إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلٰىٓ أَدْبٰرِهِم مِّنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ۙ الشَّيْطٰنُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلٰى لَهُمْ
اِنَّ الَّذِيۡنَ ارۡتَدُّوۡا عَلٰٓى اَدۡبَارِهِمۡ مِّنۡۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الۡهُدَىۙ الشَّيۡطٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ ؕ وَاَمۡلٰى لَهُمۡ
تفسير ميسر:
إن الذين ارتدُّوا عن الهدى والإيمان، ورجعوا على أعقابهم كفارًا بالله من بعد ما وَضَح لهم الحق، الشيطان زيَّن لهم خطاياهم، ومدَّ لهم في الأمل.
أي فارقوا الإيمان ورجعوا إلى الكفر "من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم" أي زين لهم ذلك وحسنه "وأملى لهم" أي غرهم وخدعهم.
قوله تعالى ; إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم .قال قتادة ; هم كفار أهل الكتاب ، كفروا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بعدما عرفوا نعته عندهم ، قاله ابن جريج . وقال ابن عباس والضحاك والسدي ; هم المنافقون ، قعدوا عن القتال بعدما علموه في القرآن .الشيطان سول لهم أي زين لهم خطاياهم ، قاله الحسن . وأملى لهم أي مد لهم الشيطان في الأمل ووعدهم طول العمر ، عن الحسن أيضا . وقال ; إن الذي أملى لهم في الأمل ومد في آجالهم هو الله عز وجل ، قاله الفراء والمفضل . وقال الكلبي ومقاتل ; إن معنى أملى لهم أمهلهم ، فعلى هذا يكون الله تعالى أملى لهم بالإمهال في عذابهم . وقرأ أبو عمرو وابن إسحاق وعيسى بن عمرو وأبو جعفر وشيبة ( وأملي لهم ) بضم الهمزة وكسر اللام وفتح الياء ، على ما لم يسم فاعله . وكذلك قرأ ابن هرمز ومجاهد والجحدري ويعقوب ، إلا أنهم سكنوا الياء على وجه الخبر من الله تعالى عن نفسه أنه يفعل ذلك بهم ، كأنه قال ; وأنا أملي لهم . واختاره أبو حاتم ، قال ; لأن فتح الهمزة يوهم أن الشيطان يملي لهم ، وليس كذلك ، فلهذا عدل إلى الضم . قال المهدوي ; ومن قرأ وأملى لهم فالفاعل اسم الله تعالى . وقيل ; الشيطان . واختار أبو عبيد قراءة العامة ، قال ; لأن المعنى معلوم ، لقوله ; لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه رد التسبيح على اسم الله ، والتوقير والتعزير على اسم الرسول .
وقوله ( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ) يقول الله عزّ وجلّ إن الذين رجعوا القهقرى على أعقابهم كفارا بالله من بعد ما تبين لهم الحقّ وقصد السبيل, فعرفوا واضح الحجة, ثم آثروا الضلال على الهدى عنادا لأمر الله تعالى ذكره من بعد العلم.كما حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ) هم أعداء الله أهل الكتاب, يعرفون بعث محمد نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وأصحابه عندهم, ثم يكفرون به.حدثنا ابن عبد الأعلى, قال; ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ) إنهم يجدونه مكتوبا عندهم.وقال آخرون; عنى بذلك أهل النفاق.* ذكر من قال ذلك;حُدثت عن الحسين, قال; سمعت أبا معاذ يقول; أخبرنا عبيد, قال; سمعت الضحاك يقول في قوله ( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ )... إلى قوله فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ هم أهل النفاق.حدثني محمد بن سعد, قال; ثني أبي, قال; ثنى عمي, قال; ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ )... إلى إِسْرَارَهُمْ هم أهل النفاق. وهذه الصفة بصفة أهل النفاق عندنا, أشبه منها بصفة أهل الكتاب, وذلك أن الله عزّ وجلّ أخبر أن ردّتهم كانت بقيلهم لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَـزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ ولو كانت من صفة أهل الكتاب, لكان في وصفهم بتكذيب محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم الكفاية من الخبر عنهم بأنهم إنما ارتدّوا من أجل قيلهم ما قالوا.وقوله ( الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ) يقول تعالى ذكره; الشيطان زين لهم ارتدادهم على أدبارهم, من بعد ما تبين لهم الهدى.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن عبد الأعلى, قال; ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ) يقول; زين لهم.حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة ( سَوَّلَ لَهُمْ ) يقول; زين لهم.وقوله ( وَأَمْلَى لَهُمْ ) يقول; ومدّ الله لهم في آجالهم مُلاوة من الدهر, ومعنى الكلام; الشيطان سوّل لهم, والله أملى لهم.واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الحجاز والكوفة ( وَأَمْلَى لَهُمْ ) بفتح الألف منها بمعنى; وأملى الله لهم. وقرأ ذلك بعض أهل المدينة والبصرة ( وَأُمْلِيَ لَهُمْ ) على وجه ما لم يسمّ فاعله. وقرأ مجاهد فيما ذُكر عنه ( وَأُمْلِي ) بضم الألف وإرسال الياء على وجه الخبر من الله جلّ ثناؤه عن نفسه أنه يفعل ذلك بهم.وأولى هذه القراءات بالصواب, التي عليها عامة قرّاء الحجاز والكوفة من &; 22-182 &; فتح الألف في ذلك, لأنها القراءة المستفيضة في قراءة الأمصار, وإن كان يجمعها مذهب تتقارب معانيها فيه.
يخبر تعالى عن حالة المرتدين عن الهدى والإيمان على أعقابهم إلى الضلال والكفران، ذلك لا عن دليل دلهم ولا برهان، وإنما هو تسويل من عدوهم الشيطان وتزيين لهم، وإملاء منه لهم: { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا }
(على أدبارهم) متعلّق بـ (ارتدّوا) ،
(من بعد) متعلّق بـ (ارتدّوا) ،
(ما) حرف مصدريّ
(لهم) متعلّق بـ (تبيّن) ...والمصدر المؤوّلـ (ما تبيّن..) في محلّ جرّ مضاف إليه.(لهم) الثاني متعلّق بـ (سوّل) ، و (لهم) الثالث متعلّق بـ (أملى) .
جملة: «إنّ الذين ارتدّوا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «ارتدّوا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «تبيّن لهم الهدى ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(ما) .
وجملة: «الشيطان سوّل ... » في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: «سوّل لهم ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(الشيطان) .
وجملة: «أملى لهم» في محلّ رفع معطوفة على جملة سوّل.
26- والمصدر المؤوّلـ (أنّهم قالوا ... ) في محلّ جرّ بالباء متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ
(ذلك) .
(للذين) متعلّق بـ (قالوا) ،
(ما) موصول في محلّ نصب مفعول به، والعائد محذوف
(في بعض) متعلّق بـ (نطيعكم) ،
(الواو) حالية..
وجملة: «ذلك بأنّهم قالوا ... » لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: «قالوا ... » في محلّ رفع خبر أنّ.
وجملة: «كرهوا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «نزّل الله ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «سنطيعكم ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «الله يعلم ... » في محلّ نصب حال.
وجملة: «يعلم ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(الله) .
27-
(الفاء) استئنافيّة
(كيف) اسم استفهام في محلّ رفع خبر لمبتدأ محذوفتقديره حالهم ،
(إذا) ظرف للمستقبل مجرّد من الشرط في محلّ نصب متعلّق بالمبتدأ المقدّر .
وجملة: «كيف
(حالهم) ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «توفّتهم الملائكة ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «يضربون ... » في محلّ نصب حال من الملائكة أو من المفعول.
28-
(ذلك بأنّهم..) مثل الأولى
(ما) موصول مفعول به
(الله) لفظ الجلالة مفعول به
(الفاء) عاطفة.
وجملة: «ذلك بأنّهم ... » لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: «اتّبعوا ... » في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: «أسخط ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «كرهوا ... » في محلّ رفع معطوفة على جملة اتّبعوا.
وجملة: «أحبط ... » في محلّ رفع معطوفة على جملة كرهوا.