الرسم العثمانيوَإِنَّكَ لَعَلٰى خُلُقٍ عَظِيمٍ
الـرسـم الإمـلائـيوَاِنَّكَ لَعَلٰى خُلُقٍ عَظِيۡمٍ
تفسير ميسر:
(ن) سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة. أقسم الله بالقلم الذي يكتب به الملائكة والناس، وبما يكتبون من الخير والنفع والعلوم. ما أنت -أيها الرسول- بسبب نعمة الله عليك بالنبوة والرسالة بضعيف العقل، ولا سفيه الرأي، وإن لك على ما تلقاه من شدائد على تبليغ الرسالة لَثوابًا عظيمًا غير منقوص ولا مقطوع، وإنك -أيها الرسول- لعلى خلق عظيم، وهو ما اشتمل عليه القرآن من مكارم الأخلاق؛ فقد كان امتثال القرآن سجية له يأتمر بأمره، وينتهي عما ينهى عنه.
وقوله تعالى "وإنك لعلى خلق عظيم" قال العوفي عن ابن عباس وإنك لعلى دين عظيم وهو الإسلام وكذلك قال مجاهد وأبو مالك والسدي والربيع بن أنس وكذا قال الضحاك وابن زيد. وقال عطية لعلى أدب عظيم وقال معمر عن قتادة سئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت; كان خلقه القرآن تقول كما هو في القرآن.وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قوله "وإنك لعلى خلق عظيم" ذكر لنا أن سعيد بن هشام سأل عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ألست تقرأ القرآن؟ قال بلى قالت فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن. وقال عبدالرزاق عن معمر عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام قال سألت عائشة فقلت أخبريني يا أم المؤمنين عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت أتقرأ القرآن؟ فقلت نعم فقالت كان خلقه القرآن هذا مختصر من حديث طويل وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث قتادة بطوله وسيأتي في سورة المزمل إن شاء الله تعالى وبه الثقة. وقال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا يونس عن الحسن قال سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن. وقال الإمام أحمد حدثنا أسود حدثنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواد قال سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت أما تقرأ القرآن؟ "وإنك لعلى خلق عظيم" قال; قلت حدثيني عن ذاك قالت صنعت له طعاما وصنعت له حفصة طعاما فقالت لجاريتي اذهبي فإن جاءت هي بالطعام فوضعته قبل فاطرحي الطعام قالت; فجاءت بالطعام قالت فألقت الجارية فوقعت القصعة فانكسرت وكان نطع قالت فجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال "اقتصوا - أو اقتضى شك أسود - ظرفا مكان ظرفك" قالت فما قال شيئا. وقال ابن جرير حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس حدثنا أبي حدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن عن سعد بن هشام قال أتيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقلت لها أخبريني بخلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت; كان خلقه القرآن أما تقرأ "وإنك لعل خلق عظيم" وقد روى أبو داود والنسائي من حديث الحسن نحوه وقال ابن جرير حدثني يونس أنبأنا ابن وهب أخبرني معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير قال حججت فدخلت على عائشة رضي الله عنها فسألتها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن وهكذا رواه أحمد عن عبدالرحمن بن مهدي. رواه النسائي في التفسير عن إسحاق بن منصور عن عبدالرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح به. ومعنى هذا أنه عليه الصلاة والسلام صار امتثال القرآن أمرا ونهيا سجية له وخلقا تطبعه وترك طبعه الجبلي فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خلق جميل كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال; خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف قط ولا قال لشيء فعلته لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله ألا فعلته وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا ولا مسست خزا ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال البخاري حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا إبراهيم بن يونس عن أبيه عن أبي إسحاق قال سمعت البراء يقول; كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسن الناس خلقا ليس بالطويل ولا بالقصير. والأحاديث في هذا كثيرة ولأبي عيسى الترمذي في هذا كتاب الشمائل قال الإمام أحمد حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت; ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادما له قط ولا ضرب امرأة ولا ضرب بيده شيء قط إلا أن يجاهد في سبيل الله ولا خير بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثما فإذا كان إثما كان أبعد الناس من الإثم ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات الله فيكون هو ينتقم لله عز وجل. وقال الإمام أحمد حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" تفرد به.
قوله تعالى ; وإنك لعلى خلق عظيم فيه مسألتان ;الأولى ; قوله تعالى ; وإنك لعلى خلق عظيم قال ابن عباس ومجاهد ; " على خلق " ; على دين عظيم من الأديان ، ليس دين أحب إلى الله تعالى ولا أرضى عنده منه . وفي صحيح مسلم عن عائشة أن خلقه كان القرآن . وقال علي رضي الله عنه وعطية ; هو أدب القرآن . وقيل ; هو رفقه بأمته وإكرامه إياهم . وقال قتادة ; هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه مما نهى الله عنه . وقيل ; أي إنك على طبع كريم . الماوردي ; وهو الظاهر . وحقيقة الخلق في اللغة ; هو ما يأخذ به الإنسان نفسه من الأدب يسمى خلقا ; لأنه يصير كالخلقة فيه . وأما ما طبع عليه من الأدب فهو الخيم ( بالكسر ) ; السجية والطبيعة ، لا واحد له من لفظه . وخيم ; اسم جبل . فيكون الخلق الطبع المتكلف . والخيم الطبع الغريزي . وقد أوضح الأعشى ذلك في شعره فقال ;وإذا ذو الفضول ضن على المو لى وعادت لخيمها الأخلاقأي رجعت الأخلاق إلى طبائعها .قلت ; ما ذكرته عن عائشة في صحيح مسلم أصح الأقوال . وسئلت أيضا عن خلقه عليه السلام ; فقرأت قد أفلح المؤمنون إلى عشر آيات ، وقالت ; ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما دعاه أحد من الصحابة ولا من أهل بيته إلا قال لبيك ، ولذلك قال الله تعالى ; وإنك لعلى خلق عظيم . ولم يذكر خلق محمود إلا وكان للنبي صلى الله عليه وسلم منه الحظ الأوفر .وقال الجنيد ; سمي خلقه عظيما لأنه لم تكن له همة سوى الله تعالى . وقيل ; سمي خلقه عظيما [ ص; 211 ] لاجتماع مكارم الأخلاق فيه ; يدل عليه قوله عليه السلام ; " إن الله بعثني لأتم مكارم الأخلاق " . وقيل ; لأنه امتثل تأديب الله تعالى إياه بقوله تعالى ; خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين . وقد روي عنه عليه السلام أنه قال ; " أدبني ربي تأديبا حسنا إذ قال ; خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين فلما قبلت ذلك منه قال ; إنك لعلى خلق عظيم " .الثانية ; روى الترمذي عن أبي ذر قال ; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; " اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " . قال ; حديث حسن صحيح . وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ; " ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ، وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء " . قال ; حديث حسن صحيح . وعنه قال ; سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ; " ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق ، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصلاة والصوم " . قال ; حديث غريب من هذا الوجه . وعن أبي هريرة قال ; سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ فقال ; " تقوى الله وحسن الخلق " . وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار ؟ فقال ; " الفم والفرج " قال ; هذا حديث صحيح غريب . وعن عبد الله بن المبارك أنه وصف حسن الخلق فقال ; هو بسط الوجه ، وبذل المعروف ، وكف الأذى . وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ; " إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا - قال - وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون . قالوا ; يا رسول الله ، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون ، فما [ ص; 212 ] المتفيهقون ؟ قال ; المتكبرون " . قال ; وفي الباب عن أبي هريرة وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)يقول تعالى ذكر لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ; وإنك يا محمد لعلى أدب عظيم، وذلك أدب القرآن الذي أدّبه الله به، وهو الإسلام وشرائعه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك.حدثني على قال ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله; (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) يقول; دين عظيم.حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن بن عباس، قوله; (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) يقول; إنك على دين عظيم، وهو الإسلام.حدثني محمد بن عمرو، قال. ثنا أبو عاصم قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال ثنا الحسن. قال. ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله; (خُلُقٍ عَظِيمٍ ) قال; الدين.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال; ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال; سألتُ عائشة عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت; كان خلقه القرآن، تقول; كما هو في القرآن.حدثنا بشر، قال. ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله; (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ذُكر لنا أن سعيد بن هشام سأل عائشة عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت; ألست تقرأ القرآن؟ قال; قلت; بلى، قالت; فإن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن.حدثنا عُبيد بن آدم بن أبي إياس، قال; ثني أبي، قال; ثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، عن سعيد بن هشام، قال; أتيت عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها، فقلت; أخبريني عن خُلُق رسول الله، فقالت; كان خلقه القرآن، أما تقرأ; (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ).أخبرنا يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; أخبرني معاوية بن صالح، عن أبى الزهرية، عن جُبير بن نُفَير قال; حججبت فدخلت على عائشة، فسألتها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت; كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن.حدثنا عبيد بن أسباط، قال; ثني أبي، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، في قوله; (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) قال; أدب القرآن.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله; (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) قال; على دين عظيم.حُدثت عن الحسين، قال; سمعت أبا معاذ يقول; ثنا عبيد، قال; سمعت الضحاك يقول، في قوله; (لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) يعني دينه، وأمره الذي كان عليه، مما أمره الله به، ووكله إليه.
{ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } أي: عاليًا به، مستعليًا بخلقك الذي من الله عليك به، وحاصل خلقه العظيم، ما فسرته به أم المؤمنين، [عائشة -رضي الله عنها-] لمن سألها عنه، فقالت: \"كان خلقه القرآن\"، وذلك نحو قوله تعالى له: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ } [الآية]، { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيُصُ عَلَيْكُم بِالمْؤُمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } وما أشبه ذلك من الآيات الدالات على اتصافه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، [والآيات] الحاثات على الخلق العظيم فكان له منها أكملها وأجلها، وهو في كل خصلة منها، في الذروة العليا، فكان صلى الله عليه وسلم سهلًا لينا، قريبًا من الناس، مجيبًا لدعوة من دعاه، قاضيًا لحاجة من استقضاه، جابرًا لقلب من سأله، لا يحرمه، ولا يرده خائبًا، وإذا أراد أصحابه منه أمرًا وافقهم عليه، وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور، وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم، وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشر جليسًا له إلا أتم عشرة وأحسنها، فكان لا يعبس في وجهه، ولا يغلظ عليه في مقاله، ولا يطوي عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة، بل يحسن إلي عشيره غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال صلى الله عليه وسلم.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة
- القرآن الكريم - القلم٦٨ :٤
Al-Qalam68:4