الرسم العثمانيوَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قٰتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنّٰى يُؤْفَكُونَ
الـرسـم الإمـلائـيوَاِذَا رَاَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ اَجۡسَامُهُمۡ ؕ وَاِنۡ يَّقُوۡلُوۡا تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡ ؕ كَاَنَّهُمۡ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ؕ يَحۡسَبُوۡنَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡ ؕ هُمُ الۡعَدُوُّ فَاحۡذَرۡهُمۡ ؕ قَاتَلَهُمُ اللّٰهُ اَنّٰى يُـؤۡفَكُوۡنَ
تفسير ميسر:
وإذا نظرت إلى هؤلاء المنافقين تعجبك هيئاتهم ومناظرهم، وإن يتحدثوا تسمع لحديثهم؛ لفصاحة ألسنتهم، وهم لفراغ قلوبهم من الإيمان، وعقولهم من الفهم والعلم النافع كالأخشاب الملقاة على الحائط، التي لا حياة فيها، يظنون كل صوت عال واقعًا عليهم وضارًا بهم؛ لعلمهم بحقيقة حالهم، ولفرط جبنهم، والرعب الذي تمكَّن من قلوبهم، هم الأعداء الحقيقيون شديدو العداوة لك وللمؤمنين، فخذ حذرك منهم، أخزاهم الله وطردهم من رحمته، كيف ينصرفون عن الحق إلى ما هم فيه من النفاق والضلال؟
وقوله تعالى "وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة" أي وكانوا أشكالا حسنة وذوي فصاحة وألسنة وإذا سمعهم السامع يصغي إلى قولهم لبلاغتهم وهم مع ذلك في غاية الضعف والخور والهلع والجزع والجبن ولهذا قال تعالى "يحسبون كل صيحة عليهم" أي كلما وقع أمر أو كائنة أو خوف يعتقدون لجبنهم أنه نازل بهم كما قال تعالى "أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا" فهم جهامات وصور بلا معاني ولهذا قال تعالى "هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أني يؤفكون" أي كيف يصرفون عن الهدى إلى الضلالة وقد قال الإمام أحمد حدثنا يزيد حدثنا عبدالملك بن قدامة الجمحي عن إسحاق بن بكير أبي الفرات عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن للمنافقين علامات يعرفون بها; تحيتهم لعنة وطعامهم نهبة وغنيمتهم غلول ولا يقربون المساجد إلا هجرا ولا يأتون الصلاة إلا دبرا مستكبرين لا يألفون ولا يؤلفون خشب بالليل صخب بالنهار" وقال يزيد بن مرة; سخب بالنهار.
قوله تعالى ; وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكونقوله تعالى ; وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم أي هيئاتهم ومناظرهم .وإن يقولوا تسمع لقولهم يعني عبد الله بن أبي . قال ابن عباس ; كان عبد الله بن أبي وسيما جسيما صحيحا صبيحا ذلق اللسان ، فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم مقالته . وصفه الله بتمام الصورة وحسن الإبانة . وقال الكلبي ; المراد ابن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قشير ، كانت لهم أجسام ومنظر وفصاحة . وفي صحيح مسلم ; وقوله كأنهم خشب مسندة قال ; كانوا رجالا أجمل شيء كأنهم خشب مسندة ، شبههم بخشب مسندة إلى الحائط لا يسمعون ولا يعقلون ، أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام . وقيل ; شبههم بالخشب التي قد تآكلت فهي مسندة بغيرها لا يعلم ما في بطنها . وقرأ قنبل وأبو عمرو والكسائي " خشب " بإسكان الشين . وهي قراءة البراء بن عازب واختيار أبي عبيد ، لأن واحدتها خشبة . كما تقول ; بدنة وبدن ، وليس في اللغة فعلة يجمع على فعل . ويلزم من ثقلها أن تقول ; البدن ، فتقرأ " والبدن " . وذكر اليزيدي أنه جماع الخشباء ، كقوله عز وجل ; وحدائق غلبا واحدتها حديقة غلباء . وقرأ الباقون بالتثقيل وهي رواية البزي عن ابن كثير وعياش عن أبي عمرو ، وأكثر الروايات عن عاصم . واختاره أبو حاتم ، كأنه جمع خشاب وخشب ، نحو ثمرة وثمار وثمر . وإن شئت جمعت خشبة على خشب كما قالوا ; بدنة وبدن وبدن . وقد روي عن ابن المسيب فتح الخاء والشين في " خشب " . قال سيبويه ; خشبة وخشب ، مثل بدنة وبدن ، قال ; ومثله بغير هاء أسد وأسد ، ووثن ووثن وتقرأ خشب ، وهو جمع الجمع ، خشبة وخشاب وخشب ، مثل ثمرة وثمار [ ص; 116 ] وثمر . والإسناد الإمالة ، تقول ; أسندت الشيء أي أملته . و " مسندة " للتكثير ; أي استندوا إلى الأيمان بحقن دمائهم .قوله تعالى ; يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو أي كل أهل صيحة عليهم هم العدو . ف " هم العدو " في موضع المفعول الثاني على أن الكلام لا ضمير فيه . يصفهم بالجبن والخور . قال مقاتل والسدي ; أي إذا نادى مناد في العسكر أن انفلتت دابة أو أنشدت ضالة ظنوا أنهم المرادون ; لما في قلوبهم من الرعب . كما قال الشاعر وهو الأخطل ;ما زلت تحسب كل شيء بعدهم خيلا تكر عليهم ورجالاوقيل ; يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو كلام ضميره فيه لا يفتقر إلى ما بعد ; وتقديره ; يحسبون كل صيحة عليهم أنهم قد فطن بهم وعلم بنفاقهم ; لأن للريبة خوفا . ثم استأنف الله خطاب نبيه صلى الله عليه وسلم فقال ; " هم العدو " وهذا معنى قول الضحاك وقيل ; يحسبون كل صيحة يسمعونها في المسجد أنها عليهم ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر فيها بقتلهم ; فهم أبدا وجلون من أن ينزل الله فيهم أمرا يبيح به دماءهم ، ويهتك به أستارهم . وفي هذا المعنى قول الشاعر ;فلو أنها عصفورة لحسبتها مسومة تدعو عبيدا وأزنمابطن من بني يربوع .ثم وصفهم الله بقوله ; هم العدو فاحذرهم حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم . وفي قوله تعالى ; فاحذرهم وجهان ; أحدهما ; فاحذر أن تثق بقولهم أو تميل إلى كلامهم .الثاني ; فاحذر ممايلتهم لأعدائك وتخذيلهم لأصحابك ." قاتلهم الله " أي لعنهم الله قاله ابن عباس وأبو مالك . وهي كلمة ذم وتوبيخ . وقد تقول العرب ; قاتله الله ما أشعره ! يضعونه موضع التعجب . وقيل ; معنى قاتلهم الله أي أحلهم محل من قاتله عدو قاهر ; لأن الله تعالى قاهر لكل معاند . حكاه ابن عيسى ." أنى يؤفكون " أي يكذبون ; قاله ابن عباس . قتادة ; معناه يعدلون عن الحق . الحسن ; معناه يصرفون عن الرشد . وقيل ; معناه كيف تضل عقولهم عن هذا مع وضوح الدلائل ; وهو من الإفك وهو الصرف . و " أنى " بمعنى كيف ; وقد تقدم .
يقول جلّ ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; وإذا رأيت هؤلاء المنافقين يا محمد تعجبك أجسامهم لاستواء خلقها وحسن صورها(وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) يقول جلّ ثناؤه; وإن يتكلموا تسمع كلامهم يشبه منطقهم منطق الناس (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ) يقول كأن هؤلاء المنافقين خُشُب مسنَّدة لا خير عندهم ولا فقه لهم ولا علم، وإنما هم صور بلا أحلام، وأشباح بلا عقول.وقوله; (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ) يقول جلّ ثناؤه; يحسب هؤلاء المنافقون من خُبثهمْ وسوء ظنهم، وقلة يقينهم كلّ صيحة عليهم، لأنهم على وجل أن يُنـزل الله فيهم أمرا يهتك به أستارهم ويفضحهم، ويبيح للمؤمنين قتلهم وسبي ذراريهم، وأخذ أموالهم، فهم من خوفهم من ذلك كلما نـزل بهم من الله وحي على رسوله، ظنوا أنه نـزل بهلاكهم وعَطَبهم. يقول الله جلّ ثناؤه لنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; هم العدوّ يا محمد فاحذرهم، فإن ألسنتهم إذا لَقُوكم معكم وقلوبهم عليكم مع أعدائكم، فهم عين لأعدائكم عليكم.وقوله; (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) يقول; أخزاهم الله إلى أيّ وجه يصرفون عن الحقّ.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، وسمعته يقول في قول الله; (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ) ... الآية، قال; هؤلاء المنافقون.واختلفت القراء في قراءة قوله; (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ) فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة خلا الأعمش والكسائي ( خُشُبُ ) بضم الخاء والشين، كأنهم وجهوا ذلك إلى جمع الجمع، جمعوا الخشبة خشَابا ثم جمعوا الخِشاب خُشُبا، كما جمعت الثَّمرةُ ثمارا، ثم ثُمُرًا. وقد يجوز أن يكون الخُشُب بضم الخاء والشين إلى أنها جمع خَشَبة، فتضم الشين منها مرة، وتُسكن أخرى، كما جمعوا الأكمة أكمًا وأكمًا بضم الألف والكاف مرة، وتسكين الكاف لها مرة، وكما قيل; البُدُن والبُدْن، بضم الدال وتسكينها لجمع البَدنة، وقرأ ذلك الأعمش والكسائي ( خُشْبُ ) بضم الخاء وسكون الشين.والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، ولغتان فصيحتان، وبأيتهما قرأ القارئ فمصيب وتسكين الأوسط فيما جاء من جمع فُعُلة على فُعْل في الأسماء على ألسن العرب أكثر وذلك كجمعهم البدنة بُدْنا، والأجمة أُجْما.
{ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } من روائها ونضارتها، { وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } أي: من حسن منطقهم تستلذ لاستماعه، فأجسامهم وأقوالهم معجبة، ولكن ليس وراء ذلك من الأخلاق الفاضلة والهدى الصالح شيء، ولهذا قال: { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ } لا منفعة فيها، ولا ينال منها إلا الضرر المحض، { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } وذلك لجبنهم وفزعهم وضعف قلوبهم، والريب الذي في قلوبهم يخافون أن يطلع عليهم.فهؤلاء { هُمُ الْعَدُوُّ } على الحقيقة، لأن العدو البارز المتميز، أهون من العدو الذي لا يشعر به، وهو مخادع ماكر، يزعم أنه ولي، وهو العدو المبين، { فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } أي: كيف يصرفون عن الدين الإسلامي بعد ما تبينت أدلته، واتضحت معالمه، إلى الكفر الذي لا يفيدهم إلا الخسار والشقاء.
(الواو) عاطفة في الموضعين
(لقولهم) متعلّق بـ (تسمع) ،
(عليهم) متعلّق بمحذوف مفعول به ثان
(الفاء) عاطفة لربط المسبّب بالسببـ (أنّى) اسم استفهام في محلّ نصب ظرف مكان متعلّق بحال من الواو في(يؤفكون) . وجملة: «رأيتهم ... » في محلّ جرّ مضاف إليه. وجملة: «تعجبك أجسامهم ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم. وجملة: «يقولوا ... » لا محلّ لها معطوفة على استئنافيّة من الشرط وفعله وجوابه. وجملة: «تسمع ... » لا محلّ لها جواب الشرط غير مقترنة بالفاء. وجملة: «كأنّهم خشب ... » لا محلّ لها استئنافيّة . وجملة: «يحسبون ... » لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة: «هم العدوّ ... » لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة: «احذرهم» لا محلّ لها معطوفة على استئناف مقدّر أي تنبه لهذا فاحذرهم. وجملة: «قاتلهم اللَّه» لا محلّ لها استئنافيّة دعائيّة. وجملة: «يؤفكون» لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
- القرآن الكريم - المنافقون٦٣ :٤
Al-Munafiqun63:4