الرسم العثمانيأُولٰٓئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدٰىهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٰى لِلْعٰلَمِينَ
الـرسـم الإمـلائـياُولٰٓٮِٕكَ الَّذِيۡنَ هَدَى اللّٰهُ فَبِهُدٰٮهُمُ اقۡتَدِهۡ ؕ قُلْ لَّاۤ اَسۡــَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ اَجۡرًا ؕ اِنۡ هُوَ اِلَّا ذِكۡرٰى لِلۡعٰلَمِيۡنَ
تفسير ميسر:
أولئك الأنبياء المذكورون هم الذين وفقهم الله تعالى لدينه الحق، فاتبع هداهم -أيها الرسول- واسلك سبيلهم. قل للمشركين; لا أطلب منكم على تبليغ الإسلام عوضًا من الدنيا، إنْ أجري إلا على الله، وما الإسلام إلا دعوة جميع الناس إلى الطريق المستقيم وتذكير لكم ولكل مَن كان مثلكم، ممن هو مقيم على باطل، لعلكم تتذكرون به ما ينفعكم.
ثم قال تعالى مخاطبا عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم "أولئك" يعني الأنبياء المذكورين مع من أضيف إليهم من الآباء والذرية والإخوان وهم الأشباه "الذين هدى الله" أي هم أهل الهدى لا غيرهم "فبهداهم اقتده" أي اقتد واتبع وإذا كان هذا أمرا للرسول صلى الله عليه وسلم فأمته تبع له فيما يشرعه ويأمرهم به قال البخاري عند هذه الآية; حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال أخبرني سليمان الأحول أن مجاهدا أخبره أنه سأل ابن عباس أفي "ص" سجدة فقال نعم ثم تلا "ووهبنا له إسحاق ويعقوب" إلى قوله "فبهداهم اقتده" ثم قال هو منهم زاد يزيد بن هارون ومحمد بن عبيد وسهيل بن يوسف عن العوام عن مجاهد قلت لابن عباس فقال نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ممن أمر أن يقتدي بهم وقوله تعالى "قل لا أسألكم عليه أجرا" أي لا أطلب منكم على إبلاغي إياكم هذا القرآن أجرا أي أجرة ولا أريد منكم شيئا "إن هو إلا ذكرى للعالمين" أي يتذكرون به فيرشدوا من العمى إلى الهدى ومن الغي إلى الرشاد ومن الكفر إلى الإيمان.
قوله تعالى أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتدهفيه مسألتان ;الأولى قوله تعالى ; فبهداهم اقتده الاقتداء طلب موافقة الغير في فعله . فقيل ; المعنى اصبر كما صبروا . وقيل ; معنى فبهداهم اقتده التوحيد ، والشرائع مختلفة . وقد احتج بعض العلماء بهذه الآية على وجوب اتباع شرائع الأنبياء فيما عدم فيه النص ; كما في صحيح مسلم وغيره ; أن أخت الربيع أم حارثة جرحت إنسانا فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ; فقال [ ص; 33 ] رسول الله صلى الله وعليه وسلم ; القصاص القصاص . فقالت أم الربيع ; يا رسول الله أيقتص من فلانة ؟ والله لا يقتص منها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; سبحان الله يا أم الربيع القصاص كتاب الله . قالت ; والله لا يقتص منها أبدا . قال ; فما زالت حتى قبلوا الدية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره . فأحال رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوله ; وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس الآية . وليس في كتاب الله تعالى نص على القصاص في السن إلا في هذه الآية ; وهي خبر عن شرع التوراة ومع ذلك فحكم بها وأحال عليها . وإلى هذا ذهب معظم أصحاب مالك وأصحاب الشافعي ، وأنه يجب العمل بما وجد منها . قال ابن بكير ; وهو الذي تقتضيه أصول مالك وخالف في ذلك كثير من أصحاب مالك وأصحاب الشافعي والمعتزلة ; لقوله تعالى ; لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا . وهذا لا حجة فيه ; لأنه يحتمل التقييد إلا فيما قص عليكم من الأخبار عنهم مما لم يأت في كتابكم . وفي صحيح البخاري عن العوام قال ; سألت مجاهدا عن سجدة " ص " فقال ; سألت ابن عباس عن سجدة " ص " فقال ; أوتقرأ ومن ذريته داود وسليمان إلى قوله أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ؟ وكان داود عليه السلام ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم بالاقتداء به .الثانية ; قرأ حمزة والكسائي " اقتد قل " بغير هاء في الوصل . وقرأ ابن عامر " اقتدهي قل " . قال النحاس ; وهذا لحن ; لأن الهاء لبيان الحركة في الوقف وليست بهاء إضمار ولا بعدها واو ولا ياء ، وكذلك أيضا لا يجوز " فبهداهم اقتد قل " . ومن اجتنب اللحن واتبع السواد قرأ " فبهداهم اقتده " فوقف ولم يصل ; لأنه إن وصل بالهاء لحن وإن حذفها خالف السواد . وقرأ الجمهور بالهاء في الوصل على نية الوقف وعلى نية الإدراج اتباعا لثباتها في الخط . وقرأ ابن عياش وهشام " اقتده قل " بكسر الهاء ، وهو غلط لا يجوز في العربية .[ ص; 34 ] قوله تعالى قل لا أسألكم عليه أجرا أي جعلا على القرآن .إن هو أي القرآن .إلا ذكرى للعالمين أي هو موعظة للخلق . وأضاف الهداية إليهم فقال ; " فبهداهم اقتده " لوقوع الهداية بهم . وقال ; ذلك هدى الله لأنه الخالق للهداية .
القول في تأويل قوله ; أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِقال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; " أولئك "، هؤلاء القوم الذين وكلنا بآياتنا وليسوا بها بكافرين, هم الذين هداهم الله لدينه الحق, وحفظ ما وكلوا بحفظه من آيات كتابه، والقيام بحدوده، واتباع حلاله وحرامه، والعمل بما فيه من أمر الله، والانتهاء عما فيه من نهيه, فوفقهم جل ثناؤه لذلك =" فبهداهم اقتده "، يقول تعالى ذكره; فبالعمل الذي عملوا، والمنهاج الذي سلكوا، وبالهدى الذي هديناهم، والتوفيق الذي وفقناهم =" اقتده "، يا محمد، أي; فاعمل، وخذ به واسلكه, فإنه عمل لله فيه رضًا، ومنهاجٌ من سلكه اهتدى.* * *وهذا التأويل على مذهب من تأوّل قوله; فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ، أنهم الأنبياء المسمون في الآيات المتقدمة. وهو القول الذي اخترناه في تأويل ذلك.* * *وأما على تأويل من تأول ذلك; أن القوم الذين وكّلوا بها هم أهل المدينة = أو; أنهم هم الملائكة = فإنهم جعلوا قوله; فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ، اعتراضًا بين الكلامين, ثم ردّوا قوله; " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده "، على قوله; " أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوّة ".* ذكر من قال ذلك;13531 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قوله; وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ إلى قوله; " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده "، يا محمد .13532- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; " أولئك الذين هدى الله "، يا محمد," فبهداهم اقتده "، ولا تقتد بهؤلاء.13533 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثني أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال; ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال; " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " .13534 - حدثنا علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قال; ثم قال في الأنبياء الذين سماهم في هذه الآية; " فبهداهم اقتده ".* * *ومعنى; " الاقتداء " في كلام العرب، بالرجل; اتباع أثره، والأخذ بهديه. يقال; " فلان يقدو فلانًا "، إذا نحا نحوه، واتبع أثره," قِدَة، وقُدوة وقِدوة وقِدْيَة ". (64)* * *القول في تأويل قوله ; قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; " قل " لهؤلاء الذين أمرتك أن تذكّرهم بآياتي، أن تبسَل نفس بما كسبت، من مشركي قومك يا محمد; " لا أسألكم "، على تذكيري إياكم، والهدى الذي أدعوكم إليه، والقرآن الذي جئتكم به, عوضًا أعتاضه منكم عليه، وأجرًا آخذه منكم, (65) وما ذلك مني إلا تذكير لكم، ولكل من كان مثلكم ممن هو مقيم على باطل، بَأسَ الله أن يَحُلّ بكم، وسَخَطه أن ينـزل بكم على شرككم به وكفركم = وإنذارٌ لجميعكم بين يدي عذاب شديد, لتذكروا وتنـزجروا. (66)* * *------------------الهوامش ;(64) في المطبوعة; "كتب مكان"وقدية""وقدوة" ، وهو خطأ صرف ، خالف ما في المخطوطة وهو الصواب.(65) انظر تفسير"الأجر فيما سلف من فهارس اللغة (أجر).(66) انظر تفسير"ذكرى" فيما سلف ص; 439.
{ أُولَئِكَ } المذكورون { الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ } أي: امش -أيها الرسول الكريم- خلف هؤلاء الأنبياء الأخيار، واتبع ملتهم وقد امتثل صلى الله عليه وسلم، فاهتدى بهدي الرسل قبله، وجمع كل كمال فيهم. فاجتمعت لديه فضائل وخصائص، فاق بها جميع العالمين، وكان سيد المرسلين، وإمام المتقين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وبهذا الملحظ، استدل بهذه من استدل من الصحابة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفضل الرسل كلهم. { قُلْ } للذين أعرضوا عن دعوتك: { لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا } أي: لا أطلب منكم مغرما ومالا، جزاء عن إبلاغي إياكم، ودعوتي لكم فيكون من أسباب امتناعكم، إن أجري إلا على الله. { إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ } يتذكرون به ما ينفعهم، فيفعلونه، وما يضرهم، فيذرونه، ويتذكرون به معرفة ربهم بأسمائه وأوصافه. ويتذكرون به الأخلاق الحميدة، والطرق الموصلة إليها، والأخلاق الرذيلة، والطرق المفضية إليها، فإذا كان ذكرى للعالمين، كان أعظم نعمة أنعم الله بها عليهم، فعليهم قبولها والشكر عليها.
(أولئك الذين هدى الله) مثل أولئك الذين آتينا ،
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(بهدى) جار ومجرور متعلق بـ (اقتد) ، و (هم) ضمير مضاف إليه
(اقتد) فعل أمر مبني على حذف حر العلة و (الهاء) هاء السكت لا محلّ لها ، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(قل) فعل أمر والفاعل أنت
(لا) نافية
(أسأل) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا و (كم) ضمير مفعول به
(على) حرف جرو (الهاء) ضمير في محلّ جر متعلق بمحذوف حال من(أجرا) - نعت تقدم على المنعوت-
(أجرا) مفعول به منصوبـ (إن) حرف نفي(هو) ضمير منفصل مبني في محلّ رفع مبتدأ
(إلا) أداة حصر
(ذكرى) خبر مرفوع وعلامة الرفع الضمة المقدرة على الألف
(للعالمين) جار ومجرور متعلق بنعت لذكرى ، وعلامة الجر الياء.
جملة «أولئك الذين....» لا محلّ لها استئنافية.
وجملة «هدى الله» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة «اقتده» جواب شرط مقدّر أي: إن صرت إلى مثل حالهم فاقتد بهواهم.
وجملة «قل....» لا محلّ لها استئنافية.
وجملة «أسألكم....» في محلّ نصب مقول القول.
وجملة «هو ذكرى» لا محلّ لها تعليلية.
- القرآن الكريم - الأنعام٦ :٩٠
Al-An'am6:90