يجدون لهم وليًّا ينجيهم من عذابه، ولا ناصرًا ينصرهم من دون الله.
ولهذا قال "فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله" أي فيعطيهم من الثواب على قدر أعمالهم الصالحة ويزيدهم على ذلك من فضله وإحسانه وسعة رحمته وامتنانه وقد روى ابن مردويه من طريق بقية عن إسماعيل بن عبد الله الكندي عن الأعمش عن سفيان عن عبد الله مرفوعا قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله" أجورهم قال "أدخلهم الجنة"ويزيدهم من فضله" قال "الشفاعة فيمن وجبت له النار ممن صنع إليهم المعروف في دنياهم" وهذا إسناد لا يثبت. وإذا روى عن ابن مسعود موقوفا فهو جيد "وأما الذين استنكفوا واستكبروا" أي امتنعوا من طاعة الله وعبادته واستكبروا عن ذلك "فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا" كقوله "إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" أي صاغرين حقيرين ذليلين كما كانوا ممتنعين مستكبرين.
فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إلى [ ص; 387 ] قوله ; نصيرا . وأصل يستنكف نكف ، فالياء والسين والتاء زوائد ؛ يقال ; نكفت من الشيء واستنكفت منه وأنكفته أي نزهته عما يستنكف منه ؛ ومنه الحديث سئل عن " سبحان الله " فقال ; إنكاف الله من كل سوء يعني تنزيهه وتقديسه عن الأنداد والأولاد . وقال الزجاج ; استنكف أي أنف مأخوذ من نكفت الدمع إذا نحيته بإصبعك عن خدك ، ومنه الحديث ما ينكف العرق عن جبينه أي ما ينقطع ؛ ومنه الحديث جاء بجيش لا ينكف آخره أي لا ينقطع آخره . وقيل ; هو من النكف وهو العيب ؛ يقال ; ما عليه في هذا الأمر نكف ولا وكف أي عيب ; أي لن يمتنع المسيح ولن يتنزه من العبودية ولن ينقطع عنها ولن يعيبها .
القول في تأويل قوله ; فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (173)قال أبو جعفر; يعني جل ثناؤه بذلك; فأما المؤمنون المقرّون بوحدانية الله، الخاضعون له بالطاعة، المتذلِّلون له بالعبودية، والعاملون الصالحات من الأعمال، وذلك; أن يَرِدُوا على ربهم قد آمنوا به وبرسله، وعملوا بما أتاهم به رسله من عند ربهم، من فعل ما أمرهم به، واجتناب ما أمرهم باجتنابه=" فيوفِّيهم أجورهم "، يقول; فيؤتيهم جزاءَ أعمالهم الصالحة وافيًا تامًّا (18) =" ويزيدهم من فضله "، يعني جل ثناؤه; ويزيدهم على ما وعدهم من الجزاء على أعمالهم الصالحة والثواب عليها، من الفضل والزيادة ما لم يعرّفهم مبلغه، (19) ولم يحدّ لهم منتهاه. وذلك أن الله وعد من جاء من عباده المؤمنين بالحسنة الواحدة عشرَ أمثالها من الثواب والجزاء. فذلك هو أجر كلِّ عامل على عمله الصالح من أهل الإيمان المحدود مبلغه، والزيادة على ذلك تفضُّل من الله عليهم، وإن كان كل ذلك من فضله على عباده. غيرَ أن الذي وعد عبادَه المؤمنين أن يُوفيهم فلا ينقصهم من الثواب على أعمالهم الصالحة، هو ما حَدُّ مبلغه من العَشْر، والزيادة على ذلك غير محدود مبلغها، فيزيد من شاء من خلقه على ذلك قدر ما يشاء، لا حدّ لقَدْره يوقف عليه.* * *وقد قال بعضهم; الزيادة إلى سبعمائة ضعف.وقال آخرون; إلى ألفين.وقد ذكرت اختلاف المختلفين في ذلك فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . (20)* * *وقوله; " وأما الذين استنكفوا واستكبروا "، فإنه يعني; وأما الذين تعظَّموا عن الإقرار لله بالعبودية، والإذعان له بالطاعة، واستكبروا عن التذلّل لألوهته وعبادته، وتسليم الربوبيّة والوحدانية له=" فيعذبهم عذابًا أليمًا "، يعني; عذابًا موجعًا=" ولا يجدون لهم من دون الله وليًّا ولا نصيرًا "، يقول; ولا يجد المستنكفون من عبادته والمستكبرون عنها، إذا عذبهم الله الأليم من عذابه، سوى الله لأنفسهم وليًّا ينجيهم من عذابه وينقذهم منه=" ولا نصيرًا "، يعني; ولا ناصرًا ينصرهم فيستنقذهم من ربهم، ويدفع عنهم بقوّته ما أحلَّ بهم من نقمته، كالذي كانوا يفعلون بهم إذا أرادهم غيرهم من أهل الدنيا في الدنيا بسوء، من نصرتهم والمدافعة عنهم . (21)-------------------الهوامش ;(18) انظر تفسير"يوفيهم أجورهم" فيما سلف 6 ; 465 / 7 ; 364.(19) انظر تفسير"الفضل" فيما سلف من فهارس اللغة.(20) انظر ما سلف 5 ; 512-516.(21) انظر تفسير"ولي" و"نصير" فيما سلف من فهارس اللغة.
ثم فصل حكمه فيهم فقال: { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } أي: جمعوا بين الإيمان المأمور به، وعمل الصالحات من واجبات ومستحبات، من حقوق الله وحقوق عباده. { فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ } أي: الأجور التي رتبها على الأعمال، كُلٌّ بحسب إيمانه وعمله. { وَيَزِيدُهُم مِن فَضْلِهِ } من الثواب الذي لم تنله أعمالهم ولم تصل إليه أفعالهم، ولم يخطر على قلوبهم. ودخل في ذلك كل ما في الجنة من المآكل والمشارب، والمناكح، والمناظر والسرور، ونعيم القلب والروح، ونعيم البدن، بل يدخل في ذلك كل خير ديني ودنيوي رتب على الإيمان والعمل الصالح. { وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا } أي: عن عبادة الله تعالى { فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } وهو سخط الله وغضبه، والنار الموقدة التي تطلع على الأفئدة. { وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا } أي: لا يجدون أحدا من الخلق يتولاهم فيحصل لهم المطلوب، ولا مَن ينصرهم فيدفع عنهم المرهوب، بل قد تخلى عنهم أرحم الراحمين، وتركهم في عذابهم خالدين، وما حكم به تعالى فلا رادّ لحكمه ولا مغيّر لقضائه.
(الفاء) عاطفة تفريعيّة
(أمّا) حرف شرط وتفصيلـ (الذين) اسم موصول مبني في محلّ رفع مبتدأ
(آمنوا) فعل ماض مبني على الضمّ.. والواو فاعلـ (الواو) عاطفة
(عملوا) مثل آمنوا
(الصالحات) مفعول به منصوب وعلامة النصب الكسرة
(الفاء) رابطة لجواب أمّا
(يوفّي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء والفاعل ضمير مستتر تقديره هو أي الله و (هم) ضمير مفعول به أوّلـ (أجور) مفعول به ثان منصوب و (هم) ضمير مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(يزيدهم) مثل يوفّيهم
(من فضل) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يزيد) ، و (الهاء) مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(أمّا الذين ... فيعذّبهم) تعرب كالمتقدّمة
(عذابا) مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو اسم المصدر منصوبـ (أليما) نعت منصوب.
جملة «الذين آمنوا ... » : لا محلّ لها معطوفة على جملة من يستنكف.. .
وجملة «آمنوا» : لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة «عملوا ... » : لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة.
وجملة «يوفّيهم ... » : في محلّ رفع خبر المبتدأ
(الذين) .
وجملة «يزيدهم ... » : في محلّ رفع معطوفة على جملة يوفّيهم.
وجملة «الذين استنكفوا ... » : لا محلّ لها معطوفة على جملة الذين آمنوا.
وجملة «استنكفوا» : لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) الثاني.
وجملة «استكبروا» : لا محلّ لها معطوفة على جملة استنكفوا.
وجملة «يعذّبهم» : في محلّ رفع خبر المبتدأ
(الذين) الثاني.
(الواو) عاطفة
(لا) نافية
(يجدون) مضارع مرفوع.. والواو فاعلـ (اللام) حرف جرّ و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (يجدون) ،
(من دون) جارّ ومجرور متعلّق بحال من(وليّا) نعت تقدّم على المنعوت-
(الله) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور
(وليّا) مفعول به منصوبـ (الواو) عاطفة
(لا) زائدة لتأكيد النفي،
(نصيرا) معطوف على
(وليّا) منصوب مثله.
وجملة «لا يجدون ... » : في محلّ رفع معطوفة على جملة يعذّبهم.
- القرآن الكريم - النساء٤ :١٧٣
An-Nisa'4:173