وَمِن قَبْلِهِۦ كِتٰبُ مُوسٰىٓ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ وَهٰذَا كِتٰبٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرٰى لِلْمُحْسِنِينَ
وَمِنۡ قَبۡلِهٖ كِتٰبُ مُوۡسٰٓى اِمَامًا وَّرَحۡمَةً ؕ وَهٰذَا كِتٰبٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنۡذِرَ الَّذِيۡنَ ظَلَمُوۡا ۖ وَبُشۡرٰى لِلۡمُحۡسِنِيۡنَۚ
تفسير ميسر:
ومن قبل هذا القرآن أنزلنا التوراة إمامًا لبني إسرائيل يقتدون بها، ورحمة لمن آمن بها وعمل بما فيها، وهذا القرآن مصدق لما قبله من الكتب، أنزلناه بلسان عربي؛ لينذر الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية، وبشرى للذين أطاعوا الله، فأحسنوا في إيمانهم وطاعتهم في الدنيا.
ثم قال تعالى "ومن قبله كتاب موسى" وهو التوراة "إماما ورحمة "وهذا كتاب" يعني القرآن مصدق أي لما قبله من الكتب "لسانا عربيا" أي فصيحا بينا واضحا "لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين" أي مشتمل على النذارة للكافرين والبشارة للمؤمنين.
قوله تعالى ; ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين .قوله تعالى ; ومن قبله أي ومن قبل القرآن كتاب موسى أي التوراة إماما يقتدى بما فيه . وإماما نصب على الحال ; لأن المعنى ; وتقدمه كتاب موسى إماما . ورحمة معطوف عليه . وقيل ; انتصب بإضمار فعل ، أي ; أنزلناه [ ص; 179 ] إماما ورحمة . وقال الأخفش ; على القطع ; لأن كتاب موسى معرفة بالإضافة ; لأن النكرة إذا أعيدت أو أضيفت أو أدخل عليها ألف ولام صارت معرفة . وهذا كتاب يعني القرآن مصدق يعني للتوراة ولما قبله من الكتب . وقيل ; مصدق للنبي صلى الله عليه وسلم . لسانا عربيا منصوب على الحال ، أي ; مصدق لما قبله عربيا ، ولسانا توطئة للحال أي ; تأكيد ، كقولهم ; جاءني زيد رجلا صالحا ، فتذكر رجلا توكيدا . وقيل ; نصب بإضمار فعل تقديره ; وهذا كتاب مصدق أعني لسانا عربيا . وقيل ; نصب بإسقاط حرف الخفض تقديره ; بلسان عربي . وقيل ; إن لسانا مفعول والمراد به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أي ; وهذا كتاب مصدق للنبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه معجزته ، والتقدير ; مصدق ذا لسان عربي . فاللسان منصوب بمصدق ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم . ويبعد أن يكون اللسان القرآن ; لأن المعنى يكون يصدق نفسه .لينذر الذين ظلموا قراءة العامة لينذر بالياء خبر عن الكتاب ، أي ; لينذر الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية . وقيل ; هو خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم . وقرأ نافع وابن عامر والبزي بالتاء ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، على خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال الله تعالى ; إنما أنت منذر . وبشرى للمحسنين بشرى في موضع رفع ، أي ; وهو بشرى . وقيل ; عطفا على الكتاب ، أي ; وهذا كتاب مصدق وبشرى . ويجوز أن يكون منصوبا بإسقاط حرف الخفض ، أي ; لينذر الذين ظلموا وللبشرى ، فلما حذف الخافض نصب . وقيل ; على المصدر ، أي ; وتبشر المحسنين بشرى ، فلما جعل مكان وتبشر بشرى أو بشارة نصب ، كما تقول ; أتيتك لأزورك ، وكرامة لك وقضاء لحقك ، يعني لأزورك وأكرمك وأقضي حقك ، فنصب الكرامة بفعل مضمر .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12)يقول تعالى ذكره; ومن قبل هذا الكتاب, كتاب موسى, وهو التوراة, إماما لبني إسرائيل يأتمون به, ورحمة لهم أنـزلناه عليهم. وخرج الكلام مخرج الخبر عن الكتاب بغير ذكر تمام الخبر اكتفاء بدلالة الكلام على تمامه; وتمامه; ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أنـزلناه عليه, وهذا كتاب أنـزلناه لسانا عربيا.اختلف في تأويل ذلك, وفي المعنى الناصب ( لِسَانًا عَرَبِيًّا ) أهل العربية, فقال بعض نحويي البصرة; نصب اللسان والعربي, لأنه من صفة الكتاب, فانتصب على الحال, أو على فعل مضمر, كأنه قال; أعني لسانا عربيا. قال; وقال بعضهم على مصدق جعل الكتاب مصدق اللسان, فعلى قول من جعل اللسان نصبا على الحال, وجعله من صفة الكتاب, ينبغي أن يكون تأويل الكلام, وهذا كتاب بلسان عربيّ مصدّق التوراة كتاب موسى, بأن محمدا لله رسول, وأن ما جاء به من عند الله حقّ.وأما القول الثاني الذي حكيناه عن بعضهم, أنه جعل الناصب للسان مصدّق, فقول لا معنى له, لأن ذلك يصير إذا يؤوّل كذلك إلى أن الذي يصدق القرآن نفسه, ولا معنى لأن يقال; وهذا كتاب يصدّق نفسه, لأن اللسان العربيّ هو هذا الكتاب, إلا أن يجعل اللسان العربيّ محمدا عليه الصلاة والسلام , ويوجه تأويله إلى; وهذا كتاب وهو القرآن يصدّق محمدا, وهو اللسان العربيّ, فيكون ذلك وجها من التأويل.وقال بعض نحويي الكوفة; قوله; ( لِسَانًا عَرَبِيًّا ) من نعت الكتاب, وإنما نُصب لأنه أريد به; وهذا كتاب يصدّق التوراة والإنجيل لسانا عربيا, فخرج لسانا عربيا من يصدّق, لأنه فعل, كما تقول; مررت برجل يقوم محسنا, ومررت برجل قائم محسنا, قال; ولو رفع لسان عربيّ جاز على النعت للكتاب.وقد ذُكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود " وهذا كتاب مصدّق لما بين يديه لسانا عربيا " ، فعلى هذه القراءة يتوجه النصب في قوله ( لِسَانًا عَرَبِيًّا ) من وجهين; أحدهما على ما بيَّنت من أن يكون اللسان خارجا من قوله (مصَدّقٌ) والآخر; أن يكون قطعا من الهاء التي في بين يديه.والصواب من القول في ذلك عندي أن يكون منصوبا على أنه حال مما في مصدّق من ذكر الكتاب, لأن قوله; (مصَدّقٌ) فعل, فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك; وهذا القرآن يصدق كتاب موسى بأن محمدا نبي مرسل لسانا عربيا.وقوله ( لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) يقول; لينذر هذا الكتاب الذي أنـزلناه إلى محمد عليه الصلاة والسلام الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بالله بعبادتهم غيره.وقوله ( وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ) يقول; وهو بشرى للذين أطاعوا الله فأحسنوا في إيمانهم وطاعتهم إياه في الدنيا, فحسن الجزاء من الله لهم في الآخرة على طاعتهم إياه. وفي قوله (وبُشْرى) وجهان من الإعراب; الرفع على العطف على الكتاب بمعنى; وهذا كتاب مصدّق وبشرى للمحسنين. والنصب على معنى; لينذر الذين ظلموا ويبشر, فإذا جعل مكان يبشر وبُشرى أو وبشارة, نصبت كما تقول أتيتك لأزورك وكرامة لك, وقضاء لحقك, بمعنى لأزورك وأكرمك, وأقضي حقك, فتنصب الكرامة والقضاء بمعنى مضمر.واختلفت القرّاء في قراءة (لِيُنْذِرَ) فقرأ ذلك عامة قرّاء الحجاز " لِتُنْذِرَ" بالتاء بمعنى; لتنذر أنت يا محمد, وقرأته عامة قرّاء العراق بالياء بمعنى; لينذر الكتاب, وبأي القراءتين قرأ ذلك القارئ فمصيب.
الذي قد وافق الكتب السماوية خصوصا أكملها وأفضلها بعد القرآن وهي التوراة التي أنزلها الله على موسى { إِمَامًا وَرَحْمَةً } أي: يقتدي بها بنو إسرائيل ويهتدون بها فيحصل لهم خير الدنيا والآخرة. { وَهَذَا } القرآن { كِتَابٌ مُصَدِّقٌ } للكتب السابقة شهد بصدقها وصدَّقها بموافقته لها وجعله الله { لِسَانًا عَرَبِيًّا } ليسهل تناوله ويتيسر تذكره، { لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا } أنفسهم بالكفر والفسوق والعصيان إن استمروا على ظلمهم بالعذاب الوبيل ويبشر المحسنين في عبادة الخالق وفي نفع المخلوقين بالثواب الجزيل في الدنيا والآخرة ويذكر الأعمال التي ينذر عنها والأعمال التي يبشر بها.
(الواو) استئنافيّة
(من قبله) متعلّق بخبر مقدّم للمبتدأ
(كتاب)
(إماما) حال منصوبة من كتاب والعامل فيها الاستقرار
(مصدّق) نعت لكتاب- أو خبر ثان- مرفوع
(لسانا) حال من الضمير في مصدّق ،
(اللام)للتعليلـ (ينذر) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام
(الواو) عاطفة
(بشرى) معطوف على مصدّق مرفوع ،
(للمحسنين) متعلّق بـ (بشرى) .
جملة: «من قبله كتاب ... » لا محلّ لها استئنافيّة وجملة: «هذا كتاب ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة الاستئناف وجملة: «ينذر ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر والمصدر المؤوّلـ (أن ينذر) في محلّ جرّ باللام متعلّق بمصدّق وجملة: «ظلموا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين)