الرسم العثمانييٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوّٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ عَلٰىٓ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوٰى ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا تَعْمَلُونَ
الـرسـم الإمـلائـييٰۤـاَيُّهَا الَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡا كُوۡنُوۡا قَوَّا امِيۡنَ لِلّٰهِ شُهَدَآءَ بِالۡقِسۡطِ ۖ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَاٰنُ قَوۡمٍ عَلٰٓى اَ لَّا تَعۡدِلُوۡا ؕ اِعۡدِلُوۡا هُوَ اَقۡرَبُ لِلتَّقۡوٰى وَاتَّقُوا اللّٰهَ ؕ اِنَّ اللّٰهَ خَبِيۡرٌۢ بِمَا تَعۡمَلُوۡنَ
تفسير ميسر:
يا أيها الذين آمَنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم كونوا قوَّامين بالحق، ابتغاء وجه الله، شُهداء بالعدل، ولا يحملنكم بُغْضُ قوم على ألا تعدلوا، اعدِلوا بين الأعداء والأحباب على درجة سواء، فذلك العدل أقرب لخشية الله، واحذروا أن تجوروا. إن الله خبير بما تعملون، وسيجازيكم به.
قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله" أي كونوا قوامين بالحق لله عز وجل لا لأجل الناس والسمعة وكونوا " شهداء بالقسط " أي بالعدل لا بالجور وقد ثبت في الصحيحين عن النعمان بن بشير أنه قال; نحلني أبي نحلا فقالت أمي عمرة بنت رواحة; لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه ليشهده على صدقتي فقال; أكل ولدك نحلت مثله؟ قال لا قال;" اتقوا الله واعدلوا في أولادكم - وقال - إنى لا أشهد على جور" قال; فرجع أبي فرد تلك الصدقة وقوله تعالى " ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا " أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم بل استعملوا العدل في كل أحد صديقا كان أو عدوا ولهذا قال " اعدلوا هو أقرب للتقوى " أي أقرب إلى التقوى من تركه ودل الفعل على المصدر الذي عاد الضمير عليه في نظائره من القرآن وغيره كما في قوله " وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم " وقوله; هو أقرب للتقوى من باب استعمال أفعل التفضيل في المحل الذي ليس في الجانب الآخر منه شيء كما في قوله تعالى " أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا " وكقول بعض الصحابيات لعمر; أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال تعالى " واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " أي وسيجزيكم على ما علم من أفعالكم التي عملتموها إن خيرا فخير وإن شرا فشر ولهذا قال بعده " وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ".
قوله تعالى ; يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملونقوله تعالى ; ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين الآية تقدم معناها في " النساء " ، والمعنى ; أتممت عليكم نعمتي فكونوا قوامين لله ، أي ; لأجل ثواب الله ; فقوموا بحقه ، واشهدوا بالحق من غير ميل إلى أقاربكم ، وحيف على أعدائكم . ولا يجرمنكم شنآن قوم على ترك العدل وإيثار العدوان على الحق ، وفي هذا دليل على نفوذ حكم العدو [ ص; 71 ] على عدوه في الله تعالى ونفوذ شهادته عليه ; لأنه أمر بالعدل وإن أبغضه ، ولو كان حكمه عليه وشهادته لا تجوز فيه مع البغض له لما كان لأمره بالعدل فيه وجه ، ودلت الآية أيضا على أن كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه ، وأن يقتصر بهم على المستحق من القتال والاسترقاق ، وأن المثلة بهم غير جائزة وإن قتلوا نساءنا وأطفالنا وغمونا بذلك ; فليس لنا أن نقتلهم بمثلة قصدا لإيصال الغم والحزن إليهم ; وإليه أشار عبد الله بن رواحة بقوله في القصة المشهورة ; هذا معنى الآية . وتقدم في صدر هذه السورة معنى قوله ; ولا يجرمنكم شنآن قوم ، وقرئ " ولا يجرمنكم " قال الكسائي ; هما لغتان . وقال الزجاج ; معنى " لا يجرمنكم " لا يدخلنكم في الجرم ; كما تقول ; آثمني أي ; أدخلني في الإثم . ومعنى ; هو أقرب للتقوى أي ; لأن تتقوا الله ، وقيل ; لأن تتقوا النار .
القول في تأويل قوله عز ذكره ; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُواقال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه; يا أيها الذين آمنوا بالله وبرسوله محمد، ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيامُ لله شهداء بالعدل في أوليائكم وأعدائكم، (192) ولا تجوروا في أحكامكم وأفعالكم فتجاوزوا ما حددت لكم في أعدائكم لعدواتهم لكم، ولا تقصِّروا فيما حددت لكم من أحكامي وحدودي في أوليائكم لولايتهم لكم، (193) ولكن انتهوا في جميعهم إلى حدِّي، واعملوا فيه بأمري.* * *وأما قوله; " ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا " فإنه يقول; ولا يحملنكم عداوةُ قوم على ألا تعدلوا في حكمكم فيهم وسيرتكم بينهم، فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة.* * *وقد ذَكرنا الرواية عن أهل التأويل في معنى قوله; كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ [سورة النساء; 135] وفي قوله; وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ [سورة المائدة; 2] واختلاف المختلفين في قراءة ذلك، والذي هو أولى بالصواب من القول فيه والقراءة= بالأدلة الدالة على صحته، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (194)* * *وقد قيل; إن هذه الآية نـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين همت اليهود بقتله.ذكر من قال ذلك;11556 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير; " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى "، نـزلت في يهود خيبر، أرادوا قتل النبيّ صلى الله عليه وسلم= وقال ابن جريج، قال عبد الله بن كثير; ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود يستعينهم في دية، فهمُّوا أن يقتلوه، فذلك قوله; " ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا "... الآية.* * *القول في تأويل قوله عز ذكره ; اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)قال أبو جعفر; يعني بقوله جل ثناؤه; " اعدلوا " أيها المؤمنون، على كل أحد من الناس وليًّا لكم كان أو عدوًّا، فاحملوهم على ما أمرتكم أن تحملوهم عليه من أحكامي، ولا تجوروا بأحد منهم عنه.* * *وأما قوله; " هو أقرب للتقوى " فإنه يعني بقوله; " هو " العدلُ عليهم أقرب لكم أيها المؤمنون إلى التقوى، يعني; إلى أن تكونوا عند الله باستعمالكم إياه من أهل التقوى، وهم أهل الخوف والحذر من الله أن يخالفوه في شيء من أمره، أو يأتوا شيئا من معاصيه. (195)* * *وإنما وصف جل ثناؤه " العَدْل " بما وصفه به من أنه " أقرب للتقوى " من الجور، لأن من كان عادلا كان لله بعدله مطيعًا، ومن كان لله مطيعا، كان لا شك من أهل التقوى، ومن كان جائرا كان لله عاصيا، ومن كان لله عاصيا، كان بعيدًا من تقواه.* * *وإنما كنى بقوله; " هو أقرب " عن الفعل (196) والعرب تكني عن الأفعال إذا كَنَتْ عنها بـ " هو " وبـ " ذلك "، كما قال جل ثناؤه; فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (197) [سورة البقرة; 271] و ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ [سورة البقرة; 232]. (198) ولو لم يكن في الكلام " هو " لكان " أقرب " نصبا، ولقيل; " اعدلوا أقربَ للتقوى "، كما قيل; انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ [سورة النساء; 171]. (199)* * *وأما قوله; " واتقوا الله إنّ الله خبير بما تعملون "، فإنه يعني; واحذروا أيها المؤمنون، أن تجوروا في عباده فتجاوزوا فيهم حكمه وقضاءَه الذين بيّن لكم، فيحلّ بكم عقوبته، وتستوجبوا منه أليم نكاله=" إن الله خبير بما تعملون "، يقول; إن الله ذو خبرة وعلم بما تعملون أيها المؤمنون فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، من عمل به أو خلافٍ له، مُحْصٍ ذلكم عليكم كلّه، حتى يجازيكم به جزاءَكم، المحسنَ منكم بإحسانه، والمسيءَ بإساءته، فاتقوا أن تسيئوا. (200)-------------------------الهوامش ;(192) في المطبوعة; "لولايتهم" ، وأسقط"لكم" ، وأثبتها من المخطوطة.(193) انظر تفسير"القسط" فيما سلف 9; 301 ، تعليق; 5 ، والمراجع هناك.(194) انظر ما سلف 9; 301 ، الآية الأولى = ثم الثانية 9; 483- 487.(195) انظر تفسير"العدل" ، و"التقوى" ، فيما سلف من فهارس اللغة.(196) "الفعل" ، يعني مصدر الفعل ، كما سلف قريبا ص; 82 ، تعليق; 2 ، وانظر فهرس المصطلحات.(197) كان في المطبوعة; "هو خير لكم" ، وفي المخطوطة بإسقاط"هو" ، وهذا الذي أثبته هو نص آية البقرة; 271 ، وراجع ذلك في 5; 582 مما سلف. وانظر معاني القرآن للفراء 1; 303.(198) في المطبوعة والمخطوطة; "ذلك أذكى" ، وأثبت نص آية البقرة. وانظر ما سلف 5; 29.(199) انظر ما سلف 9; 413-415.(200) انظر تفسير"خبير" فيما سلف من فهارس اللغة.
أي { يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ْ} بما أُمِرُوا بالإيمان به، قوموا بلازم إيمانكم، بأن تكونوا { قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ْ} بأن تنشط للقيام بالقسط حركاتكم الظاهرة والباطنة. وأن يكون ذلك القيام لله وحده، لا لغرض من الأغراض الدنيوية، وأن تكونوا قاصدين للقسط، الذي هو العدل، لا الإفراط ولا التفريط، في أقوالكم ولا أفعالكم، وقوموا بذلك على القريب والبعيد، والصديق والعدو. { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ ْ} أي: لا يحملنكم بغض { قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ْ} كما يفعله من لا عدل عنده ولا قسط، بل كما تشهدون لوليكم، فاشهدوا عليه، وكما تشهدون على عدوكم فاشهدوا له، ولو كان كافرا أو مبتدعا، فإنه يجب العدل فيه، وقبول ما يأتي به من الحق، لأنه حق لا لأنه قاله، ولا يرد الحق لأجل قوله، فإن هذا ظلم للحق. { اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ْ} أي: كلما حرصتم على العدل واجتهدتم في العمل به، كان ذلك أقرب لتقوى قلوبكم، فإن تم العدل كملت التقوى. { إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ْ} فمجازيكم بأعمالكم، خيرها وشرها، صغيرها وكبيرها، جزاء عاجلا، وآجلا.
(يأيّها الذين آمنوا) مرّ إعرابها ،
(كونوا) فعل أمر ناقص مبني على حذف النون.. والواو اسم كونوا
(قوّامين) خبر الناقص منصوب وعلامة النصب الياء
(لله) جارّ ومجرور متعلّق بقوامين
(شهداء) خبر ثاني للناقص منصوبـ (بالقسط) جارّ ومجرور متعلّق بشهداء
(الواو) عاطفة
(لا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا) مرّ إعراب نظيرها ،
(اعدلوا) مثل اذكروا ،
(هو) ضمير منفصل مبني في محلّ رفع مبتدأ، والضمير يعود إلى العدل المفهوم من قوله اعدلوا
(أقرب) خبر مرفوع
(للتقوى) جارّ ومجرور متعلّق بأقربـ (الواو) عاطفة
(اتّقوا الله إنّ الله خبير) مرّ إعرابها
(الباء) حرف جرّ
(ما) اسم موصول مبني في محلّ جرّ متعلّق بـ (خبير) ،
(تعملون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.جملة النداء «يأيّها الذين ... » : لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة «آمنوا» : لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة «كونوا قوّامين» : لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة «لا يجرمنّكم ... » : لا محلّ لها معطوفة على جواب النداء.
وجملة «لا تعدلوا» : لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) .
وجملة «اعدلوا» : لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة «هو أقرب للتقوى» : لا محلّ لها تعليليّة.. استئناف بيانيّ.
وجملة «اتّقوا الله» : لا محلّ لها معطوفة على جملة اعدلوا.
وجملة «إنّ الله خبير» : لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة «تعملون» : لا محلّ لها صلة الموصول الاسميّ أو الحرفيّ.
- القرآن الكريم - المائدة٥ :٨
Al-Ma'idah5:8