يٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا
يٰۤـاَيُّهَا الَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡا خُذُوۡا حِذۡرَكُمۡ فَانْفِرُوۡا ثُبَاتٍ اَوِ انْفِرُوۡا جَمِيۡعًا
تفسير ميسر:
يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم بالاستعداد لعدوكم، فاخرجوا لملاقاته جماعة بعد جماعة أو مجتمعين.
يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوهم وهذا يستلزم التأهب لهم بإعداد الأسلحة والعدد وتكثير العدد بالنفير في سبيل الله ثبات أي جماعة بعد جماعة وفرقة بعد فرقة وسرية بعد سرية والثبات جمع ثبة وقد تجمع الثبة على ثبين قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله"فانفروا ثبات" أي عصبا يعني سرايا متفرقين "أو انفروا جميعا" يعني كلكم وكذا روى عن مجاهد وعكرمة والسدي وقتادة والضحاك وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان وخصيف الجزري.
قوله تعالى ; يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعافيه خمس مسائل ;الأولى ; قوله تعالى ; يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم هذا خطاب للمؤمنين المخلصين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمر لهم بجهاد الكفار والخروج في سبيل الله وحماية الشرع . ووجه النظم والاتصال بما قبل أنه لما ذكر طاعة الله وطاعة رسوله ، أمر أهل الطاعة بالقيام بإحياء دينه وإعلاء دعوته ، وأمرهم ألا يقتحموا على عدوهم على جهالة حتى يتحسسوا إلى ما عندهم ، ويعلموا كيف يردون عليهم ، فذلك أثبت لهم فقال ; خذوا حذركم فعلمهم مباشرة الحروب . ولا ينافي هذا التوكل بل هو مقام عين التوكل كما تقدم في " آل عمران " ويأتي . والحذر والحذر لغتان كالمثل والمثل . قال الفراء ; أكثر الكلام الحذر ، والحذر مسموع أيضا ؛ يقال ; خذ حذرك ، أي احذر . وقيل ; خذوا السلاح حذرا ؛ لأنه به الحذر والحذر لا يدفع القدر . وهي ;الثانية ; خلافا للقدرية في قولهم ; إن الحذر يدفع ويمنع من مكائد الأعداء ، ولو لم يكن كذلك ما كان لأمرهم بالحذر معنى . فيقال لهم ; ليس في الآية دليل على أن الحذر يمنع من القدر شيئا ؛ ولكنا تعبدنا بألا نلقي بأيدينا إلى التهلكة ؛ ومنه الحديث اعقلها وتوكل . وإن كان القدر جاريا على ما قضي ، ويفعل الله ما يشاء ، فالمراد منه طمأنينة النفس ، لا أن ذلك ينفع من القدر وكذلك أخذ الحذر . والدليل على ذلك أن الله تعالى أثنى على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله ; قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا فلو كان يصيبهم غير ما قضى عليهم لم يكن لهذا الكلام معنى .الثالثة ; قوله تعالى ; فانفروا ثبات يقال ; نفر ينفر ( بكسر الفاء ) نفيرا . ونفرت الدابة تنفر ( بضم الفاء ) نفورا ؛ المعنى ; انهضوا لقتال العدو . واستنفر الإمام الناس دعاهم إلى النفر ، أي للخروج إلى قتال العدو . والنفير اسم للقوم الذين ينفرون ، وأصله من النفار والنفور [ ص; 237 ] وهو الفزع ؛ ومنه قوله تعالى ; ولوا على أدبارهم نفورا أي نافرين . ومنه نفر الجلد أي ورم . وتخلل رجل بالقصب فنفر فمه أي ورم . قال أبو عبيد ; إنما هو من نفار الشيء من الشيء وهو تجافيه عنه وتباعده منه . قال ابن فارس ; النفر عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة . والنفير النفر أيضا ، وكذلك النفر والنفرة ، حكاها الفراء بالهاء . ويوم النفر ; يوم ينفر الناس عن منى .( ثبات ) معناه جماعات متفرقات . ويقال ; ثبين يجمع جمع السلامة في التأنيث والتذكير . قال عمرو بن كلثوم ;فأما يوم خشيتنا عليهم فتصبح خيلنا عصبا ثبينافقوله تعالى ; ( ثبات ) كناية عن السرايا ، الواحدة ثبة وهي العصابة من الناس . وكانت في الأصل الثبية . وقد ثبيت الجيش جعلتهم ثبة ثبة . والثبة ; وسط الحوض الذي يثوب إليه الماء أي يرجع قال النحاس ; وربما توهم الضعيف في العربية أنهما واحد ، وأن أحدهما من الآخر ؛ وبينهما فرق ، فثبة الحوض يقال في تصغيرها ; ثويبة ؛ لأنها من ثاب يثوب . ويقال في ثبة الجماعة ; ثبية . قال غيره ; فثبة الحوض محذوفة الواو وهو عين الفعل ، وثبة الجماعة معتل اللام من ثبا يثبو مثل خلا يخلو . ويجوز أن يكون الثبة بمعنى الجماعة من ثبة الحوض ؛ لأن الماء إذا ثاب اجتمع ؛ فعلى هذا تصغر به الجماعة ثويبة فتدخل إحدى الياءين في الأخرى . وقد قيل ; إن ثبة الجماعة إنما اشتقت من ثبيت على الرجل إذا أثنيت عليه في حياته وجمعت محاسن ذكره فيعود إلى الاجتماع .الرابعة ; قوله تعالى ; أو انفروا جميعا معناه الجيش الكثيف مع الرسول عليه السلام ؛ قاله ابن عباس وغيره . ولا تخرج السرايا إلا بإذن الإمام ليكون متجسسا لهم ، عضدا من ورائهم ، وربما احتاجوا إلى درئه . وسيأتي حكم السرايا وغنائمهم وأحكام الجيوش ووجوب النفير في " الأنفال " و " براءة إن شاء الله تعالى .الخامسة ; ذكر ابن خويز منداد ; وقيل إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى ; انفروا خفافا وثقالا وبقوله ; إلا تنفروا يعذبكم ؛ ولأن يكون انفروا خفافا وثقالا منسوخا بقوله ; فانفروا ثبات أو انفروا جميعا وبقوله ; وما كان المؤمنون لينفروا كافة أولى ؛ لأن فرض الجهاد تقرر على الكفاية ، فمتى سد الثغور بعض المسلمين أسقط الفرض عن [ ص; 238 ] الباقين . والصحيح أن الآيتين جميعا محكمتان ، إحداهما في الوقت الذي يحتاج فيه إلى تعين الجميع ، والأخرى عند الاكتفاء بطائفة دون غيرها .
القول في تأويل قوله ; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71)قال أبو جعفر; يعني بقوله جل ثناؤه; (31) " يا أيها الذين آمنوا "، صدَّقوا الله ورسوله =" خذوا حذركم "، خذوا جُنَّتكم وأسلحتكم التي تتقون بها من عدوكم لغزوهم وحربهم =" فانفروا إليهم ثُبات ".* * *= وهي جمع " ثبة "، و " الثبة "، العصبة.= ومعنى الكلام; فانفروا إلى عدوكم جماعة بعد جماعة متسلحين.= ومن " الثبة " قول زهير;وَقَــدْ أَغْــدُوا عَــلَى ثُبَـةٍ كِـرَامٍنَشَــاوَى وَاجِــدِينَ لِمَــا نَشَــاء (32)وقد تجمع " الثبة " على " ثُبِين ". (33) .* * *=" أو انفروا جميعًا "، يقول; أو انفروا جميعًا مع نبيكم صلى الله عليه وسلم لقتالهم.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;9929 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله; " خذوا حذركم فانفروا ثبات "، يقول; عصبًا، يعني سَرايَا متفرقين =" أو انفروا جميعًا "، يعني; كلكم.9930 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله; " فانفروا ثبات "، قال; فرقًا، قليلا قليلا.9931 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله; " فانفروا ثبات "، قال; " الثبات " الفرق.9932 - حدثنا الحسين بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة مثله.9933 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي; " فانفروا ثبات "، فهي العصبة، وهي الثبة =" أو انفروا جميعًا "، مع النبي صلى الله عليه وسلم.9934 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول; أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله; " فانفروا ثبات "، يعني; عصبًا متفرِّقين.----------------الهوامش ;(31) في المطبوعة والمخطوطة; "يعني بذلك..." والسياق يقتضي ما أثبت.(32) ديوانه; 72 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1; 132 ، واللساق (ثبا) و (نشا) ، وغيرها. من أبيات وصف فيها الشرب ، قد بلغت منهم النشوة ، وهم في ترف من يومهم ، لا يفتقدون شيئًا ثم يقول;لَهُــــمْ رَاحٌ، وَرَاوُوقٌ، ومِسْـــكٌتُعَـــلُّ بِــهِ جُــلُودُهُمُ، ومَــاءُأُمَشِّــي بَيْــنَ قَتْـلَى قَـدْ أُصِيَبـتْنُفُوسُــهُمُ، ولَــمْ تَقْطُــرَ دمــاءُيَجُــرُّونَ الْــبُرُودَ وَقَــدْ تَمَشَّـتْحُمَيَّــا الْكَــأْسِ فِيهِــمْ والغِنَــاءُ(33) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1; 132.
يأمر تعالى عباده المؤمنين بأخذ حذرهم من أعدائهم الكافرين. وهذا يشمل الأخذ بجميع الأسباب، التي بها يستعان على قتالهم ويستدفع مكرهم وقوتهم، من استعمال الحصون والخنادق، وتعلم الرمي والركوب، وتعلم الصناعات التي تعين على ذلك، وما به يعرف مداخلهم، ومخارجهم، ومكرهم، والنفير في سبيل الله. ولهذا قال: { فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ } أي: متفرقين بأن تنفر سرية أو جيش، ويقيم غيرهم { أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا } وكل هذا تبع للمصلحة والنكاية، والراحة للمسلمين في دينهم، وهذه الآية نظير قوله تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ }
(يا) أداة نداء
(أي) منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب و (ها) حرف تنبيه
(الذين) اسم موصول مبني في محل نصب بدل من أي أو نعت له
(آمنوا) فعل ماض مبني على الضم ...
والواو فاعلـ (خذوا) فعل أمر مبني على حذف النون ... والواو فاعلـ (حذر) مفعول به منصوب و (كم) ضمير مضاف إليه
(الفاء) عاطفة
(انفروا) مثل خذوا
(ثبات) حال منصوبة وعلامة النصب الكسرة ،
(أو) حرف عطف
(انفروا جميعا) مثل انفروا ثبات.جملة النداء «يا أيها الذين ... » لا محل لها استئنافية.
وجملة «آمنوا ... » لا محل لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة «خذوا ... » لا محل لها جواب النداء.
وجملة «انفروا ثبات» لا محل لها معطوفة على جواب النداء.
وجملة «انفروا جميعا» لا محل لها معطوفة على جواب النداء.