الرسم العثمانيوَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسٰى مِنۢ بَعْدِهِۦ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُۥ خُوَارٌ ۚ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُۥ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ۘ اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظٰلِمِينَ
الـرسـم الإمـلائـيوَاتَّخَذَ قَوۡمُ مُوۡسٰى مِنۡۢ بَعۡدِهٖ مِنۡ حُلِيِّهِمۡ عِجۡلًا جَسَدًا لَّهٗ خُوَارٌ ؕ اَلَمۡ يَرَوۡا اَنَّهٗ لَا يُكَلِّمُهُمۡ وَلَا يَهۡدِيۡهِمۡ سَبِيۡلًا ۘ اِتَّخَذُوۡهُ وَكَانُوۡا ظٰلِمِيۡنَ
تفسير ميسر:
واتخذ قوم موسى من بعد ما فارقهم ماضيًا لمناجاة ربه معبودًا مِن ذهبهم عِجلا جسدًا بلا روح، له صوت، ألم يعلموا أنه لا يكلمهم، ولا يرشدهم إلى خير؟ أَقْدَمُوا على ما أقدموا عليه من هذا الأمر الشنيع، وكانوا ظالمين لأنفسهم واضعين الشيء في غير موضعه.
يخبر تعالى عن ضلال من ضل من بني إسرائيل في عبادتهم العجل الذي اتخذه لهم السامري من حلي القبط الذي كانوا استعاروه منهم فشكل لهم منه عجلا ثم ألقى فيه القبضة من التراب التي أخذها من أثر فرس جبريل عليه السلام فصام فصار عجلا جسدا له خوار والخوار صوت البقر وكان هذا منهم بعد ذهاب موسى لميقات الله تعالى فأعلمه الله تعالى بذلك وهو على الطور حيث يقول تعالى إخبارا عن نفسه الكريمة قال "فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري" وقد اختلف المفسرون في هذا العجل هل صار لحما ودما له خوار أو استمر على كونه من ذهب إلا أنه يدخل فيه الهواء فيصوت كالبقر على قولين والله أعلم ويقال إنهم لما صوت لهم العجل رقصوا حوله وافتنوا به وقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي قال الله تعالى "أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا "وقال في هذه الآية الكريمة "ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا" ينكر تعالى عليهم في ضلالهم بالعجل وذهولهم عن خالق السموات والأرض ورب كل شيء ومليكه أن عبدوا معه عجلا جسدا له خوار لا يكلمهم ولا يرشدهم إلى خير ولكن غطى على أعين بصائرهم عمى الجهل والضلال كما تقدم من رواية الإمام أحمد وأبو داود عن أبي الدرداء قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "حبك الشيء يعمي ويصم".
قوله تعالى واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمينقوله تعالى واتخذ قوم موسى من بعده أي من بعد خروجه إلى الطور من حليهم هذه قراءة أهل المدينة وأهل البصرة . وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما ( من حليهم ) بكسر الحاء . وقرأ يعقوب ( من حليهم ) بفتح الحاء والتخفيف . قال النحاس ; جمع حلي حلي وحلي ; مثل ثدي وثدي وثدي . والأصل " حلوي " ثم أدغمت الواو في الياء فانكسرت اللام لمجاورتها الياء ، وتكسر الحاء لكسرة اللام . وضمها على الأصل .عجلا مفعول جسدا نعت أو بدل له خوار رفع بالابتداء . يقال ; خار يخور خوارا إذا صاح . وكذلك جأر يجأر جؤارا . ويقال ; خور يخور خورا إذا جبن وضعف . وروي في قصص العجل ; أن السامري ، واسمه موسى بن ظفر ، ينسب إلى قرية تدعى سامرة . ولد عام قتل الأبناء ، وأخفته أمه في كهف جبل فغذاه جبريل فعرفه لذلك ; فأخذ - حين عبر البحر على فرس وديق ليتقدم فرعون في البحر - قبضة من أثر حافر الفرس . وهو معنى قوله ; فقبضت قبضة من أثر الرسول . وكان موسى وعد قومه ثلاثين يوما ، فلما أبطأ في العشر الزائد ومضت ثلاثون ليلة قال لبني إسرائيل وكان مطاعا فيهم ; إن معكم حليا من حلي آل فرعون ، وكان لهم عيد يتزينون فيه ويستعيرون من القبط الحلي فاستعاروا لذلك اليوم ; فلما أخرجهم الله من مصر وغرق القبط بقي ذلك الحلي في أيديهم ، فقال لهم السامري ; إنه حرام عليكم ، فهاتوا ما عندكم فنحرقه . وقيل ; هذا الحلي ما أخذه بنو إسرائيل من قوم فرعون بعد الغرق ، وأن هارون قال لهم ; إن الحلي غنيمة ، وهي لا تحل لكم ; فجمعها في حفرة حفرها فأخذها السامري . [ ص; 256 ] وقيل ; استعاروا الحلي ليلة أرادوا الخروج من مصر ، وأوهموا القبط أن لهم عرسا أو مجتمعا ، وكان السامري سمع قولهم اجعل لنا إلها كما لهم آلهة . وكانت تلك الآلهة على مثال البقر ; فصاغ لهم عجلا جسدا ، أي مصمتا ; غير أنهم كانوا يسمعون منه خوارا . وقيل ; قلبه الله لحما ودما . وقيل ; إنه لما ألقى تلك القبضة من التراب في النار على الحلي صار عجلا له خوار ; فخار خورة واحدة ولم يثن ثم قال للقوم ; هذا إلهكم وإله موسى فنسي . يقول ; نسيه ههنا وذهب يطلبه فضل عنه - فتعالوا نعبد هذا العجل . فقال الله لموسى وهو يناجيه ; فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري . فقال موسى ; يا رب ، هذا السامري أخرج لهم عجلا من حليهم ، فمن جعل له جسدا - يريد اللحم والدم - ومن جعل له خوارا ؟ فقال الله سبحانه ; أنا ، فقال ; وعزتك وجلالك ما أضلهم غيرك . قال صدقت يا حكيم الحكماء . وهو معنى قوله ; إن هي إلا فتنتك . وقال القفال ; كان السامري احتال بأن جوف العجل ، وكان قابل به الريح ، حتى جاء من ذلك ما يحاكي الخوار ، وأوهمهم أن ذلك إنما صار كذلك لما طرح في الجسد من التراب الذي كان أخذه من تراب قوائم فرس جبريل . وهذا كلام فيه تهافت ; قاله القشيري .ألم يروا أنه لا يكلمهم بين أن المعبود يجب أن يتصف بالكلام . ولا يهديهم سبيلا أي طريقا إلى حجة .اتخذوه أي إلها وكانوا ظالمين أي لأنفسهم فيما فعلوا من اتخاذه . وقيل ; وصاروا ظالمين أي مشركين لجعلهم العجل إلها .
القول في تأويل قوله ; وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148)قال أبو جعفر; يقول تعالى ذكره; واتخذ بنو إسرائيل قومُ موسى، من بعد ما فارقهم موسى ماضيًا إلى ربه لمناجاته، ووفاءً للوعد الذي كان ربه وعده = " من حليهم عجلا ", وهو ولد البقرة, فعبدوه. (30) ثم بين تعالى ذكره ما ذلك العجل فقال; " جسدًا له خوار "= و " الخوار "; صوت البقر = يخبر جل ذكره عنهم أنهم ضلوا بما لا يضل بمثله أهل العقل. وذلك أن الرب جلّ جلاله الذي له ملك السماوات والأرض، ومدبر ذلك, لا يجوز أن يكون جسدًا له خوار, لا يكلم أحدًا ولا يرشد إلى خير. وقال هؤلاء الذين قص الله قصَصهم لذلك; " هذا إلهنا وإله موسى ", فعكفوا عليه يعبدونه، جهلا منهم، وذهابًا عن الله وضلالا.* * *وقد بينا سبب عبادتهم إياه، وكيف كان اتخاذ من اتخذ منهم العجل، فيما مضى بما أغنى عن إعادته. (31)* * *وفي " الحلي" لغتان; ضم " الحاء " وهو الأصل = وكسرها, وكذلك ذلك في كل ما شاكله من مثل " صلى " و " جثّي" و " عتّي"، وبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب, لاستفاضة القراءة بهما في القراءة, ولا تفاق معنييهما. (32)* * *وقوله; " ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا "، يقول; ألم ير الذين عكفوا على العجل الذي اتخذوه من حليهم يعبدونه، أن العجل لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا؟ يقول; ولا يرشدهم إلى طريق؟ (33) وليس ذلك من صفة ربهم الذي له العبادة حقًا, بل صفته أنه يكلم أنبياءه ورسله, ويرشد خلقه إلى سبيل الخير، وينهاهم عن سبيل المهالك والردى. يقول الله جل ثناؤه; " اتخذوه "، أي; اتخذوا العجل إلهًا، وكانوا باتخاذهم إياه ربًّا معبودًا ظالمين لأنفسهم, لعبادتهم غير من له العبادة, وإضافتهم الألوهة إلى غير الذي له الألوهة.* * *وقد بينا معنى " الظلم " فيما مضى بما أغنى عن إعادته. (34)--------------------الهوامش ;(30) (1) مضى ذكر (( العجل )) فيما سلف 2 ; 63 ، 72 ، 354 ، 357 / 9 ; 356 ، ولم يفسره إلا في هذا الموضع .(31) (2) انظر ما سلف 2 ; 63 - 68 / ثم ص ; 74 - 78 .(32) (3) في المطبوعة ; (( لا تفارق بين معنييهما )) ، غير ما في المخطوطة ، فأفسد الكلام ومسخه . والصواب ما في المخطوطة ، ولكنى زدت الواو ، لأنها حق الكلام .(33) (1) انظر تفسير (( سبيل )) فيما سلف من فهارس اللغة ( سبل ) .(34) (2) انظر تفسير (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة ( ظلم ) .
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَدًا صاغه السامري وألقى عليه قبضة من أثر الرسول فصار لَهُ خُوَارٌ وصوت، فعبدوه واتخذوه إلها. وقال هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فنسي موسى، وذهب يطلبه، وهذا من سفههم، وقلة بصيرتهم، كيف اشتبه عليهم رب الأرض والسماوات، بعجل من أنقص المخلوقات؟\" ولهذا قال مبينا أنه ليس فيه من الصفات الذاتية ولا الفعلية، ما يوجب أن يكون إلها أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ أي: وعدم الكلام نقص عظيم، فهم أكمل حالة من هذا الحيوان أو الجماد، الذي لا يتكلم وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلا أي: لا يدلهم طريقا دينيا، ولا يحصل لهم مصلحة دنيوية، لأن من المتقرر في العقول والفطر، أن اتخاذ إله لا يتكلم ولا ينفع ولا يضر من أبطل الباطل، وأسمج السفه، ولهذا قال: اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ حيث وضعوا العبادة في غير موضعها، وأشركوا باللّه ما لم ينـزل به سلطانا، وفيها دليل على أن من أنكر كلام اللّه، فقد أنكر خصائص إلهية اللّه تعالى، لأن اللّه ذكر أن عدم الكلام دليل على عدم صلاحية الذي لا يتكلم للإلهية.
(الواو) استئنافيّة
(اتّخذ) فعل ماض
(قوم) فاعل مرفوع
(موسى) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة المقدّرة على الألف للتعذّر، وهو ممنوع من الصرف
(من بعد) جارّ ومجرور متعلّق بـ (اتّخذ) ، و (الهاء) ضمير مضاف إليه
(من حليّ) جارّ ومجرور متعلّق بحال من(عجلا) ، و (هم) ضمير مضاف إليه
(عجلا) مفعول به أوّل منصوبـ (جسدا) نعت لـ (عجلا) بمعنى مجسّد، منصوب ،
(اللام) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخبر مقدّم
(خوار) مبتدأ مؤخّر مرفوع.
(الهمزة) للاستفهام الإنكاريّ
(لم) حرف نفي وقلب وجزم
(يروا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون.. والواو فاعلـ (أنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- و (الهاء) ضمير في محل نصب اسم أنّ
(لا) حرف نفي(يكلّم) مضارع مرفوع و (هم) ضمير مفعول به والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (الواو) عاطفة
(لا يهديهم) مثل لا يكلّمهم
(سبيلا) مفعول به ثان منصوب.
والمصدر المؤوّلـ (أنّه لا يكلّمهم) في محلّ نصب سدّ مسدّ مفعولي يروا.. أو المفعول الواحد.
(اتّخذوا) مثل الاول والواو فاعل و (الهاء) ضمير مفعول به أوّل، والمفعول الثاني محذوف تقديره إلها
(الواو) عاطفة
(كانوا ظالمين) مثل كانوا غافلين .
جملة: «اتّخذ قوم ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «له خوار» في محلّ نصب نعت لـ (عجلا) .
وجملة: «يروا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «لا يكلّمهم» في محلّ رفع خبر أنّ.وجملة: «لا يهديهم ... » في محلّ رفع معطوفة على جملة لا يكلّمهم.
وجملة: «اتّخذوه ... » لا محلّ لها استئنافيّة لتأكيد الأولى.
وجملة: «كانوا ظالمين» لا محلّ لها معطوفة على جملة اتخذوه.
- القرآن الكريم - الأعراف٧ :١٤٨
Al-A'raf7:148