الرسم العثمانيقَدْ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَنْ عَمِىَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ
الـرسـم الإمـلائـيقَدۡ جَآءَكُمۡ بَصَآٮِٕرُ مِنۡ رَّبِّكُمۡۚ فَمَنۡ اَبۡصَرَ فَلِنَفۡسِهٖ ۚ وَمَنۡ عَمِىَ فَعَلَيۡهَا ؕ وَمَاۤ اَنَا عَلَيۡكُمۡ بِحَفِيۡظٍ
تفسير ميسر:
قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين; قد جاءتكم براهين ظاهرة تبصرون بها الهدى من الضلال، مما اشتمل عليها القرآن، وجاء بها الرسول عليه الصلاة والسلام، فمَن تبيَّن هذه البراهين وآمن بمدلولها فنَفْعُ ذلك لنفسه، ومَن لم يبصر الهدى بعد ظهور الحجة عليه فعلى نفسه جنى، وما أنا عليكم بحافظ أحصي أعمالكم، وإنما أنا مبلغ، والله يهدي مَن يشاء ويضل مَن يشاء وَفْق علمه وحكمته.
البصائر هي البينات والحجج التي اشتمل عليها القرآن وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم "فمن أبصر فلنفسه" كقوله "فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها" ولهذا قال "ومن عمي فعليها" لما ذكر البصائر قال "ومن عمي فعليها" أي إنما يعود وباله عليه كقوله "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" "وما أنا عليكم بحفيظ" أي بحافظ ولا رقيب بل إنما أنا مبلغ والله يهدي من يشاء ويضل من يشاء.
قوله تعالى قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ .قوله تعالى قد جاءكم بصائر من ربكم أي آيات وبراهين يبصر بها ويستدل ; جمع بصيرة وهي الدلالة . قال الشاعر ;جاءوا بصائرهم على أكتافهم وبصيرتي يعدو بها عتد وآييعني بالبصيرة الحجة البينة الظاهرة . ووصف الدلالة بالمجيء لتفخيم شأنها ; إذ كانت بمنزلة الغائب المتوقع حضوره للنفس ; كما يقال ; جاءت العافية وقد انصرف المرض ، وأقبل السعود وأدبر النحوس .فمن أبصر فلنفسه الإبصار ; هو الإدراك بحاسة البصر ; أي فمن استدل وتعرف فنفسه نفع .ومن عمي فعليها لم يستدل ، فصار بمنزلة الأعمى ; فعلى نفسه يعود ضرر عماه .وما أنا عليكم بحفيظ أي لم أؤمر بحفظكم على أن تهلكوا أنفسكم . وقيل ; أي لا أحفظكم من عذاب الله . وقيل ; " بحفيظ " برقيب ; أحصي عليكم أعمالكم ، وإنما أنا رسول أبلغكم رسالات ربي ، وهو الحفيظ عليكم لا يخفى عليه شيء من أفعالكم . قال الزجاج ; نزل هذا قبل فرض القتال ، ثم أمر أن يمنعهم بالسيف من عبادة الأوثان .
القول في تأويل قوله تعالى ; قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)قال أبو جعفر; وهذا أمرٌ من الله جل ثناؤه نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء الذين نبَّههم بهذه الآيات من قوله; (22) إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى إلى قوله; وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ على حججه عليهم, وعلى سائر خلقه معهم, (23) العادلين به الأوثان والأنداد, والمكذبين بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم من عند الله= قل لهم يا محمد; " قد جاءكم "، أيها العادلون بالله، والمكذبون رسوله=" بصائر من ربكم "، أي; ما تبصرون به الهدى من الضلال، والإيمان من الكفر .* * *= وهي جمع " بصيرة ", ومنه قول الشاعر; (24)حَــمَلُوا بَصَـائِرَهُمْ عَـلَى أَكْتَـافِهِمْوَبَصِــيرَتِي يَعْـدُو بِهَـا عَتَـدٌ وَأَى (25)يعني بالبصيرة; الحجة البينة الظاهرة ، (26) كما;-13703- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد, في قوله; " قد جاءكم بصائر من ربكم " قال; " البصائر " الهدى، بصائر في قلوبهم لدينهم, وليست ببصائر الرؤوس . وقرأ; فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [سورة الحج; 46] وقال; إنما الدين بصره وسمعه في هذا القلب . (27)13704- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة; " قد جاءكم بصائر من ربكم "، أي بينة .وقوله; " فمن أبصر فلنفسه " يقول; فمن تبين حجج الله وعرَفها وأقرَّ بها، وآمن بما دلّته عليه من توحيد الله وتصديق رسوله وما جاء به, فإنما أصاب حظ نفسه، ولنفسه عمل, وإياها بَغَى الخير=" ومن عمي فعليها "، يقول; ومن لم يستدلّ بها، ولم يصدق بما دلَّته عليه من الإيمان بالله ورسوله وتنـزيله, ولكنه عمي عن دلالتها التي تدل عليها, يقول; فنفسَه ضر، وإليها أساء لا إلى غيرها .* * *وأما قوله; " وما أنا عليكم بحفيظ "، يقول; وما أنا عليكم برقيب أحصي عليكم أعمالكم وأفعالكم, وإنما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به إليكم, والله الحفيظ عليكم، الذي لا يخفى عليه شيء من أعمالكم . (28)----------------------الهوامش ;(22) في المطبوعة والمخطوطة ; (( لهذه الآيات )) باللام ، وصواب السياق يقتضي ما أثبت .(23) في المطبوعة (( وعلى تبيين خلقه معهم )) ، وهو كلام لا معنى له ، وهو في المخطوطة سيئ الكتابة ، وصواب قراءته ما أثبت . قوله ; (( وعلى سائر خلقه معهم )) ، معطوف على قوله ; (( عليهم )) قبله .وقوله ; (( على حججه )) ، السياق ; (( أن يقول لهؤلاء الذين نبههم بهذه الآيات ... على حججه عليهم )).وقوله بعد; (( العادلين به الأوثان )) ، صفة لقوله آنفًا (( أن يقول لهؤلاء الذين نبههم بهذه الآيات .. . ))(24) هو الأسعر الجعفي .(25) الأصمعيات ; 23 ( وطبعة المعارف ; 157 ) ، والوحشيات رقم ; 58 ، المخصص 1 ; 160 ، اللسان ( بصر ) ( عتد ) ( وأي ) . وغيرها كثير . وهي من قصيدة عير فيها إخوته لأبيه ، وذلك أن أباه قتل وهو غلام ، فأخذ إخوته لأبيه الدية فأكلوها ، فلما شب الأسعر ، أدرك بثأر أبيه ، وقال قبله ;ولقـد عَلِمْـتُ ، عَـلَى تَجَشُّمِيَ الرَّدَىأَنَّ الحُـصُونَ الخَـيْلُ لا مَـدَرُ القُرَىوفسر أصحاب اللغة (( البصيرة )) هنا بأنها الدم ما لم يسل ، يعني ; دماءهم في أبدانهم ، يعير أخوته . وقال غيرهم ; (( البصائر )) دم أبيهم ، يقول ; تركوا دم أبيهم خلفهم ولم يثأروا به ، وطلبته أنا . و (( عتد )) ( بفتح العين ، وفتح التاء أو كسرها ) ; الفرس الشديد التام الخلق ، السريع الوثبة ، المعد للجري ، ليس فيه اضطراب ولا رخاوة . و (( الوأي )) ، الفرس السريع الطويل المقتدر الخلق .(26) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 ; 203(27) (( الدين )) ( بتشديد الياء وكسرها ) ; المتدين ، صاحب الدين .(28) انظر تفسير (( الحفيظ )) فيما سلف 8 ; 562 .
{ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } لما بين تعالى من الآيات البينات، والأدلة الواضحات، الدالة على الحق في جميع المطالب والمقاصد، نبه العباد عليها، وأخبر أن هدايتهم وضدها لأنفسهم، فقال: { قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ } أي: آيات تبين الحق، وتجعله للقلب بمنزلة الشمس للأبصار، لما اشتملت عليه من فصاحة اللفظ، وبيانه، ووضوحه، ومطابقته للمعاني الجليلة، والحقائق الجميلة، لأنها صادرة من الرب، الذي ربى خلقه، بصنوف نعمه الظاهرة والباطنة، التي من أفضلها وأجلها، تبيين الآيات، وتوضيح المشكلات. { فَمَنْ أَبْصَرَ } بتلك الآيات، مواقع العبرة، وعمل بمقتضاها { فَلِنَفْسِهِ } فإن الله هو الغني الحميد. { وَمَنْ عَمِيَ } بأن بُصِّر فلم يتبصر، وزُجِر فلم ينزجر، وبين له الحق، فما انقاد له ولا تواضع، فإنما عماه مضرته عليه. { وَمَا أَنَا } أي الرسول { عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } أحفظ أعمالكم وأرقبها على الدوام إنما عليَّ البلاغ المبين وقد أديته، وبلغت ما أنزل الله إليَّ، فهذه وظيفتي، وما عدا ذلك فلست موظفا فيه
(قد) حرف تحقيق
(جاء) فعل ماض و (كم) ضمير مفعول به
(بصائر) فاعل مرفوع
(من رب) جار ومجرور متعلق بـ (جاء) ، و (كم) ضمير مضاف إليه
(الفاء) عاطفة
(من) اسم شرط جازم مبني، في محلّ رفع مبتدأ
(أبصر) فعل ماض مبني في محلّ جزم فعل الشرط، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، والمفعول محذوف أي أبصرها
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(لنفس) جار ومجرور خبر لمبتدأ محذوف تقديره إبصاره، و (الهاء) ضمير مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(من عمي) مثل من أبصر
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(على) حرف جر و (ها) ضمير في محلّ جر متعلق بخبر والمبتدأ مقدر أي عماه
(الواو) عاطفة
(ما) نافية عاملة عمل ليس
(أنا) ضمير منفصل في محلّ رفع اسم ما
(عليكم) مثل عليها متعلق بحفيظ
(الباء) حرف جر زائد
(حفيظ)مجرور لفظا منصوب محلا خبر ما.
جملة «جاءكم بصائر....» لا محلّ لها استئنافية.
وجملة «من أبصر ... » لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة «أبصر ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(من) .
وجملة «
(إبصاره) لنفسه» في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة «من عمي.» لا محلّ لها معطوفة على جملة من أبصر.
وجملة «عمي.» في محلّ رفع خبر المبتدأ
(من) .
جملة «
(عماه) عليها» في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة «ما أنا ... بحفيظ» لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
- القرآن الكريم - الأنعام٦ :١٠٤
Al-An'am6:104